ما بين اعتبارها منظمة “إرهابية” وفق حكم قضائي صادر في فبراير 2015 بالتزامن مع خطة إعلامية ممنهجة لشيطنتها وصولاً إلى فتح الأبواب أمامها وإبرام الاتفاقيات والحديث عن إعادة فتح مكتبها مجددًا، تسير العلاقة بين حركة المقاومة الإسلامية “حماس” والقاهرة نحو آفاق جديدة من التنسيق والتفاهم.
6 سنوات كاملة عانت فيها العلاقات بين الحركة والعاصمة المصرية من موجات عاتية من المد والجذر، اتهامات هنا وحصار هناك، تراشق إعلامي وسياسي لم يسبق له مثيل، إلى أن وصلت إلى شط الهدوء والاستقرار حين هل أعضاء حركة حماس على رأسهم رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية ورئيسها في قطاع غزة يحيى السنوار ضيوفًا على المخابرات المصرية، لبحث العديد من القضايا المهمة التي تستهدف تخفيف الحصار عن غزة، وتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية، فما الذي حدث؟ وكيف حولت القاهرة موقفها المناهض للحركة طيلة السنوات الماضية؟
الزيارة الثالثة خلال عام
لم تكن زيارة وفد حركة “حماس” للقاهرة الأسبوع الماضي بقيادة رئيس الحركة يحيى السنوار وإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لها، الأولى من نوعها، فقد سبقها زيارتان، إحداهما بداية هذا العام، حين توجه أربعة من أعضاء المكتب السياسي للحركة هم محمود الزهار وعماد العلمي وخليل الحية ونزار عوض الله، إضافة إلى موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي بزيارة خاطفة التقوا خلالها مسؤولين مصريين لبحث عدد من الملفات المهمة المشتركة، وذلك في الوقت الذي كان الإعلام المصري يعزف على أوتار شيطنة الحركة بكل فروعها وقادتها، ثم زيارة أخرى في يوليو الماضي.
أسفرت هذه الاتهامات عن صدور حكم قضائي في فبراير 2015 باعتبار الحركة منظمة إرهابية، وذلك قبل أن يتم إلغاؤه بعد أربعة أشهر فقط عن طريق محكمة الأمور المستعجلة
وبعد سلسلة من اللقاءات والمشاورات المكثفة بين وفد حماس ومسؤولي المخابرات العامة المصرية، وافق النظام المصري على افتتاح مكتب للحركة في القاهرة مع تعيين مندوب دائم عنها بالمكتب، سيكون بمثابة ضابط تنسيق وارتباط لبحث المسائل المختلفة، حسبما أشار موقع (عرب 48)، لكن الحركة لم تؤكد أو تنفي ذلك الأمر.
وبحسب الموقع فإن “حركة حماس أعطت المصريين المعلومات الأمنية عن الجماعات السلفية والمتشددة في قطاع غزة، إلى جانب تأكيدها أنها ستواصل تنسيق الجهود لحماية الحدود المصرية مع القطاع”، إضافة إلى العرض المقدم من القاهرة بشأن إبرام صفقة تبادل جديدة مع “إسرائيل”.
ثلاث زيارات قامت بها حركة حماس للقاهرة خلال 2017
بعد 6 أعوام من التوتر
تأتي الانفراجة في العلاقات بين القاهرة وحماس بعد ست سنوات من التوتر الذي بدأت ملامحه الأولى في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، حين وجه بعض المصريين أصابع الاتهام للحركة بالتدخل في شؤون بلادهم وزعزعة الأمن والاستقرار، متهمين إياها باقتحام السجون وتهريب قيادات جماعة الإخوان المسلمين، إضافة إلى تحميلها مسؤولية العمليات المسلحة التي تتم في سيناء عن طريق بعض الجماعات المتمركزة هناك.
وقد أسفرت هذه الاتهامات عن صدور حكم قضائي في فبراير 2015 باعتبار الحركة منظمة إرهابية، وذلك قبل أن يتم إلغاؤه بعد أربعة أشهر فقط عن طريق محكمة الأمور المستعجلة حين طعنت الحكومة المصرية على الحكم السابق وذلك في السادس من يونيو من نفس العام.
