ما العواقب الاقتصادية التي ستلحق بإسبانيا إذا ما انفصل إقليم كتالونيا عنها؟

catalonia-independence-referendum-date

لعل المنافسة الشرسة التي تجري بين نادي برشلونة الكتالوني ونادي العاصمة الملكي ريال مدريد، تفوق الرياضة وتتعدى إلى الجغرافية، فإقليم كتالونيا الواقع في شمال شرق إسبانيا وعاصمته برشلونة التي تمثل مركزًا سياسيًا واقتصاديًا مهمًا للإقليم ولإسبانيا.

تعد منطقة كتالونيا أحد أكثر الأقاليم الإسبانية ثراءًا يقطنها نحو 7.5 ملايين شخص، وهي منطقة صناعية، تعتز بهويتها ولغتها الخاصة (لغة الإقليم الكتالونية غلى جانب الإسبانية)، يعتقد سكانها أنهم أمة مستقلة عن بقية إسبانيا. وقد أصبحت كاتالونيا جزءًا من إسبانيا منذ نشأتها فى القرن 15 عندما تزوج فرديناند، ملك أراغون، وإيزابيلا ملكة قشتالة ليوحدا مملكتيهما. ويُذكر أن الإقليم حصل على “الحكم الذاتى” في العام 1979 وهو نظام سياسى، إداري وإقتصادي يتيح التصرف بحرية فى شؤون الإقليم مع استمرار انتماءه للدولة.

ولكن تراجع أداء الاقتصاد الإسباني أدى لتعزيز النزعة الانفصالية في كتالونيا، وبات الكثير يعتقد أن الإقليم يدفع أكثر مما ينبغي لمدريد وأن موارد الإقليم والأهمية السياحية فيه تمكنه من الإيفاء باحتياجاته والانفصال.

استفتاء الانفصال

في العام 2014 صوت نحو 80% من سكان الإقليم الكتالوني بنعم على استفتاء غير ملزم على استقلال الإقليم عن إسبانيا. فيما اعتبرت الحكومة الأسبانية آنذاك أنه ليس من حق كتالونيا دستوريا الانفصال. وأعلنت الحكومة المسؤولة عن إدارة الإقليم عن استفتاء شعبي آخر في الأول من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، إلا أن الإقليم لا يزال يواجه رفضًا قاطعًا من قبل الحكومة الإسبانية لإجراء الاستفتاء وقد أمهلت الحكومة إدارة إقليم كتالونيا قبل يومين 48 ساعة للإعلان رسميًا التخلي عن الاستفتاء المقرر.

وتسعى الحكومة الإسبانية إلى وقف إمكانيات إدارة كتالونيا المالية من إنفاق أي اموال على الاستعداد لإجراء الاستفتاء، وقال كريستوبال مونتورو وزير المالية الإسباني إن الحكومة أعدت خطة كاملة لنقل إدارة الموارد المالية لحكومة الإقليم إلى الحكومة الإسبانية في مدريد لتسيير شؤون الإقليم.

يشكل نادي برشلونة 8% من قطاع السياحة في المدينة و 54% من إنتاج هذا القطاع

من جانبها إدارة الإقليم لا تزال مصرة على إجراء الاستفتاء للتصويت على الاستقلال وهو تحدي واضح للحكومة الإسبانية ما ينذر بخلافات سياسية قد تغير طبيعة العلاقة بين الجانبين، وقد ظهرت إحدى تلك الخلافات بعدما وجه القضاء الإسباني أوامر لأكثر من 700 من رؤساء بلديات الإقليم  بالمثول أمامه والخضوع للاستجواب بخصوص “دعمهم للاستفتاء غير القانوني.

تشارلز بوغدمون رئيس حكومة إقليم كاتالونيا

وتظاهر مؤيدون استقلال كتالونيا عن إسبانيا، في مدينة برشلونة أكبر مدن الإقليم أمس السبت، دعمًا لـ 700 من رؤساء بلديات الإقليم، الذين يواجهون تهديدًا بالاعتقال بسبب دعمهم لخطة الاستفتاء. كما يواجه أولئك المسؤولون تهمًا بإساءة استخدام الأموال العامة إذا ما ساعدوا في إجراء الاستفتاء. وقال حاكم الإقليم ،تشارلز بوغدمون، للمتظاهرين المحتشدين: “نقف بحزم ضد التهديدات والرقابة والملاحقة القضائية، ونكرر ذلك: نرغب في أن نكون دولة مستقلة بحسب ما نقل في موقع “بي بي سي” البريطاني.

