ترجمة حفصة جودة
“اتركها وحدها يا أبا بكر” هكذا صرخت الأم في طفلها ذي الخمس سنوات عندما كان يحاول إزعاج الدجاج في زاوية تلك الغرفة الحارة المتسخة، حيث كان يصب جراكن الماء عليهم، عنفت نور الهدى – لبنانية في الـ20 من عمرها – أبي بكر – ذي الشعر المجعد – وهو الأكبر بين أخوته الأربعة وقريبًا سيكونون خمسة، تبرم أبو بكر لكنه سمع كلام أمه، أوضحت نور أنها أسمته باسم خليفة داعش، وقالت: “سوف نغادر إلى بلدنا خلال يومين، ربما سيكون لدينا دجاج للاحتفال”.
تقول صديقتها السورية فاطمة وهي تشير إلى عنقها بعلامة قطع الرأس: “دعونا نذبحها على طريقة داعش”، مما جعل نور تعاني من كثرة الضحك حتى إنها اضطرت لمعانقة بطنها النامية، تبدو نور أصغر بكثير من 20 عامًا، لكنها كفتاة تزوجت بعمر الـ14 وعاشت في عاصمة الخلافة 3 أعوام، تتصرف بأكبر من عمرها الحقيقي.
هذه البهجة لا تتفق أبدًا مع الحزن الموجود في مخيم النازحين داخليًا ومع التجارب التي شكلت حياتها حتى الآن، لكن ربما سعادتها تلك تنبع من وجود أخبار جيدة، يقول جيلاد رئيس المخيم إن والد نور رتب للقاء ابنته وأحفاده يوم الخميس للانضمام إلى العائلة عبر الحدود مع لبنان.
كانت المدينة في أيدي الحكومة السورية ومنها إلى مقاتلي الجيش الحر ثم داعش وفي النهاية تحت حكم الإدارة المدنية في الرقة المدعومة من الأكراد
هذه الأخبار تجعل نور الأكثر حظًا بين “زوجات داعش” مثلما يسميهم بقية سكان المخيم في عين عيسى على بُعد 45 ميلًا شمال الرقة، كان قلب الخلافة الإسلامية في سوريا والعراق منيعًا لا يمكن اختراقه، لكن منذ أن بدأت الحملة الكردية العربية المشتركة المدعومة من الولايات المتحدة بمحاربة المقاتلين بجدية في شهر يونيو، أصبح نفوذ داعش ضعيفًا في الرقة.
تراجع الجهاديون مخلفين وراءهم عبوات ناسفة محلية الصنع وأحد القناصين كحارس، بينما يحاولون التمسك بأراضيهم المتقلصة تحت تهديد القصف الجوي المستمر للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، قاتل معظم المجاهدين حتى الموت وقُبض على بعض منهم، بينما ترك أغلبهم زوجاتهم وأطفالهم وراءهم.
لم يكن الموظفون في المخيم متأكدين مما يجب القيام به تجاه زوجات المقاتلين، لكنهم فصلوا “زوجات داعش” عن بقية سكان المخيم في تجمع صغير يتم الوصول إليه من خلال رئاسة المخيم، منذ أن بدأت الحرب السورية عام 2011 كانت المدينة في أيدي الحكومة السورية ومنها إلى مقاتلي الجيش الحر ثم داعش وفي النهاية تحت حكم الإدارة المدنية في الرقة المدعومة من الأكراد، في قديم الزمان في أثناء حكم النظام كانت عين عيسى مركزًا لزراعة القطن وفقًا للافتة التي ما زالت معلقة على مدخل المدينة.
تحكي معظم النساء قصصًا مشابهة، فالخلافة لم تكن مثلما يظنون
في الغرفة التي نتحدث فيها كان هناك طاولة بلاستيكية صغيرة مكدسة بمجموعة من الحفاضات ولوزام الأطفال الأخرى، وهناك مراتب رقيقة للجلوس والنوم ولا شيء آخر، على إحدى تلك المراتب ينام طفل صغير للغاية على وجهه بجوار نور بينما يلعب بقية الأطفال ويتشاجرون بالقرب من رأسه.
