كان ظهيرة يوم الإثنين عام 1965 عندما أعلن رئيس وزراء سنغافورة السابق “لي كوان يو” انفصال دولته الصغيرة الفقيرة عن ماليزيا، وكان هذا الإعلان بمثابة صفعة للشعب السنغافوري الذي شاهد رئيس بلاده يبكي أثناء إعلانه استقلال سنغافورة بشكل كامل عن ماليزيا قائلًا “ستصبح سنغافورة دولة مستقلة وديمقراطية ذات سيادة قائمة على مبادئ الحرية والعدالة، وتسعى دومًا لخير شعبها وسعادته، في مجتمع أكثر عدالة ومساواة”.
وبعد أن حققت سنغافورة هذه المبادئ ونجحت بالتخلص من كل مظاهرالتخلف خلال خمسين عام لتؤكد قوة أهدافها، عادت يوم الأربعاء الماضي من جديد لتؤكد بالفعل على محافظتها على قيم ومبادئ جديدة، وذلك عندما أعلنت أن “حليمة يعقوب”، رئيسة البرلمان سابقًا، أول امرأة رئيسة للبلاد، إذ أنها كانت المرشح الوحيد لهذا المنصب. بالرغم من أن مواطنو سنغافورة استعدوا للتصويت في الانتخابات في 23 من شهر إيلول، لكنه تم إلغاء التصويت بسبب وجود مرشح واحد مؤهل فقط لهذا المكان.
تحاول سنغافورة إرساء مبادئ تشاركية، إذ قررت الدولة أن يكون منصب الرئاسة محجوز للمرشحين من أقلية الملايو المسلمة هذه المرة. مع العلم أنها ليست المرة الأولى التي يشغل فيها شخص من عرقية الملايو هذا المنصب، ففي الفترة من 1965 إلى 1970 احتل يوسف بن إسحاق منصب أول رئيس لسنغافورة بعد استقلالها، والذي كان صوتًا بارزًا للقومية الملايوية عندما كان صحافيًا بجريدة “الرسول الملايوية” في فترة الثلاثينيات قبل الاستقلال.
من هي حليمة يعقوب؟
سياسية سنغافورية ولدت في 23 أغسطس 1954 وعمرها 63 عام. تعتبر يعقوب من أصول هندية من ناحية الأب وملايوية من ناحية الأم. وهي مسلمة محجبة ومتزوجة من رجل الأعمال محمد عبد الله الحبشي وهو عربي يمني الأصل.
درست يعقوب في مدرسة سنغافورة الصينية ومدرسة تاتجونج كاتونج ثم التحقت بجامعة سنغافورة، حيث حصلت على شهادة في مجال الحقوق مع مرتبة الشرف في عام 1978. هذا وأكملت مشوارها العلمي لتحصل على الماجستير في نفس التخصص القانوني من جامعة سنغافورة الوطنية، وفي عام 2016 استطاعت الحصول على الدكتوراه الفخرية في الحقوق والقانون.
الدستور السنغافوري يشترط على أن يكون المرشحون قد شغلوا مناصب في المجال السياسي لمدة لا تقل عن 3 سنوات.
كانت يعقوب عضوًا في حزب العمل الشعبي منذ عام 2001، كما أنها عملت كمتحدث تاسع في البرلمان السنغافوري منذ عام 2013، إضافة إلى عملها كعضو في البرلمان عن دائرة مجموعة يورونج في الفترة 2001 حتى 2015، وبعد هذه الإنجازات العديدة في الحياة السياسية استقالت يعقوب من هذه المناصب لتترشح بشكل منفرد لمنصب الرئاسة في سنغافورة لعام 2017، وتفوز بهذا المنصب بدون منافسة. فالدستور السنغافوري يشترط على أن يكون المرشحون قد شغلوا مناصب في المجال السياسي أو في القيادات المرتبط بالعمل الحكومي لمدة لا تقل عن 3 سنوات.
علمًا أن الرئاسة في سنغافورة هو منصب رمزي شرفي ومماثل إلى حد كبير إلى ملكة المملكة المتحدة. فبعد التعديلات الدستورية في عام 1991 أُعطي الرئيس صلاحيات معينة على حد الإنفاق الحكومي من الاحتياطات المالية والتعيينات في الوظائف الحكومية الرئيسية، ولا يملك أيًا من السلطات التنفيذية لرئيس الوزراء أو أعضاء الحكومة، وذلك بهدف ضبط قضايا الفساد والاحتيال.
