تتجه العلاقات المغربية الموريتانية، إلى مزيد التوتر مع تتالي الخطوات الاستفزازية الموريتانية في منطقة الكركرات الحدودية، ورفض نواكشوط اعتماد السفير المغربي الجديد لديها ومطالبتها بتغييره، حسب عديد التقارير الإعلامية المغربية والموريتانية.
رفض السفير ومعبر جديد
ذكرت تقارير إعلامية، عزم السلطات الموريتانية بالتنسيق مع السلطات الجزائرية غلق حدودها الشمالية معبر الحدود البرية الوحيد بين موريتانيا والمغرب (الكركرات)، مع العمل على فتح معبر جديد على الحدود الجزائرية الموريتانية (شوم – تيندوف). وتأتي هذه الخطوة الموريتانية، أشهر بعد إقامة موريتانيا مركز تفتيش أمني جديد عند البوابة الحدودية الموريتانية التي تربطها بالمنطقة المتوترة “الكركرات“ على حدودها مع المغرب، إضافة إلى مراكز الدرك الوطني والشرطة والجمارك.
يطلق السكان المحليون للمنطقة عليها تسمية “قندهار” في إشارة إلى نشاط التهريب في الجنوب الأفغاني
وتشهد الحدود بين المغرب وجارته الجنوبية حالة من الاستنفار، بعد التحركات العسكرية بالمنطقة الحدودية “الكركرات” الفاصلة بين الدولتين، وشهدت هذه المنطقة في أغسطس من السنة الماضية، عملية تطهير كبيرة قادها المغرب ضدّ المهربين وتجار المخدرات، بهدف وضع حد لأنشطة التهريب والتجارة غير المشروعة، وهو ما اعتبرته جبهة البوليساريو خرقًا لاتفاقية وقف إطلاق النار الذي وقع سنة 1991.
ويطلق السكان المحليون للمنطقة عليها تسمية “قندهار” في إشارة إلى نشاط التهريب في الجنوب الأفغاني، وتتسم منطقة كركرات (قندهار)، الفاصلة بين الحدود الشمالية لموريتانيا والحدود الجنوبية للمغرب، بغياب حكم القانون فيها، فهي أرض قفار مترامية الأطراف يتم استغلالها من طرف شبكات الجريمة المنظمة. ويعتبر معبر “كركرات”، المعبر الحدودي البري الوحيد بين المغرب ودول أفريقيا جنوب الصحراء، وهو ذو أهمية اقتصادية حاسمة، إذ تمر عشرات الشاحنات التي تنقل البضائع المغربية إلى بلدان الساحل عبر هذه المدينة الحدودية.
المركز الحدودي الكركرات
إلى جانب ذلك، أفاد موقع “أنا الخبر” الإخباري المغربي السبت الماضي، بأن الحكومة الموريتانية رفضت اعتماد السفير المغربي الجديد في موريتانيا وطالبت بتغييره. وبحسب الموقع، فإن هذا القرار يشير إلى بوادر أزمة دبلوماسية جديدة بين الرباط ونواكشوط، إثر رفض الحكومة الموريتانية قبول حميد شبار المعين من طرف الحكومة المغربية في 25 حزيران/ يونيو الماضي سفيرا للمملكة لدى موريتانيا خلفا للسفير الراحل عبد الرحمن بنعمر. وأشار الموقع إلى أن الحكومة الموريتانية طالبت بتعيين شخصية مغربية أخرى غير حميد شبار. ولم يصدر أي تعليق رسمي من جانب موريتانيا أو المغرب على ما أورده الموقع الإخباري، وأكّد خبراء أن السبب في هذا التوجه الموريتاني الجديد يكمن في جمود علاقاتها مع المغرب.
موريتانيا تهدف إلى تغيير موازين القوى في المنطقة من خلال قضية الصحراء الغربية
وشكل التعيين الملكي في يونيو الماضي لحميد شبار سفيرا جديدا للمغرب بموريتانيا حدثا بارزا في الأوساط السياسية والإعلامية بالجارة الجنوبية للمملكة، خاصة وتزامنه مع لحظة توتر عصيبة عاشتها علاقات البلدين شهر ديسمبر الماضي، إثر شغور “الكرسي الدبلوماسي” لقرابة ستة أشهر، إثر وفاة عبد الرحمن بنعمر، الذي يشترك مع الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في ذات الأصول القبلية، وتتهمه أطراف قوية في النظام الموريتاني بالانحياز إلى أطراف من المعارضة الموريتانية، أبرزها الرئيس السابق اعل ولد محمد فال، ورجل الأعمال المعارض محمد ولد بوعماتو.
