بكاء، وصداع، وتقيء … في الواقع، يصاب بعض الأطفال بوعكة صحية بشكل فعلي بسبب فكرة الذهاب إلى المدرسة. فما هي الأسباب الكامنة وراء ذلك؟ وكيف يُمكن مساعدتهم على تجاوز هذه المشكلة؟ في هذا الصدد، يُقدم التقرير نصائح أطباء نفسيين بغية فهم دوافع هذا الاشمئزاز المفاجئ من المدرسة بطريقة أفضل.
آلام المعدة، والصداع النصفي، والغثيان والقيء، والصراخ والبكاء الشديد.. في بعض الأحيان، يُمكن للأطفال أن يصلوا إلى حالات مماثلة بمجرد ذكر كلمة “المدرسة”. ففي بداية السنة الدراسية، أو في منتصفها أحيانا، قد يواجه الطلاب محنة عاطفية. ولكن، كيف يُمكن التعرف على أعراض ما يُسمى “بالفوبيا المدرسية”، وتمييزها عن الأزمة العابرة البسيطة؟ ثم كيف يمكن مساعدة الطفل أو المراهق على تجاوز هذه المعضلة؟ وما هي الرعاية التي يجب تقديمها له؟
في هذا الصدد، بادرت ماري-فرانس ليهيوزي، وهي طبيبة نفسية للأطفال والمراهقين في مستشفى روبرت ديبرا في باريس، ومؤلفة كتاب “فوبيا المدرسة: كيفية مساعدة الأطفال والمراهقين المتعبين من المدرسة؟”، بتقديم جملة من النصائح للتعامل مع فوبيا المدرسة. كما التقت المجلة أيضا، في 7 من أيلول/سبتمبر سنة 2017، بماري روز مورو، وهي محللة نفسية ورئيسة قسم “ميزون دي سولان”، للحديث معها في هذا الموضوع.
كيف يُمكن تفسير الفوبيا المدرسية؟ وما هي أسبابها؟
في سنة 1974، أوضح الدكتور جوليان دي أرجوياغيرا أن هذا المرض يتعلق “بالأطفال الذين يرفضون، لأسباب غير عقلانية، الذهاب إلى المدرسة، ويُقاومون ذلك من خلال ردود فعل عنيفة على غرار الدخول في أزمات قلق شديدة جدا أو رهبة مبالغ فيها، في حال تم إجبارهم على الذهاب إلى المدرسة. من جانبها، أفادت الدكتورة ماري-فرانس ليهيوزي، أنه “في الواقع، لا يُعد مصطلح “الفوبيا المدرسية” مناسبا لتشخيص هذه المشكلة، لأن الطفل ليس “خائفا” من العودة المدرسية، ولكنه ببساطة غير قادر على الذهاب إلى المدرسة”.
قد يكون السبب وراء ذلك الخوف من المعلم ببساطة، أو عدم التأقلم مع المحيط المدرسي، أو الرهبة من أحكام ونظرة الآخرين إليه”
وأضافت ليهيوزي أن “الطفل قد يكون عاجزا على الانفصال عن والديه. وبالتالي، يصبح الأمر ذا صلة بمرض”قلق الانفصال”، المعروف خاصة بين صفوف الأطفال في سن مبكرة. أما بالنسبة للأطفال الأكبر سنا، فقد تكون هذه المشاكل نتيجة التهديدات أو التحرش الجنسي أو الإهانات التي يتعرضون لها في خضم الفصول الدراسية. كما قد يكون السبب وراء ذلك الخوف من المعلم ببساطة، أو عدم التأقلم مع المحيط المدرسي، أو الرهبة من أحكام ونظرة الآخرين إليه”.
وأردفت ليهيوزي، أنه “فضلا عن ذلك، يعزى الأمر خاصة إلى تقلبات سن البلوغ. كما يكمن سبب آخر وراء هذا المرض، ألا وهو الفشل الدراسي، والعلامات الضعيفة “والقلق من الأداء” في إطار السنة الدراسية الجديدة. بالإضافة إلى ذلك، يعاني بعض الأطفال من جملة من الضغوط، في حال فشلوا في تحقيق نتائج جيدة في المدرسة”.
في الحقيقة، تختلف أسباب هذه المشكلة من طفل إلى آخر، علما وأنه وفي بعض الأحيان، قد تتراكم العديد من الضغوط في حياة الطفل في آن واحد. في هذا السياق، تطرقت ماري روز مورو إلى مفهوم “الاشمئزاز من المدرسة”، الذي يُسبب للطفل نوعا من الغثيان. وفي هذا الإطار، أقرت مورو بأنه “أحيانا، قد يكون سبب هذه الفوبيا مجرد التهاب بسيط على مستوى الأذن. وبالتالي، يجد الطفل نفسه مضطرا للبقاء في المنزل لعدة أيام. إثر ذلك، يفقد الرغبة في العودة إلى المدرسة”.
