أقر برلمان كردستان مساء أمس الجمعة 15 سبتمبر/أيول استفتاء الانفصال عن العراق في الخامس والعشرين من الشهر الحالي أي بعد أقل من عشر أيام من الآن. إذ حصل قرار الانفصال على إجماع الأعضاء الحاضرين في البرلمان وانتهت الجلسة بالنشيد الوطني الكردي للدولة على تصميم الحاضرين بهويتهم ورغبتهم في الانفصال.
لا زال الأكراد على خلاف كامل مع الرغبات الإقليمية القائمة على إلغاء الاستفتاء والحيلولة دون تمزيق العراق، فيما ينظر رئيس كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني في برلمان الإقليم أميد خوشناو، إن الاستفتاء يمثل “رسالة سلام إلى بغداد والعالم”، مؤكدًا خلال كلمته في البرلمان أمس أن التجربة أثبتت أن لغة الحوار والتفاهم وحدها التي ستنتصر في النهاية. وأضاف أن “دولة كردستان ستكون نموذجًا للتعايش السلمي والديمقراطية الحقيقية”، داعيًا الجميع إلى عدم البقاء في دوامة أخطاء ومشاكل الماضي.
ويتمحور الاستفتاء غير الملزم حول استطلاع رأي سكان المحافظات الثلاث في الإقليم الكردي، وهي: أربيل والسليمانية ودهوك، ومناطق أخرى متنازع عليها، حول رغبتهم بالانفصال عن العراق. في الوقت الذي يرفض فيه التركمان والعرب أن يشمل الاستفتاء محافظة كركوك وبقية المناطق المتنازع عليها.
العالم يعارض
بعد صدور قرار البرلمان الكردي اتصل رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، بنظيره حيدر العبادي الذي أعلن عن عدم الاعتراف بنتائج الاستفتاء المخالف للدستور، بينما نقل يلدريم للعبادي قوله إن يمثل “خطوة خاطئة”، مؤكدًا أن على إدارة إقليم كردستان العدول عن هذا القرار في أقرب وقت ممكن، لا سيما أن الاستفتاء لن يعود بالنفع على الإقليم والشعب الكردي والمنطقة. وأضاف أن الشعب الكردي جزء أساسي من الشعب العراقي وأفاد أن الحكومة العراقية لا تنوي الإضرار بأحد ولا ينوي استخدام أساليب العنف وختم “إننا مؤمنون على الدستور وهذا لا بعني أن نبادر بإيجاد حالة حرب.
وكان وزير الخارجية العراقي، إيراهيم الجعفري، ذكر قبل يومين، إن على زعماء أكراد العراق الاستعداد لمواجهة العواقب إذا أعلنوا الاستقلال من جانب واحد وإنهم سيجدون تنفيذه أصعب مما يتوقعون. وهو تصريح يحمل بين طياته تهديد للإقليم أن بغداد لن تتوانى عن التحالف مع الأطراف الأخرى في حال انفصل الإقليم عن العراق. وفي آخر تصريحات الرئيس أردوغان قال فيها، إن قرار مسعود البرزاني رئيس كردستان العراق عدم تأجيل الاستفتاء “خاطئ جدًا”، وأضاف أردوغان في مقابلة أمس الجمعة مع محطة تليفزيونية محلية إن تركيا ستعلن موقفها الرسمي من الاستفتاء في كردستان بعد انعقاد مجلس الأمن الوطني ومجلس الوزراء في 22 سبتمبر/أيلول أي قبل إجراء الاستفتاء بثلاثة أيام .
انفصال الإقليم سيؤدي إلى تغيرات كبيرة من شأنها أن تضعف الواقع العربي المفتت بشكل أكبر، لصالح تقوية كل من إيران وتركيا.
كما صدر بيان من البيت الأبيض أمس الجمعة ذكر فيه أن الولايات المتحدة تحث حكومة كردستان العراق على إلغاء الاستفتاء، وإجراء حوار مع الحكومة العراقية، معتبرة أنّه يضرّ بجهود هزيمة تنظيم “داعش” الإرهابي، وهي إشارة إلى أن البيت الأبيض لا يختلف مع الإقليم في إقامة الاستفتاء من الأساس إلا أن اعتراضه يتعلق بالتوقيت لا أكثر والذي سيؤثر على عملية التحالف الدولية العسكرية التي تسعى للقضاء على التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق.
