صعود صاروخي لرجل لا يُعرف عنه ممارسة أي نشاط سياسي سابق خلال السنوات الماضية، وبيانات متتالية تدعو إما ضمنيًا أو صراحة للانقلاب على النظام القطري الحالي، بدعم مادي ومعنوي سعودي كبير، وبأوامر من الملك سلمان بن عبد العزيز وابنه وولي عهده محمد، إنه الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني النجم الصاعد في سماء دول حصار قطر.
الرجل اللغز
الشيخ عبد الله بن علي بن عبد الله آل ثاني، هو الابن التاسع للشيخ علي بن عبد الله آل ثاني، رابع أمراء دولة قطر، وجده هو الشيخ عبد الله بن جاسم ثالث حكام قطر، كما يعتبر شقيقه أحمد خامس حكامها والأول بعد استقلالها عن الاحتلال البريطاني عام 1971، قبل أن يقوم الشيخ خليفة بن حمد (والد الشيخ حمد وجد الشيخ تميم) في 22 من فبراير 1972، بالانقلاب عليه وإزاحته من الحكم.
تعتبر المعلومات عن رجل الأعمال القطري والمعارض الجديد، شحيحة جدًا، فبخلاف ما تذكره تقارير إعلامية أنه مؤسس اتحاد الفروسية في قطر، والذي ترأسه منذ بدايته عام 1979 حتى عام 1988، إضافة إلى أنه من المهتمين والمحبين لرياضة الهجن، ومن الشخصيات البارزة في الأعمال الحرة والعقارات، لا تكاد تجد معلومات أخرى عن “حاكم قطر المستقبلي” كما تصوره وسائل إعلام دول الحصار.
في 16 من شهر آب/أغسطس الماضي، وبينما ظن الجميع أن أزمة حصار قطر في طريقها إلى الحل بفضل وساطة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، ذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية “واس” أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان استقبل الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني بقصر السلام في جدة.
وساطة مثمرة
الخبر المفاجئ الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية قدم الشيخ القطري وكأنه أحد المسؤولين القطريين الرسميين المكلفين بحل الأزمة الخليجية، حيث قالت “واس”: “أكد سمو الشيخ عبدالله بن علي خلال الاستقبال أن العلاقات بين المملكة العربية السعودية ودولة قطر علاقات أخوة راسخة في جذور التاريخ، وقدم سمو الشيخ وساطته لفتح منفذ سلوى الحدودي لدخول الحجاج القطريين إلى الأراضي السعودية”.
هذه الزيارة السريعة إلى المملكة قالت مصادر متطابقة إن الشيخ عبد الله بن علي لم يكن ينوي فيها لقاء محمد بن سلمان وإنما كانت تهدف إلى تفقد مشاريعه داخل السعودية
وأضافت “وقد شكر نائب خادم الحرمين الشريفين سمو الشيخ عبد الله بن علي، على مشاعره الأخوية، مؤكدًا عمق العلاقات التاريخية التي تجمع بين الشعب السعودي وشقيقه الشعب القطري وبين القيادة في السعودية والأسرة المالكة في قطر”.
وعلى إثر هذه الوساطة التي شكك مقربون من الشيخ عبد الله بن علي في حقيقتها، أصدر الملك سلمان بن عبد العزيز جملة من القرارات كان أهمها السماح بدخول الحجاج القطريين إلى المملكة العربية السعودية عبر منفذ سلوى الحدودي لأداء مناسك الحج، والسماح لجميع المواطنين قطريي الجنسية الذين يرغبون بالدخول لأداء مناسك الحج من دون التصاريح الإلكترونية، ونقلهم من مطار الملك فهد الدولي في الدمام ومطار الأحساء الدولي على ضيافة برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج والعمرة واستضافتهم بالكامل على نفقته، إضافة إلى الموافقة على إرسال طائرات خاصة تابعة للخطوط السعودية إلى مطار الدوحة لنقل الحجاج القطريين كافة على نفقته الخاصة لمدينة جدة.
