“روسيا مستعدة لخوض حرب عالمية جديدة من أجل هذه المنطقة”، هكذا علق الكاتب السوري باسل حفار على الأخبار المتتالية عن حدوث اضطرابات في جمهورية القرم ذاتية السيادة والتابعة للجمهورية الأوكرانية.
وكان باسل حفار قد أشار قبل نحو أسبوع إلى أهمية شبه جزيرة القرم وتصارع القوى الإقليمية على السيطرة عليها منذ أكثر من أربعة قرون، حيث قال: “في عام 1687م بدأت الحملات الروسية للسيطرة على قرم، فمارست الجيوش الروسية خلالها واحدة من أبشع عمليات الإبادة والتهجير بحق المسلمين التتار، واستمرت على مر عقود ترتب عليها تغييرا ديمغرافيا كبيرا تضمن هجرة اكثر من مليون شخص منهم إلى تركيا وتقلص عدد التتار من تسعة ملايين نسمة تقريبا عام 1883م إلى نحو 850 ألف نسمة عام 1941م”.
وتوجد في مدينة سيفاستوبول، عاصمة جمهورية القرم، ويطلق عليها سابقا تسمية “أق مسجد” أي المسجد الأبيض، قاعدة عسكرية روسية ضخمة تضم مركز قيادة الأسطول الروسي في البحر الأسود، وذلك لأهمية المدينة جغرافيا وتواجدها في وسط البحر الأسود، كما يظهر في الخارطة:
التصعيد في قرم:
عمليا بدأت وتيرة الأحداث تتصاعد تدريجيا في شبه جزيرة القرم، فبعد خروج بضعة آلاف من المتظاهرين المؤيدين لسقوط الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش وخروج آخرين من المؤيدين له، وبعد إعلان رئيس برلمان القرم عن نية عقد جلسة برلمانية لمناقشة قرار الانفصال عن أوكرانيا والانضمام إلى روسيا، قام مسلحون مجهولو الهوية بالسيطرة على مبنى البرلمان ورفع العلم الروسي فوقه، ثم قام مسلحون بالسيطرة على مطار العاصمة.
وأفادت معلومات قدمتها مصادر أمنية لمراسل وكالة الأناضول في مدينة سيمفروبول، أن قيام جماعة من المسلحين ترتدي الزي العسكري بالسيطرة على مطار العاصمة؛ جاء على خلفية إشاعات حول زيارة مرتقبة كان سيجريها رئيس الوزراء الأوكراني “أرسيني ياتسينيوك” إلى القرم.
وأوضحت المعلومات أن المسلحين الذين قاموا باحتلال مطار “سيمفروبول” وبرلمان ورئاسة وزراء جمهورية القرم، هم أعضاء فرقة “بركوت”، التابع لقوات الأمن الأوكرانية زمن الرئيس “فيكتور يانوكوفيتش”، والذي تم إلغاؤه من قبل الحكومة الأوكرانية الجديدة، بسبب اتهامه بالمسؤولية عن مقتل 80 من المتظاهرين الأوكرانيين، الذين اعتصموا في ساحة الاستقلال، لاسقاط يانوكوفيتش.
في حين ذكر مراسل لشبكة “بي بي سي” أن المسلحين في مطار سيمفروبول استولوا على مبنى قديم في المطار به برج المراقبة ، مضيفا أنهم وصلوا ليلا على متن شاحنات مرتدين زيا موحدا ولا تظهر عليه أي شارات، كما أشار إلى أن “الناشطين الموالين لروسيا قدموا لهم يد العون وأبعدوا طواقم التصوير”.
مواقف دولية ومحلية:
أوليكسندر تيرتشينوف، القائم بأعمال الرئيس الأوكراني ورئيس البرلمان، قال في مؤتمر صحفي عقده فجر اليوم أن لديه معلومات استخباراتية، تفيد “أن روسيا تعكف على تنفيذ سيناريو، مشابه كثيرا للسيناريو الذي نفذته من قبل في “أبخازيا”، وذلك من خلال إثارة القلاقل أولا في القرم، ثم ضمها بعد ذلك إلى أراضيها”.
وأشار تيرتشينوف إلى أن روسيا تحاول استفزاز أوكرانيا لتجرها إلى اشتباكات مسلحة، موضحا أنها “بدأت بالفعل اعتداءها المسلح، من خلال إجرائها مناورات عسكرية وإدخالها جنودا إلى القرم”، مؤكدا أن “العناصر التي استولت على العديد من المباني الحكومية في القرم تابعة لروسيا”.
وأما الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، فقد حذر في مؤتمر صحفي مفاجئ عقده صباح اليوم، من أن “المجتمع الدولي متفق على أن أي تحرك عسكري ضد أوكرانيا، سيكون له ثمن مكلف”، وأن “أي انتهاك لوحدة الأراضي الأوكرانية، وسيادتها، سيؤدي إلى حالة بالغة من عدم الاستقرار، وهذا ليس من مصلحة لا أوكرانيا، ولا روسيا، ولا الاتحاد الأوروبي”.
وبدوره شدد وزير الخارجية التركي، أحمد داود أوغلو، على أن “جمهورية القرم هي جزء لا يتجزأ من وحدة التراب الأوكراني”، معرباً عن إيمانه بالقدرة على حل جميع المشاكل ضمن وحدة التراب الأوكراني.
وقال داود أوغلو: “جمهورية القرم هي بمثابة جسر تواصل بين تركيا وأوكرانيا، فوجود أبناء جلدتنا، تتار القرم، الذين يتقاسمون اللغة والدين والموروث الثقافي نفسه مع تركيا، في المنطقة يجعلها تكتسب أهمية خاصة بالنسبة لنا”.
برلمان القرم يحسم أمره:
من جانبه اختار برلمان جمهورية القرم سيرغي أكسنوف، رئيس حزب الاتحاد الروسي، رئيسا جديدا للحكومة خلفا لأناتولي موغيليف، الذي أُقيل من منصبه في وقت سابق أمس الجمعة. كما أعلن البرلمان في وقت لاحق 25 مايو/أيار موعدا لإجراء استفتاء في شأن توسيع الحكم شبه الذاتي في القرم.
وفي أول تصريح له عقب اختياره، قال رئيس الحكومة الجديد أكسنوف: “الرئيس فيكتور يانكوفيتش هو رئيسنا الشرعي”، مؤكدا بذلك رفضه للتوجه الجديد لأوكرانيا ولـ”الثورة” الأوكرانية التي أطاحت بالرئيس يانوكوفيتش.
مع العلم أن يانوكوفيتش ظهر مساء أمس لأول مرة منذ الإطاحة به، وقال في مؤتمر صحفي عقده في مدينة روستوف الروسية: “سنواصل نضالنا ضد من وصل إلى السلطة بالقوة والتخويف من أجل مستقبل أوكرانيا، وأنا لم يطح بي أحد، بل تركت السلطة بسبب التهديدات التي تعرضت لها وتعرض لها أقربائي”، مضيفا: “المعارضة لم تلتزم بشروط الإتفاق الذي أبرمته معها بحضور وزراء خارجية ثلاث دول أوروبية”.
وحول مسألة القرم قال يانوكوفيتش: “ما يجري في القرم رد فعل طبيعي على الانقلاب في كييف، بصفتي رئيساً لأوكرانيا أقول أنه ينبغي أن يبقى القرم جزءاً لا يتجزأ من أوكرانيا مع الإبقاء على حكمه الذاتي”.