من المنتظر أن تعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس تأجيل موعد الانتخابات المحلية المقررة في الـ17 من شهر ديسمبر المقبل إلى موعد لاحق يرجح أن يكون مارس 2018، نتيجة عدم وجود إرادة سياسية حقيقة لإنجاز هذا الموعد الانتخابي المهم في مسار تونس نحو الانتقال الديمقراطي، مما يمكن أن يؤثر على هذا الانتقال “الهش” الذي يواجه العديد من العثرات منذ انطلاقه في يناير 2011، حسب عديد من المتابعين للوضع التونسي.
موعد جديد
إلى حد كتابة هذه الكلمات، لم يصدر الأمر الرئاسي لدعوة الناخبين في تونس للتوجه لمراكز الاقتراع كما ينص القانون الانتخابي، والذي يحدد اليوم الإثنين التاريخ الأقصى لإصدار تلك الدعوة في الجريدة الرسمية، مما يؤكد فرضية تأجيلها مرة أخرى، وينص الفصل 101 من قانون الانتخابات والاستفتاء التونسي على أنه “تتم دعوة الناخبين بأمر رئاسي في أجل أدناه ثلاثة أشهر قبل يوم الاقتراع بالنسبة إلى الانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية والرئاسية، وفي أجل أدناه شهران بالنسبة إلى الاستفتاء.”
وأمس الأحد، قال الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التي يعتبرها مراقبون الحزب الأكثر استعدادًا للانتخابات البلدية، بأن الهيئة العليا المستقلة الانتخابات في تونس قد تُعلن، غدًا الإثنين (اليوم)، تاريخًا جديدًا للانتخابات البلدية بعد تأجيلها بشكل رسمي”، وإذا تأكد تأجيل الانتخابات فإن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ستوقف التقدم في المسار الانتخابي إلى موعد لاحق.
إبراهيم: لا يمكن تنظيم الانتخابات من دون سد الفراغ في هيئة الانتخابات
جاء ذلك في تصريحات صحفية على هامش اجتماع حزبي تم تنظيمه في جزيرة جربة (جنوب شرق) جمعه بإطارات الحركة في الجنوب الشرقي، تناول أهم القضايا الوطنية بالبلاد، وأضاف الغنوشي “نرجوا ألا تتأخر الانتخابات إلى أجل غير معلوم<“span dir=”LTR”>، وتابع “أتوقع بأن تُعلن هيئة الانتخابات، غدًا (اليوم)، عن تاريخ جديد، ومن المنتظر أن يكون في مارس/آذار القادم.”
وقبل أيام، طالبت أحزاب بضرورة تأجيل الانتخابات، وقالت 8 أحزاب صغيرة بينها حزب آفاق تونس المشارك في الحكومة في مؤتمر صحافي إنها تؤيد تأجيل هذه الانتخابات، وقال أمين عام الحزب الجمهوري (وسط) عصام الشابي: “نطالب بتأجيل الانتخابات البلدية وندعو رئيس الجمهورية للاستماع إلينا (..) للاتفاق على تاريخ جديد لهذه الانتخابات.”
وقال رئيس حزب آفاق تونس ياسين إبراهيم إن لدى حزبه شكوكًا في قدرة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على تنظيمها في أفضل الظروف، مضيفًا أن هذا موقف مشترك بين 8 أحزاب، موضحًا “نهاية آذار/مارس تبدو لنا تاريخًا جيدًا لهذه الانتخابات”، وأضاف أنه لا يمكن تنظيم الانتخابات من دون سد الفراغ في هيئة الانتخابات وتبني البرلمان قانونًا انتخابيًا يتيح التنظيم الإداري والمالي للانتخابات البلدية.
أسباب التأجيل
مثّل عدم استيفاء كل الشروط الإجرائية، من ذلك الفراغ الحاصل في الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وعدم المصادقة على قانون الحكم المحلي من قِبل البرلمان، إحدى حجج تأجيل الانتخابات المحلية التي من شأن إنجازها ترسيخ الديموقراطية المحلية في تونس. يذكر أن لجنة تنظيم الإدارة وشؤون القوات الحاملة للسلاح بالبرلمان التونسي استأنف الأسبوع الماضي النقاشات بخصوص مشروع قانون مجلة الجماعات المحلية، التي يبلغ عدد فصولها 361 فصلاً، وتهدف مجلة الجماعات المحلية، المنتظرة، إلى وضع إطار تشريعي موحد لعمل المجالس المحلية المنتخبة يستجيب للمبادئ العامة للدستور ومعايير الحوكمة المحلية، وتؤسس لمنظومة جماعات محلية على ثلاثة مستويات: البلديات والجهات والأقاليم، ويضبط توزيع الصلاحيات فيما بينها، ترسي آليات الرقابة الادارية والمالية والمشاركة المجتمعية في الشأن المحلي، ومن المنتظر، أيضًا، أن يتم بعد غد الأربعاء التصويت على سد الشغور في الهيئة.
ينتظر أن يصادق البرلمان التونسي على قانون الجماعات المحلية قريبًا
إلا أن مراقبين يرون أن السبب الرئيس وراء تأجيل الانتخابات، عدم جاهزية الأحزاب السياسية لخوضها في الوقت الحالي وتيقنها من قدرة حركة النهضة على الفوز في هذه الانتخابات المحلية، وتعتبر النهضة الأكثر استعدادًا للانتخابات البلدية. وفي وقت سابق قال النائب في البرلمان التونسي عن حراك تونس الإرادة (الحزب الذي أسسه الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي نهاية 2015)، عماد الدايمي، في تصريح لنون بوست، إن تعطيل الانتخابات المحلية ليس في مصلحة أي كان وليس في مصلحة تونس وهو ناتج عن حسابات سياسية ضيقة جدًا لأحزاب موجودة في التحالف الحاكم تريد أن تربط موعد الانتخابات بمدى استعدادها لخوض هذه الانتخابات، وتابع “هذا التفكير المبني على المصلحة السياسوية الضيقة فيه خطورة كبيرة على استقرار البلاد وتأزيم الوضع العام لتونس”.
