ترجمة وتحرير: نون بوست
تقترح “إسرائيل” إنشاء مدن خيام مترامية الأطراف في غزة، كجزء من خطة إخلاء تموّلها الولايات المتحدة وشركاؤها في الخليج العربي، قبل غزو وشيك للمدينة في جنوب القطاع التي تقول “إسرائيل” إنها آخر معقل لحركة حماس.
وجاء الاقتراح، الذي تمّ تقديمه لمصر في الأيام الأخيرة، في الوقت الذي تحذر فيه إدارة بايدن “إسرائيل” من الدخول إلى رفح دون استراتيجية لحماية المدنيين، حيث قال الرئيس بايدن يوم الاثنين الماضي، إن العملية العسكرية في رفح لا ينبغي أن تستمر دون “خطة موثوقة لضمان سلامة ودعم أكثر من مليون لاجئ”.
وردَّ المسؤولون الإسرائيليون على التحذيرات الأمريكية بأنه يتعيّن عليهم تنفيذ هجوم برّي في رفح للقضاء على حماس، وفي وقت مبكر من يوم الاثنين بالتوقيت المحلي أجرت “إسرائيل” عملية إنقاذ حررت فيها رهينتَين في رفح، حيث تقول “إسرائيل” إن العديد من الرهائن المتبقين الذين تمّ أسرهم خلال هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول الذي قادته حماس ما زالوا محتجزين.
وقال مسؤولون مصريون إن مقترح الإخلاء الإسرائيلي يتضمن إنشاء 15 موقعًا للتخييم، يضمّ كل منها حوالي 25 ألف خيمة في الجزء الجنوبي الغربي من قطاع غزة، وقال المسؤولون إن مصر ستكون مسؤولة عن إقامة المعسكرات والمستشفيات الميدانية.
وتشير الخطة إلى أن “إسرائيل” تستعد لغزو رفح، رغم المخاوف الأمريكية والمصرية، وقد ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن القاهرة قالت إنها ستعلق معاهدة السلام الموقعة مع “إسرائيل” عام 1979، إذا عبر الفلسطينيون الحدود من رفح هربًا من الهجوم الإسرائيلي.
ورفض مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التعليق على الاقتراح، ولم يتسنَّ الاتصال بالحكومة المصرية على الفور للتعليق.
وقال بايدن، الذي كان يتحدث في البيت الأبيض يوم الاثنين بعد اجتماعه مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، إن الولايات المتحدة تعمل على التوصل إلى اتفاق بين “إسرائيل” وحماس، من الممكن أن يحقق “فترة هدوء فورية ومستدامة في غزة لمدة 6 أسابيع على الأقل، وخلال هذه الفترة يمكنهم العمل على وقف أكثر استدامة للقتال”.
ودعا الملك عبد الله، الذي تستضيف مملكته عددًا كبيرًا من اللاجئين الفلسطينيين وأحفادهم، إلى وقف إطلاق النار، قائلًا: “لا يمكننا تحمل هجوم إسرائيلي على رفح، ومن المؤكد أن هذا سيؤدي إلى كارثة إنسانية أخرى، لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي ونترك هذا الأمر يستمر، نحن بحاجة إلى وقف دائم لإطلاق النار الآن، هذه الحرب يجب أن تنتهي”.
وقال بيني غانتس، وهو وزير إسرائيلي كبير في حكومة الحرب، إنه “ليس هناك شك” بشأن عملية واسعة النطاق في رفح، وأن “إسرائيل” ستفعل ما هو مطلوب للسماح بحرّية عملها هناك، بما في ذلك إجلاء السكان وتجهيز المنطقة للتوغل البري.
وستشمل المعسكرات، التي من المتوقع أن تموّلها الولايات المتحدة وشركاؤها العرب، عيادات طبية ميدانية، وقال مسؤولون مصريون إن مصر ستقرر بالتنسيق مع “إسرائيل” كيفية خروج الجرحى الفلسطينيين من غزة.
