تتجه مصر إلى إعادة تنظيم الجيش الليبي التابع لمجلس النواب المنعقد في طبرق شرق البلاد، المكون أساسًا من مليشيات مسلحة تابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر الذي لا يعترف بشرعية حكومة الوفاق الوطني في طرابلس بقيادة فائز السراج، داخل أراضيها، مما يؤهلها إلى المزيد من بسط نفوذها في ليبيا والتحكم في مجريات الأزمة هناك، حسب العديد من المراقبين.
إعادة تنظيم الجيش أم قوات حفتر؟
إعلان المتحدث العسكري المصري تامر الرفاعي، نية بلاده إعادة تنظيم الجيش الليبي، جاء عقب استقبال اللجنة المصرية المعنية بليبيا (مشكّلة من قبل الرئاسة المصرية) بقيادة رئيس الأركان المصري محمود حجازي، وفدًا عسكريًا ليبيًا، أمس بالقاهرة، مؤكدًا أن هذا التحرك المصري تم بناء على طلب ليبي، حيث قال الرفاعي: “أبناء المؤسسة العسكرية الليبية اختاروا مصر لتكون نقطة البدء في إعادة تنظيم الجيش الليبي، وذلك في إطار الجهود المصرية لإنهاء حالة الانقسام وتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية”.
في مقابل إعلان الرفاعي أن هذا الأمر يأتي وفقًا لطلب ليبي، يؤكد العديد من الخبراء أن التحرك المصري جاء بناء على أطماع قديمة جديدة بالتحكم في ليبيا، من خلال تدريب ودعم المليشيات هناك والتحكم في تحركاتها حتى تكون وفقًا لأهداف القاهرة، وتسعى القاهرة إلى المزيد من دعم قوات حفتر التي تشكل ما يسمى بالجيش الليبي، حتى ترجح كفته على باقي الفصائل المسلحة في البلاد، خاصة القوات المناوئة له في الغرب الليبي التي توازيه وتفوقه أحيانًا في المعارك العسكرية، خصوصًا قوات البنيان المرصوص التي هزمت وطردت تنظيم داعش من مدينة سرت الساحلية.
ترى مصر في ليبيا مصدرًا للخطر وتهديدًا لأمنها القومي وأمن المنطقة
ويعتبر خليفة حفتر، الذي سبق له العمل تحت إمرة العقيد الراحل معمر القذافي قبل أن يجد نفسه منفيًا عقب توالي هزائم قواته الحربية في تشاد، حيث عاش على مدى عقدين من الزمن بشمال فرجينيا في الولايات المتحدة، ليعود بعدها عام 2011 إلى ليبيا ويشغل منصب قائد ما يسمى بـ”الجيش الوطني” الذي يدين بالولاء للحكومة الليبية المتمركزة في طبرق، حليفًا لمصر.
هذه المساعي المصرية جاءت بعد أشهر من رفضها السماح لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر بأن يكون لها مكتب بالقاهرة تقدم من خلاله المؤتمرات الصحافية اليومية بشأن التطورات الميدانية في ليبيا، وطلبها من الإمارات التشديد على حفتر بضرورة تهدئة الأجواء، وعدم الإقدام على أي خطوة من شأنها التصعيد وتأجيج صراع جديد في المنطقة، وذلك بعد فشل محاولة التسوية العسكرية.
وترى مصر في ليبيا مصدرًا للخطر وتهديدًا لأمنها القومي وأمن المنطقة بالنظر إلى أنها تواجه مخاطر سقوط الدولة مما قد يحولها إلى بؤرة للتطرف والإرهاب، لا سيما مع تعثر العملية السياسية وانتشار السلاح بشكل هائل في البلاد، لذلك فإنها لا ترى تعارضًا بين دعم الحل السياسي للأزمة الليبية ودعم وبناء قدرات ما يسمى بالجيش الليبي بقيادة حفتر، حسب مسؤولين مصريين.
دعم حفتر
تسعى مصر أن يظل حفتر قائدًا للجيش، والفاعل في أي صيغة اتفاق سياسي يجمع قوات ما يسمى “الجيش الوطني الليبي” وقوات “البنيان المرصوص” التابعة لحكومة الوفاق الوطني، ويوضح ذلك أن السلطات المصرية مُدركة أنه لا يستطيع أي من الطرفين امتلاك النفوذ العسكري في ليبيا بالكامل، وهي لذلك تسعى لتوحيد قوات الجيش بقيادة اللواء حفتر.
وتسعى مصر إلى أن يكون حفتر فاعلًا رئيسيًا في أي اتفاق سياسي في ليبيا، وصاحب الكلمة العليا هناك، فضلًا عن تنصيبه كقائد للجيش الليبي، فحفتر الذي كان يُقدم نفسه دائمًا باعتباره العدو الأول لـ”داعش” والجماعات الإسلامية المسلحة، تتماهى صورته مع الرئيس المصري السيسي، فكلاهما وجدا شرعيتهما على تسويق شعار “الكفاح ضد الإرهاب”، فضلًا عن خلفيتهما العسكرية.
