بعيون يملؤها الكثير من الحذر والأمل، يراقب الفلسطينيون التطورات “المفاجئة” التي جرت على ملف المصالحة الداخلية، وحالة التقارب “النادرة” بين حركتي فتح وحماس بعد أيام من حوارات ونقاشات مكثفة وشاقة مع جهاز المخابرات المصرية في القاهرة.
حركة حماس كانت السباقة في التقدم بخطوة نحو فتح باب المصالحة من جديد بعد إعلانها حل اللجنة الإدارية التي شكلتها لحكم قطاع غزة في مارس/آذار الماضي بسبب الفراغ الحكومي، لكن هذه الخطوة لا تكفي، فالطرف الآخر وهو الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحركة فتح التي يترأسها، تتوقف عندها أنظار كل الفلسطينيين ترقبًا للخطوة المقبلة التي يمكن أن تُعيد قطار الوحدة الفلسطينية لمساره الحقيقي.
وأفضت مخرجات اللقاءات التي جرت بين المخابرات المصرية برئاسة اللواء خالد فوزي ووفدي حماس وفتح كل على حدة، إلى إعلان الأولى حلّ اللجنة التي شكلتها قبل أشهر عدة لإدارة شؤون قطاع غزة، والتي اتخذتها السلطة ورئيسها محمود عباس مبررًا لاتخاذ خطوات عقابية ضد القطاع.
تفاصيل الاتفاق
أعلنت حركة حماس حل اللجنة التي شكلتها في مارس/آذار الماضي لإدارة قطاع غزة “استجابة للجهود المصرية لتحقيق المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام”، وفق بيان للحركة، اطلع عليه “نون بوست”.
المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه أكد على حصول المخابرات المصرية على وعود من وفد حركة فتح بإصدار الرئيس عباس، قرارًا خلال الـ48 ساعة المقبلة بإلغاء كل خطواته التي اتخذها ضد حماس وقطاع غزة
وقالت الحركة في بيانها إن “هذا الإعلان جاء استجابة للجهود المصرية بقيادة جهاز المخابرات العامة، والتي جاءت تعبيرًا عن الحرص المصري على تحقيق المصالحة الفلسطينية وتحقيق الوحدة الوطنية، فإننا نعلن حل اللجنة الإدارية”، داعيةً حكومة الوفاق للقدوم إلى قطاع غزة لممارسة مهامها والقيام بواجباتها فورًا.
كما أعربت حركة حماس عن موافقتها لإجراء الانتخابات العامة، واستعدادها لتلبية الدعوة المصرية للحوار مع حركة فتح، بشأن آليات تنفيذ اتفاق القاهرة 2011 وملحقاتها، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، في إطار حوار تشارك فيه الفصائل الفلسطينية الموقعة على الاتفاق. وطالبت الحركة عباس بإلغاء جميع إجراءاته العقابية ضد قطاع غزة، والسماح فورًا للحكومة بتحمل مهامها ومسؤولياتها كافة في غزة “دون تعطيل أو تسويف”.
عزام الأحمد، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومفوض العلاقات الوطنية فيها الذي غادر القاهرة أول أمس، قال إن “لقاء بين حركتي فتح وحماس سيعقد، في غضون أسبوع إلى 10 أيام، تكون حكومة الوفاق الوطني قد تسلمت خلالها مهامها كاملة في قطاع غزة، بعد حل حركة حماس اللجنة الإدارية”، مشيرًا إلى أنه سيعقب ذلك حوار شامل لتنفيذ اتفاق المصالحة.
مسؤول مصري رفيع المستوى، كشف لـ”نون بوست”، عن نتائج اللقاءات التي تجري في القاهرة بين وفدي حركتي فتح وحماس مع جهاز المخابرات المصرية، المتعلقة بتفعيل ملفات المصالحة الفلسطينية الداخلية العالقة.
وأكد أن مصر استطاعت خلال أسبوع واحد من اللقاءات والنقاشات المكثفة التي جرت بالقاهرة، أن تقطع شوطًا كبيرًا في ملف المصالحة الداخلية، بعد نجاحها بإقناع حركة حماس بحل اللجنة الإدارية التي شكلتها في قطاع غزة مطلع مارس الماضي.
وأضاف المسؤول أن المخابرات تجري لقاءات مع قيادة حركة فتح، للتباحث في الخطوات العملية التي يمكن اتخاذها لإصدار قرار رسمي من الرئيس عباس، بإلغاء الخطوات التصعيدية التي اتخذها ضد حركة حماس وقطاع غزة خلال الشهور الأخيرة.
