ترجمة وتحرير: نون بوست
قدم لنا الأسبوع الماضي درسًا موضوعيًا حول كيفية عمل الدعاية. تبرز هنا ثلاثة أشكال من التغطية المضللة المؤيدة للحروب الأمريكية الإسرائيلية التي تتكشف في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، وتتعلق بوسائل الإعلام الأمريكية مثل شبكة “سي إن إن”، التي تقول إنها تصل إلى 80 مليون أسرة أمريكية، واثنتين من أكثر الصحف انتشارا في البلاد، وهما صحيفة نيويورك تايمز وصحيفة وول ستريت جورنال.
تعد فلسطين نقطة ارتكاز الحروب الأمريكية الإسرائيلية في اليمن وسوريا والعراق ولبنان. يكشف تقرير لصحيفة الغارديان هذا الأسبوع من كريس ماكغريل أن شبكة “سي إن إن” شوهت بشكل منهجي تغطيتها للقضية الفلسطينية-الإسرائيلية منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر عندما اندلعت الحرب في غزة.
يستند المقال إلى روايات ستة من موظفين من “سي إن إن” في العديد من غرف الأخبار وأكثر من 12 مذكرة داخلية ورسائل بريد إلكتروني حصلت عليها صحيفة الغارديان. ويعكس المقال أن كبار المسؤولين في المنفذ يسعون إلى ممارسة أقصى قدر من السيطرة على المراسلين لتشكيل التغطية بحيث تتماشى مع التفضيلات السياسية لقيادة الشبكة. فعلى سبيل المثال، أفاد ماكغريل بأن شبكة “سي إن إن” تحد من المساحة المخصصة لوجهات النظر الفلسطينية بينما تسمح بشكل روتيني ببث ادعاءات المسؤولين الإسرائيليين دون معارضة.
فعلى سبيل المثال، دفع هذا الاتجاه الشبكة إلى تقديم قصة كاذبة مفادها أن حماس قطعت رؤوس 40 طفلاً إسرائيليًا كما لو كانت حقيقية. وظلت القصة حية حتى بعد اعتراف إدارة بايدن بأن الرئيس لم ير، كما ادعى سابقًا، دليلاً غير موجود على عمليات قطع الرأس. علاوة على ذلك، يجب أن تحصل تغطية “سي إن إن” لفلسطين على موافقة مكتبها في القدس، وهو ما يقول موظفو “سي إن إن” إنه تسبب في تحريف التقارير لصالح “إسرائيل”.
يشير العاملون في شبكة “سي إن إن” إلى أن سياساتها، لاسيما في المراحل الأولى من الهجوم الإسرائيلي، أدت إلى “تركيز أكبر على المعاناة الإسرائيلية والرواية الإسرائيلية عن الحرب باعتبارها مطاردة لحماس وأنفاقها، والتركيز غير الكافي على حجم القتلى المدنيين الفلسطينيين والدمار في غزة”.
وبالمثل، فإن تحليلي لتغطية شبكة “سي إن إن” للحرب الإسرائيلية على غزة يكشف عن ندرة القصص التي تضع أحداث السابع تشرين الأول/ أكتوبر في سياقها أو تركز على المعاناة الفلسطينية التاريخية والمستمرة. وقد استمر هذا على الرغم من الخسائر البشرية الفادحة التي لحقت بالمدنيين على الجانب الفلسطيني والكارثة الإنسانية التي تحدث في غزة.
وحقيقة أن “إسرائيل” استعمرت الفلسطينيين واضطهدتهم منذ فترة طويلة، وأنها تشن حرب إبادة ضد جميع جوانب الحياة الفلسطينية، هي معلومات ذات صلة حذفتها شبكة “سي إن إن” من الغالبية العظمى من تقاريرها. ونظرا للفشل وسائل الإعلام الأمريكية واسع النطاق في تغطية فلسطين بدقة، يشك المرء في أن عملية مماثلة لتلك السائدة في شبكة “سي إن إن” تُطبّق في مؤسسات إخبارية أخرى.
تجريد الخصم من إنسانيته
يرتكز أحدث تقرير من كاتب العمود في صحيفة نيويورك تايمز توماس فريدمان بعنوان “فهم الشرق الأوسط من خلال مملكة الحيوان” على تصور المستشرقين بأن المنطقة عبارة عن “غابة” تسكنها الوحوش وليس البشر. ويعلن المؤلف أن “الولايات المتحدة مثل الأسد العجوز. ما زل ملك الشرق الأوسط”.
ويعد الوصف مكملا تمامًا للأمريكيين: فالأسود مخلوقات نبيلة وشجاعة وجميلة. في المقابل، يرى فريدمان أن الإيرانيين وحلفاءهم هم حشرات متطفلة: “إن إيران بالنسبة للمشهد الجيوسياسي بمثابة نوع من الدبابير المتطفلة المكتشفة حديثًا بالنسبة للطبيعة. ماذا يفعل هذا الدبور المتطفّل؟ وفقا لمجلة ساينس ديلي، فإن الدبور “حقن بيضه في يرقات حية، وتتغذى يرقات الدبور الصغيرة على اليرقات المضيفة ببطء من الداخل الى الخارج، وتنفجر بمجرد أن تأكل حتى شبعها”.