كيف نُميز بين “الفوبيا المدرسية” وبين الأوهام العابرة؟
عموما، تعكس بعض الأعراض الجسدية فقدان الطفل الرغبة في الذهاب إلى المدرسة، حيث قد يتقيأ، أو يشعر بالغثيان، أو بآلام في الرأس والمعدة، أو قد يُعاني من الإسهال، ومن المخاوف والقلق… لكن، كل هذه الأعراض لا تظهر إلا في الصباح فقط، قبل الذهاب إلى المدرسة، في حين تختفي في عطلة نهاية الأسبوع أو خلال عطلة الأعياد. خلافا لذلك، أفادت الدكتورة ماري-فرانس ليهيوزي أنه في حال بقي الطفل في المنزل، غالبا ما تتحسن صحته بشكل كبير. وفي الأثناء، يميل المراهقون عادة إلى اللجوء إلى منصات التواصل الاجتماعي أو شاشات أجهزتهم وألعاب الفيديو للهروب من هذه المشكلة.
ماذا نفعل في حالة إصابة الطفل بالفوبيا المدرسية؟
في هذا الصدد، شددت الدكتورة ماري-فرانس ليهيوزي على أنه يجب في البداية، التحقق من حدوث أمر غير طبيعي فعلا مع الطفل. وبمجرد تحديد المشكلة، من المهم التحاور معه والاستفسار عما يشعر به. وعموما، تهدف هذه الخطوة إلى فهم حيثيات ما يحدث مع الطفل بالضبط وإدراك أسباب المشكلة، وذلك حتى تتمكن من التفاعل مع طفلك والتصرف وفقا لما تفرضه وضعيته الدقيقة.
يلجأ الطفل إلى التغيب لإيجاد حل لشعوره بالضيق وذلك عن طريق توجيه تنبيه لوالديه أو المعلمين في المدرسة.
علاوة على ذلك، أوضحت ماري روز مورو أنه يجب إدراك نوايا الطفل، أي “ما الذي يحاول القيام به عن طريق التغيب عن المدرسة؟”. في الواقع، يلجأ الطفل إلى التغيب لإيجاد حل لشعوره بالضيق، وذلك عن طريق توجيه تنبيه لوالديه أو المعلمين في المدرسة. وفي حالة الفوبيا المدرسية، تُصر الطبيبة النفسية للأطفال على ضرورة تضافر جهود الوالدين والطفل، أو المراهق، والفريق التربوي لحل هذه المشكلة. من جانب آخر، أكدت ماري روز مورو على أهمية الرعاية المبكرة للطفل، حيث شددت على “ضرورة السعي إلى بذل كل ما بوسعنا لمساعدة الأطفال، وذلك كل حسب حالته”.
هل يجب تغيير مدرسة الطفل؟
يعتمد هذا الأمر على وضعية الطفل الخاصة. وفي هذا السياق، أعربت ماري روز مورو عن عدم تأييدها لمسألة تغيير المدرسة، إلا في حال وجود توافق على هذا الأمر بين الطفل والمعلمين. فعلى سبيل المثال، عمد بعض الآباء والأمهات إلى تغيير مدرسة طفلهم ثلاث مرات، دون التوصل إلى حل المشكلة بشكل جذري. في المقابل، يمكن للوالدين الاجتماع بالمدرسين المشرفين على طفلهم لمعرفة ما إذا كان هناك بعض الترتيبات التي يجب إتباعها لإنهاء هذه الحالة المزمنة من القلق التي يشعر بها ابنهم.
كيف تتم رعاية الطفل في ظل معاناته من هذه المشكلة؟
في حال تعلق الأمر ببعض الاضطرابات المتولدة عن الشعور بالقلق، فمن الضروري زيارة طبيب نفسي أو أخصائي في علم النفس. وفي الأثناء، وبفضل المتابعة المستمرة، قد يُساعد هذا المختص الطفل على العودة تدريجيا إلى المدرسة. ففي البداية، يمكن تنظيم لقاء مع المدرس، ثم شيئا فشيئا، يُمكن لأحد الوالدين مرافقة الطفل إلى المدرسة وحضور بعض الفصول معه، وذلك إلى أن تتحسن حالته. أحيانا، يصبح من الضروري أن يتوقف الطفل عن الذهاب إلى المدرسة. ففي “ميزون دي سولان”، على سبيل المثال، يتم متابعة المراهقين نفسيا ورعايتهم من قبل فرق الرعاية الصحية.