سبق أن قررت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التخلي عن موعدين سابقين تم إعلانهما لإجراء الانتخابات المحلية
واعتبر الدايمي أن “بهذه الحسابات الضيقة يضيعون فرصة تاريخية لتوسيع القاعدة الديمقراطية في البلاد وخفض درجة الاحتقان لأن إنجاز الانتخابات في أقرب الأوقات سيساهم مهما كان الفائز في توسيع المسؤوليات المركزة في مستوى الحكم المركزي إلى آلاف المنتخبين على المستوى المحلي وتخفيف الضغط على الحكومة وتوسيع التجربة الديمقراطية التشاركية”.
وكانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قد قررت التخلي عن موعدين سابقين تم إعلانهما لإجراء الانتخابات المحلية، 30 من أكتوبر 2016 ومن ثم مارس 2017، بسبب تعطل تبني تعديل القانون الانتخابي والخلاف بخصوص تصويت الأمنيين والعسكريين في الانتخابات المحلية، والذي رأت فيه هيئة الانتخابات آنذاك تعطيلاً مرده عدم استعداد بعض الأحزاب للانتخابات.”
وصادق البرلمان التونسي في 31 من يناير 2017 على تعديل قانون الانتخابات والاستفتاء، لتُمنح قوات الجيش والأمن حق التصويت في الانتخابات البلدية والجهوية للمرة الأولى منذ الاستقلال، وحظر القانون على هذه القوات الترشح لهذه الانتخابات أو المشاركة في الحملات الانتخابية والاجتماعات الحزبية وكل نشاط له علاقة بالانتخابات، ونص على “عزل” أي عسكري أو شرطي يخالف هذا الحظر.
الانتقال الديمقراطي
يراهن أغلبية التونسيين على هذه الانتخابات المحلية وما ستفرزه من مجالس بلدية وجهوية لتأسيس مؤسسات حكم محلي حقيقية نادى بها التونسيون في يناير 2011، تكون حلقة وصل بين المواطن والسلطة المركزية، وتمكنهم من المشاركة في إدارة شؤونهم بأنفسهم وتخفف من وطأة السلطة المركزية، كما نادت بذلك الثورة التونسية، إلا أن ذلك سيتأجل قليلاً.
وتمثل الانتخابات المحلية القادمة إحدى مرتكزات تكريس مبدأ اللامركزية الذي نص عليه الدستور التونسي الجديد في فصله 131 في الباب السابع المتعلق السلطة المحلية: “تقوم السلطة المحلية على أساس اللامركزية، تتجسد اللامركزية في جماعات محلية، تتكون من بلديات وجهات وأقاليم، يغطي كل صنف منها كامل تراب الجمهورية وفق تقسيم يضبطه القانون، يمكن أن تحدث بقانون أصناف خصوصية من الجماعات المحلية.”
انتظارات كبيرة للتونسيين
إضافة إلى تداعياتها السلبية على عيش المواطنين وتواصل مشاكله البيئية والاجتماعية والبنية التحتية وغيرها، يرى عديد من المراقبين أن لتأجيل الانتخابات المحلية تداعيات سلبية على الانتقال الديمقراطي في البلاد، وثقة المجموعة الدولية في التجربة الديمقراطية التونسية، التي تمثل الاستثناء في بلدان الربيع العربي. وفي وقت سابق أكدت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أن تجاوز سنة 2017 لتنظيم الانتخابات سيكون له تداعيات سلبية على مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد، حيث قال رئيس الهيئة السابق في تصريحات إعلامية: “عدم تنظيم الانتخابات هذا العام يسيئ لتونس لأنه بذلك تمر 4 سنوات على إصدار دستور الجمهورية الثانية دون تطبيق الباب السابع منه والمتعلق بالسلطة المحلية، مما يترجم عجزًا عن التقدم في مسار الانتقال الديموقراطي”.
فيما اعتبرت الحكومة أن المزيد من تأخير الانتخابات المحلية قد يكون إشارة سلبية في تونس لذلك فإن من الضروري إجراؤها في أسرع الآجال، وأكد رئيس الحكومة يوسف الشاهد أن إنجاز هذه الانتخابات سيمثل انطلاقة فعلية لمسار اللامركزية في تونس الذي سيدوم لعشرات السنوات وهو ليس بالأمر الهين.
وتعيش تونس هذه الأيام على وقع جدل كبير أحدثه مصادقة البرلمان على قانون المصالحة الإدارية (ينص على العفو على مئات الموظفين الحكوميين الذين ارتكبوا تجاوزات)، الذي تعتبره أطراف عديدة خرقًا للدستور وقانون العدالة الانتقالية ومنظومة كشف الحقيقة التي تقتضي فضح منظومة الفساد والاستبداد والتفريط في مصالح البلاد، وكشف خيوطها كاملة ومحاسبة المتورطين فيها بهدف منع تكرارها ومنع أي محاولة للإفلات من العقاب وتأسيسًا للمنظومة الديمقراطية المنشودة التي تقتضي المحاسبة والاعتذار قبل المصالحة والتجاوز.