توجه القاهرة دعوات للقوى والفصائل الفلسطينية كافة لزيارة القاهرة نهاية شهر سبتمبر الحاليّ، بعد نضوج اللقاءات بين حركة فتح وحماس
المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه أكد على حصول المخابرات المصرية على وعود من وفد حركة فتح بإصدار الرئيس عباس، قرارًا خلال الـ48 ساعة المقبلة بإلغاء كل خطواته التي اتخذها ضد حماس وقطاع غزة، كرد على خطوة حماس بحل اللجنة الإدارية التي شكلتها قبل أشهر لحكم القطاع”. مؤكدًا في الوقت نفسه أن لقاءً جديدًا سيجمع حركتي فتح وحماس لأول مرة منذ سنوات في العاصمة المصرية، بحضور رئيس جهاز المخابرات المصرية اللواء خالد فوزي، لوضع بعض النقاط المهمة لتفعيل بنود اتفاق المصالحة التي جرى توقعيها في السابق بين الحركتين.
ولفت المسؤول المصري، إلى أن اللقاء الثلاثي سيفتح الملفات المتعلقة بالمصالحة كافة، وأبزرها عمل الحكومة بغزة وقضية الموظفين الذين عينتهم حركة حماس وتسلم المعابر الحدودية بما فيها معبر رفح البري وتشكيل حكومة توافق وطني والذهاب إلى الانتخابات الرئاسية والتشريعية. وذكر أن اللقاء سينتج عنه قرارات مهمة للغاية تتعلق بتحريك عجلة المصالحة الفلسطينية الداخلية للأمام ورزمة واحدة ودون أي شروط مسبقة من قبل حركتي فتح وحماس، بناءً على اتفاق القاهرة الأخير.
وتوقع المسؤول المصري، أن توجه القاهرة دعوات للقوى والفصائل الفلسطينية كافة لزيارة القاهرة نهاية شهر سبتمبر الحالي، بعد نضوج اللقاءات بين الحركتين لوضع القوى الفلسطينية في صورة تطورات ملف المصالحة وخطوات التنفيذ على الأرض.
ملف الأجهزة الأمنية من أهم المشكلات التي أدت إلى فشل المصالحة بين حركتي فتح وحماس مرات عدة
إلى ذلك، تقول مصادر متطابقة إن مصر ستبدأ بخطوات “حسن نية”، لدعم اتفاق حركتي فتح وحماس الأخير بفتح معبر رفح البري خلال أيام قليلة وتزويد القطاع بخطوط كهرباء إضافية والسماح للفصائل والقوى بزيارة أراضيها بشكل دوري لتفعيل لقاءات الحوار الوطني الفلسطيني.
واتفاق القاهرة الذي توصلت إليه حركتي حماس وفتح وبقية الفصائل الفلسطينية برعاية مصرية ينص على تشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وإجراء انتخابات للمجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية، إضافة إلى إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية.
وتعتبر قضية استيعاب موظفي حكومة حماس في القطاع والبالغ عددهم نحو 40 ألف موظف مدني وعسكري في حكومة السلطة الفلسطينية، وملف الأجهزة الأمنية من أهم المشكلات التي أدت إلى فشل المصالحة بين حركتي فتح وحماس مرات عدة.
اختبار حقيقي
بدوره طالب كايد الغول عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الرئيس عباس باتخاذ خطوات إيجابية وعاجلة تتعلق بالمصالحة، ورفع كل العقوبات التي أصدرها ضد غزة، بعد إعلان حركة حماس حل اللجنة الإدارية واستعدادها للمصالحة، والتي “بدأت تسطر ملامح مرحلة جديدة مهمة” بحسب قوله.
وأكد الغول أن حركة حماس قدمت خطوة مهمة وإيجابية، وعلى الرئيس عباس الرد عليها بخطوات أكثر أهمية وإيجابية، وإزالة كل عقبات المصالحة وفتح باب الحوار الوطني الشامل من جديد، على قاعدة الوحدة والتنازل عن كل الشروط المسبقة. وأضاف أن “الكرة الآن في ملعب الرئيس عباس، والشارع الفلسطيني ينتظر الخطوة المقبلة من حركة فتح، على أمل إتمام المصالحة الداخلية وتهيئة الأجواء الإيجابية لانطلاق عملية انتخابات تشريعية ورئاسية ديمقراطية”.
