ترجمة وتحرير نون بوست
إلى حد الآن، يمكن نقل المعلومات على شبكة الإنترنت فقط. ولكن تقنية “بلوك شين” ستتيح للمستخدمين خدمة نقل الأموال بشكل آمن، فضلا عن إدارة البيانات المساحية وإصدار المنشورات العلمية بشكل شفاف. في الحقيقة، تسمح تقنية “بلوك شين” الجديدة للأشخاص في كافة أنحاء العالم من التحكم الذاتي في بعض الخدمات، وذلك في استقلالية تامة عن الدولة والظروف الجغرافية. وتشمل تقنية “بلوك شين”، نظام دفع غير بنكي، يعتمد على عملة “البيتكوين”.
في واقع الأمر، تتمثل الثورة الجديدة في عالم التكنولوجيا في تقنية “بلوك شين”، التي تسمح بإصدار العملة الرقمية. وفي حين أن مستقبل وقيمة العملات الرقمية غير ثابتين، تتمتع هذه التقنية بالقدرة على إحداث ثورة في المجال الاقتصادي والإداري، فضلا عن المجال العلمي، بشكل يفوق التغيير الذي أحدثته الإنترنت خلال العقدين الأخيرين.
في البداية، خلق مشروع عملة البيتكوين جدلا واسعا على خلفية إمكانياتها التكنولوجية غير المسبوقة. ومن المثير للاهتمام أن تقنية “بلوك شين” لا تتيح للأفراد إنشاء نظام دفع غير بنكي فحسب، بل يمكن من خلالها أيضا القيام بالمعاملات التجارية دون وسيط، أي دون وجود مؤسسة تضمن حسن سير المعاملة بغض النظر عن طبيعتها.
هذه التكنولوجيا ناجعة في مجال القيادة الذاتية
صرح أستاذ المعلوماتية التجارية وإدارة تكنولوجيا المعلومات المستدامة في جامعة بيروت، غيلبرت فريدغن، أن “العملات المشفرة تعد مجال التطبيق الأكثر وضوحا لتكنولوجيا بلوك شين”. من جانب آخر، يمكن توظيف تكنولوجيا “بلوك شين” في إطار تطورات تكنولوجية أخرى على غرار القيادة الذاتية. وفي هذا الصدد، أورد فريدغن أنه “عندما تصبح السيارات ذاتية القيادة متداولة في العالم، مما لا شك فيه أن هذه السيارات ستكون مستقلة على المستوى الاقتصادي. حقيقة، تعتبر بلوك شين من التقنيات المهمة للغاية”.
تحاول السلطات في اليونان وهندوراس تنظيم عملية التسجيل العقاري بناء على تكنولوجيا بلوك شين. وبالتالي، يمكن إلغاء السجل العقاري
على العموم، يعمل هذا النظام وفق حزمة أو “بلوك” من البيانات التي تعتبر بمثابة كومة من الأوراق التي تشكل بذاتها مجلة حجوزات، حيث يتم القيام بعملية حجز على كل صفحة. في المقابل، لا يمكن تغيير ترتيب هذه الأوراق نظرا لأن كل صفحة تختلف عن الأخرى.
من جهة أخرى، تتكون هذه البلوكات من سلسلة من البيانات الرقمية المترابطة، حيث يتم تسجيل كل معاملة في بلوك على حدة. ويتكون “الهاش” من محتويات البلوكات السابقة، مما يضمن وجود وصلة تشفير. وفي الأثناء، تعمل تقنية بلوك شين بشكل أفضل عندما تكون في شكل قاعدة بيانات موزعة. وبالتالي، يظهر على حاسوب كل مشارك في شبكة معاملات البلوك شين أرشيف المعاملات، مما يعني أن الحاسوب المركزي غير ضروري.
شبكات الند للند من خلال برنامج بلوك شين
ظهرت قوة هذا التطبيق اللامركزي لأول مرة في سنة 1999، إبان ظهور خدمة نابستر للموسيقى. ويعمل برنامج الحاسوب نابستر على إرسال واستقبال البيانات على حد سواء، في حين تعمل هذه الخدمة دون حاسوب مركزي. والجدير بالذكر أن هذه الخدمة قد عوضت الأقراص الصلبة.
في سياق متصل، تعمل برامج نابستر بشكل مترابط، الأمر الذي ينطبق على شبكة الند للند. وفي الأثناء، تتفوق مجالات تطبيق واستخدامات شبكات الند للند على قدرات خدمة نابستر، لاسيما وأن شبكات بلوك شين لا تنظم تبادل المعلومات بشكل لا مركزي بين أعضائها فحسب، بل تضمن أيضا عملية نقل البيانات بشكل آمن.
