لماذا قد يسافر أي شخص وحيدًا؟ قد تبدو فكرة غريبة على البعض، أو مستحيلة للبعض الآخر، أو حتى جنونية وغير منطقية، فمن الشائع والمُتعارف عليه أن يسافر الناس في جماعات أو خلال بعثات أو على الأقل مع صديق أو رفيق في السفر يؤنس غربة المرتحل، إلا أن فكرة السفر وحيدًا وبالأخص السفر من أجل الترحال والمغامرة قد يبدو غير منطقي، إذ إن الكثيرين يعتقدون أن لا يمكن تحقيق السعادة إلا بمشاركتها مع الآخرين، ولكن يبدو أن فكرة السفر وحيدًا غيّرت من ذلك المفهوم كثيرًا.
ربما يخشى الناس الفشل وحدهم، فيطمئنون إلى من بجانبهم، فيشاركهم الطعام فلا يحتاجون أن يأكلوا وحدهم، ويشاركهم المغامرة لأول مرة فلا يخافون من مواجهتها وحدهم، كما يشاركهم تقضية الوقت فلا يقضونه وحيدين، إلا أن كل ما سبق يعد من الأساطير الخاطئة عن السفر وحيدًا، فالسفر وحيدًا لا يعني بالضرورة أنك ستكون وحيدًا طول الرحلة.
هل سمعت من قبل عن مصطلح (backpacker)؟ هو بالضبط نفس المصطلح الذي اشتهر به العرب في أيام “ابن بطوطة”، حينما كانت كلمة “الرحالة” ذات معنى ووقع مهم على سامعيها، ليتنافس المسلمون في حمل ذلك اللقب، والذي أسفر عن تأسيس علوم بأكملها مثل علم الجغرافيا على يد الإدريسي نتيجة لرحلاته حول العالم، تحول المصطلح الآن إلى مصطلح (Backpacker) أي الشخص الذي يحمل كل متاعه في حقيبة ظهره ويرتحل حول العالم، ليكون مسافرًا وحيدًا في أغلب الأحيان.
لا يناسب السفر وحيدًا (Solo Travelling) كل الناس، فقد يكون بالنسبة للبعض مغامرة وبالنسبة للبعض الآخر مخاطرة، إلا أنه من التجارب الحياتية التي يجب على كل شخص تجربتها ولو لمرة واحدة، وإليك الأسباب التالية:
1- ستجد الوقت للاندماج مع المحليين
يعود الاختيار للمسافر، إما أن يقرر الإقامة في أغلى الفنادق في البلد التي قرر التوجه إليها، أو يندمج مع المحليين، يعود القرار الأول لكل من يرغب في السفر كسائح مرفه، وفي الأغلب لا يكون وحيدًا أو يكون في رحلة عمل، أما القرار الثاني فعلى الأغلب يكون صاحبه مرتحلًا ومسافرًا وحده، وهذه أولى مزايا السفر وحيدًا، أنك لن تحتاج للتفكير كثيرًا في مكان إقامتك، يمكنك ببساطة أن تندمج مع المحليين والمواطنين الأصليين للبلد، وأن تقيم في أماكن أقل ترفًا يوجد بها عدد أقل من السائحين وعدد أكثر من المواطنين.
سيكون لديك صديق محلي في البلد على استعداد أن يقوم بضيافتك واستضافتك مرة أخرى إن رغبت في العودة للترحال في بلاده من جديد
تكون تلك ميزة للحصول على أصدقاء محليين في البلد الذي قررت الترحال إليه، حينها ستكون لديك فرصة أن يكون بجانبك مرشد سياحي من أهل البلد، يود ممارسة لغته الأجنبية أيًا كانت ووجدك مساعدًا جيدًا لهذا على أن يتجول معك في أكثر الأماكن مغامرة، والتي تكون أماكن لا يكتشفها السائحون بالأساس.
كما سيكون لديك صديق محلي في البلد على استعداد أن يقوم بضيافتك واستضافتك مرة أخرى إن رغبت في العودة للترحال في بلاده من جديد، وعليه فإنك تعود من سفرك وحيدًا ومعك قائمة من الأصدقاء المحليين في كل بلد ترتحل إليه، وهو ما لا يحدث كثيرًا إن قررت السفر مع مجموعة، حيث سيكون قرارك أن تبقى مع المجموعة التي تعرفها أغلب الوقت بدلًا من معرفة أصدقاء جدد.
2- التخطيط الأسهل للسفر
ربما يمتنع الكثيرون ممن يكرهون التخطيط عن السفر من الأساس بسبب احتياج السفر للكثير من التخطيط الدقيق وحساب الميزانية وحجز الكثير من الأشياء مسبقًا مثل تذاكر السفر وأماكن الإقامة، خصوصًا إن كان السفر مع مجموعة، إلا أن السفر وحيدًا ينقذك من كل ذلك، فلن تحتاج للتخطيط المستمر، فالسفر وحدك يمنحك الفرصة الذهبية للاستمتاع بالوقت على حسب رغبتك، فإن أردت الإقامة في أماكن مختلفة واقتصادية بشكل يوافق ميزانيتك فلن يمنعك أحد من ذلك، وإن أردت الترحال بشكل مستمر طول اليوم دون المبيت في أي مكان فهذا القرار يعود إليك أيضًا، حينها ستكون خططك تلقائية بشكل ممتع ومرح.
