لا بد أن صادفك ذات يوم كتب أو قوائم معنونة بأهم مئة كتاب في التاريخ، أو 1001 كتاب يجب أن تقرأهم قبل أن تموت، تنسج هالة حول كل كتاب وتفرد له صفحات بشأن أهميته أو موقعه من تاريخ الأدب، تلك القوائم قد تدفع بعض القراء للشعور بالخجل لعدم قراءتهم لأي عنوان ورد بها، مما يدفعهم للذهاب إلى المكتبات والبحث عن العناوين الواردة بها والبدء في قراءتها، ولكنهم سريعًا ما يصابون بخيبة أمل إزاء بعض العناوين.
في النسخة الفائتة من معرض القاهرة الدولي للكتاب تنتظرني “الجبل السحري” لتوماس مان في مكانها مثل كل عام، أكتفي بإلقاء نظرة حسرة عليها من بعيد وابتعد، لحسن حظي أنني ابتعدت عنها ولم أخاطر بميزانية معرض الكتاب كاملة، إذ صادفتني نسخة منها في المكتبة العامة ضمن المقتنيات الجديدة، وقررت أن أعود بالمجلد الضخم إلى المنزل على أمل قضاء عدة أيام في الجبل السحري، لكن ما حدث أن السحر تحطم، تلاشى كليًا وتخليت عن قراءتها بعد نحو 40 صفحة.
يداهم المرء شعور بالسوء لأنه أسقط عملاً عظيمًا من قائمة قراءته مما يجعله ينسى حقه في عدم إنهاء كتاب، فتجد دانيال بناك في كتابه “متعة القراءة” يشير إلى واحد من الأسباب التي يجب التوقف أمامها عند التخلي عن متابعة كتاب ما وهو الشعور المبهم بالهزيمة، والصراع مع النص لكن دون جدوى، ورغم شعوره أن ما هو مكتوب يستحق القراءة فلا يزال لا يفقه شيئًا، فيتخلى عن الكتاب أو بالأحرى يدعه جانبًا إلى أن يعود إليه يومًا ما.
للكاتب الأرجنتيتي ألبرتو مانغويل عدة كتب تدور في فلك عالم القراءة والكتب والمكتبات مثل “مدينة الكلمات” و”المكتبة في الليل” و”فن القراءة”
وبعيدًا عن اقتراحات الكتب من القوائم أو الكتب التي تتسم بالأسلوب الجاف في عروضها، قد تتابع فيلمًا مثل “منتصف الليل في باريس” لوودي آلن، وتتعثر في هيمنغواي ووليمته المتنقلة، أو تقرأ مذكرات كولون ويلسون وتجده في أكثر من موضع يثير ذكر “الإنسان والسوبرمان” لبرنارد شو، أو يقترح صديقك المقرب عليك عنوان كتاب معين بعينين شغوفتين.
ما يجمع الأمثلة الثلاث السابقة شيء واحد مؤكد، هناك مشاعر قوية ودافئة تدفع بالكتاب إليك، تجعلك فضولي لاستكشافه بعيدًا عن سؤال هل هو كتاب جاد وقيم ومهم أم لا، ويطفو سؤال آخر: لماذا يحبون أو يكرهون هذا الكتاب؟ أو كيف غير من طريقة تفكيرهم؟ في الجزء التالي من المقالة نستعرض 3 كتبًا لأدباء يسردون خلالها تجاربهم مع القراءة وكتبهم المفضلة.
يوميات القراءة.. ألبرتو مانغويل
“القراءة فعل مريح ومنعزل وهادئ وحسي” ألبرتو مانغويل
للكاتب الأرجنتيتي ألبرتو مانغويل عدة كتب تدور في فلك عالم القراءة والكتب والمكتبات مثل “مدينة الكلمات” و”المكتبة في الليل” و”فن القراءة”، وعن يوميات القراءة يقول مانغويل: “بعد بلوغي 53 قررت أن أعيد قراءة بعض من كتبي القديمة المفضلة، وقد دهشت مرة أخرى لملاحظة كيف تبدو هذه العوالم المتراكمة والمعقدة من الماضي انعكاسًا للفوضى السوداوية التي يحياها عالمنا الحاضر”.