ورغم حرص القاهرة على عدم إدراج الحركة الفلسطينية على قوائم الإرهاب، فإن وزير الداخلية اللواء مجدي عبد الغفار، اتهمها بالضلوع في اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات في الـ26 من يونيو 2015، وذلك رغم نفي الحركة أي علاقة لها بهذا الحادث، حسبما جاء على لسان القيادي بالحركة موسى أبو مرزوق، الذي أشار إلى “أن قطاع غزة لن يكون مأوى أو ملجأ لمن يضر بأمن مصر”، وهو ما دفع وفدًا منها للتوجه للقاهرة في زيارة هي الأولى منذ 30 من يونيو 2013.
وفي السياق ذاته عزفت وسائل الإعلام المصرية على أوتار شيطنة الحركة والمقاومة الفلسطينية بصفة عامة، مطالبة على لسان بعض إعلاميها بضرب قطاع غزة وغلق معبر رفح الحدودي بصورة نهائية، وهو ما زاد من حدة التوتر في العلاقات بين الجانبين، ومع ذلك وفي ظل التهاب المشهد كان لحماس رأي آخر.
حركة حماس تغازل
نظرًا للظروف المحلية والإقليمية التي شهدتها الساحة الفلسطينية والعربية وجدت حماس نفسها مجبرة على إعادة النظر في خارطة تحالفاتها وتوجهاتها السياسية حيال بعض الملفات، وهو ما دفعها إلى إصدار ما أسمته “وثيقة المبادئ والسياسات العامة للحركة” في مايو الماضي، والتي أثارت الكثير من الجدل لا سيما فيما يتعلق بالاعتراف بدولة الاحتلال من خلال قبول حماس لدولة فلسطينية على حدود 67 حسبما أشار البند العشرين من الوثيقة التي تتضمن 42 بندًا.
كذلك ما أثارته بشأن جدلية اعتراف الحركة بأنها جزء وامتداد لجماعة الإخوان المسلمين كما كان ذلك في ميثاقها الأول والذي نشر عام 1988، غير أنها في وثيقتها الجديدة في تعريف واضح لها، بأنها “حركة تحرّر ومقاومة وطنية فلسطينيَّة إسلامية، هدفها تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني، مرجعيَّتها الإسلام في منطلقاتها وأهدافها ووسائلها”، دون أن يتم ذكر بأن مرجعية الحركة هي جماعة الإخوان المسلمين أو أنها جزء منها على سبيل المثال، وهو ما تم تفسيره بأنه إنهاء التبعية للإخوان وخروج عن عباءتها بشكل كامل، مما دفع القاهرة للترحيب بهذا التطور الملحوظ في موقف حماس ونظرتها لبعض الملفات التي كانت محل خلاف خاصة بعد عقد عدة لقاءات واجتماعات بين ممثلي الحركة ومسؤولين أمنيين مصريين خلال الأشهر التسعة الأخيرة على وجه الخصوص.
حركة حماس أعطت المصريين المعلومات الأمنية عن الجماعات السلفية والمتشددة في قطاع غزة، إلى جانب تأكيدها على أنها ستواصل تنسيق الجهود لحماية الحدود المصرية مع القطاع
القاهرة تستجيب
استقبلت القاهرة خطوات حماس بترحيب شديد تجسد في بعض التحركات التي تم اتخاذها تعبيرًا عن الارتياح حيال هذا التحول الواضح في موقف الحركة، حيث أعطى الجانب المصري الضوء الأخضر إيذانًا ببدء مرحلة جديدة من التقارب مع حركة المقاومة عبر عدد من الآليات.
“نون بوست” في تقرير له كشف النقاب عن أبرز الخطوات التي اتخذتها القاهرة في هذا الشأن، على رأسها تسهيل عبور الفلسطينيين عبر معبر رفح بأعداد غير مسبوقة، حيث تم فتحه في عدد أكبر من أيام الأسبوع، على عكس ما كان معمولاً به في السابق، وشملت عمليات العبور سفر الطلاب والمرضى وأصحاب الإقامات خارج غزة.
كذلك الإفراج عن 7 حجاج فلسطينيين من غزة، أوقفتهم في 24 من سبتمبر الماضي بعد عودتهم من السعودية عقب أدائهم فريضة الحج، لاتهامهم بحيازة مواد ممنوعة، وقالت تقارير إن عملية الإفراج جاءت بعد أن أجريت اتصالات بين أعضاء من حركة حماس والجانب المصري.