ومع ذلك فإن مبعوث الرئيس الأمريكي للتحالف الدولي بريت ماكغورك، قال إن قادم الأيام سترتد بالسلب على الإقليم. وفي نفس السياق أوضح نائب المتحدث باسم الحكومة الألمانية، جورج ستريتر، أن بلاده تدعم وحدة الأراضي العراقية، مؤكدًا أن ألمانيا تدعو جميع الأطراف للحوار.
إلى ذلك، جدد رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني أمس الجمعة أن الأكراد لن يكونوا خدمًا للحكومة العراقية في بغداد، وقال “لا يوجد بديل لاستفتاء استقلال كردستان، ولن يتم تأجيله“ وفيما يخص النقطة الدستورية التي تتذرع بها بغداد ضد استفتاء الإقليم، قال البرازاني إن “بغداد تتحدث عن المادة 140 من الدستور العراقي بشكل اضطراري، مؤكدًا أن الأكراد لن يولوا أي اهتمام للتصريحات، أيًّا كانت الجهة التي تصدرها”.
وفي تصريح جريء أدلى به رئيس الإقليم قال فيه إن “الأكراد على استعداد للتضحية بأرواحهم من أجل الاستقلال الذي لا تراجع عنه”. الداعي لهكذا تصريح هو ما أعلنه البيت الأبيض أن إجراء الاستفتاء سيشكل خطوة استفزازية ومزعزعة للاستقرار في المنقطة، إضافة إلى الخشية من التحالف التركي الإيراني بالتعاون مع بغداد لشن عملية عسكرية ضد حزب العمال الكردستاني في العراق وسوريا. إذ أكد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أن حكومته ستتعاون مع تركيا في إطار المساعدة على إلغاء الاستفتاء.
أنقرة وطهران قد تقدمان على عمل عسكري ضد حزب “العمال الكردستاني” في جبل قنديل على الحدود الإيرانية العراقية، وطرد الحزب أيضًا من منطقة جبل سنجار في محافظة نينوى،
يُشار أنه بالرغم أن حكومة الإقليم تدرك أن المناخ الأمريكي العام متعاطف مع هذه الخطوة، إلا أنها تعترض على الآلية، غير ذلك فإن سياسات أمريكا التي اتبعتها في المنطقة أدت إلى تفكيك المفكك وخلق بيئة أكثر ملائمة لاحتضان مشروع استقلال الإقليم. أضف أن موقف واشنطن يقع بين أمرين الأول هو تأثيره على مواجهة “داعش” والثاني أنها ستقع في حرج مع حكومة بغداد لأنها وعدتها بالمحافظة على وحدة العراق. هذا مع الأخذ بالاعتبار أن بعض المسؤولين الأمريكيين حضوا بشكل علني على تفكيك العراق مثل السفير السابق في الأمم المتحدة، جون بولتون، كما أيد نائب الرئيس السابق جو بايدن الاستقلال أيضًا.
وأشارت تقارير ظهرت الأربعاء الماضي في بعض الصحف التركية، أن زعيم إقليم كردستان مسعود البارزاني وافق على الترحيب بعودة نحو 200 ألف يهودي إسرائيلي من أصل كردي إلى الإقليم، وأضافت أن “إسرائيل” تقوم في المقابل بدعم البارزاني في محاولته لإقامة دولة كردية عبر الاستفتاء المزمع إجراؤه في إقليم كردستان العراق.
فشل الإقليم
هناك عدة أسباب قد تؤدي إلى إفشال الدولة الكردية القادمة فيما لو تم الاستفتاء وكانت النتيجة هي الانفصال عن العراق، أولها من الناحية الاقتصادية إذ عبر البعض أن الظروف الاقتصادية الحالية لا تناسب القيام بهكذا خطوة، وأن الإقليم غير قادر على الإيفاء باحتياجاته بالموارد المتوفرة لديه.
فمديونية الإقليم تقترب من 20 مليار دولار أمريكي، ولا تزال حكومة الإقليم لا تقوى على دفع رواتب الموظفين وبعض قواته المسلحة. فيما لا يزال الاعتماد الرئيسي على عائدات النفط في ضوء إنتاج قليل وأسعار قليلة قد لا تكفي لتمويل إقامة دولة مستقلة، بالأخص أن صادرات نفط الإقليم تذهب إلى تركيا عبر أنبوب، قد تتوقف تركيا عن شراء نفط الإقليم لرفضها فكرة الانفصال وهو ما سيدخل الإقليم في مشاكل اقصادية.