الخطة الإسرائيلية المقترحة لإخلاء رفح
وتعتبر نتيجة اتفاق رفح مهمة سياسيًّا بالنسبة إلى بايدن الذي يواجه انتقادات متزايدة في الداخل بسبب دعمه لـ”إسرائيل”، وهو يخوض معركة من أجل إعادة انتخابه ضد المرشح الجمهوري المحتمل دونالد ترامب، الذي يدعم أيضًا “إسرائيل” بصوت عالٍ، ويمكن أن يستخدم أي تحول في لهجة الولايات المتحدة أو سياستها لمهاجمة الرئيس.
وحتى مع دعم بايدن غير المحدود لـ”إسرائيل”، أصبحت إدارته تنتقد استمرار “إسرائيل” في الحرب والعملية المحتملة في رفح بشكل متزايد، وتدفع بدلًا من ذلك من أجل التوصل إلى تسوية للصراع المستمر منذ 4 أشهر عن طريق التفاوض، وفي الوقت الحالي يقول المسؤولون الأمريكيون إنهم لا يعتقدون أن غزو رفح وشيك.
وقال مسؤولون إنه من المتوقع أن يسافر مدير وكالة المخابرات المركزية، وليام بيرنز، إلى القاهرة يوم الثلاثاء، للمشاركة في مزيد من المحادثات حول احتجاز الرهائن مع حماس ومع مسؤولين كبار من مصر وقطر و”إسرائيل”.
وقد التقى بيرنز، وهو المبعوث المفضّل لبايدن لمحادثات الرهائن، الشهر الماضي في باريس رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ورؤساء المخابرات من “إسرائيل” ومصر، وكان من المتوقع أن يشاركوا جميعًا في اجتماعات هذا الأسبوع أيضًا، لكن رفض المسؤولون مناقشة أهداف محددة لاجتماع القاهرة.
وفي مكالمة هاتفية مع نتنياهو يوم الأحد، قال بايدن إن “إسرائيل” يجب أن تمضي قدمًا في عملية عسكرية في رفح، فقط مع خطة ذات مصداقية لحماية المدنيين.
وقال مسؤولون أمريكيون إن حدّة الحوار تزايدت بشأن احتمال حدوث غزو واسع النطاق لرفح، وأن الولايات المتحدة أوضحت أنها لن تدعم خطة لمثل هذا الغزو تحت أي ظرف من الظروف، وأنها تفضّل رؤية عمليات مستهدفة.
وقد قُتل نحو 28 ألف فلسطيني في غزة، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا للسلطات الصحية في القطاع، الذين لا تميز أعدادهم بين المدنيين والمقاتلين.
وبالنسبة إلى نتنياهو أيضًا فإن المخاطر كبيرة، حيث يواجه نتنياهو ضغوطًا لتحقيق ما يمكن أن يصفه بأنه انتصار على حماس، بما أنه كان على رأس السلطة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، عندما شنّت الجماعة المسلحة هجومًا تقول السلطات الإسرائيلية إنه أسفر عن مقتل 1200 شخص، ويعتبَر الهجوم الآن أكبر فشل أمني لـ”إسرائيل” منذ تأسيسها سنة 1948، ويواجه الزعيم الإسرائيلي دعوات للاستقالة.
وقال لقناة “إي بي سي”: “علينا تفكيك حماس كقوة (عسكرية) تسيطر على الأراضي، ونحن على وشك ذلك، ولا ينبغي لنا أن نتوقف”.
وحقق رئيس الوزراء نصرًا سياسيًّا يوم الاثنين بإنقاذ الرهينتَين فرناندو سيمون مارمان ولويس هار، وقال الجيش إنه في حوالي الساعة الثانية صباحًا بالتوقيت المحلي يوم الاثنين، اقتحمت قوات الجيش وفريق من الشرطة منزلًا في رفح، واشتبكت في معركة بالأسلحة النارية مع مسلحي حماس أثناء حماية الرهينتَين، قبل إجلائهما إلى مكان آمن.
ووفرت القوات الجوية الإسرائيلية غطاءً جويًّا للعملية، التي قال الجيش إنها استهدفت غرفة عمليات حماس لمنعها من تكوين صورة لكيفية تنفيذ “إسرائيل” للمهمة.