على العموم، يعد التحقق من عملية نقل المعلومات بشكل آمن وفي كنف المعاملات القانونية أمرا مكلفا نسبيا. أما بالنسبة لتطبيقات تقنية بلوك شين، يصبح تدخل البنوك التي تعتبر ضامنا لعملية نقل الأموال أو عدول الإشهاد على اعتبارهم أشخاصا مؤهلين للمصادقة على عملية تحويل الأموال أمرا غير ضروري، في الوقت الذي لن يكون فيه حاجة لوسيط البتة.
تقنية “بلوك شين”، تعتبر بمثابة فرصة استثنائية بالنسبة للدول التي لا تحظى مؤسساتها بالثقة لدى المواطنين أو الدول التي تعجز عن تأمين بعض الخدمات إلى حد الآن
في الوقت الراهن، تحاول السلطات في اليونان وهندوراس تنظيم عملية التسجيل العقاري بناء على تكنولوجيا بلوك شين. وبالتالي، يمكن إلغاء السجل العقاري. من جهة أخرى، يمكن استبدال موظفي السجل العقاري عبر شبكات البلوك شين. من هذا المنطلق، سيكون لكل مواطن سجله العقاري الخاص، الذي يتمثل في بلوك من البيانات متوفر على الحاسوب.
إمكانيات جديدة في المجال العلمي
في هذا الصدد، أورد غيلبرت فريدغن، أن “تقنية “بلوك شين”، تعتبر بمثابة فرصة استثنائية بالنسبة للدول التي لا تحظى مؤسساتها بالثقة لدى المواطنين أو الدول التي تعجز عن تأمين بعض الخدمات إلى حد الآن”ّ. وفي حين قد لا تحتاج ألمانيا إلى سجل عقاري يعتمد على تقنية بلوك شين، تعد هذه التقنية في البلدان التي لا تملك سجلا عقاريا، بمثابة خطوة متطورة.
من ناحية أخرى، توفر تقنية بلوك شين خيارات جديدة في المجال العلمي، على غرار إصدار تراخيص المنشورات، علما وأن هذه المهمة تعد من مشمولات المؤسسات الأكاديمية ودور النشر حصرا. وفي هذا الإطار، أفاد مهندس الإعلامية، بيلا جيب أن “العلم يعتبر مجالا ممتعا، في حين أن تكنولوجيا بلوك شين تعتبر واعدة للغاية على الصعيد العلمي، حيث ستجعل العلم أكثر انفتاحا وشفافية ونزاهة”.
في المقابل، يشمل المجال العلمي جملة من العقبات التي قد تعيق انتشار هذه التكنولوجيا، كما هو الحال بالنسبة لبقية مجالات تطبيق تكنولوجيا بلوك شين. ويرتبط ذلك بالأساس بانعدام الرقابة الحكومية. وفي سياق متصل، أورد بيلا جيب أنه “باستثناء دور النشر العلمية التي يمكن أن تتضرر بسبب تكنولوجيا بلوك شين، يمكن لبقية الأطراف التي تضطلع بدور مركزي في المجال العلمي الاستفادة من هذه التكنولوجيا”.
تكنولوجيا البلوك شين لا تعد أكثر كفاءة فحسب، لكنها تتيح لمستخدميها جعل العديد من المعاملات آلية
وفقا للخبراء، تعتبر ألمانيا الأولى في مجال البحث العلمي. وفي هذا الصدد، أفاد غيلبرت فريدغن، أن “وادي السيليكون لا يعتبر الأول في مجال البحث العلمي كما يعتقد الأغلبية، بل على العكس تماما. وفي الأثناء، يجب علينا إعطاء الفرصة للمستثمرين الألمان لمزيد إجراء البحوث العلمية في أوروبا.
يمكن أن تكون العديد من المعاملات آلية بصفة كاملة
عمد معهد فراونهوف لتكنولوجيا المعلومات التطبيقية، بفراونهوف إلى تقييم تقنية بلوك شين، حيث أورد أن “رأي الأغلبية بشأن إمكانيات تكنولوجيا بلوك شين كان إيجابيا”. وفي الأثناء، تعمل العديد من الشركات على إدماج أنظمة البلوك شين خاصة في المجال المالي.
في السياق ذاته، أقرت الدراسة التي أجراها معهد فرانهوف، بأن “تكنولوجيا البلوك شين لا تعد أكثر كفاءة فحسب، لكنها تتيح لمستخدميها جعل العديد من المعاملات آلية. وبالتالي، يمكن إبرام العقود المتعلقة بصفقات أو اتفاقيات معينة أو تسيير المنظمات التي تعمل بشكل مستقل والتي تدار مباشرة من قبل مؤسسيها عن طريق تقنية بلوك شين”.
من جهته، أوضح غيلبرت فريدغن، أنه “من المتوقع أن تشكل تقنية بلوك شين نقلة نوعية على مدى عقود قادمة. فمنذ سنوات، كنا نستطيع نقل المعلومات على شبكة الإنترنت فقط، في حين لم تكن خدمة نقل “القيمة” متاحة. من خلال تقنية بلوك شين، سنتحول من إنترنت المعلومات إلى إنترنت القيم”.
المصدر: فيلت