ويعد الكتاب هجينًا من المذكرات الشخصية، ويشتمل على ملاحظات وتأملات وأدب رحلات وصور وصفية لأصدقاء ولأحداث عامة وشخصية مستلهمة كلها من قراءاته.
ويشبه مانغويل أن كل كتاب بالنسبة لأي قارئ هو كائن في حالة من الغموض حتى تبادر اليد إلى فتحه والعين إلى مطالعته وتوقظ الحياة في الكلمات، و”يوميات القراءة” محاولته لتسجيل تلك الإيقاظات.
من بين الأعمال التي يستعرضها مانغويل في كتابه: “جزيرة د.مورو” لهربرت جورج ويلز و”إشارة رقم 4″ لأرثر كونان دويل “ودون كيشوت” لميجيل دي ثربانتس.
ونشرت أكثر من طبعة عربية للكتاب من ترجمة عباس المفرجي عن دار الساقي.
ألوان أخرى.. أورهان باموق
“أن تحمل كتابًا في جيبك أو حقيبتك، خاصة في أوقات الحزن، معناه أنك تمتلك عالمًا آخر، عالمًا يمكن أن يجلب لك السعادة” أورهان باموق.
يتشكل “ألوان أخرى” للكاتب التركي والحائز على جائزة نوبل للآداب عام 2006م من عدة قطع تتمركز حول سيرته الذاتية، فيقول في المقدمة: “هذا الكتاب يأخذ شكل متتالية من شذرات ولحظات وأفكار السير الذاتية لكي أتحدث عن إسطنبول، أو لأناقش المفضل عندي من الكتب، أو المؤلفين الذين أحبهم واللوحات، كان هذا دائمًا بالنسبة لي ذريعة للتحدث عن الحياة”.
ينقسم الكتاب إلى 6 أقسام، ويخصص القسم الثاني للحديث عن الكتب والقراءة ومؤلفيه المفضلين، وما يمكنك ملاحظته هو صراحة ومباشرة باموق المطلقة فتجده يصف مكتبته بأنها ليست مصدرًا للفخر وإنما مصدر للانتقام من الذات وكبت النفس، أو شعوره الطاغي بالحرج بل والتعاسة لأنه استثمر بعض وقته وماله في بعض الكتب، “لأنني أخشى الارتباطات بقدر ما أخشى الحب، فإنني أرحب بأي مبرر للتخلص من الكتب”. ص127
وعلى الرغم من عدم شعوره بعاطفة تجاه مكتبته التي تربو عن 12 ألف كتاب، فبمقدوره التقاط الكتب التي يحبها في أي وقت.
ويخصص باموق مساحة أخرى للحديث عن متعة القراءة، وثالثة بعنوان مباهج القراءة، وأخرى عن كتّابه المفضلين مثل ستاندال ودوستويفسكي وفيكتور هوجو وأعمالهم، وصدر عن دار الشروق الطبعة العربية من ترجمة سحر توفيق عام 2009.
الكتب في حياتي.. هنري ميللر
يبين ميللر للقارئ في بداية الكتاب هدفه ودافعه الرئيسي وراء كتابته، وهو أن يحكي من خلاله قصة حياته مع الكتب، أن يحكي عنها كتجربة حيوية وليست دراسة نقدية أو برنامجًا لتثقيف النفس، ويعرف القارئ في البدايات بالحقيقة التي توصل إليها على مدار سنوات القراءة، وهي أقرب لنصيحة أيضًا “على المرء أن يقرأ أقل فأقل، وليس أكثر فأكثر، وإن كان يسعى وراء المعرفة أو الحكمة يجدر به أن يتوجه إلى المنبع وهو تجربة الحياة ذاتها”.
ويشير إلى هدف أساسي آخر للعمل وهو تقديم الثناء عند اللزوم، على الرغم علمه المسبق بأنها مهمة مستحيلة التحقق، ويخصص صاحب ثلاثية الصلب الوردي في نهاية الكتاب ملحق بعناوين الكتب الأشد أثرًا عليه خلال حياته تكاد تقترب من المئة عنوان، منها: “ألف ليلة وليلة” و”حكايات خرافية” لهانز كريستان أندرسن و”الديكاميرون” لجيوفاني بوكاتشيو “سدهارتا” لهيرمان هسه.