في هذا المركز المخصص لرعاية المراهقين، يتم علاج 90 بالمائة من الأطفال أو المراهقين الذين يعانون من الفوبيا المدرسية أثناء إقامتهم في المستشفى لمدة قصيرة ( تتراوح بين شهر وشهرين). ثم في مرحلة ثانية، يُمكن أن تمتد إقامتهم إلى فترة أطول، في حال استوجب الأمر ذلك. من جانب آخر، تتيح بعض حلقات العمل الخاصة التي تتمحور حول إيجاد حل لإعادة التلميذ إلى مدرسته، فرصة استرجاع الطفل لثقته بنفسه مجددا، وذلك من خلال الأنشطة الإبداعية والفنية. ولمساعدتهم على الاندماج بشكل أفضل عند عودتهم إلى المدرسة، توصي ماري روز مورو باختيار مدرسة قريبة من المنزل، والسماح للطفل بالعودة تدريجيا إلى مقاعد الدراسة، فضلا عن حضور فصول لا تتجاوز مدتها ست ساعات لاستئناف الإيقاع الدراسي بسلاسة.
ما هي الأخطاء التي يجب تجنبها؟
تنصح الدكتورة ماري-فرانس ليهيوزي بضرورة الإسراع في إيجاد حل لمشكلة الفوبيا المدرسية بُعيد اكتشافها وعدم انتظار تطور الوضع. فضلا عن ذلك، يجب على الوالدين الحرص على عدم التسبب في حالة من التوتر للطفل، من خلال إخباره بأن “الصف السادس أصعب بكثير من المرحلة السابقة”، وأنه “سيكون لديه العديد من المعلمين الجدد. كما عليه الذهاب وحده إلى المدرسة، وتعلم الدفاع عن نفسه، والعمل للحصول على درجات جيدة …”.
توصي ليهيوزي الآباء بالاستماع إلى أطفالهم يوميا، وعدم الاهتمام فقط بالدرجات التي يحققونها، بل وأيضا بعلاقاتهم مع أقرانهم
في حال كان الطفل حساسا، ويتسم بشخصية هشة، ستؤدي هذه الملاحظات إلى تفاقم حدة قلقه وتعمق الضغط المفروض عليه. خلافا لذلك، ينبغي على الوالدين أن يكونا إيجابيين، الأمر الذي سيعزز شخصية الطفل ويُكسبه المزيد من الثقة في نفسه. وفي هذا الصدد، تنصح ماري-فرانس ليهيوزي، بإخبار الطفل بأنه “سيُكون صداقات جديدة، وأن المدرسين سيكونون متخصصين في كل مادة، كما أنه سينتقل إلى مدرسة الأطفال الكبار…”.
في سياق متصل، توصي ليهيوزي الآباء بالاستماع إلى أطفالهم يوميا، وعدم الاهتمام فقط بالدرجات التي يحققونها، بل وأيضا بعلاقاتهم مع أقرانهم، ومشاعرهم وما يحدث معهم يوميا في المدرسة. على العموم، غالبا ما ينغلق الأطفال على أنفسهم ولا يتواصلون مع والديهم حتى لا يشعروا بالذنب، نتيجة ما قد يقوله أحد الأبوين. لذلك، لا بد أن يسعى الأهل إلى تحديد ما إذا كان الطفل سعيدا.
من هم الأطفال المعنيون بهذا الأمر؟
ينطبق هذا المرض والمشاكل المترتبة عنه على الأطفال المتقدمين قليلا في السن أكثر من الذين لازالوا في رياض الأطفال. ففي بداية الصف السادس، يُواجه التلميذ العديد من التغيرات. ففي الغالب، يصبح ملزما باستقلال الحافلة لوحده، والتكيف مع بيئة جديدة، ورفاق ومعلمين جدد. بالإضافة إلى ذلك، يتعرض طلاب المدارس الإعدادية للعنف أكثر من بقية الأطفال، لاسيما خلال فترات الاستراحة. في المقابل، أكدت ماري روز مورو، أن خمسة إلى ثمانية بالمائة من الاستشارات في الطب النفسي للأطفال في فرنسا، تتعلق بحالات الفوبيا من المدرسة. من جانب آخر، أشارت مورو إلى أن “هذا المرض يبلغ ذروته في المدرسة الإعدادية، بين الصفين السادس والثالث”
المصدر: جورنال دي فام