إسبانيا ستخسر حوالي 26% من صادراتها التي يتم تصنيعها من خلال مواد مصنعة في إقليم كاتالونيا،

استمرت محاولات لحجب الموقع الرسمي للاستفتاء، وصادرت الشرطة الإسبانية 100 ألف منشور عن الاستفتاء خلال مداهمة في برشلونة، حيث استؤنف تفتيش مكاتب الصحف والمطبوعات. في غضون ذلك، لا يزال مكان نحو 6 آلاف صندوق اقتراع غير معروف إذ تخفسها سلطات الإقليم لغرض الاستفتاء، في الوقت الذي تجري فيه الشرطة عمليات بحث عن تلك الصناديق، بدون جدوى حتى الآن.

 الأثر الاقتصادي من الانفصال

في حال حصل الاستفتاء وتم إقرار انفصال إقليم كتالونيا عن إسبانيا فهذا يعني أن نادي برشلونة لن يكون قادرًا على المنافسة بالدوري الإسباني، وهذا من شأنه توجيه ضربة قاسية ليس للنادي الكتالوني وحسب بل أيضًا للدوري الكروي الإسباني عمومًا. وبقدر ما يعد هذا أثرًا رياضيًا إلا أن النادي العريق يعتبر المحرك الأساسي لاقتصاد الإقليم، فهو الدافع الرئيسي للأشغال والتوظيف وأحد أبرز عوامل التنمية في المقاطعة بأسرها، لذا لن يكون للنادي ذات الأهمية التي يتمتع بها الآن، فضلا أنه سيفقد الكثير من قيمته المالية بعد عدم تمكنه من المشاركة في الدور الإسباني.

تقرير صادر عن شركة ديلويت، إحدى أشهر مكاتب المحاسبة والاستشارات المالية في العالم، ففريق برشلونة كان وراء تدفق إيرادات مالية على مدينة برشلونة بـ 759 مليون يورو (910 ملايين دولار) أو ما يعادل 1.2% من الناتج الإجمالي المحلي للمدينة. ويوفر النادي، نحو 15 ألف وظيفة مباشرة من دون اعتبار الوظائف غير المباشرة، كما أنه ينعش الخزينة العامة للمدينة الكتالونية بمبلغ 219 مليون يورو سنويًا (243 مليون دولار).

كما يشكل نادي برشلونة 8% من قطاع السياحة في المدينة و 54% من انتاج هذا القطاع بشكل عام وبخاصة في ما يتعلق بالأحداث والمناسبات والاجتماعات، فهناك قرابة مليون و300 ألف شخص يحضرون إلى المدينة لشغل فنادقها بغرض متابعة المباريات وزيارة ملعب “الكامب نو” والمتحف الخاص بالنادي.

يواجه 700 رئيس بلدية من إقليم كاتالونيا خطر الاعتقال، إذا ما رفضوا الحضور للاستجواب، وتهمًا بإساءة استخدام الأموال العامة إذا ما ساعدوا في إجراء الاستفتاء.

أما من الناحية الجغرافية فالبلاد ستخسر 8% من مساحتها الإجمالية حيث ستخسر إسبانيا من مساحتها قرابة 33 ألف كيلو متر مربع هي مساحة إقليم كتالونيا. إضافة أن البلاد ستفقد نحو 14% من القوة العاملة الإجمالية للسكان. وهذا رقم كبير من شأنه أن يكون له آثار سيئة على الاقتصاد عمومًا ويؤدي لانخفاض الناتج المحلي الإجمالي لإسبانيا وبالتالي انخفاض ترتيبها على مستوى العالم. 

ويشكل الإقليم ثقلا اقتصاديًا في البلاد إذ يشكل خُمس الاقتصاد الإسباني باحتواءه على أكبر الشركات الإسبانية المصدرة مثل السيارات والأجهزة الإلكترونية، ويبلغ الناتج المحلي للإقليم نحو 210 مليون يورو، وهو ما من شأنه أن يشكل خسارة لإسبانيا بنحو 19% من إجمالي ناتجها المحلي فيما لو انفصل الإقليم عنها. ويُشار أيضًا أن إسبانيا ستخسر حوالي 26% من صادراتها التي يتم تصنيعها من خلال مواد مصنعة في إقليم كتالونيا، بالإضافة إلى تحكم الإقليم في 70% من حركة النقل والمواصلات الخاصة بالتجارة الخارجية لإسبانيا.

بلا شك سيخرج كل من الإقليم وإسبانيا خاسرين اقتصاديًا بكل المقاييس من حركة انفصال هذه، كما أن هذا سيؤدي إلى تشجيع مقاطعات أخرى في إسبانيا وأوروبا على القيام بمثل ما قامت به كتالونيا. لذا ستعارض إسبانيا وسيعاونها الاتحاد الأوروبي في منع هذا الاستفتاء، خشية من انتقال العدوى إلى مناطق أخرى.