تستعد المملكة العربية السعودية لرفع أسعار الوقود، إذ أشارت مصادر سعودية أن الحكومة تتجه لرفع أسعار البنزين بمعدلات قياسية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل بمعدل 80% للحصول على الإيرادات المالية، بحسب ما نقلته وكالة “بلومبيرغ الاقتصادية”.
ونقلت “بلومبيرغ” عن مصدرها “إن رفع الأسعار يأتي ضمن خطة وضعتها الحكومة، للحصول على إيرادات مالية”، وأن سعر البنزين 91 أوكتان سيرتفع من 0.75 ريال إلى نحو 1.35 ريال لكل لتر، أي بزيادة قدرها حوالي 80%.
سبب زيادة الأسعار
صار واضحًا للكثير أن وضع الاقتصاد السعودي قد لا يمر بأفضل حالاته إذ لا يزال يعاني من آثار انخفاض أسعار النفط، بحكم اعتماد الميزانية المالية على إيرادات النفط بشكل كبير. وقد عملت الحكومة خلال الشهور الماضية على التخلص من أعباء تحمل أي عجز مالي من جراء التفاوت بين الأسعار العالمية والمحلية. إذ تدعم الحكومة السعودية الكثير من أثمان السلع المحلية فإذا ارتفع سعرها عالميًا بشكل كبير ستضطر لدفع مبالغ مالية أكبر.
إلا أن تساؤلات تطرح في هذا الجانب!. إذا كانت السعودية تنتج النفط ومشتقاته محليًا، فلماذا يتم رفع الأسعار إذا كانت تنتجه محليًا؟، ترتبط الإجابة على هذا التساؤل بشكل الاقتصاد السعودي وكيف يتم تمويل الميزانية المالية. فلو ملكت الحكومة قطاعات إنتاجية متنوعة من الزراعة والصناعة والخدمات تمول من خلال إيراداتها الميزانية، لن يكون عندها مشكلة أن تبقي على دعم أسعار الطاقة.
رفع الأسعار المحلية يأتي في إطار خطة وضعتها المملكة لربط الأسعار المحلية بالعالمية، إضافة إلى تخفيف عبء الدعم عن كاهل المالية الحكومية وتعزيز كفاءة الطاقة
ولكن السعودية تعتمد على بيع النفط وإيراداته المالية لتمويل الميزانية بشكل كبير، وبعد هبوط أسعار النفط في ظل عدم توفر قطاعات إنتاجية تسد العجز الحاصل كان لابد للحكومة أن تعيد علاقة الحكومة بالقطاعات والسلع والخدمات التي تمولها، إذ لجأت إلى إعادة بلورة الأثمان الداخلية لتحميلها على المواطن بغرض المساهمة في تمويل الميزانية.
يظهر ذلك أيضًا في تخلي الحكومة السعودية عن مسؤولية إدارة قطاعات أخرى مثل المطارات والصحة والرياضة والإعلام والتعليم وخطوط السكك الحديدية وأمور أخرى، إذ أقرت الحزمة مخططًا لخصخصة 16 جهة من القطاع العام وبيعها للقطاع الخاص في خطة لجذب 800 مليار دولار ضمن مخطط أكبر يهدف لتنويع مصادر الدخل وإيقاف إدمان البلاد عن النفط.
تزامنت رفع أسعار الوقود في السعودية مع خطوة إعادة صياعة الرياض لخطة التحول الوطني
ومن بين أكثر الشركات التي سيتم خصخصتها هي عملاق النفط السعودي “أرامكو”.حيث تعتزم السعودية خصخصة جزء من أسهم شركة أرامكو الوطنية عبر طرح حصة منها بمقدار 5% من أسهمها في أسواق المال العالمية، وتقدر مؤسسات قيمة الطرح بنحو 125 مليار دولار في حين تقدره مؤسسات أخرى بأقل من ذلك بكثير.
لذا لا يمكن تفسير خطوة رفع أسعار البنزين إلا في هذا الإطار؛ وهو تخلي الحكومة عن الدعم المالي المقدم للعديد من السلع والخدمات وتحميلها للقطاع الخاص والمواطن، وهذا الكلام يتطابق مع ما ذكره تقرير “بلومبيرغ” بأن رفع الأسعار المحلية يأتي في إطار خطة وضعتها المملكة لربط الأسعار المحلية بالعالمية، إضافة إلى تخفيف عبء الدعم عن كاهل المالية الحكومية وتعزيز كفاءة الطاقة. ومن المقرر أن يستمر مسلسل رفع أسعار الوقود حتى عام 2021.
فشل الرؤية 2030
تزامنت رفع أسعار الوقود مع خطوة مع إعادة صياعة الرياض لخطة التحول الوطني بعد سنة من إطلاقها التي جاءت في ظل تفاؤل الحكومة بقدرة الرؤية على تغيير الأوضاع الاقتصادية في البلاد نحو الأفضل، إلا أن صحف أمريكية من بينها صحفية “فايننشال تايمز” أشارت أن السعودية تعكف على مراجعة وإعادة صياغة رؤية المملكة 2030 التي وضعها الأمير محمد بن سلمان بعد أكثر من عام على إطلاقها.
وذكرت وكالة “رويترز”، إنه على ما يبدو من غير المرجح أن تتحقق بعض الأهداف المحددة ضمن خطة “التحول الوطني” بحلول الموعد النهائي المحدد لها في 2020 لأسباب من بينها أنها معقدة وطموحة، إضافة إلى صعوبات في تنفيذها بسبب ضعف كفاءة بعض الوزارات، ونقلت الصحيفة “فايننشال تايمز” عن مستشار حكومي سعودي قوله “هناك اعتراف بأن الكثير من الأهداف كان مبالغًا فيها وربما يكون لها تأثير كبير جدًا على الاقتصاد”.
رفع الأسعار يأتي ضمن خطة وضعتها الحكومة، للحصول على إيرادات مالية
كما تحاول السعودية أن تتجنب أي تكاليف اقتصادية في البلاد، إذ تشير توقعات بأن يشهد الاقتصاد السعودي أكبر تباطؤ في النمو منذ الأزمة المالية العالمية 2008، ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد بنسبة 1.5% فقط خلال العام الجاري، وهذا يهدد الخطط الحكومية لتنويع مصادر الدخل وسعودة الوظائف ويضعها على المحك. وبلغت نسبة البطالة لإجمالي المواطنين في السعودية 15 سنة فأكثر نسبة 12.7%، في أحدث بيانات الهيئة العامة للإحصاء حول سوق العمل السعودي.
في هذه الأثناء تمر السعودية بظروف قد لا تكون لصالح الاقتصاد بشكل عام، بسبب حملة الاعتقالات التي طالت نحو أربعين شخصًا من الدعاة والأكاديميين وافراد من الأسرة الحاكمة، في غضون هذا تشهد المملكة حالة من الترقب مع قرب إعلان تنازل الملك سلمان عن العرش لابنه محمد في الأيام أو الأسابيع المقبلة، ومن شأن هذا أن يجعل الاقتصاد والوضع ضبابيًا فيما إذا سيلغي الأمير الشاب بنود من الرؤية ويضيف عليها أخرى أو لا؟. وسيبقى التساؤل قائمًا فيما هل سيتم إعادة الدعم الحكومي لكسب ود الشعب أم سيتم إلغاءه بالفعل والمضي قدمًا في الخطة الحكومية والرؤية التي تشهد تعديلات لم يتم الإعلان عنها بعد.