رأى الصحفي والناشط الاجتماعي، البريطاني أليستر سلون أن الحملة التي قامت بها السلطات السعودية ضد العمالة الأجنبية غير الشرعية مرتبطة بأزمة السكن. فقد نظرت الحكومة السعودية للعمالة الأجنبية كتهديد لتوفير المساكن للمواطنين وفرص العمل.
وحلل سلون في مقال نشره موقع “ميدل إيست مونيتور” (ميمو) في لندن أبعاد مشكلة السكن هذه والتي كانت كما يقول وراء الحملة ضد العمالة غير الشرعية في تشرين الثاني/ نوفمبر وقالت الحكومة إنها رحلت 250.000 عاملا أجنبيا.
ويقول الكاتب إن مشكلة الإسكان في السعودية هي متعددة الوجوه، متجذرة ومن الصعب حلها بشكل كامل، وظل رد الحكومة عليها أعرجا وفي حالات أخرى زاد مشاكلها.
ويشير الكاتب إلى أن نسبة من يملكون البيوت في السعودية لا تتجاوز 30% وهي نسبة قليلة مقارنة مع المستوى الدولي 70%. وجزء من هذه المشكلة متعلق بالرهن العقاري التي يمثل في السعودية نسبة 2% من الدخل القومي للفرد مقارنة مع أنه يصل في الجارة الكويت أو الإمارات قريبا من 15%.
وكان الملك عبدالله قد وعد عام 2011 بحزمة من الإصلاحات في محاولة منه لوقف مد “الربيع العربي” نحو بلاده، واسترضاء شعبه، وشملت الحزمة 67 مليار دولار للبناء. وفي ذلك الوقت قدر المحللون حاجة البلاد إلى نصف مليون بيت حتى يتم التصدي لمشكلة الإسكان المتزايدة في البلاد، ومنذئذ تجاوز عدد سكان السعودية الرقم 30 مليون نسمة. وتقول الإحصائيات إلى إن هناك نقص في المساكن يتراوح ما بين 100.000 – 200.000 في كل عام.
ورغم هذه الحاجة فالميزانية المخصصة لمواجهة مشاريع الإسكان 67 مليار دولار لم تنفق بشكل جيد. وقالت الصحف المحلية إن 3.35 مليار مخصصة للإسكان بسبب عدم توفر الأراضي.
وتعود مشكلة الإسكان إلى سياسات الرعاية الحكومية، فقد ظل السعوديون ولعقود طويلة يناشدون الحكومة لمنحهم أراض قدمت لهم على شكل منح وهدايا ملكية، وعليه لم تترك مكانا صالحا للتطوير حسب عدنان غوشه، المستشار في وزارة الإسكان السعودية، وهو ما دفع الوزراء للبحث عن طرق لبناء مشاريع سكنية خارج حدود المدن، وهذا سيكون مكلفا بسبب كلفة توفير البنى التحتية. ومن المفارقة فكل الأراضي التي منحتها أو أهدتها الدولة للمواطنين كانت مزودة بالطرق وبخطوط المياه والطاقة مما يعني صلاحيتها للتطوير.
وإذا كان البناء خارج المدن مكلفا، يأمل المتعهدون بالبناء على الأراضي الخاصة المملوكة من المواطنين في داخل المدينة إلا أن أسعار الأراضي ارتفعت بشكل خيالي في العامين الماضيين بنسبة 50%، وذلك حسب محللين سعوديين، ومن هنا فالمخاطرة وبناء مشاريع تطوير سكنية عالية الثمن ليست مجدية اقتصاديا في هذا السوق المزدهر. بالإضافة لذلك فالكثير من الأراضي مملوكة لأبناء العائلة المالكة، وهم ليسوا مستعدين للتخلي عن “كيس البيض”.
ومع قلة السكن فالطلب في تزايد ومعها يتزايد سعر الأراضي، وساعد الرهن العقاري الذي تدعمه الدولة على إنعاش السوق العقاري وإن بشكل مصطنع، فقد تم إدخال سياسة الدعم العقاري من أجل التحفيز وتوفير أسعار معقولة في السوق.
وفي الوقت نفسه يشتكي الكثير من أبناء الطبقة المتوسطة من أن المعايير التي وضعت كي يحصل الشخص على خدمات من هذا النوع، أي الرهن العقاري المدعوم، ربما وضعت بشكل غير صحيح ولم تعط أي دعم للطبقة المتوسطة التي تأمل بالحصول على بيت بسعر معقول. فعدم الوضوح في برنامج القروض أدى إلى نتائج غير حقيقية.
فملاك الأراضي الصغار لم يكن باستطاعتهم الحصول على قروض الحكومة لمشاريع سكنية لأن دخلهم الشخصي كان عاليا بحسب المعايير الحكومية، أما الذين لا أملاك لهم فقد منحتهم الحكومة قروضا للبناء.