هل هناك وصف أفضل للبنان واليمن وسوريا والعراق اليوم؟ هم اليرقات. ويعتبر الحرس الثوري الإسلامي هو الدبور. ويمثل الحوثيون وحزب الله وحماس وكتائب حزب الله البيض الذي يفقس داخل المضيف – لبنان واليمن وسوريا والعراق – ويأكله من الداخل إلى الخارج. ليس لدينا استراتيجية مضادة تقتل الدبور بأمان وكفاءة دون إشعال النار في الغابة بأكملها. وتعتبر حماس مثل عنكبوت باب المصيدة.
هذا هو خطاب الإبادة – فما الذي يفعله المرء، بعد كل شيء، عند اكتشاف غزو الحشرات؟ إن قيام صحيفة التايمز بنشر مقال يتمنى صراحةً أن يتم “قتل إيران بأمان وكفاءة” يكشف عن الإفلاس الأخلاقي للصحيفة. من جانبه، يُشبّه نتنياهو بالليمور – سواء كان هذا تشبيهًا طريفا أم لا، فهو أمر قابل للنقاش، لكنه يتفوّق على وصف الحشرة الطفيلية.
بغض النظر عن أن هناك، بالطبع، “أوصافًا أفضل” للبنان واليمن وسوريا والعراق اليوم من “اليرقات” (كم هو مذهل أن نضطر إلى كتابة مثل هذه الجملة! عوضا عن “مجتمعات غنية ومتنوعة”) دعونا نتظاهر للحظة بأن ادعاءات فريدمان تستحق أن تؤخذ على محمل الجد (بينما هو لا يستحق ذلك).
إن الادعاء بأن هذه الأمم، أو فلسطين، يتم “أكلها” من الداخل إلى الخارج بواسطة “يرقات” إيرانية استعارة عنصرية تخفي الدور القيادي للأسد الأمريكي في إطلاق العنان للدمار على السكان المدنيين في فلسطين ولبنان واليمن وسوريا والعراق وإيران في التاريخ الحديث جدًا. ويمثل امتلاك جماعات مثل أنصار الله (“الحوثيين”)، وحزب الله، وحماس، لقواعد شعبية عضوية كبيرة بين السكان الذين يتواجدون فيها، مشكلة أخرى لعلم الحشرات الخاص بفريدمان.
التحريض على الكراهية
في الأسبوع الماضي، لجأ ستيفن ستالينسكي إلى صفحات صحيفة وول ستريت جورنال لإطلاق خطاب معادٍ للإسلام ضد سكان ديربورن المسلمين في ميشيغان. وتشمل أدلته على هذا التهديد المزعوم، في فقرته، صور “المتظاهرين، والعديد منهم يرتدون الكوفيات ويغطون وجوههم، ويهتفون “الانتفاضة، الانتفاضة”، و”فلسطين حرة من النهر إلى البحر”، و”أمريكا هي دولة إرهابية”.
لا يقدم المؤلف أي سبب منطقي لماذا يجب على القراء اعتبار ارتداء سكان ديربورن رمزًا للتضامن مع النضال الفلسطيني ضد “إسرائيل” أمرا خبيثًا ومخيفًا، بينما هم يطالبون بإنهاء الاستعمار الاستيطاني بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، ويستنكرون تاريخ الحكومة الأمريكية الواسع من العنف الجماعي ضد المدنيين.
لقد أطلق العنان لمجاز الولاء المزدوج، مستحضرًا “الحماس المحلي للجهاد ضد إسرائيل والغرب” وإمام المنطقة الذي يقول ستالينسكي إنه “يعلن بشكل أساسي الولاء لآية الله الإيراني الذي يدعو بانتظام إلى تدمير الولايات المتحدة”. يخبر ستالينسكي قراءه بأن “العديد من سكان ديربورن الحاليين أو الذين كانوا يقيمون فيها سابقًا قد أدينوا بجرائم تتعلق بالإرهاب في السنوات الأخيرة”.
ويخلص المقال إلى أن “ما يحدث في ديربورن ليس مجرّد مشكلة سياسية للديمقراطيين. ومن المحتمل أن تكون قضية أمن قومي تؤثر على جميع الأمريكيين. وينبغي لوكالات مكافحة الإرهاب على جميع المستويات أن تولي اهتماما كبيرا لها”. وتشير هذه التصريحات إلى أن المسلمين الأمريكيين، بالنسبة لستالينسكي، يشكّلون خطرًا وينبغي أن يخضعوا للمراقبة والمضايقة من قبل سلطات إنفاذ القانون الأمريكية، ناهيك عن سجلها الطويل في استهداف المسلمين.
يساعد تصوير المسلمين كطابور خامس على خلق مناخ للحرب. وتعزيز الخوف والكراهية تجاه أقلية محلية يؤدي إلى تغذية الخوف، وكراهية الأجانب، والإذعان لسلطات الدولة، وكل هذا مفيد في دفع كتلة حاسمة من السكان إلى مواكبة النزعة العسكرية التي تنتهجها حكومتهم. وما توضحه كل هذه الدعاية المتعصبة والمروّجة للحرب هو أنه أصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى اللجوء إلى وسائل الإعلام المستقلة ودعمها.
المصدر: ميدل إيست آي