وساطة فردية والخارجية ترد
بعد يوم من هذه الزيارة السريعة إلى المملكة والتي قالت مصادر متطابقة إن الشيخ عبد الله بن علي لم يكن ينوي فيها لقاء محمد بن سلمان وإنما كانت تهدف إلى تفقد مشاريعه داخل السعودية، طار رجل الأعمال القطري إلى مدينة طنجة المغربية للقاء العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز.
وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، قال في مؤتمر صحافي في ستوكهولم: “حسب المعلومات التي وردتنا، فإن الشخص (عبد الله بن علي آل ثاني) الذي كان موجودًا هناك (في السعودية)، كان موجودًا بشكل شخصي ولمواضيع شخصية”، لكن الأخير قال إن وزير الخارجية القطري “جانبه الصواب” لأنه لم يعرض أي أمر شخصي على الملك وولي العهد.
على إثر هاتين الزيارتين وهذين اللقاءين، دخلت الحرب النفسية التي أطلقتها دول الحصار مستخدمة فيها الشيخ عبد الله بن علي، مرحلة جديدة، تمثلت في إنشاء الأخير لحساب على موقع “تويتر”، سرعان ما تم توثيقه بالعلامة الزرقاء، نشر فيه سلسلة من التغريدات شكر فيها الملك سلمان وابنه على كرم الضيافة كما أعلن فيها تخصيص غرفة عمليات خاصة بطاقم سعودي تتولى شؤون القطريين وتكون تحت إشرافه في ظل قطع العلاقات بين البلدين، كما تتولى جميع طلبات القطريين من حجاج وزوار وأصحاب حلال.
السعودية تدير حسابه على “تويتر”
تفضل الملك كعادته بالموافقة وأمر بتخصيص غرفة عمليات خاصة بطاقم سعودي تتولى شؤون القطريين وتكون تحت إشرافي في ظل قطع العلاقات
— عبدالله علي آل ثاني (@abdullahthanii) ١٨ أغسطس، ٢٠١٧
سرعة توثيق الحساب والانتشار الكبير للتغريدات المحدودة التي يكتبها “ابن علي” وحملة النفخ في صورته لدى وسائل الإعلام التابعة لدول الحصار، كشفت عن استعدادات سعودية على أعلى مستوى للعب ورقة الشيخ القطري وتقديمه كبديل محتمل للشيخ تميم بن حمد، لكن مغردين أكدوا أن الحساب الذي يُنشر منه باسم الشيخ عبد الله ليس حسابه والأجهزة الأمنية السعودية هي التي تغرد بدلاً منه بعد أن وضعته قيد الإقامة الجبرية.
حذرنا من السفر وأن #السعودية لا تؤتمن والخطف والفبركات وتلفيق التهم ليس ببعيد عليهم فهم اليوم تقودهم #أبو ظبي#فك_الله_أسر_عبدالله_بن_علي
— حسن حمود #كلنا_قطر (@BoHomoud007) ١٨ أغسطس، ٢٠١٧
واضح أنه حساب يُدار من قِبَل السعودية وليس عبد الله بن علي نفسه.
سرعة إنشاءه وتوثيقه وزيادة عدد متابعيه وإعادة التغريد له كافية لفهم ذلك https://t.co/489yQHr6ul
— أحمد السليطي (@ahmad_alsulaiti) ١٨ أغسطس، ٢٠١٧
هذه الشكوك عمن يدير الحساب، أكدها حساب “العهد الجديد” على تويتر، الذي يصف نفسه بأنه “راصد ومحلل لمظاهر التغيير في العهد الجديد قريب من غرف صناعة القرار حيث أحاول أن أهمس من هناك”، بنشره مساء أول أمس الأحد تفاصيل قصة قدوم الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني إلى المملكة ووضعه حاليًا، وموقفه من الأزمة الخليجية ومما يصدر باسم حسابه في تويتر.
“العهد الجديد” قال في سلسلة تغريدات على “تويتر”: “قدوم عبد الله بن علي كان لأسباب شخصية تتعلق بحلاله واطمئنانه على أبله، حيث يملك من سابق أبل تقدر بملايين الدولارات، ولكنها كانت استدراجًا له”.