إذا أردت السفر فجأة من قرية لقرية أو من مدينة لمدينة لن يكون ذلك عائقًا أمامك، إذ إن قراراتك الفجائية لن تؤثر على مجموعة أو على أي أحد غيرك، وبالتالي فإن السفر وحدك يمنحك الفرصة أن تقضي الوقت مع نفسك فقط، وهو شيء من النادر على المرء أن يفعله وسط تفاصيل يومه المزدحمة، إذ إنك تحدد ساعات نومك بنفسك، وتحدد ما إن أردت أن تأكل أقل ما يمكن من الأكل لكي توفر المال للسفر لأكثر من وجهة سفر فهذا كله يعود إليك، فتكون أنت وحدك المتحكم في كل قراراتك.
3- الثقة بالنفس
يعتبر البعض السفر بشكل منفرد قرارًا شجاعًا إن تم التخطيط له بشكل عقلاني وصحيح، وعليه سيكون المسافر على استعداد لمواجهة أي شيء أو تخطي أي مشاكل روتينية تقابله في طريقه.
يؤمن أغلب الرحالة بأن تجربة السفر وحيدًا لأول مرة تدعم ثقة المرء بنفسه بشكل ملحوظ، فكلما سافر المرء وحيدًا، كان قادرًا على تخطي التحديات المختلفة مهما كانت صعوبتها، وكان قادرًا على فهم الناس بشكل أسرع وأكثر احترافية، ليكون قادرًا على التواصل معهم حتى لو لم يتكلم نفس اللغة التي يتحدثونها، ولأن المسافر وحده يكتسب تلك الثقة خارج بلاده ستتضاعف ثقته بنفسه أضعاف المرات داخل بلاده.
يعتبر البعض السفر بشكل منفرد قرارًا شجاعًا إن تم التخطيط له بشكل عقلاني وصحيح، وعليه سيكون المسافر على استعداد لمواجهة أي شيء أو تخطي أي مشاكل روتينية تقابله في طريقه حتى لو صارت بشكل فجائي، وحتى لو لم يكن في حسبانه الاستعداد لذلك، حينها سيعتاد المرء الخروج من منطقة الراحة الخاصة به (Comfort Zone) ليكون باستطاعته مواجهة مختلف السيناريوهات والأحداث والتعامل معها بشكل مرن.
4- الحرية
يتداول العديد من الرحالة المنفردين مقولة “السفر وحيدًا يعني الحرية”، فالمرء يعيد اكتشاف نفسه وقدراته ورغباته حينما يتخلص من قيود روتين ونظام حياته اليومي، حينها يبدأ في اكتشاف خبايا نفسه حينما يكون وحيدًا، فمن خلال السفر وحيدًا يستطيع المرء الإجابة عن العديد من الأسئلة، أولها السؤال الذي يسأله العديد من الناس بشأن السفر وحيدًا، وهو ما الممكن أن يفعله المرء وحيدًا؟ تجيبك تجربة السفر وحدك على هذا النوع من الأسئلة.
لا يجد المسافر وحده فرصة للاعتماد على أي شخص آخر في أثناء رحلته إلا نفسه، وهو ما قد يبدو مخيفًا للبعض إلا أنه في واقع الأمر تجربة حياتية مختلفة يخوضها المرء معتمدًا على نفسه فقط لا غير، وعليه أن يدبر أمره بنفسه دون مساعدة من الغير وخصوصًا من أفراد لا يعرف اللغة التي يتحدثون بها.
5- التواصل مع الغير
أثبت الكثيرون من الرحالة في أيامنا الحالية أن السفر وحدهم دفعهم للثقة في الغرباء بشكل أكثر من الاعتيادي
ذكرنا مسبقًا أن السفر منفردًا يقوي قدرات المرء على التواصل مع الغرباء حتى إن كان لا يفهم أي كلمة من لغتهم، إلا أن تجربة السفر وحيدًا تكسر حاجزًا يسعى الكثيرون منّا لتقويته وبنائه طول حياتنا، وهو حاجز الخوف من الغرباء أو عدم الثقة كليًا من الغرباء، ربما سيظن البعض أنه من الأدعى عدم التحدث مع الغرباء في مكان غريب على المسافر، إلا أن تجربة السفر وحيدًا تثبت العكس.
أثبت الكثيرون من الرحالة في أيامنا الحالية أن السفر وحدهم دفعهم للثقة في الغرباء بشكل أكثر من الاعتيادي، مما دفعهم لكسر حاجز الخوف منهم، والثقة في آرائهم، هذا لا يعني أن الثقة العمياء في كل غريب يقابله الرحالة في طريقه أمر مفروغ منه وآمن بشكل كامل، إذ على الرحالة أن يفهم الناس بشكل أسرع من غيره، وعليه يقرر ما إن يستطيع الثقة بهم أم لا، فهناك قاعدة عامة يعتمدها أغلب الرحالة، وهي اتباع المرء لحدسه وتصديقه له، فإن كان يدفعه للوثوق بغريب، فعليه أن يتبعه، فهذا يكون القرار الصائب في أغلب الأحيان.
السفر وحيدًا قرار شديد الجراءة، لا سيما إن اختار المرء وجهات خطرة للسفر، أو بلاد تعاني من مشاكل أمنية، وعليه فيجب أن يكون قرار السفر وحيدًا قرارًا مدروسًا بعناية ومخططًا بشكل منظم، على أن يكون المرء مستعدًا لخوض مغامرة شيقة قد تغير من نظرته للعالم بشكل كامل حين يعود منها، وقد تجعله أيضًا رحالة محترفًا فيما بعد.