على مر العصور كان حرق الكتب وتدميرها طريقة استخدمتها معظم الدول الدول لأسباب أخلاقية أو سياسية أو دينية، ومع ذلك بعض حوادث حرق الكتب كانت – وما زالت – مصائب تتذكرها الأجيال، وذلك لخسارة كتب قيمة لا تُعوَّض بسبب النظام القمعي الذي تبنته سياسة بعض الدول.
هناك العديد من الأمثلة على كتاب هُوجموا وعُذبوا وحرقت أعمالهم، بل نكاد لا نعرف عنهم شيئًا، مثلما حدث مع حركة حرق الكتب النازية وتدمير الإسبان لمخطوطات المايا، بل حتى مثل روايات “شين كونغوين”، الكاتب الصيني الذي هاجم في رواياته الشيوعيون والقوميون على حدٍ سواء، وقد حظرت كتاباته في “تايوان”، كذلك حرقتها دور النشر في الصين، وكانت تدمر ألواح الطباعة الخاصة برواياته، وبذلت الحكومة مجهودًا كبيرًا لمحو اسمه من سجلات الأدب الحديث، وقد نجحوا في ذلك إلى حد أن قلة فقط من الصينيين يعرفون اسمه.
هذه السياسة لم تتغير قديمًا عن حديثًا، ففي الوقت الذي توقفت بشكل ما حركة حرق الكتب ومحاولة إخفاء كتابات شخص ما يشكل تهديدًا – سواء للسلطة السياسية أو الدينية – حلت محلها حركة أكثر أناقة وهي “منع الكتب من التداول” للأسباب ذاتها، إذا تجنبنا بعض الأسباب الـ”مُختَلَّة” التي جعلت مقاطعة “هونان” الصينية تمنع رواية “أليس في بلاد العجائب” منذ سنة 1931 لاحتوائها على حيوانات تتحدث وتتحرك مثل البشر!
والآن دعونا نتعرف أهم وأشهر الكتب التي مُنعت وسبب منعها:
رب الأشياء الصغيرة (The God of small things) – أرونداتي روي
سوزانا أرونداتي روي كاتبة هندية وناشطة سياسية، نشطت في مجال حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة، وتُعد كتبها من الكتب الأكثر مبيعًا في العالم.
كتبت روي روايتها “إله الأشياء الصغيرة” أو “رب الأشياء الصغيرة” عام 1996، حاكية عن تجارب طفولة خاصة بتوأم، والتي تدمرها الحياة من خلال قوانين الحب.
“رب الأشياء الصغيرة” الرواية الأولى لـ”روي” وقد استغرقت في كتابتها أربع سنوات، وحصلت بسببها على جائزة البوكر للخيال عام 1997، لكن هذا لم يمنع الهند من منع الرواية في العام ذاته، بسبب تضمنها وصفًا لبعض الممارسات الجنسية العابرة بين رجل وامرأة مختلفي الديانة (امرأة مسيحية وخادم هندوسي من الطبقة الدنيا)!
مزرعة الحيوان (Animal Farm) – جورج أورويل
جورج أورويل هو صحفي وروائي بريطاني، اشتهر بمعارضته للحكم الشمولي، كتب في النقد الأدبي والشعر والصحافة الجدلية، ولد في 25 من يونيو عام 1903، وتوفي 21 من يناير 1950.
مزرعة الحيوان رواية ديستوبية نشرت في 17 من أغسطس 1945، إسقاطًا على الأحداث التي سبقت عهد ستالين، وأحداث عهده قبل الحرب العالمية الثانية.
كان أورويل اشتراكيًّا ديمقراطيًّا، وعضوًا في حزب العمال المستقلين البريطاني لسنوات، وناقدًا لجوزيف ستاليل، ومتشككًا في سياسته بعد تجربته في الحرب الأهلية الإسبانية.
حذفت مقدمة المؤلف من جميع الطبعات تقريبًا، كما رأت قوات الحلفاء في أثناء الحرب العالمية الثانية أن الرواية بأكملها تمثل نقدًا للاتحاد السوفيتي – وهي دولة حليفة في ذلك الوقت – وبالتالي رأت أن الرواية غير صالحة للنشر في زمن الحرب، فأحجم الناشرون عن طبع الرواية، وسحبت نسخها من المكتبات، وبعد نشر الرواية مُنعت في الاتحاد السوفيتي وغيره من الدول الشيوعية، كذلك منعت في مدارس الإمارات العربية المتحدة سنة 2002، بدعوى احتواء الرواية على نصوص وصور مخالفة للقيم الإسلامية والعربية، ولا تزال الرواية محظورة في كوبا وكوريا الشمالية.