طائرة مصرية بصدد القيام بضربات جوية في ليبيا
وعرفت دولة مصر منذ تدخلها في ليبيا، عقب الانقلاب على الرئيس محمد مرسي صيف 2013، بدعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر على حساب باقي الأطراف المكونة للمشهد الليبي، ضمن الاتجاه العام للسلطات المصرية بدعم موجة الثورات المضادة للربيع العربي، في مسعى منها لإجهاض الثورة الليبية ودعم العسكر، وليس خافيًا على أحد إلحاح خليفة حفتر على ضرورة تدخل الجيش المصري في شرق ليبيا، لضرب معاقل ما أسماها “الجماعات المتشددة”، بحسب إعلان حفتر المستمر، وإن كانت النية الأصلية ضرب الثوار الذين يقفون حجر عثرة أمام المشروع المصري الإماراتي السعودي في إعادة ترتيب المشهد السياسي الليبي، على طريقة إقصاء الإسلام السياسي والثوار.
وينتظر أن يكون للقاعدة العسكرية المصرية الجديدة “محمد نجيب” المقامة في منطقة الحمام شمال غرب مصر على الحدود الليبية، والتي افتتحت نهاية يوليو الماضي، دور بارز في العمليات العسكرية في ليبيا، على صعيد توفير التدريب والخطط العسكرية واللوجستية لقوات الجيش الوطني التابع لحفتر، حسب تقرير لقناة “218” الليبية، مرجعة ذلك إلى أن “الملف الليبي يشغل بال المسؤولين المصريين، الذين يريدون أن يكون الجيش الوطني قوة ضاربة وجاهزة لضرب الحركات الإرهابية التي تحاول استغلال حالة الفوضى الأمنية في العديد من المدن الليبية لشن هجمات داخل مصر.
ازدواجية في الخطاب
في الوقت الذي يُبدي فيه نظام الرئيس السيسي دعمه لحكومة الوفاق الوطني المنبثقة عن اتفاق الصخيرات، وهو ما يجعل النظام المصري يبدو متوافقًا مع القوى الدولية بشأن الحل السياسي للأزمة الليبية، يواصل النظام تقديم الدعم والتعاون العسكري للواء المتقاعد خليفة حفتر وقواته دون التنسيق مع حكومة الوفاق، بحيث يضمن النظام المصري استمرار نفوذه على الساحة الليبية، والإبقاء على أوراق ضغط في حال فشل الحل السياسي، يستطيع من خلالها الحفاظ على الوجود في الساحة الليبية وفرض رؤيته التي تتوافق مع مصالحه.
يحظى الدور المصري في ليبيا بمباركة ومساندة من حفتر الماسك بزمام الأمور في الشرق الليبي
ويؤكد هذا التوجه أن مصر أحد الفاعلين البارزين في الساحة السياسية والعسكرية الليبية، وأن حفتر بيد القاهرة يأتمر بإمرتها الآن، وفي وقت سابق أشارت تقارير إعلامية إلى وجود عسكريين مصريين في ليبيا دعمًا لحفتر في عملياته العسكرية، كما قدمت القاهرة معدات عسكرية متطورة لحفتر وقواته، فضلًا عن ضرباتها الجوية للعديد من المواقع التابعة لقوات معارضة لحفتر، حتى إن مراقبين أكدوا أنه لولا دعم مصر له لما تمكنت قواته من الصمود حتى الآن.
ويحظى الدور المصري في ليبيا بمباركة ومساندة من حفتر الماسك بزمام الأمور في الشرق الليبي، وهو تأييد يسمح لمصر بالتحرك على الساحة الليبية بشكل أكبر، وقد ظهر ذلك بوضوح في التنسيق العسكري بين الطرفين لا سيما خلال الغارات الجوية التي شنها الطيران المصري على ليبيا والتي تمت بتنسيق كامل مع قيادة قوات حفتر.
باقي الأطراف
يسعى النظام المصري إلى تشكيل النظام الليبي الجديد وفق سياسته، ومن ثم استخدامه في علاقاته مع الدول الخارجية، وهو ما ترفضه العديد من الأطراف الداخلية والخارجية التي تؤكد على ضرورة الحل السلمي والسياسي للأزمة الليبية، ووجود جميع الأطراف الليبية في أي حل لهذه الأزمة، حتى لا ينفرد طرف بالسلطة على حساب آخر، مما يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الاقتتال وانتشار العنف في هذا البلد العربي.
انتشار السلاح في ليبيا يقلق دول الجوار
وما فتئت العديد من الأطراف الدولية تؤكد رفضها التام لأي تدخل عسكري في ليبيا، إلى جانب إعرابها عن قلقها من التدخل المصري المشبوه في الشأن الليبي عن طريق دعم القوات الموالية لحفتر، بمساعدة أبناء زايد، مما أثار استنكار العديد من المسؤولين في الإمارات ومصر.