ويرى مراقبون أن موريتانيا تهدف إلى تغيير موازين القوى في المنطقة من خلال قضية الصحراء الغربية، وذلك في موقف جديد مخالف للموقف التاريخي لموريتانيا المتمثل في موقف الحياد، والذي كانت قد اتخذته منذ سنة 1979. وتقاسمت موريتانيا والمغرب إدارة الصحراء الغربية وفق اتفاقية مدريد 1975 إلا أن موريتانيا انسحبت عام 1979 من إقليم وادي الذهب الذي كانت تديره واستعاده المغرب كجزء من ترابه الوطني، بعد توقيعها اتفاق سلام مع جبهة “البوليساريو”، حيث تخلت موريتانيا بموجب هذه الاتفاقية عن أيّ مطالبات بخصوص الصحراء، وهي المطالبات التي كانت قد رافعت من أجلها – قبل ذلك – أمام محكمة العدل الدولية، وأيضًا خلال مفاوضاتها مع إسبانيا من أجل المطالبة بالاستقلال، أو في إطار اتفاق تقسيم الإقليم بينها وبين المغرب بعد حصولها على الاستقلال.
أسباب التوتر
لم تعرف العلاقة بين المغرب وموريتانيا أي تقدم يذكر منذ سنوات، نتيجة عدة أسباب، وتوصف العلاقات بين البلدين، بالحساسة بسبب تدخل أجندات أجنبية، حيث تحاول الجزائر استمالة موريتانيا لتصطفّ وراءها وتدعم موقفها بخصوص الملف الصحراوي، ويخشى المغربيون أن يؤدّي توتر العلاقات بين بلادهم وموريتانيا، إلى تأزم الوضع في المنطقة. ونتيجة توتر العلاقات الديبلوماسية بين البلدين، تعثر عمل اللجنة المشتركة بينهما، ويعود آخر اجتماع للجنة العليا المشتركة بين المغرب وموريتانيا إلى عام 2013، وقد احتضنته نواكشوط بإشراف من رئيس وزراء المغرب السابق عبد الإله بنكيران ورئيس وزراء موريتانيا آنذاك مولاي ولد محمد لغظف.
لقاء رئيس الحكومة السابق بنكيران مع الرئيس الموريتاني
وخفضت موريتانيا تمثليها الدبلوماسي منذ سنوات إلى أقصى درجة، حيث كان الرئيس محمد ولد عبد العزيز مع كل موجة تعيين للدبلوماسيين يقوم بتخفيض التمثيل الدبلوماسي لبلاده في الرباط، ويدير ملف السفارة المغربية هناك مستشار دبلوماسي قادم من الجزائر، وذلك بعد نقل القائم بالأعمال في السفارة الموريتانية سفيرًا في دولة مالي. ومن أسباب تواصل التوتر بين البلدين، احتضان المغرب لمعارضين موريتانيين على غرار رجل الأعمال المعارض المصطفى ولد الإمام الشافعي، الذي أصدرت موريتانيا مذكرة توقيف دولية بحقه، وطالبت الرباط مرارًا بتسليمه، وهو ما رفضه المغرب، كما يقيم في مدينة مراكش المغربية رجل الأعمال المعارض محمد ولد بوعماتو، الذي يتهمه ولد عبد العزيز بالسعي لإسقاط حكمه بالتنسيق مع الرئيس السابق أعل ولد محمد فال، الذي يقيم هو الآخر في المغرب.
يعود توتر العلاقات بين البلدين إلى وقت حصول موريتانيا على استقلالها
وفي ديسمبر الماضي، اضطر الملك محمد السادس إلى إرسال رئيس حكومة تصريف الأعمال، عبد الإله بنكيران، ضمن وفد رسمي للقاء الرئيس الموريتاني ولد عبد العزيز، رأبا للصدع الذي تسببت فيه تصريحات للأمين العام لحزب الاستقلال، حميد شباط، مست الوحدة الترابية الموريتانية؛ وهو ما أثار غضبا سياسيا موريتانيا كاد يعصف بالعلاقات بين البلدين، قبل أن تهدأ العاصفة وتعود الأوضاع إلى سابق عهدها. ويعود توتر العلاقات بين البلدين إلى وقت حصول موريتانيا على استقلالها، ووقوف المغرب ضد هذا الاستقلال واعتبار موريتانيا جزءًا منه، حيث دعم المغرب وسلّح جيش التحرير الذي أنشأه السياسي الموريتاني أحمدو ولد حرمة، ونفّذ عدة عمليات عسكرية في موريتانيا.