ننشر بعد قليل تغريدات عن عبدالله بن علي آل ثاني، وقصة قدومه إلى المملكة ووضعه حاليًا، وموقفه من الأزمة الخليجية ومما يصدر باسم حسابه في تويتر
— العهد الجديد (@Ahdjadid) ١٧ سبتمبر، ٢٠١٧
وأضاف “استدراج عبد الله بن علي كان محكمًا في بادئ الأمر وشارك بالاستدراج وكيله في السعودية الذي كان ينقل له بحماس ما يُملى عليه من قبل رجال ابن سلمان”.
“ابن علي” يحلم بالسلطة
وتابع “بعد أن وصل عبد الله بن علي، تم أخذه بالقوة واجتمع معه محمد بن سلمان وقدم له الإغراءات والتهديدات بأن يشكل ضغطًا على قطر وضمن له الحكم”، مشيرًا إلى أنه لم يتردد في اتخاذ قرار يضمن له ما يحلم به في السعودية أو أي مكان آخر يختاره (بحسب ما وعده ابن سلمان) ثم أصدر له جواز سفر دبلوماسي.
وأكد أن اختيار عبد الله بن علي كشخص كان ذكيًا، ولكن المفاجأة كانت في الرفض الشعبي القطري، الذي أحرج شركات العلاقات العامة العاملة على تقديمه للغرب بالمناسبة.
وكشف “العهد الجديد” أن الشيخ عبد الله بن علي لا يدير حسابه في تويتر، لكن يعلم عن كل تغريدة تنشر فيه، علمًا أن نظره ضعيف (يستخدم النظارة لقراءة التغريدات)، ولكن بعد أن تنشر، مشددًا أن الرجل منتشي من الوضع الذي يعيشه الآن ومتأمل فعليًا أن يصبح أميرًا لقطر، ولكن الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت، وليس كل ما يتمناه المرء يدركه.
مناورة ثم هجوم
بعد انتهاء موسم الحج، عاد ابن علي للظهور مرة أخرى، عندما عبر عن سعادته باتصال أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وكتب في حسابه على “تويتر” “قبل قليل، سعدت بطلب الشيخ بالجلوس مع سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لحل الأزمة الراهنة بين قطر والدول المقاطعة” قبل أن يستدرك بالقول: “وحزنت لما آلت إليه الأمور”.
سعدت بطلب الشيخ تميم بالجلوس مع سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لحل الأزمة الراهنة بين قطر والدول المقاطعة وحزنت لما آلت إليه الأمور.
— عبد الله علي آل ثاني (@abdullahthanii) ٨ سبتمبر، ٢٠١٧
وجاءت تغريدة الشيخ القطري بعد وقت قصير من نقل وكالة الأنباء السعودية “واس” عن مصدر مسؤول بوزارة الخارجية قوله إن المملكة تعلن تعطيل أي حوار أو تواصل مع السلطة في قطر، متهمًا إياها بتحريف الحقائق.
وقال المصدر للوكالة: “السعودية ليس لديها أي استعداد للتسامح مع تحوير السلطة القطرية للاتفاقات والحقائق وذلك بدلالة تحريف مضمون الاتصال الذي تلقاه سمو ولي العهد من أمير دولة قطر بعد دقائق من إتمامه، فالاتصال كان بناءً على طلب قطر وطلبها للحوار مع الدول الأربعة بشأن المطالب”.
كل هذه المحاولات الفاشلة باستخدام أحد أبناء العائلة الحاكمة للضغط على قطر، لم تجد دول الحصار حرجًا من إعلانها صراحة على لسان الشيخ عبد الله بن علي، أنها تهدف لقلب نظام الحكم لإنقاذ قطر
وأضاف “ولأن هذا الأمر يثبت أن السلطة في قطر ليست جادة في الحوار ومستمرة بسياستها السابقة المرفوضة، فإن المملكة العربية السعودية تعلن تعطيل أي حوار أو تواصل مع السلطة في قطر حتى يصدر منها تصريح واضح توضح فيه موقفها بشكل علني”.