استجابة للجهود المصرية بقيادة جهاز المخابرات العامة تعلن حركة حماس: حل اللجنة الإدارية في قطاع غزة ودعوة حكومة الوفاق للقدوم إلى قطاع غزة لممارسة مهامها
ثم وصلت خطوات التقارب بين الجانبين مرحلة من الإيجابية حيث نظمت مصر مؤتمرًا اقتصاديًا بمنطقة العين السخنة في محافظة السويس، في الـ30 من أكتوبر الماضي، استمر يومين كاملين، ثم مؤتمرًا آخر في الـ9 من نوفمبر، شارك فيهما ما يقرب من مئة رجل أعمال من قطاع غزة، لبحث سبل تعزيز التعاون الاقتصادي بين القاهرة والقطاع، إضافة إلى ما تردد بشأن الحديث عن إقامة منطقة تجارة حرة في مدينة رفح القائمة على طرفي الحدود، مما يُمكّن التجار في غزة من شراء المنتجات مباشرة من الطرف المصري من المدينة. وهذه الخطوة ستكون بمثابة رفع جزئي للحصار المفروض على القطاع، كذلك شحنات النفط التي أعادت القاهرة تصديرها لغزة مرة أخرى، ثم جاءت الزيارة الأخيرة لوفد الحركة بقيادة السنوار وهنية لتكشف النقاب عن حجم التنسيق الواضح بين حماس والسلطات المصرية.
جدير بالذكر الإشارة إلى أن التقارب مع حماس جاء بالتزامن مع التوتر في العلاقات بين القاهرة والسلطة الفلسطينية والذي بلغ أشده بعدم السماح بدخول اللواء جبريل الرجوب أمين سر حركة فتح ورئيس جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني الأسبق القاهرة وإعادته من مطارها، مما تسبب في إحداث فجوة كبيرة في العلاقات بين الجانبين تجسدت في عقد عدة لقاءات تخص القضية الفلسطينية في غيبة تامة لرئيس السلطة محمود عباس أبو مازن، كما حدث في اجتماع العقبة الثلاثي الذي جمع بين قادة مصر والأردن و”إسرائيل”، فضلاً عن جهود الرباعي (مصر – الإمارات – السعودية – الأردن) لإعادة القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان، إلى الساحة الفلسطينية مرة أخرى، مما يهدد عرش أبو مازن بصورة كبيرة، وهو ما استغلته حركة حماس لصالحها.
حل اللجنة الإدارية
على عكس اللقاءات السابقة وما كان يتمخض عنها من اتفاقيات غير ملزمة، سارعت حماس إلى إعلان حسن نيتها في التعاطي مع الدور المصري الجديد سواء فيما يتعلق بالمصالحة مع حركة “فتح” أو التقارب مع القاهرة، وهو ما كشفه البيان الصادر عنها في أعقاب اللقاءات التي جمعت بين وفدها وقيادات الجهات الأمنية المصرية.
الحركة في بيان لها أكدت أنه “استجابة للجهود المصرية بقيادة جهاز المخابرات العامة تعلن حركة حماس: حل اللجنة الإدارية في قطاع غزة، ودعوة حكومة الوفاق للقدوم إلى قطاع غزة لممارسة مهامها والقيام بواجباتها فورًا، والموافقة على إجراء الانتخابات العامة”.
وأضافت “استعداد الحركة لتلبية الدعوة المصرية للحوار مع حركة فتح بشأن آليات تنفيذ اتفاق القاهرة 2011 وملحقاتها، وتشكيل حكومة وحدة وطنية في إطار حوار تشارك فيه الفصائل الفلسطينية الموقعة على اتفاق 2011 كافة، وهو الاتفاق الذي توصلت إليه حماس وفتح وبقية الفصائل الفلسطينية برعاية مصرية، وينص على تشكيل حكومة وحدة وطنية، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وإجراء انتخابات للمجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية، إضافة إلى إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية”.
الملفت للنظر في هذا البيان أن حماس أكدت أن خطواتها جاءت استجابة للجهود التي قام بها جهاز المخابرات العامة المصرية دون أي إشارة إلى السلطة الحاكمة وهو ما دفع البعض للتساؤل عن مدى إمكانية إحياء دور الجهاز الاستخباراتي المصري من جديد لملء الفراغ الذي تركه تراجع دور النظام الحالي حيال القضية الفلسطينية.