وليمة لأعشاب البحر – حيدر حيدر
حيدر حيدر كاتب وروائي سوري، اتُهم بالتطاول على الله والسخرية من كتابه في روايته “وليمة لأعشاب البحر”. تتكون الرواية من أربعة فصول، يمثلون فصول السنة الأربع، وتُقدم الرواية رؤية مركبة للواقع السياسي المتحرك للتيارات التي نشطت في الوطن العربي خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
صدرت الرواية في سوريا عام 1983، وتدور حول مناضل شيوعي عراقي (مهدي جواد) هرب من الجزائر يقابل مناضلة تعيش عصر انهيار الثورة.
لا شك أن الرواية من الروايات العربية المثيرة للجدل، لكن هذا الجدل لم يظهر إلا بعد مرور 17 عامًا من تاريخ نشرها حينما منعها الأزهر في مصر عام 2000، بحجة الإساءة للإسلام.
عوليس (Ulysses)– جيمس جويس
جيمس أوغسطين ألويسيوس جويس، ولد في فبراير 1882، وتوفي في يناير 1941، وهو كاتب وشاعر أيرلندي من القرن العشرين. من أشهر أعماله “صورة الفنان في شبابه” و”عوليس”، وهي الرواية التي نحن بصددها الآن.
نشرت الرواية في البداية في جريدة “ذا ليتل ريفيو” الأمريكية، وهي من أبرز الأعمال في الأدب الحداثي، حتى إنها اعتبرت نموذجًا لحركة الأدب الحداثي بأكملها.
كتبها جوليس في 17 عامًا، مستخدمًا فيها تكنيك الحلم والكابوس وتوارد الخواطر، وتدور أحداث الرواية في 18 ساعة فقط، ضم فيها جوليس خلاصة عصره منذ طفولته.
منعت الرواية في المملكة المتحدة في عقد الثلاثينيات، وفي أستراليا في عقدي الثلاثينيات والأربعينيات، كما منعت أيضًا فترة من الزمن في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب محتواها الإباحي، ولكن هذا الحظر رُفع في الولايات المتحدة عام 1933.
مدن الملح – عبد الرحمن منيف
عبد الرحمن منيف كاتب سعودي، ولد في مايو 1933 وتوفي في يناير 2004، ويعد أحد أهم الروائيين العرب في القرن العشرين، حيث عكست رواياته الواقع الاجتماعي والسياسي العربي والنقلات الثقافية العنيفة التي شهدتها دول الخليج “النفط”.
ويرجع ذلك في الأساس إلى كون منيف خبيرًا سابقًا بالبترول، عمل في العديد من شركات النفط مما جعله مدركًا لاقتصاديات النفط والثورة النفطية وتأثيرها في الشخصية العربية.
من أشهر أعمال منيف: شرق المتوسط، الآن هُنا (شرق المتوسط مرة أخرى) وخماسية مُدن الملح وهي واحدة من أشهر الروايات العربية وتتألف من خمسة أجزاء هم: (التيه، الأخدود، تقاسيم الليل والنهار، المُنْبَت، الأخدود).
وتدور الرواية حول التحولات المتسارعة التي حلت بالجزيرة العربية، فهي تصور الحياة مع بداية اكتشاف النفط، والتغيرات التي حدثت للشخصية العربية، والمقصود كما هو واضح بـ”مدن الملح” المدن التي حدثت فيها ثورة بشكل طارئ، فهي لم تتوسع ولم تزدهر مع الوقت، بل حدث هذا فجأة بسبب ظهور البترول، وهذه الثورة أدت إلى وجود مدن متضخمة، هشة، قابلة للسقوط بسهولة.
وقد منعت الخماسية من النشر، خصوصًا أن منيف من أبرز الكتاب السعوديين المعارضين للنظام، رغم استخدام منيف دولة متخيلة يسقط عليها ما يريد فإن رسالته بدت واضحة للنظام الذي منعها.
والآن، حتى إن توقفت حركة “الحرق والتدمير”، فإن حركة “المنع والاغتيال” ستظل مستمرة في معظم الدول في محاولة لقولبة “الكلمة” التي ما زالت تقاوم بلا أمل.