مبادرة جديدة وجرأة شديدة
بعد كل هذه المحاولات الفاشلة باستخدام أحد أبناء العائلة الحاكمة للضغط على قطر، لم تجد دول الحصار حرجًا من إعلانها صراحة على لسان الشيخ عبد الله بن علي، أنها تهدف لقلب نظام الحكم “لإنقاذ قطر من نفق المغامرة، وإعادة الأمور إلى نصابها”.
ابن علي نشر بيانًا ليل الأحد، دعا فيه الحكماء من الأسرة والشعب القطري إلى الاجتماع، للتباحث فيه عن كل ما يخص الأزمة، “وما نستطيع عمله لإعادة الأمور لنصابها وإعادة اللحمة للخليج”.
إلى أهلي من أبناء الأسرة والأعيان ورجال الأعمال وكافة أبناء الشعب القطري.
دعوة للاجتماع لنكون رسلًا للحكمة والسلام، ودعاة لتأليف القلوب.
— عبدالله علي آل ثاني (@abdullahthanii) ١٧ سبتمبر، ٢٠١٧
وأضاف “لا أفعل هذا ادعاءً أو استعراضًا، لكنني متفائل حينما رأيت ما تيسر لي من خدمة أهلي، ووجدت الأبواب مشرعة، ووجدت من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حرصه الشديد على سلامة قطر وأهلها، كما أن واجبنا عدم الصمت في هذه الأزمة”.
وأشار إلى أنه يتألم كثيرًا والوضع يمضي إلى الأسوأ ويدفع بنا إلى مصير لا نريد الوصول إليه، كما هو حال دول دخلت في نفق المغامرة وانتهت في فوضى وخراب وشتات وضياع مقدرات”، لافتًا إلى أن موعد الاجتماع سيتحدد لاحقًا.
دول الحصار ترحب وباحثون يشككون
على إثر صدور هذا البيان، جمعت وسائل إعلام دول الحصار ولجانها الإلكترونية شتاتها، ثم نشرته على أوسع نطاق حتى إن هاشتاغ “#بيان_الشيخ_عبدالله_بن_علي” وصل إلى المراكز الأولى في الترند عالميًا، كما وصفت صحيفة البيان الإماراتية الشيخ عبد الله بن علي بأنه “صوت العقل الذي فتحت له قلوب القطريين”، وقالت أيضًا إنه يحظى بقبول واسع داخل أسرة آل ثاني وبين القطريين عمومًا.
الشيخ عبد الله بن علي يفتقد إلى الدعم الشعبي اللازم لتولي السلطة غير أن ظهوره على هذا النحو جاء كرسالة تهديد إلى القادة القطريين
العضو البارز في الأسرة القطرية الحاكمة لم يكتف بهذا البيان، لكنه سرعان ما خرج أمس الإثنين، مصرحًا بأنه تلقى استجابة سريعة من أعضاء في أسرة آل ثاني الحاكمة وشخصيات قطرية أخرى، لدعوته بعقد اجتماع لإنهاء الأزمة الخليجية.
وأوضح الشيخ عبد الله بن علي في حديث مع قناة “العربية” السعودية، أن الاتصال مع أفراد بالأسرة الحاكمة وشخصيات قطرية بارزة، لم ينقطع حتى قبل الدعوة التي وجهها مساء الأحد، مبينًا أنه لمس منهم الحرص والرغبة على حل الأزمة، لكنهم يخشون من إعلان أسمائهم الآن.
لكن رغم كل هذه الاتصالات التي أجراها لكسب الحاضنة الشعبية، فإن أندرياس كريغ الباحث البريطاني بـ”كنغس كوليدج” في لندن، أكد أن الشيخ عبد الله بن علي يفتقد إلى الدعم الشعبي اللازم لتولي السلطة غير أن ظهوره على هذا النحو جاء كرسالة إلى القادة القطريين والقوى العالمية بأن الأزمة ليست على وشك النهاية، في وقت قال جيمس دورسي الباحث في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بإحدى جامعات سنغافورة إن هذا الشيخ المتزوج بسعودية يقضي الكثير من وقته في المملكة السعودية ولا يمثل تهديدًا جديًا لتميم.