ترجمة وتحرير نون بوست
كتب رود نوردلاند وإيريك شميت
خلال الليل، خرج الرجل من الحافلة الواقعة في وسط الصحراء السورية ليقضي حاجته. كانت هذه الحافلة جزءا من قافلة تحمل 300 مقاتل من أنصار تنظيم الدولة الذين علقوا هناك منذ مدة، بسبب الراجمات الأمريكية التي منعت تحركهم، ولكنها لم تتمكن من تصفيتهم لما تتضمنه القافلة من أطفال ونساء.
في تلك الساعة من الليل، خطى الرجل لمسافة قصيرة وبدأ في قضاء حاجته، إلا أن صاروخا أمريكيا من نوع “الأي جي أم-114 هيلفاير” أنهى النزهة القصيرة. وقد قُتل أكثر من 20 عنصرا من تنظيم الدولة في تلك القافلة بهذه الطريقة، مع العلم أن هذه كانت أبرز جوائز التعزية التي جناها الأمريكيون بعد انتهاء أسبوعين من الحذر الشديد والمواجهة في المنطقة، متوعدين بعدم السماح لمقاتلي تنظيم الدولة بالتقدم عليهم ومنحهم النصر التكتيكي.
في هذا السياق، قال المسؤولون الأمريكيون إن قرار الانسحاب كان نتيجة معادلة معقدة من الصراع حول الأولويات والمحادثات في ساحة المعركة السورية، التي تشبه رقعة شطرنج ثلاثية الأبعاد، حيث تتمثل أبعادها الثلاثة في: التحول الإستراتيجي المستمر، الفرص المصادرة والانسحابات السريعة. كما بين توماس جوسلين، الزميل البارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن، أن “تلك الحرب فوضوية، كل ما هناك فوضوي، لا تدري من له الحق للتحرك في سوريا”.
منيت آمال الأمريكيين بخيبة كبيرة واضطروا إلى العدول عن مساعيهم، وذلك على خلفية اتصال هاتفي صدر من المقر الرئيسي للجيش الروسي في سوريا يوم الجمعة الماضي
في الحقيقة، كان الأمريكيون متحمسين في البداية للقضاء على تلك القافلة، بعد أن عقد تنظيم الدولة اتفاقا مع الحكومة السورية ومليشيات حزب الله الحليفة له، يقضي بالسماح لمقاتلي التنظيم وعائلاتهم بالعبور بأمان عبر سوريا متجاوزين الحدود اللبنانية في الغرب نحو المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في شرق سوريا والعراق.
ثم بعد أيام، بدأت الغارات الجوية الأمريكية تقطع الطريق أمام هذه القافلة، منهية تقدمها. إذ توعد المسؤولون الأمريكيون بعدم السماح للقافلة بالمرور و الحيلولة دون عودة المقاتلين إلى ساحة القتال. وفي هذا الصدد، صرح بريت ماكغورك، المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة، “سيعمل تحالفنا على منع هؤلاء الإرهابيين من الوصول إلى العراق أو الالتحاق بما تبقى من خلافتهم المزعومة”.
في المقابل، منيت آمال الأمريكيين بخيبة كبيرة واضطروا إلى العدول عن مساعيهم، وذلك على خلفية اتصال هاتفي صدر من المقر الرئيسي للجيش الروسي في سوريا يوم الجمعة الماضي، نحو المقر الرئيسي للقوات الأمريكية في بغداد. وقد طلبت روسيا من خلاله سحب الولايات المتحدة لطائراتها الاستطلاعية المرافقة للقافلة، وبالتالي ستتمكن من مواصلة تقدمها نحو وجهتها المرتقبة.
مراقبة موقع الصراع، من تصوير مؤسسة أي أيتش إس الأمريكية
في الواقع، كان هذا الطلب جزءا مما يسمى في المجال العسكري “بتفادي التضارب”، وهو إجراء يهدف إلى منع القوات السورية التي تساندها روسيا، ونظيرتها التي تساندها الولايات المتحدة من مهاجمة بعضهما البعض عن طريق الخطئ، في الوقت الذي قد يحاول فيه الاثنان القضاء على تنظيم الدولة.
نتيجة لذلك، كان التنسيق مع روسيا مهما جدا، وذلك للتقارب الشديد في المواقع بين القوات التي تدعمها روسيا والقوات الأخرى التي تدعمها الولايات المتحدة، اللتين كانتا على مقربة من مدينة دير الزور، الواقعة على ضفاف نهر الفرات، خاصة وأن الطرفان يشنان غارات جوية في المنطقة. فقد تمركزت القافلة بالقرب من مدينة السخنة، في الجانب الروسي من خط “تفادي التضارب”، الذي تشن فيه الطائرات الروسية غاراتها الجوية بموافقة روسية أمريكية. وفي هذا السياق، أفاد توماس جوسلين “إن طريقة عمل تفادي التضارب يمنح روسيا بعض المواقع لتتصرف فيها وفق إرادتها، وكانت هذه إحداها”.
فضلا عن ذلك، لم ترد الولايات المتحدة ضرب إجراء حربي قد تحتاج إليه في وقت لاحق. تبعا لهذا، وافق الأمريكيون ووصلت القافلة إلى المنطقة الواقعة تحت سيطرة تنظيم الدولة ليلة الأربعاء الماضي، ودخلت مدينة الميادين بعد 17 يوما من مغادرتها الحدود اللبنانية.
