قد تبدو فكرة المواعدة بمفهومها الإعلامي المنتشر في الأفلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي غريبة على كل ملتزم بالتعاليم الإسلامية، بل قد ينفر البعض منها كليًا على اعتبار أنها ليست جزءًا من تعاليم الإسلام الخاصة بعلاقة الرجل والمرأة خارج إطار الزواج، ولكن ماذا لو كانت الفكرة غربية ولكن بتنفيذ إسلامي؟
لقد تغيّر العالم من حولنا، وتغير شكل الحدود منذ قرن من الزمان، وشهدت البلاد أوضاعًا سياسية غيرت من مصير بلاد بأكملها، والآن لدينا عدد لا بأس به من ملايين المسلمين حول العالم يعيشون في بلاد غير مسلمة، ويندمجون مع مجتمعات تختلف ثقافتهم عنهم كليًا، إلا أن البعض منهم يحاول الالتزام بتعاليمه الإسلامية، والتي يكون جزء مهم منها علاقة الرجل بالمرأة، خصوصًا في مجتمعات منفتحة كالمجتمعات الغربية، وهو ما ألهم العديد من الشباب المسلم ورواد الأعمال المسلمين في تلك البلاد تبني فكرة مواقع “المواعدة الإسلامية”.
تبدو الفكرة غربية بعض الشيء، خصوصًا مع الترويج الإعلامي لها في الوسائط الإعلامية الغربية والأفلام الأجنبية، بل وانتشار الدعاية والإعلان ببعض المواقع بعينها ليكون لها تطبيقات خاصة بمواقع التواصل الاجتماعي ومنصات اجتماعية مستقلة بذاتها أيضًا على شبكة الإنترنت، ولكن تلك الفكرة لها نسخة إسلامية مستقلة أيضًا بذاتها، تحاول توفير مبدأ المواعدة والتعارف بين الرجل والمرأة في إطار إسلامي غير مخالف للدين والعُرف، ليساعد المسلم على إيجاد شريكة حياته من خلال تلك المواقع.
يختلف كل موقع عن الآخر في العديد من الأشياء، فالبعض منها مجاني تمامًا والبعض الآخر يحتاج اشتراكًا شهريًا للاستفادة من خدماته، يسمح البعض منها برؤية الحسابات الشخصية للمستخدمين الباحثين عن شركاء حياتهم دون الاشتراك في الموقع نفسه، والبعض الآخر يستوجب على المشترك الاشتراك وتكوين حساب شخصي له لرؤية الحسابات الشخصية الأخرى، كما يسمح البعض منها برؤية صور للمشتركين الآخرين وبعضها يسمح بذلك بعد طلب الإذن من المشترك.
بدأت فكرة مواقع المواعدة الإسلامية في نهاية التسعينيات مع بداية ثورة الإنترنت، وتطورت بتطور الإنترنت وصولًا إلى عصر مواقع التواصل الاجتماعي، ومع تطور المنصات الغربية للتعارف تطورت معها النسخة الإسلامية أيضًا، والتي لاقت جدلًا مثيرًا في بداية ظهورها عن مدى حلالها من حرامها إلا أن أصحاب الفكرة طوروها بعد أن لاقت إقبالًا من المستخدمين، لا سيما بعد أن انتشرت قصص النجاح التي تُوّجت بالزواج بعد التعارف على تلك المواقع.
فكرة المواعدة لها نسخة إسلامية مستقلة أيضًا بذاتها، تحاول توفير مبدأ المواعدة والتعارف بين الرجل والمرأة في إطار إسلامي غير مخالف للدين والعُرف
موقع زواج. كوم
يعتبر موقع “زواج.كوم” من أول المواقع التي تأسست من بين مواقع التعارف الإسلامية، حيث تم تأسيسه عام 1998، وما زال يقدم الخدمة نفسها إلى يومنا هذا بعد التعديل والتطوير، كما يحتوي الموقع على المئات من المقالات الخاصة بالزواج والحياة الأسرية والنصائح الإسلامية بخصوص الزواج، بالإضافة إلى عرضه لبعض قصص النجاح التي انتهت بالزواج بعد التعارف على الموقع.
ينتشر استخدام الموقع في الولايات المتحدة الأمريكية بين أفراد المجتمع الإسلامي هناك، فبحسب موقع “زواج”، يصعب على المسلم الأمريكي الملتزم بتعاليم دينه بخصوص أمور الخطبة والزواج أن يجد شريكة حياته بسهولة في مجتمع كالمجتمع الأمريكي، وبالمثل للمسلمة الأمريكية، ولهذا فإن موقع “زواج” يمثل لكليهما الفرصة الذهبية للتعارف قبل الانتقال إلى مرحلة الخطبة.