التقارب مع حماس جاء بالتزامن مع التوتر في العلاقات بين القاهرة والسلطة الفلسطينية والذي بلغ أشده بعدم السماح بدخول اللواء جبريل الرجوب أمين سر حركة فتح ورئيس جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني الأسبق القاهرة وإعادته من مطارها
هل تستعيد المخابرات العامة دورها؟
العديد من الآراء تذهب إلى مساعي المخابرات العامة فرض سيطرتها على زمام الأمور في القضية الفلسطينية بعيدًا عن النظام الحاكم أي كان من يرأسه، وهو ما تعززه محاولات التنسيق بين حماس وجهاز المخابرات خلال السنوات الأخيرة في الوقت الذي كان النظام وإعلامه يشيطنون الحركة وقادتها.
من الخطوات التي فسرها البعض حينها بأنها مغازلة مصرية واضحة لقطاع غزة وحركة حماس الإطاحة برئيس جهاز المخابرات العامة السابق محمد فريد التهامي، ذي التوجهات العدائية للحركة والمقاومة الفلسطينية بصورة عامة، وتعيين اللواء خالد فوزي بدلاً منه في الـ21 من ديسمبر 2014.
قاد فوزي حزمة من الاتصالات السرية بين قادة الحركة وجهازه الاستخباراتي للتباحث بشأن عدد من الملفات الأمنية المختلفة لعل أبرزها الوضع في سيناء والتعاون لتطويق الخناق على الجماعات المسلحة التي تتمركز في هذه المنطقة الحيوية التي تمثل صداعًا في رأس الحكومة المصرية.
في مارس 2016 عقد رئيس المخابرات الجديد أول لقاءاته مع مجموعة من أعضاء المكتب السياسي للحركة (محمود الزهار وخليل الحيّة وعماد العلمي ونزار عوض الله وموسى أبو مرزوق)، أعقبه اتصال هاتفي بينه وبين رئيس المكتب السياسي الأسبق بحركة حماس خالد مشعل.
ثم تواصلت اللقاءات والمشاورات المكثفة بين الجانبين أسفرت عن عدد من الخطوات التي كشفتها الحركة في بيانها الصادر مؤخرًا وهو ما رحبت به حركة فتح حتى وإن أبدت بعض الشكوك عن نوايا حماس من وراء خطوة حل لجنتها الإدارية التي دشنتها منذ ستة أشهر تقريبا وتحديدًا في مارس الماضي لتسيير عمل أجهزة القطاع من كهرباء ومياه وما إلى غير ذلك من الخدمات المقدمة لسكان غزة.
دور محوري للمخابرات العامة في ملف المصالحة
ماذا عن موقف أنقرة والدوحة؟
العديد من علامات الاستفهام فرضت نفسها بشأن موقف تركيا وقطر حيال التحركات الحمساوية الأخيرة التي غيرت مسارها صوب القاهرة في تطور ربما يحمل العديد من الدلالات وهو ما دفع البعض إلى التكهن بسحب بساط النفوذ التركي القطري فلسطينيًا.
وزارة الخارجية التركية في بيان لها الأحد الماضي رحبت بإعلان حركة حماس حلّ اللجنة الإدارية في قطاع غزة، داعية جميع الأطراف المعنية لاقتناص الفرصة الحالية وتحقيق الوحدة في فلسطين.
الوزارة في بيانها الذي نشرته وكالة “الأناضول” قالت: “نرحب بالبيان الذي أعلنته حركة حماس والذي يعد خطوة مهمة لتحقيق المصالحة الفلسطينية، وندعو جميع الأطراف المعنية لاقتناص هذه الفرصة لتحقيق الوحدة بين الأخوة الفلسطينيين”، معتبرة إعلان حماس ضرورة من أجل إنجاز عملية المصالحة وحل الدولتين وتحقيق الاستقرار في المنطقة.
كما أكدت أنقرة استمرار دعمها لعملية المصالحة بين الفصائل الفلسطينية في إطار جهود الخارجية التركية لتحقيق السلام في المنطقة حسبما أشار البيان.