يوم الخميس، توغلت القافلة أكثر في الجنوب نحو مدينة البوكمال الواقعة على الحدود العراقية. وبحسب نشطاء معارضين للنظام السوري ومسؤولين في الجيش العراقي كانوا في المنطقة الحدودية، فقد وصل جزء من هذه القافلة إلى مدينة القائم العراقية في غرب محافظة الأنبار، في المنطقة التي يسيطر عليها تنظيم الدولة، ما تسبب في خلق حالة من الاحتقان بين المسؤولين العراقيين.
مع صدور الطلب الروسي “بتفادي التضارب”، بدأت المواجهات الأمريكية في محيط القافلة، فقضت قواتها على عدد كبير من مقاتلي تنظيم الدولة، وتعرضت الحافلات إلى الطلق الناري المكثف، وذلك وفق ما قاله العقيد ريان ديلون، المتحدث باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.
أنصار حزب الله يحتفلون بعودة أحمد مبروك إلى لبنان يوم الخميس، بعد أن كان في قبضة تنظيم الدولة في سوريا. وقد وعد حزب الله بحماية القافلة في صفقة يطلق بموجبها تنظيم الدولة السجناء الذين تحت قبضته.
في شأن ذي صلة، قال المتحدث أيضا إنه في الوقت الذي كان يرسل فيه تنظيم الدولة بشكل متكرر مقاتلين لإنقاذ القافلة عبر الطريق السريع الوحيد المؤدي إليها، كانت الطائرات الحربية الأمريكية والطائرات من دون طيار تقضي عليهم بكل سهولة، حتى أن تكنولوجيا الرؤية الليلية قد جعلت من راحة منتصف الليل خطرا محدقا. وقد أفاد العقيد ديلون أن الغارات الأمريكية قد دمرت إجمالا 40 عربة إنقاذ تابعة لتنظيم الدولة، وقتلت 85 مقاتلا، بعضهم من ركاب القافلة، بينما كان الآخرون من رجال الإنقاذ.
والجدير بالذكر أن المواجهة امتدت من عدة أيام إلى أسابيع، حيث كان الجيش الأمريكي خلالها قلقا حيال السمعة السيئة التي قد تلحقه لما تتضمنه تلك القافلة من المدنيين الذين تقطعت بهم السبل. وعلى الرغم من وصول الطعام والماء إلى القافلة إلا أن حرارة الصحراء كانت قاسية، كما تزامن الحصار مع ولادة 3 نساء حوامل كن على متن الحافلات التابعة للقافلة، وذلك وفق ما صرح به مسؤول كبير في حزب الله.
في سياق متصل، اعتبر العقيد ديلون أن هذا لم يكن السبب الرئيسي للانسحاب، ولكنه كان عاملا من العوامل المساعدة في اتخاذ هذا القرار. خلال تلك المواجهة، عرقل المدنيون في القافلة عمل القوات الأمريكية، إذ يوجد بها أكثر من 300 مدني بحسب ما صرح به حزب الله. وبالتالي، إن كان التنظيم قد قصد منذ البداية استخدامهم كدروع بشرية، فقد نجح في ذلك.
في الأثناء، كان حزب الله والنظام السوري منشغلين حيال ضرورة وصول القافلة إلى وجهتها الأخيرة. وقد كان النظام، الذي منع وسائل إعلامه من الحديث عن القافلة، محرجا من رؤية تلك القافلة عالقة على أرضه، ولعل هذا ما صرح به العديد من أنصار الحكومة السورية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
الغارات الجوية قد قتلت قيادات بارزة في التنظيم الإرهابي، ودمرت مخابئ الأسلحة، وضربت أهدافا عسكرية في الميادين والبوكمال
في حقيقة الأمر، كانت رغبة حزب الله وأنصاره من الإيرانيين منذ البداية تتمثل في إطلاق تنظيم الدولة لسجنائهم مقابل تسليم جثث مقاتليه. ونتيجة لهذا، قال مسؤول كبير في حزب الله إن الحكومة السورية وإيران قد ضغطتا على روسيا من أجل غلق هذا الملف مع أمريكا.
في هذا الصدد، أورد توماس جوسلين “كان هذا اتفاقا يقضي بنقل مقاتلي تنظيم الدولة بعيدا عن الحدود اللبنانية، والحقيقة أن القوات التي تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية قد عقدت اتفاقا مشابها لهذا، كذلك فعل حلفاء روسيا وهم إيران ونظام الأسد وحزب الله. لقد أرادوا غلق هذا الملف بناء على ما وقع الاتفاق عليه، وربما كان ذلك بهدف عقد اتفاقات أخرى في المستقبل”.
مع وصول القافلة إلى منتصف وادي نهر الفرات، كانت المعركة تلاحقهم إلى هناك. فقد قتلت الغارات الأمريكية قادة بارزين في التنظيم في الميادين الأسبوع الماضي، وفق ما صرح به جوسلين. بينما قال العقيد ديلون يوم الخميس إن الغارات الجوية قد قتلت قيادات بارزة في التنظيم الإرهابي، ودمرت مخابئ الأسلحة، وضربت أهدافا عسكرية في الميادين والبوكمال.
كما بلغنا عبر اتصالات هاتفية مع سكان مدينة القائم على الحدود العراقية، أن مقاتلي تنظيم الدولة بدؤوا في التسلل إلى المنازل الشاغرة في المدينة. وقد أفاد أحد سكان المدينة، الذي لم يكشف إلا عن اسم قبيلته وهي “السلماني” وذلك خوفا من انتقام التنظيم منه، “لقد سمعنا أنهم قدموا إلى هنا بعد ذلك عقد صفقة مع حزب الله”.
المصدر: نيويورك تايمز