موقع “مسلمة”
يعرض الموقع للمستخدم العشرات من قصص النجاح الحقيقية بين زوجين تعارفا عن طريق الموقع، وهي طريقة للدعاية عن خدمات الموقع لكسر حاجز الخوف من التعارف على شبكات الإنترنت بين المسلمين
يستخدم موقع “مسلمة” ما يقرب من خمسة مليون مستخدم حول العالم، حيث يقدم نفس الخدمة التي يقدمها موقع “زواج” إلا أن الغريب فيه أنه يُدار من قبل مجموعة من غير المسلمين، على الرغم من كونه موقعًا للتعارف الإسلامي بين الراغبين في الزواج، وعلى الرغم من أن إدارته الأجنبية دفعت الكثير من المستخدمين للتوقف عن استخدامه، ما زال في الصدارة بين مواقع التعارف والمواعدة الإسلامية، وساهم في نجاح الآلاف من القصص التي آلت إلى الزواج.
يعرض الموقع للمستخدم العشرات من قصص النجاح الحقيقية بين زوجين تعارفا عن طريق الموقع، وهي طريقة للدعاية عن خدمات الموقع لكسر حاجز الخوف من التعارف على شبكات الإنترنت بين المسلمين، وحاجز الخوف من مواقع المواعدة نفسها بسبب الصورة النمطية عنها كونها مواقع غربية بحتة، أو كونها مروجة لأفكار غير إسلامية أو ليبرالية.
تطبيق عشق-ر
صورة من الصفحة الرسمية للتطبيق وشعاره “الحب في الله، وحب النفس وروح أخرى فريدة من نوعها”
تطبيق (ishqr) من أشهر التطبيقات الحديثة الخاصة بالتعارف والمواعدة بين المسلمين على شبكة الإنترنت، شعاره هو “الحب في الله، وحب النفس وروح أخرى فريدة من نوعها”، تم تصميم هذا التطبيق للتنسيق بين المسلمين الراغبين في الزواج على شبكة الإنترنت، وبالأخص أولئك الذين لهم صفات مشتركة ومتشابهة بينهم، فيسمح لك التطبيق بإدخال مواصفاتك وهواياتك، ليُحدد لك مَن من المستخدمين مناسبًا لك.
كما قام التطبيق بحماية خصوصية كل مستخدم، لكي لا يُحرج أي شخص من استخدام التطبيق بأريحية، وعليه فإن المستخدم لا يستطيع رؤية صور أي مستخدم آخر إلا بعد أن يبدأ في محادثته بشكل خاص، ويسمح له المستخدم الآخر أن يرى صورته.
موقع قيران
يحتوي الموقع الآن على مليوني حساب شخصي لكل من يرغب في الزواج والتعارف على مسلم\ة حتى ولو خارج بلاده
موقع “Qiran” من أكثر مواقع التعارف أمانًا بحسب الصفحة الرسمية للموقع، إذ تم تصميمه من قبل مسلمين يفهمون جيدًا الثقافة الإسلامية بشأن المواعدة والتعارف والعلاقة بين الرجل والمرأة في حدود إسلامية تتبع التعاليم الدينية، ولهذا فهو يحمي خصوصية كل من الرجل والمرأة، ويمتلك خدمة لحل المشاكل التي قد يتعرض لها أي مستخدم/ة للموقع طوال الـ24 ساعة.
يحتوي الموقع الآن على مليوني حساب شخصي لكل من يرغب في الزواج والتعارف على مسلم/ة حتى ولو خارج بلاده، إذ يعرض الموقع الآلاف من قصص النجاح التي تمت بين زوجين لم يعيشا في نفس البلد من الأساس، واضطر أحدهما السفر للآخر للتعرف عليه وجهًا لوجه لتتوج قصتهما بالزواج في النهاية.
هناك قائمة مليئة بالمواقع التي اتبعت فكرة المواقع المذكورة هنا سابقًا، نجح بعضها وفشل البعض الآخر لعدم التزامه بالآداب الإسلامية وحياد المشتركين عن استخدامه، كما كانت بعض المواقع تعاني من الاحتيال الإلكتروني وانتهاك خصوصية بعض الحسابات، فيما كان بعضها مجرد مشروع ربحي يعتمد على اشتراك شهري أو سنوي يدفعه المشترك، ولكنها لا تختلف كثيرًا عن مواقع التواصل الاجتماعي التي نستخدمها يوميًا، إلا أنها مخصصة فقط لغرض الزواج بين المسلمين، وخصوصًا من يعيشون في بلاد غير مسلمة.
على الرغم من الجدل بشأن مدى صحة تلك الفكرة من الأساس وهل هي شرعية أم لا، هذا لا يمنع كونها فكرة ناجحة عالميًا، وبدأت في الانتشار على الهواتف الذكية في شكل تطبيقات خاصة بالتعارف بين المسلمين لمساعدتهم على إيجاد شريك حياتهم بطريقة أسهل وأسرع أحيانًا.