قطريًا.. بذلت الدوحة جهودًا مكثفة طيلة السنوات الماضية لإتمام عملية المصالحة الفلسطينية تجسدت في عدد من المبادرات التي تم تقديمها على رأسها إعلان الدوحة الذي رعاه أمير قطر في 2012 فضلاً عن استضافة العاصمة القطرية للعديد من الاجتماعات والمشاورات بين قادة حركتي فتح وحماس من أجل تقريب وجهات النظر.
وفي الوقت الذي تعزف فيه بعض وسائل الإعلام العربية بشأن محاولة قطر الضغط على حركة حماس لإفشال جهود المصالحة وذلك بعد تقاربها مع المحور المصري السعودي، تستضيف الدوحة لقاء موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي للحركة والمبعوث السويسري الخاص بعملية السلام في الشرق الأوسط رولان شتينغر، وذلك بحضور عضوي المكتب السياسي للحركة حسام بدران وماهر عبيد.
اللقاء الذي رعته السلطات القطرية تطرق إلى بحث أخر تحركات حماس دوليًا وإقليميًا كذلك مناقشة عدة أفكار تدعم جهود إنهاء الانقسام الفلسطيني، فيما أبدى شتينغر استعداد بلاده لدعم مسيرة إنهاء الانقسام وتذليل العقبات التي تواجهها.
الخارجية التركية في بيانها: ندعو جميع الأطراف المعنية لاقتناص هذه الفرصة لتحقيق الوحدة بين الأخوة الفلسطينيين
ماذا تريد القاهرة؟
تهدف القاهرة من وراء فتح صفحة جديدة في علاقاتها مع حماس إلى تحقيق عدة أهداف على رأسها إحكام السيطرة على الحدود المصرية وتطويق عملية تسلل العناصر المسلحة من قطاع غزة إلى سيناء، هذا بالإضافة إلى تفعيل سبل التعاون الأمني معها من خلال تبادل المعلومات بشأن هوية المسلحين وطرق ملاحقتهم والقضاء عليهم، وهو ما تحقق بإقامة منطقة أمنية عازلة على طول الحدود المصرية الفلسطينية بعمق 100 متر وعلى طول 13 كيلومترًا تنفيذًا لتفاهمات جرت بين قادة الحركة والمخابرات المصرية منذ شهرين.
وحسبما نشرت بعض وسائل الإعلام فإن حماس زودت سلطات الأمن المصرية بتفاصيل بعض الاتصالات التي جرت بين متطرفين مسلحين في سيناء وعناصر لهم في غزة، هذا فضلاً عن قيام سلطات حركة حماس بإحباط العديد من العمليات التي كان تستهدف بعض المواقع العسكرية في سيناء واعتقال عدد من عناصرها.
كذلك تسعى القاهرة إلى “استمالة” حركة المقاومة في محاولة لـ”استئناسها” من أجل تفريغها من مضمونها بالتعاون مع السعودية والإمارات في إطار ما تقتضيه صفقة القرن من آليات تستهدف زيادة رقعة التطبيع مع الكيان الصهيوني وتصفية القضية الفلسطينية، وهو ما تهدف إليه مصر خاصة بعد فشل أسلوب القمع والحصار في إخضاع قطاع غزة طيلة السنوات الأربعة الأخيرة.
علاوة على ذلك فهناك رغبة مصرية سعودية إماراتية في منافسة النفوذ القطري التركي فلسطينيًا من خلال الدفع برجل الإمارات الأول محمد دحلان، الذي يخوض صراعًا مع الرئيس عباس، مستغلاً حالة الوهن الذي تحياها حركة فتح، مما دفع حركة حماس للتخلي عن موقفها السابق حياله لتفتح له الباب في مواجهة فتح وأبومازن.
وهذا ما تريده حركة حماس
البعض في تفسيراته لقرار حركة حماس حل لجنتها الإدارية بغزة وتسليم إدارة القطاع للسلطة الفلسطينية أشاروا إلى أنه بمثابة إعلان وفاة للحركة في القطاع، وشهادة وفاة كتبتها لنفسها في مواجهة حركة فتح، إلا أن آخرين كان لهم رأي آخر، حيث ذهبوا إلى أن هذه الخطوة تعد مناورة سياسية ذكية، ألقت حماس الكرة من خلالها في ملعب أبو مازن وسلطته من جانب، وإبدت حسن نواياها نحو المصالحة من جانب آخر.