المستفيد الأول والأخير من هذا الانفصال هي إسرائيل التي ستضمن بلا شك وجود لها في الإقليم إضافة إلى المزيد من تفكيك الوطن العربي.
إضافة أن الإقليم إلى اليوم يفتقد إلى نظام قضائي ودستور، فدستور 2009 لم يدخل حيز التطبيق بسبب رفضه في استفتاء شعبي، وإذا نظر إلى الوحدة العسكرية فهي مقسمة بين قوات “حزب الديمقراطي الكردستاني” وقوات حزب “الاتحاد الوطني الكردستاني”، ولا ركيزة للاقتصاد سوى صادرات نفطية تمر بأنبوب واحد يمر عبر تركيا التي قد توقف العمل به”، بحسب تعبيره.
إلى ذلك فإنه لا يمكن فصل مصالح الإقليم عن مصالح بغداد، والوضع اليوم أكثر تأزمًا مما سبق. وقد عزم بعض أعضاء البرلمان العراقي لجمع تواقيع لمفاتحة السفارات والهيئات المصرفية العالمية لمعرفة حجم أموال رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني ورئيس حكومة الإقليم نيجرفان البارازاني ومحافظ كركوك المقال نجم الدين كريم، لملاحقتهم ووضع اليد على أموالهم.
وتعدى ذلك إلى تدقيق جميع الحوالات الخارجية في أربيل لوجود شكوك بالتآمر على العراق وتمويل جماعات إرهابية، ويرى نواب في البرلمان أن مجلس النواب اليوم مطالب بالدفاع عن حقوق الشعب العراقي وعدم تفكيكه، عبر تحميل المسؤولية ضد الشخصيات الثلاث مسعود ونيجرفان البرزاني ونجم الدين كريم.
أما إقليميًا، فهناك كل من إيران وتركيا اللتين فعّلتا تعاونًا عسكريًا غير مسبوق في الفترة القريبة الماضية والذي يرى فيه مراقبون أنه جاء في ظروف حاسمة تمر بها المنطقة توجب هذا الحلف، وقد يؤدي إلى إبطال فاعلية أي حركة قد تؤذي مصالح البلدين في المنطقة ىوفي مقدمتها انفصال إقليم كردستان بالعراق.
آخر تصريحات الرئيس أردوغان حول استفتاء الإقليم: إن قرار مسعود البرزاني رئيس كردستان العراق عدم تأجيل الاستفتاء “خاطئ جدًا”
حيث تتخوف طهران من استقلال كردستان بسبب الجناح الإيراني الانفصالي لحزب “الديمقراطي الكردستاني” حزب “الحياة الحرة لكردستان”، وكذلك أنقرة، التي سيفتح استقلال الإقليم عليها بابًا لإعادة رسم خرائط المنطقة مرةً أخرى، وستخسر بانفصال الإقليم أي نفوذ لها في العراق على المدى المتوسط والبعيد، كما أنها تقاتل منذ عقود حزب “العمال الكردستاني” المصنف عندها على قائمة “الإرهاب” وقامت في الفترة الأخيرة بملاحقة فرعه في سوريا المتمثلة بـ”قوات سوريا الديمقراطية”.
وتشير تحليلات أن أنقرة وطهران قد تقدمان على عمل عسكري في كردستان العراق، ضد حزب “العمال الكردستاني” في جبل قنديل على الحدود الإيرانية العراقية، وطرد الحزب أيضًا من منطقة جبل سنجار في محافظة نينوى، مرورًا بالصفقة الأخيرة التي تمت في سوريا والتي من شأنها أن تقاسم تركيا النفوذ مع إيران وروسيا في إدلب مقابل إطلاق يد أنقرة ضد الكردستاني في عفرين.
جميع العوامل أعلاه قد تؤدي إلى إفشال قيام دولة كردية حتى لو تم الاستفتاء بعد عشرة أيام من الآن، فلو قبلت بغداد والدول الإقليمية بتفكك العراق فإنها لن تقبل بإنجاح هذه التجربة وستصر على إفشالها اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا ما أمكنها ذلك. كما أن انفصال الإقليم سيؤدي إلى تغيرات كبيرة من شأنها أن تضعف الواقع العربي المفتت بشكل أكبر، لصالح تقوية كل من إيران وتركيا، هذا مع الإشارة أن المستفيد الأول والأخير من هذا الانفصال هي “إسرائيل” التي ستضمن بلا شك وجود لها في الإقليم إضافة إلى المزيد من تفكيك الوطن العربي.