وافق الكنيسيت الاسرائيلي يوم الاثنين على مشروع قانون رجعي وعنصري. ولكن هناك تطور جديد هذه المرة.
فقد اقترح مشروع القرار عضو الكنيسيت العنصري عن حزب الليكود ياريف ليفن؛ حيث قال ليفن عن القانون إنه: “يهدف إلى إحداث توازن في دولة اسرائيل ووصل اليهود بالمسيحيين. وأنا حريص على عدم وصفهم بالعرب لأنهم ليسوا عربا”. وبالطبع فإن هذا تصريح هزلي. وفي الواقع فان القانون ربما يهدف إلى التفرقة بين طوائف شعب مضطهد ومعاداة بعضهم البعض على أساس الاختلاف في العقيدة.
إن المخطط هو فصل المسيحيين الفلسطينيين الحاصلين على الجنسية الاسرائيلية عن المسلمين الفلسطينيين الحاملين لنفس الجنسية. فالفلسطينيون من الديانتين يتم تصنيفهم حتى الآن في القانون العنصري الإسرائيلي على أنهم “عرب”، وهناك تصنيف منفصل للدروز الذين يطلق عليهم “دروز” في القانون الإسرائيلي وليس عربا، على الرغم من كون العربية لغتهم الأم والكثيرون منهم يعتبرون أنفسهم عربا.
إن هذه الاستراتيجية الجديدة هي بمثابة محاولة لتقسيم الشعب الفلسطيني من عرب 1948 القاطنين في الارض المحتلة. وهي استراتيجية استعمارية قديمة: “فرق تسد”. فإسرائيل تشم رائحة الدم في الأفق مع تزايد العنف الطائفي في العالم العربي (الذي يحرض عليه ويفاقمه قوى استعمارية في حالات كثيرة)، وهي ترى أنه كلما طال أمد الصراع الداخلي في العالم العربي كلما انشغل العرب عن مواجهة إسرائيل. ولذلك تبنت إسرائيل سياسة العمل على مفاقمة وإطالة الحروب والصراعات البينية العربية، والتحريض عليها. ويبدو ذلك جليا في سياسة إسرائيل الحالية تجاه سوريا (سياسة “دعوهم ينزفون حتى الموت”).
وفي حين أن هذا القانون بحد ذاته يعد جديدا، إلا أنه خطوة من ضمن حملة إسرائيلية بدأت في أواخر عام 2012 عندما حاولت اسرائيل بشكل محدود تجنيد المسيحيين الفلسطينيين في الجيش الارهابي الاسرائيلي. وكما لخصت في السابق فان تلك الحملات الصهيونية التي ترمي إلى التحريض الطائفي كان لها سوابق تاريخية على مدار قرن كامل.
وفي رأيي أن تلك الحملات من غير المحتمل أن تلقى نجاحا بالشكل الذي يتمناه الصهاينة على الرغم من أهمية الحذر منها.
ويدعم وجهة النظر تلك ثلاثة أسباب: أولا، هناك حقيقة أن المسيحيين الفلسطينيين الذين يتحدثون العربية كانوا جزءا من الجسد السياسي الفلسطيني منذ ظهور المسيحية. ولم تنجح المحاولات الصهيونية على مدار مئة عام في تفرقتهم. ثانيا: إن “المنافع” التي تعرضها إسرائيل على المسيحيين حتى الآن تبدو غير مجزية. وثالثا: وهو الاهم، هو الطبيعة العنصرية للأيديولوجية السياسية الصهيونية ودولة إسرائيل بطبيعة الحال.
إن إسرائيل لا تستطيع تجاوز هذه الحقيقة، فهي عنصرية حتى النخاع وستظل هكذا دائما. وقد صورت إحدى المقالات في جريدة هآرتس يوم الأربعاء هذا الأمر جيدا، وهي تحكي قصة مرأة من “المسيحيين العرب” تدعى إيزيس إلياس شحادة، ولدت في صفد وقامت بتدريس السياحة في مدرسة ثانوية يهودية في بلدة ترات كارمل لمدة 19 عام. وكما تقول الجريدة فقد تعرضت ايزيس للاعتقال والإهانة والتحرش حتى البكاء في مطار إسرائيلي. ولم يتم تقديم أي سبب لهذه المعاملة ولكن يبدو أنهم تجاهلوا من هي وركزوا على اسمها العربي.
ان أي حديث عن “المنافع” التي سيحصل عليها المسيحيون الفلسطينيون من قبل إسرائيل ما هي إلا وعود فارغة، فاسرائيل لا تنوي تقديم منفعة سوى الرشاوى أو الابتزازات لبعض العملاء من مختلف الأديان والفصائل الفلسطينية.
وحتى العملاء، فإن إسرائيل تتعامل معهم كالحثالات. فعلى سبيل المثال، تقوم الشرطة السرية الاسرائيلية بابتزاز الأب جبريل نداف (المسؤول عن تجنيد الفلسطينيين المسيحيين في الجيش الإسرائيلي) من خلال استخدام أحد أسرار حياته الشخصية كوسيلة ضغط.
أو خذ على سبيل المثال تاريخ ما يعرف بـ “جيش جنوب لبنان”، وهم عصابة من مرتكبي التعذيب والعملاء الذين قاموا بتدعيم احتلال اسرائيل لجنوب لبنان لسنين عديدة. ففي عام 2000 نجحت المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله في طرد الجيش الإسرائيلي، وأجبر جيش جنوب لبنان على الهرب إلى إسرائيل في الخفاء. والآن، بعد هذا الانسحاب بسنوات عديدة يشتكي أعضاء المجموعة في إسرائيل من العنصرية التي تمارس ضدهم وضد عائلاتهم ومن الوعود التي لم يتم تحقيقها، حيث قال أحدهم لجريدة إسرائيلية في 2008 “بعد ثمانية سنوات تم رمينا في الشارع”.
وختاما، فإن من المؤكد أنه لن يكون هناك أي شيئ يدعى “مسيحي فلسطيني” لسبب بسيط: فالدولة يتم تعريفها في القانون والممارسة كدولة يهودية، وأصدرت المحكمة العليا الاسرائيلية حكما بأنه ليس هناك جنسية تسمى “الإسرائيلية”. إن استراتيجية “فرق تسد” الاسرائيلية لن تنجح على المدى البعيد.