في الممر الخارجي في الهواء الطلق كان الوضع فوضويًا، 16 امرأة و32 طفلًا يعيشون في 3 غرف فقط وفناء خرساني صغير، كان المكان حارًا وقذرًا ومزعجًا حيث تصرخ النساء في بعضهن البعض وفي أطفالهن.
من بين هؤلاء النساء كان هناك العديد من الأجنبيات، من بينهن امرأة تركية شقراء ووافدة جديدة من هولندا وامرأة زرقاء العينين تمرّض طفلًا نصف إندونيسي، هذا الخليط من اللغات والأعراق والفقر الشديد يشير إلى التجربة السيئة التي مرت بها هؤلاء النساء.
تحكي معظم النساء قصصًا مشابهة، فالخلافة لم تكن مثلما يظنون، تقول بعض الزوجات إن أزواجهن خدعوهن للانتقال إلى سوريا وبعضهن خدعن أنفسهن، ودون أوراق أو أدلة أو محاكمة ضد اعتداء واضح وجدت النساء الأجنبيات على وجه الخصوص أنهن في مأزق قانوني ولا جنسية ومحتجزات ضد إرادتهن.
معظم هؤلاء النساء يعتقدن أن الأمر سينتهي بهن محتجزات في مكان ما
تمكنت إحدى النساء الأجنبيات، وهي فرنسية مغربية، من مغادرة المخيم الأسبوع الماضي، ربما تكون السفارة الفرنسية قد أنقذتها، لكن يبدو الأمر غير متوقع نظرًا لأن فرنسا تتوقع أن الفرنسيات أعضاء داعش قُبض عليهن في أثناء معركة الموصل ليواجهن المحاكمة في العراق بدلاً من عودتهن إلى ديارهن، معظم هؤلاء النساء يعتقدن أن الأمر سينتهي بهن محتجزات في مكان ما.
لا يختلف وضع نور – من طرابلس شمال لبنان – عن وضع أخواتها الجدد، عدا أنها قد تعود إلى ديارها حقًا، تقول نور: “كنت في الـ17 من عمري عندما جئت إلى هنا، كنت طفلة ولا أعرف شيئًا”، تقول نور إن الانتقال إلى سوريا كان فكرة زوجها الأول الراحل والذي قُتل في الحرب عام 2015، وقالت إنها لم تكن حزينة على وفاته.
ولأن داعش لم تكن تتسامح مع السيدات العازبات أو الأرامل الحوامل، فقد ضغطوا عليها للزواج مرة أخرى فتزوجت سريعًا من زوجها الثاني من تونس، قُتل زوجها الثاني أيضًا دفاعًا عن خلافة داعش المفككة، ورغم أنه والد طفلها الأصغر والطفل القادم في الطريق، فإن نور لا تقول عنه سوى “التونسي” وتضحك عندما نسألها إذا كانت تحمل تجاهه أي مشاعر وتقول: “لقد انتهي الأمر ففيما يفيد الكلام، لقد مات وأنا سأعود إلى دياري”.
كانت نور غامضة في التفاصيل بشأن كيفية تأمين عائلتها لعودتها، ويبدو أنها لا تفهم ما يجري بالفعل، فقط أن والدها وجد بطريقة ما ممرًا آمنًا من خلال الأراضي التي يسيطر عليها بشار الأسد إلى لبنان أو من خلال المناطق الكردية شمال سوريا إلى حدود العراق.
ترتيب الأمر ليس معروفًا رغم تأكيد مدير المخيم على أنه سيحدث، وليس أمامنا سوى انتظار نجاح الصفقة، قلت لها وأنا أضع قطعة من الورق بها اسم والدها وعنوانه في جيب قميصي: “أراك في بيروت”، صفقت نور بكل حماس وقالت: “نعم، هكذا يفعلون في برنامج عرب آيدول عندما يصل المتسابق إلى جولة ثانية، لقد اشتقت إلى التلفاز”، ثم التقطت أنفاسها وأضافت: “واشتقت أيضا لأبي وأخوتي، يجب أن أعترف أنني اشتقت إليهم أكثر من ذي قبل”.
المصدر: الإندبندنت