تجربة تعددية
دولة سنغافورة، التي يصل تعداد سكانها إلى خمسة ملايين وتعتبر خليط من الأجناس والثقافات المختلفة، قررت أن يكون منصب الرئاسة هذه المرة من نصيب الملايوية بهدف تعزيز القيم العامة في البلاد والتي تنص على احترام التعدد العرفي والديني والثقافي، وتنصيب يعقوب رئيسة للبلاد نموذجًا مثاليًا عن الثقافة السنغافورية، فمعظم سكان سنغافورة هم من المهاجرين، إذ يمثل الصينيون أكثر من 75% من السكان، أما الماليزيون فيمثلون حوالي 15% والهنود 7%، أما الباقون فهم من أصول أوروبية آسيوية وأوراسية. وفي محاولة لعدم الوقوع في مشكلة التمييز بين هذه الأعراق المختلفة أعلنت الحكومة السنغافورية أن اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية في البلاد.
أما بالنسبة إلى الانفتاح الديني في البلاد، فإن المزيج المتنوع من الشعوب الموجودة في سنغافورة اتضح في قرار الحكومة التي أعلنت فوز يعقوب بهذا المنصب الشرفي. وتنتمي يعقوب إلى الأقلية المسلمة التي تشكل 14.7% من مجموع السكان، وباقي المعتقدات الدينية مثل البوذية تمثل 33.3% والبروتستانت 11.3% والكاثوليكية 7.1% والهندوسية 5.1% واللادينيون 17%.
لقد احتلت سنغافورة المرتبة الأولى في العالم في البنية التحتية للتكنولوجيا والمرتبة الثالثة في الناتج المحلي الإجمالي للفرد والخامسة في مؤشر التنمية البشرية
وكما حافظت السلطات المسؤولة في سنغافورة على صورة الديمقراطية العامة للبلاد من خلال العدل بين مواطنيها، لا يمكن إهمال التفوق الاقتصادي الذي تميزت به سنغافورة بعد سنوات من العيش في قاع الفقر. وهذه حقيقة حيث أفادت وكالة الاستخبارات المركزية أن 70% من مواطني سنغافورة كانوا يعيشون في مناطق غير صالحة للعيش وكان معدل البطالة يصل إلى 14%.
خلال خمسين عام، أصبحت سنغافورة تمتلك أسرع الاقتصادات نموًا في العالم، وارتفع الناتج المحلي الإجمالي للفرد من 320 دولار إلى 60 ألف دولار، أما ببن عامي 2000 و2010 فقد كان الفرق جوهريًا وارتفع من 163 مليار دولار سنغافوري إلى 304 مليار دولار سنغافوري مع انخفاض معدل البطالة الذي وصل إلى 2% فقط.
بالنسبة إلى المؤشرات العالمية، فلقد احتلت سنغافورة المرتبة الأولى في العالم في البنية التحتية للتكنولوجيا والمرتبة الثالثة في الناتج المحلي الإجمالي للفرد والخامسة في مؤشر التنمية البشرية وتعتبر أهم ثالث مركز مالي في العالم بعد سويسرا وقبل ألمانيا وبريطانيا وهولندا.
جدل واسع في البلاد
Here’s to progress #PE2017 pic.twitter.com/yf0BoXD9FV
— mooroo (@mooroomania) September 12, 2017
انعدام المنافسة في الانتخابات أدى إلى إثارة جدل على مواقع التواصل الاجتماعي حول عدم تأهل أي مرشح آخر، واتهام هذا الفوز بالفقر الديمقراطي بسبب تعيينها بدلًا من انتخابها. وهذا بحسب ما قالته مراسلة بي بي سي في سنغافورة.
أما جمعية “المرأة للعمل” في سنغافورة قالت إنها كانت تأمل ببذل مزيد من الجهود لتحسين فرص كل نساء سنغافورة في المشاركة والأبحاث السياسية وتابعت أن “هذه الإجراءات لم تعكس آمالنا في وصول يعقوب للرئاسة بهذه الطريقة”.
ونتيجة لهذا علقت يعقوب على هذه الانتقادات قائلة “في حال وجود انتخابات أو غيابها، أعد أن أخدم الجميع، وأن أؤدي عملي بكثير من الحماس والعمل الجاد وبذات الشغف والالتزام. أنا رئيسة للجميع بغض النظر عن الدين أو العرق أو اللغة أو اللون أو العقيدة”. ومن المتوقع أن تقوم يعقوب بالقسم يوم الخميس وأن تحكم البلاد للسنوات الست القادمة.