مصطفى خضري رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام، في منشور له على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” استعرض عشرة مكاسب لحماس من وراء هذه الخطوة، هي: التخلص من عبء توفير الخدمات الأساسية في ظل تواطؤ السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني وحصار نظام السيسي، التخلص من الالتزامات المالية لموظفي القطاع بعد توقف السلطة الفلسطينية عن دفع الرواتب، الظهور أمام المجتمع الفلسطيني كحركة سياسية وعسكرية مقاومة للكيان الصهيوني وغير متطلعة للاستيلاء على الحكم الفلسطيني كما تدعي حركة فتح، التفرغ للعمل الأمني والتطوير العسكري استعدادًا لجولات أخرى من الصراع مع الكيان الصهيوني، بدء تنفيذ رؤيتها الاستراتيجية الجديدة بحصولها على اعتراف دبلوماسي معلن من مصر وافتتاح مكتبها في القاهرة بشكل رسمي، ربط القرار بالمخابرات العامة المصرية، وضع الملف الفلسطيني مرة أخرى في يد مصر بعد أن قزم نظام السيسي الدور المصري بالمنطقة، وهو ما سيجعل المخابرات المصرية دائمًا في حالة حفاظ على علاقة طيبة مع حماس.
كذلك التخفيف على مواطني غزة بعد المعاناة التي مروا بها جراء نقص الوقود والكهرباء وغلق معبر رفح أمام مرضى القطاع، تبادل المصالح مع المخابرات المصرية بمساعدتها في السيطرة على سيناء مقابل تسهيل حركة البضائع والمعدات التي تحتاجها حماس في المواجهات المقبلة، استغلال حماس لعلاقتها الخارجية لتكون همزة وصل بين المخابرات المصرية والفاعلين في الإقليم كإيران وتركيا وقطر وكوريا الشمالية، وما يقابل ذلك من حرية الحركة والتنقل لقادة حماس خاصة أنّ هنية يقيم في قطاع غزة، وأخيرًا: دق مسمار جديد في نعش مشروع الكيان الصهيوني لتبادل الأراضي وتوطين أهل غزة بسيناء والذي كان يتبناه النظام المصري، وذلك على حد تعبيره.
لم يكن اختيار روحي جمال مشتهي المقلب بـ”أبو جمال” والذي قبع أسيرًا في سجون الاحتلال لمدة 24 عامًا، لرئاسة مكتب حماس بالقاهرة اختيارًا عشوائيًا، بل إن الشخصية المختارة تحمل الكثير من الدلالات والرسائل
ومن ثم يمكن القول بأن الضغوط التي تعرضت لها حماس -ولا تزال- خلال السنوات الماضية من حصار اقتصادي وهجمات إعلامية وتراجع للدعم المقدم خارجيًا ما كان له أبلغ الأثر على شعبيتها في القطاع في ظل تدني مستوى الخدمات المعيشية المقدمة للغزاويين، أوقعتها بين مطرقة التمسك بمبادئها المعلنة وسندان المصالح والميكافيلية إنقاذًا لواقع مؤلم يحياه ما يقرب من مليوني مواطن.
ورغم ما يمكن أن تثيره خطوات حماس الأخيرة من فتح قنوات اتصال مع دحلان والقاهرة والإمارات والسعودية من تساؤلات بشأن مدى التزامها بمبادئ المقاومة التي طالما تمسكت بها خلال فعالياتها المختلفة، فإن الظروف المحيطة وتصميمها على تحمل تبعات مسؤوليتها عن سكان غزة ربما يقودها إلى التراجع خطوة للوراء قليلاً من أجل الحصول على الدعم والتمويل اللازم لاستمرار الحياة بشكل طبيعي حتى ولو كان ذلك على حساب حزمة المبادئ المعلنة.
