ترجمة وتحرير نون بوست
تجاوز الصراع الدائر بين قطر وجاراتها يومه المائة، حتى أن هناك مخاوف من أن تمتد جذور هذه الأزمة في المنطقة. أما بالنسبة لدول الحصار، فإن تصور انهزامها أمام مقاومة شرسة غير متوقعة من إمارة صغيرة، لم يزد إلا من صلابتها وعنادها. ولعل خير دليل على هذا التصعيد، تلك الأغنية الجديدة التي صدرت بمشاركة كبار الفنانين من المشهد السعودي والعراقي، والتي أثارت ضجة واسعة لما تحتويه من تهديدات ضد قطر.
فضلا عن ذلك، كان هناك أدلة أخرى على التوتر الخليجي، من خلال احتضان ودعم تلك الدول لشخصيات ترغب في تغيير النظام في قطر أو حتى تطمح لتنفيذ انقلاب عسكري. ورغم هذا العدوان، تواصل قطر إستراتيجية الرد اللاذع، التي تعد نوعا ما ناجحة حتى الآن. في الواقع، كان آخر إنجاز قامت به قطر في افتتاح ميناء حمد، أحد أكبر الموانئ في الشرق الأوسط، بتكلفة بلغت سبعة مليارات دولار. وسيسمح هذا المشروع لقطر بكسر الحصار المفروض عليها من خلال فتح العديد من المسارات البحرية.
في المقابل، ما أثار الانتباه اليوم هو تغير موقف الكويت، التي كانت من المفروض أن تقوم بدور الوساطة في الأزمة، فقد خرجت هذه الدولة عن صمتها وحيادها لتبدي بتصريحات جريئة ومدهشة. وفي هذا الصدد، صرح أمير الكويت خلال مؤتمر صحفي مع نظيره دونالد ترامب أن قطر تواجه مطالب، ما كانت لتوافق عليها الكويت لو كانت مكانها.
في ذلك المؤتمر، أشار أمير الكويت، صباح الأحمد الجابر الصباح، في التصريح الذي أدلى به إلى المطالب الثلاثة عشر، التي صاغتها كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر، في حزيران/ يونيو، خاصة تلك التي تمس من السيادة الوطنية لقطر، مثل طلب غلق القاعدة العسكرية التركية، وإنهاء عمل قناة الجزيرة.
غادرت الكويت موقع الوساطة في الأزمة لتقف إلى جانب قطر بشكل أغضب اللجنة الرباعية
التسارع المفاجئ للأحداث
خلال ذلك اللقاء، صرح أمير الكويت بأن الحل العسكري كان مطروحا منذ بداية الأزمة، ولكن تمكنت الكويت بفضل وساطتها من تعطيله. من جهته، كانت ردة فعل وزير خارجية قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مؤشرا على المستوى الخطير الذي بلغته الأزمة في البداية. فقد أعرب الشيخ عن أسفه لرؤية البلدان الشقيقة تتخذ مثل هذا القرار الراديكالي. كما كشف أمير الكويت عن استغرابه من المستوى الخطير الذي بلغته الأزمة، مذكرا أن زيارة ترامب للرياض في أواخر أيار/ مايو الماضي دارت في أجواء مشحونة، ولكنها لم تترك أي مؤشر على وجود هذا التصعيد.
في الواقع، من المؤكد أن هذه التصريحات التي نطق بها الأمير، بنبرة دبلوماسية بعض الشيء، تعتبر نقطة تحول في المعادلة الإستراتيجية للخليج. غادرت الكويت موقع الوساطة في الأزمة لتقف إلى جانب قطر بشكل أغضب اللجنة الرباعية، التي لم تتردد كثيرا لترد بعد ساعات من عقد المؤتمر الصحفي ببيان عبّرت فيه عن “أسفها لتصريح أمير الكويت أن وساطته قد منعت التدخل العسكري”.
يجب أن تستضيف الكويت القمة القادمة لمجلس التعاون الخليجي
من الأسباب التي دفعت أمير الكويت، صباح الأحمد الصباح، إلى إلقاء هذا الخطاب التراخي الذي عاينه في التجربة الأخيرة، والعناد الكبير لجيرانه. فمنذ بداية الأزمة، لم يدّخر الأمير جهدا، وزار عواصم دول الخليج سعيا في الوساطة، على الرغم من تقدمه في السن. ولكن، لم تزدد الأوضاع إلا تعقيدا، ليجد مجلس التعاون الخليجي نفسه على شفا الانهيار.
في خضم الأزمة، أراد الأمير أن يعبر عن عدم رضاه، أمام هذا التعنت الشديد وقلة الجهود المبذولة من أجل تهدئة الوضع. وتأتي الأزمة الأخيرة حول منع القطريين من إجراء مناسك الحج بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس.
بقيت ذكرى الغزو العراقي راسخة في أذهان الشعب الكويتي، إلا أن دول الخليج لم تعتبر من هذه السابقة التاريخية، التي يبدو أنها لم تتمكن من تهدئة الأجواء بين الفاعلين في هذه الأزمة
أما السبب الثاني الذي يفسر خروج أمير الكويت وإدلاءه بهذا التصريح غير المتوقع، يكمن في استقبال بلاده للقمة القادمة لمجلس التعاون الخليجي المزمع عقدها في كانون الأول/ ديسمبر القادم. ولكن، نظرا للاختلاف الشديد في المواقف والفجوة الواضحة التي تفصل بين مختلف الأطراف، لا أحد يمكن له أن يعرف ما إذا كانت هذه القمة ستعقد في الموعد المحدد لها.
مع ذلك، إن إلغاء هذا الموعد لن يكون بمثابة إعلان لموت المنظمة الإقليمية فقط، بل سيكون بمثابة إعلان عن فشل الدبلوماسية الكويتية التي لم تتمكن من الوصول إلى اتفاق مصالحة بين الأطراف المتنازعة. كما أن إدلاء الأمير بهذا التصريح بحضور دونالد ترامب وفي واشنطن لم يكن اعتباطيا، وإنما جاء ليعكس نفاذ صبر دولة تستعيد لتوها الذكرى السنوية 27 للغزو العراقي.
ولئن بقيت ذكرى الغزو العراقي راسخة في أذهان الشعب الكويتي، إلا أن دول الخليج لم تعتبر من هذه السابقة التاريخية، التي يبدو أنها لم تتمكن من تهدئة الأجواء بين الفاعلين في هذه الأزمة. ويمكن أن نستشف ذلك من خلال ما نلاحظه من تغريدات تحريضية لبعض الوجوه المؤثرة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، التي تدعو إلى استعمال القوة العسكرية لحل الخلاف مع قطر.
لكن، على الرغم من هذا الجو المشحون يبدو أن الضغط الكويتي قد آتى أكله، فبعد يومين ولأول مرة منذ اندلاع الأزمة، اتصل الأمير تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ليعبر له عن رغبته في الجلوس على طاولة مفاوضات واحدة للبدء في محادثات مباشرة. فهل ستكون هذه هي البداية؟
المصدر: لوبوان