في ذات السياق، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واصل أبو يوسف إن “اتفاق القاهرة، الذي جرى توقيعه في أيار/مايو 2011، هو اتفاق المصالحة الوحيد، ولا حاجة إلى اتفاقات أو حوارات جديدة”.
وأضاف أبو يوسف، أن هذا الاتفاق يحدد الآلية المناسبة لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وإجراء الانتخابات العامة، تمهيدًا للتطبيق الفعلي لهما”، معتبرًا “الظروف والمعطيات الراهنة تدفع باتجاه إنجاز المصالحة وتحقيق الوحدة الوطنية، في ظل تصعيد عدوان الاحتلال الإسرائيلي ضدّ الشعب الفلسطيني، والانحياز الأمريكي المفتوح له، وغياب أفق سياسي لتقدم العملية السلمية”. لافتا إلى الظروف المعيشية المتدهورة التي يعيشها أهالي قطاع غزة، في ظل الحصار الإسرائيلي المفروض عليهم، مؤكدًا أن “المصلحة الوطنية تقتضي إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية”.
حركة فتح الأكثر تضررًا، وفي ذات الوقت الأكثر فرحًا بجهود إنهاء الانقسام الفلسطيني
أبو يوسف أوضح أن “قيام حركة حماس بحل اللجنة الإدارية في قطاع غزة، خطوة بالاتجاه الصحيح نحو إنجاز المصالحة”، مبينًا أهمية “تمكين الحكومة لأداء مهامها وعدم عرقلة عملها في القطاع، والإشراف على الوزارات والمؤسسات القائمة”. داعيا في الوقت نفسه إلى ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء الانتخابات العامة، مفيدًا بأن “مصر، بثقلها الوازن، تشكل الضمانة الأكيدة للالتزام بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، والمسؤولة الأولى عن متابعة التنفيذ والإشراف عليه”، وشدد أبو يوسف في النهاية على أن “الكل الفلسطيني يثق بالدور المصري المعتبّر والحريص على إنجاز المصالحة وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية”.
عباس سيزور القطاع قريباً
على ضوء تلك التطورات السياسية المهمة، أكد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح أحمد حلس، أن الرئيس محمود عباس، سيزور قطاع غزة قريبًا، عقب الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور رامي الحمد الله.
وقال حلس إنه “على ثقة أن المصالحة ستتوّج بوجود الرئيس أبو مازن، بين أهله وشعبه في قطاع غزة”، وهذه الزيارة بحسب قوله ستكون قريبًا، مضيفًا: “نحن في حركة فتح الأكثر تضررًا، وفي ذات الوقت الأكثر فرحًا بجهود إنهاء الانقسام الفلسطيني، لافتًا إلى أهمية تطبيق الخطوات العملية على الأرض عبر قدوم الحكومة إلى قطاع غزة وتسلمها الحكم، مُبديًا استعداد حركته للتعاون والتنسيق مع الحكومة لتذليل العقبات الناجمة عن الأزمات التي يعاني منها قطاع غزة”.
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي حسن عبدو إن “الفرص اليوم أكثر مما مضى تثبت أنه بالإمكان تطبيق المصالحة، ولكن يبقى السؤال: “هل سينتهز قادة الشعب الفلسطيني هذه الفرصة وينتهي الانقسام، خصوصاً في ظل هذه الرعاية المصرية، وانسداد أي أفق للتسوية السياسية؟”.
عبدو قال إن “الفرصة اليوم نادرة وتاريخية، والراعي المصري المقبول من الفصائل الفلسطينية كافّة لديه القدرة والكفاءة أن يكمل آليات تنفيذ الاتفاق”.
وأكّد الكاتب والمحلل السياسي أن “هذه الفرصة المتاحة بمثابة اختبار لإرادة الأطراف الفلسطينية مجتمعة وليس حركتي فتح وحماس فحسب، لافتًا إلى أن عليهم أن يعملوا للضغط حتى تحقيق آمال الشعب الفلسطيني بإنهاء الانقسام.
ومنذ يونيو/حزيران 2007، يسود الانقسام السياسي الأراضي الفلسطينية، إثر سيطرة حركة حماس على قطاع غزة بعد فوزها بالانتخابات التشريعية، في حين لم تفلح الوساطات الإقليمية والدولية منذ ذلك العام في إنهاء هذا الانقسام .