ميدان السبعين في اليمن يرتبط تاريخًا ونشأةً وروحًا ومعنى بآخر معارك الجمهورية، حين هُزمت فلول الملكية على أبواب صنعاء بإعلان النصر يوم 8 من فبراير 1968.
كان الجمهوريون يعتقدون أن تلك الهزيمة قد دفنت الإمامة وفكرها إلى الأبد، ولأهمية تلك المعركة الأخيرة التي دحر فيها الأبطال جحافل الموت المحاصرة لصنعاء سبعين يومًا، جعلوا من هذا الميدان مكانًا للعرض العسكري السنوي لذكرى ثورتهم تلك، ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962، وأسموه بميدان السبعين، تخليدًا لتلك الملحمة العظيمة، والتي كانت بدماء يمنية خالصة، بعد انسحاب الجيش المصري من اليمن.
اتخذوا منه منبرًا يُعبّر عن هوية الثورة، وترجمانًا يعرض منجزات الجمهورية. مر 49 عامًا منذ تلك المعركة إلى اليوم والميدان يفتح ذراعيه حاضنًا كل أبناء اليمن في احتفالاتهم السنوية بذكرى الثورة والجمهورية، وفي هذه السنة المشؤومة وفي شهر سبتمبر نفسه ستدوس ترابه الطاهر جحافل الموت وبقايا الأئمة بعد أن انكفأت في جحورها لنصف قرن.
لم يجرؤوا على الاحتفال بذكراهم تلك في السبعين إلا هذه المرة
ها هم يحددون الميدان نفسه مكانًا لاحتفاليتهم بذكرى انقلابهم الثالث على الثورة والجمهورية، رغم أنهم منذ ثلاث سنوات محتلين العاصمة والميدان، لكنهم لم يجرؤوا على الاحتفال بذكراهم تلك في السبعين إلا هذه المرة، لإدراكهم مدى الاستفزاز الذي سيحدثونه في نفوس الملايين من أبناء اليمن الجمهوري الأحرار. أما اليوم وقد صار كل شيء بيدهم، وبعد أن أعلن أقوى الأحزاب وأكثرها استفادة وأطولها حكمًا في العهد الجمهوري على لسان زعيمه المخلوع علي عبدا لله صالح دخولهم بيت الطاعة الإمامي، والعودة مجددًا لمواقع آبائهم وأجدادهم عكفةً تحرس الأئمة وجنودًا تنفذ التوجيهات، ورضوا بالرق مقابل العتق من القتل، فقد أعلنها الحوثي صراحة أن موعدهم السبعين وليس غيره.
وكأني بإمامهم الجديد سيعلن من على منصة السبعين اندثار الجمهورية وعودة الإمامة، وسيقول بصوته الوقح: “يا علي عبد المغني، يا سلال، يا زبيري، يا نعمان، يا كل عظماء الجمهورية، ها نحن عدنا”.
سيقول: “يا كل شهداء السبعين، يا أبطالها الفاتحين، يا قبائل حاشد يا عبد الله الأحمر يا أبو شوراب، يا قبائل بكيل يا آل أبو لحوم يا عبد الله دارس يا محمد المطري، يا قبائل حمير يا عبد الرقيب، يا عبد الرحمن الإرياني، يا محمد علي عثمان، يا كل شريف شارك في آخر معركة للجمهورية، ها نحن عدنا من جديد، عدنا ليس بقوتنا بل بخيانة من سلمتم لهم الأمانة، أمانة اليمن وعلمها الجمهوري، بنذالة أبنائكم وأحفادكم، ممن تواطؤوا وباعوا وتآمروا معنا لحسابات تافهة.. بغدر جيشكم الذي دافع عن الجمهورية يومها بكل بسالة، وها هو اليوم يستقبلنا بكل حفاوة”.
ارفع رأسك أيها الميدان الخالد، واعلنها للعالم، ولكل خائن لترابك الطاهر بأنك كنت وما زلت وستظل بإذن الله ميدانًا خاصًا وخالصًا للجمهورية وثورتها
كيف سيكون شعور ميدان السبعين في ذلك اليوم المشؤوم 21 سبتمبر 2017؟ كيف ستستقبل ذرات ترابه أقدامهم النجسة وهي تطئه بكل عنجهية؟ وكيف ستنقل ذرات هوائه صرخاتهم المبشرة بعهد الموت والجهل والمرض والاستبداد؟!
مسكين أنت يا ميدان السبعين في يوم كهذا، لكن عليك أن تتذكر أن هناك الملايين ستشاركك الحزن والأسى والمرارة، ممن لاحول لهم ولا قوة، ممن خانهم قاداتهم وزعاماتهم الذين تلبسوا رداء الجمهورية لنصف قرن، ثم خلعوه في ليلة واحدة، فباعوا الوطن بثمن بخس، تمثل في الانتقام من أشخاص يعدون بالأصابع اختلفوا معهم بمبرر أو دون مبرر، غير أن القدر سينصفك وينصف الوطن وأبناء الوطن من هؤلاء الخونة عما قريب، وقد رأينا سُحُب النقمة الإلهية تعم منازلهم ومناصبهم وكرامتهم، وبدأت تزحف نحو رؤوس الفتنة وأساس البلية.
لا تحزن يا ميدان السبعين، فلن يطول بك الحال أسيرًا، فعما قريب ستنبت قبور أبطالك رجالًا وعظماء من جديد، وسيتطهر ترابك من رجس الغزاة القادمين من الكهوف ومن الخونة الذين باعوك منهم وما ذلك على الله بعزيز.
ارفع رأسك أيها الميدان الخالد، واعلنها للعالم ولكل خائن لترابك الطاهر بأنك كنت وما زلت وستظل بإذن الله ميدانًا خاصًا وخالصًا للجمهورية وثورتها السبتمبرية الخالدة، وسيعلم الخونة وأسيادهم أي منقلب ينقلبون.