ولكن يبقى تساؤل آخر ربما تحمل الإجابة عنه تكهنًا بمدى صدق تواجد مكتب حماس في القاهرة من عدمه خاصة أنه ليست المرة الأولى التي تدشن الحركة مكتبًا لها في مصر، ويدفع هذا إلى التساؤل من الشخصية التي سيتم اختيارها لرئاسة هذا المكتب المزعوم؟ هذا ما أجابت عنه “وكالة فلسطين اليوم” الإخبارية نقلاً عن مصدر بالحركة أنه قد وقع الاختيار على القيادي روحي جمال مشتهي ليكون ممثلها في مكتب القاهرة.. فلماذا مشتهي؟
جمال مشتهي المرشح لتولي رئاسة مكتب حماس بالقاهرة
لماذا مشتهي؟
لم يكن اختيار روحي جمال مشتهي المقلب بـ “أبو جمال” والذي قبع أسيرًا في سجون الاحتلال لمدة 24 عامًا، لرئاسة مكتب حماس بالقاهرة اختيارًا عشوائيًا، بل إن الشخصية المختارة تحمل الكثير من الدلالات والرسائل، وذلك حسبما نشر موقع “القصة“.
الموقع أشار في تقريره الذي سعى من خلاله إلى محاولة الإجابة عن هذا السؤال: لماذا مشتهي؟ إلى أن المعلومات الرائجة حتى الآن عن طبيعة المفاوضات التي جرت في القاهرة طوال الأسبوع المنصرم، فضلاً عن طبيعة شخصية الرجل ذاته، يمكن أن تحمل الإجابة عن هذا السؤال.
أولا: رعاية القاهرة لمفاوضات تبادل الأسرى بين الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي، في إطار العرض المقدم من تل أبيب بتسليم جثامين ورفات 39 شهيدًا فلسطينيًا احتجزها الاحتلال خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة، من بينهم 19 من أبناء حماس، مقابل قيام الحركة بالكشف عن مصير ما لديها من أسرى إسرائيليين، ويعد مشتهي الشخص الأنسب لرئاسة المفاوضات في هذا الملف لما يتمتع به من تراكم للخبرة على مدار ربع قرن في سجون الاحتلال وإدارته لاختيار الأسرى المحررين ضمن صفقة وفاء الأحرار.
ثانيًا: الطبيعة الهادئة التي تتمتع بها شخصية “أبو جمال”، فالرجل قليل التصريحات، كتوم المعلومات، غير معاد للقيادات المصرية ولم يسبق له أن دخل في أي سجال مع القاهرة، وهو المناخ الذي يساعد مصر في إقناع الرأي العام بخطوة وجود ممثل لحماس على أراضيها.
ثالثًا: العلاقات الجيدة التي تجمع الرجل ببقية أعضاء الحركة وتياراتها وفروعها في الداخل والخارج، وهو ما يضمن الاستقرار والانسجام داخل الحركة، تلك العلاقة التي يمكن لها أن تزيل أي خلاف يمكن أن يحدث داخل صفوفها مستقبلاً.
الضغوط التي تعرضت لها حماس – ولا تزال – خلال السنوات الماضية أوقعتها بين مطرقة التمسك بمبادئها المعلنة وسندان المصالح والميكافيلية إنقاذًا لواقع مؤلم يحياه ما يقرب من مليوني مواطن.
رابعًا: إلمام مشتهي بتطورات القضية من خلال حضوره الاجتماعات التي تم عقدها بين الحركة والسلطات الأمنية المصرية كافة، مما يجعله على دراية كاملة ببواطن الأمور وتفسيرات البنود المتفق عليها ويسهل عملية التواصل بين الطرفين.
وفي المقابل ورغم الخطوات الإيجابية التي اتخذتها حركة حماس لتفعيل عملية المصالحة، هناك من يسعى للتقليل من هذا التفاؤل، حيث يرى البعض خيبة أمل في أن تستجيب فتح لهذه التحركات، مرجحين رفع سقف مطالبها إلى ما هو أبعد من حل اللجنة الإدارية وإعطاء السلطة الفلسطينية كامل الصلاحيات في غزة، وذلك من خلال المطالبة بوضع سلاح حماس وذراعها العسكري على طاولة المفاوضات، وهو ما أعلنت الحركة رفضه أكثر من مرة، مما قد يعرض مفاوضات المصالحة للفشل كما حدث في المرات السابقة.
ومع ذلك فإن حماس أمام خيار استراتيجي ربما يعيد رسم خارطتها في الفترة القادمة، إما أن تترك نفسها في مهب ريح الانتهازية والمصلحة من أجل اتقاء شر الحلف الإماراتي السعودي المصري وهو ما قد يفقدها شعبيتها أو تنحاز إلى خطوط أكثر راديكالية، وهو ما يجعل سير الحياة الطبيعية في القطاع صعب المنال.