وقالت السلطات الصحية في غزة يوم الاثنين إن الغارات الجوية الإسرائيلية خلال الليل على غزة أسفرت عن مقتل 164 شخصًا، من بينهم العشرات في رفح، وقالت حماس، التي تصنّفها الولايات المتحدة و”إسرائيل” كمنظمة إرهابية، في بيان لها إن “إسرائيل” استهدفت “المدنيين العزل والأطفال المشردين والنساء والمسنين”.
ويبدو أن الصور ومقاطع الفيديو المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر انفجارات في القطاع وفلسطينيين يقومون بإجلاء المدنيين، بما في ذلك الأطفال، إلى المستشفيات، وقال الجيش الإسرائيلي إن الضربات ركّزت على أهداف تابعة لحماس كان من الممكن أن تعطّل عملية الإنقاذ، وإنه يحقق في مقتل مدنيين غير متورّطين.
وتعدّ العملية التي جرت في وقت مبكر من يوم الاثنين ثاني عملية ناجحة لاستخراج الرهائن منذ اندلاع الحرب، وقالت “إسرائيل” إنها فشلت في محاولة سابقة واحدة على الأقل وقتلت عن طريق الخطأ 3 رهائن هاربين في ساحة المعركة، وتشير تقديرات “إسرائيل” الخاصة إلى أن ما يصل إلى 50 من الرهائن الـ 130 المتبقين في غزة منذ هجمات 7 أكتوبر/ تشرين الأول قد لقوا حتفهم.
ويواجه نتنياهو ضغوطًا متزايدة من بعض عائلات الرهائن للموافقة على صفقة مع حماس، لإعادة الرهائن المتبقين إلى وطنهم قبل مقتلهم أو إصابتهم بسبب القتال، ورغم أن عملية الإنقاذ كانت ناجحة وأثارت الأمل في إمكانية العثور على آخرين، إلا أن عائلات الرهائن أيّدت إلى حدّ كبير التوصُّل إلى اتفاق من خلال التفاوض لإعادتهم إلى ديارهم.
وقال ميتشل باراك، المحلل السياسي في مؤسسة كيفون غلوبال للأبحاث ومقرّها القدس، إن عملية الإنقاذ توضح أن “إسرائيل” يجب أن تستمر في العمل في رفح، لأن حماس أثبتت أنها تحتفظ بالرهائن الذين ما زالوا على قيد الحياة هناك.
وقال: “لا يمكنك الجدال مع المنطق القائل إن الحرب يجب أن تستمر في رفح، لأن هذه هي النتائج”، وأضاف أن عملية الإنقاذ تمنح نتنياهو المزيد من الفضل في “إسرائيل” وعلى المستوى الدولي، و”تمنح إسرائيل الآن بعض اليد العليا في المفاوضات”.
وحذّرت الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة من أن الوضع الإنساني في رفح سيّئ بالفعل، وقالت الأمم المتحدة خلال عطلة نهاية الأسبوع إن الآلاف قد يموتون في مزيد من أعمال العنف، أو بسبب نقص الخدمات الأساسية.
وقالت ميراف زونسزين، وهي محللة إسرائيلية بارزة في مجموعة الأزمات الدولية: “من الواضح أن هذا يمثل دفعة للمعنويات في إسرائيل، لكن الثمن المدفوع لهذه العملية كان باهظًا للغاية على الجانب الفلسطيني”.
وقالت إيفجينيا كوزلوفا، التي اُختطف ابنها أندريه كوزلوف من مهرجان موسيقي في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، إنه يتعيّن على “إسرائيل” ممارسة ضغوط عسكرية لخلق نفوذ من أجل التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن، لكنها عارضت إجراء المزيد من عمليات الإنقاذ، وقالت: “الأمر خطير للغاية، لن نرى رهائننا أبدًا دون مفاوضات”.
هذا التقرير من إعداد: سمر سعيد، كبيرة مراسلي “وول ستريت جورنال” في الشرق الأوسط، روري جونز، مراسل في مكتب “وول ستريت جورنال” في الشرق الأوسط، كاري كيلر لين، مراسلة.
المصدر: وول ستريت جورنال