ويشير الكاتب إلى أن الطلب على المساكن متركز في ثلاث مناطق جغرافية هي الرياض وجدة والدمام التي شهدت احتياجات سكنية أكثر من المناطق الحضرية الأخرى، مما يضع ضغوطا على هذه المراكز المدنية والحاجة تستدعي لبناء بيوت أكثر وأسرع.
وفي الوقت الذي بدأت السلطات تبني فيها إلا أن التركيز هو على سوق البيوت الفاخرة.
وتخطط سلطة المدن الاقتصادية، وهي مؤسسة حكومية لتطوير مدن جيزان، ورابغ والمدينة وحائل كمراكز تطوير أو مدن متطوة، ووعدت باستثمار مليارات الدولارات في مشاريع البنية التحتية، بشكل يخفف من الضغوط على المراكز القائمة.
ويعتقد الكاتب إن سوق الرهن العقاري سيدفع تجاه الطلب المتزايد على البيوت، مع أن هذا تطور إيجابي، اي تحول الرهن العقاري لواقع ظاهر في السعودية. فقد تم تمرير تشريعات جديدة خلال عامي 2012/2013 حيث تم تمرير رخص لشركات الرهن العقاري والبنوك، ووافقت الحكومة على الحد الأعلى للقرض.
وتعود مقترحات الرهن العقاري في السعودية إلى عام 1981 حيث تم مناقشتها بعد أن قتل مجلس القضاء الأعلى المبادرة واصدر فتوى يحرم التعامل بها، ومنذ تلك الفترة ظل النقاش يحتدم حول قروض الرهن العقاري ولكنه توقف بالكامل.
ويشير إلى أن الأزمة السكنية في السعودية تأثرت بطريقة أخرى بعدم الإستقرار في المنطقة، فقد أدت الحرب السورية لإغلاق الطرق من تركيا عبر سوريا، مما أثر على شحن مواد البناء التي أصبحت تنقل بالسفن مضيفة كلفة جديدة على أسعار النقل.
ويظل موضوع “بنوك الأراضي” من القضايا المهمة والكفيل بإخراج السعوديين من أزمة الإسكان. وكانت وزراة الإسكان قد أشارت إلى أن ملاك الأراضي ممن يملكون أراض واقعة ضمن مخطط المدينة ولم يبن عليها فسيكونوا عرضة لدفع الضريبة عليها. ولم يتم بعد الإعلان عن خطط بهذا الشان. والمشكلة أن معظم هذه الأراضي تعود لشخصيات مؤثرة من العائلة المالكة وأصحاب مصالح وهناك صعوبة لمواجهتهم.
وبدون حل المشكلة، فستزيد أزمة السكن لأن سياسة الدولة كانت ناجحة في دفع الطلب على المساكن بدون توفيرها.
وبحسب جونز لا نغ لاسال، وهي شركة دولية للعقارات تعمل في المملكة فقد ضربت الأزمة أكثر أصحاب الدخل المتدني . وتقول الشركة أن ثلث الذين يدخلون سوق العمل لا يقدرون على شراء بيت سعره 133.000 دولار أمريكي. وإذا أخذنا بعين الاعتبار ان ثلث السعوديين تحت سن 15 عاما ونصفهم تحت سن 25 عاما، فالحكومة تواجه معركة سكانية لتوفير مساكن بأسعار معقولة.
ففي مدينة جدة تستطيع أن تشتري بمبلغ 133.000 دولار شقة صغيرة مكونة من غرفتين. وبهذا المبلغ يستطيع المهاجر أو من يحصل على راتب متدن شراء كوخ في منطقة عشوائية: الأحياء الفقيرة- أحياء الصفيح.
وتخطط شركة جدة للتنمية والتطوير العمراني لتطوير هذه الأجزاء من المدينة كجزء من خطة واسعة لتطوير المدينة، فقد عاشت عائلات في هذه المناطق لأربعة أجيال، حسب جمعيات خيرية فيها. ولا تأخذ خطط التطوير العمال الأجانب الذين يشكلون ثلي السكان بالاعتبار مما يطرح أسئلة حول مصيرهم وأين سيذهبون.
ويشكل العمال الأجانب مشكلة للحكومة التي تنظر إليهم كتهديد للسكن وفرص العمل. وفي عملية الملاحقة التي بدأت نهاية العام الماضي واستهدفت 9 ملايين عامل، خاصة من لا يحملون تأشيرات شرعية، زعمت الحكومة أنها رحلت 250.000 عامل أجنبي.
ومعظم الذين رحلتهم الحكومم كانوا من الأثيوبيين الذين اتهمتهم بدخول البلاد بطريقة غير شرعية عبر حدودها الجنوبية مع اليمن، ولكن العمالة الأجنبية تصل أيضا من مصر والباكستان والهند وبنغلاديش وأندونيسيا واليمن. وتقول الحكومة إن الترحيل الجماعي يفتح فرص العمل للسعوديين وكذا يوفر السكن لهم.