انتهت المباحثات التي استضافتها القاهرة، الثلاثاء 13 فبراير/شباط، بين دولة الاحتلال ومصر وقطر والولايات المتحدة، بشأن صفقة تبادل الأسرى بين المقاومة والكيان المحتل، دون أي تقدم ملموس حسبما كشفت وسائل إعلام أمريكية.
وأوضحت التقارير الواردة عن هذا الاجتماع، الذي شارك فيه وفد من المنظومة الأمنية الإسرائيلية بجانب رئيس المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) وليام بيرنز، ورئيس المخابرات المصرية عباس كامل، ورئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن هناك بونًا كبيرًا بين حماس و”إسرائيل” بشأن إبرام الصفقة في ظل الكثير من البنود محل الخلاف بين الجانبين، وإن كانت أجواء المحادثات جيدة حتى إن لم تسفر عن تقدم، وفق ما ذكرت صحيفة “New York Times” الأمريكية.
🔴#عاجل | وسائل إعلام إسرائيلية نقلا عن مصادر سياسية: مباحثات #القاهرة انتهت دون تحقيق أي انفراج لكن تم فهم الفجوات التي يجب سدها
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) February 13, 2024
ويرى الجانب الإسرائيلي أن تمسك حماس بشرط وقف إطلاق النار بشكل نهائي وفتح المعابر لإدخال المساعدات للقطاع، بجانب الأعداد الكبيرة من الأسرى الفلسطينيين الذين تطالب بإطلاق سراحهم مقابل تحرير المحتجزين لديها، يعرقل عملية المفاوضات التي يحاول الوسطاء إنجازها في أقرب وقت قدر الإمكان، قبيل تنفيذ الكيان المحتل مخطط اجتياح رفح عسكريًا، وهو التصعيد الذي يتجنبه الجميع، عدا نتنياهو.
ومن ثم تراهن كل من واشنطن وتل أبيب (المنظومة الأمنية تحديدًا ومعها الرأي العام) على القاهرة (صاحبة الموقف المأزوم) في ممارسة ضغوطها على قادة فصائل المقاومة، بحكم العلاقات المتطورة بين الطرفين مؤخرًا، لتقديم تنازلات بشأن الشروط الواردة في الرد الحمساوي على صفقة باريس المقترحة، في محاولة لتقريب وجهات النظر بين السردية الإسرائيلية ونظيرتها الفلسطينية، وهو الأمر الذي يلقي بالكرة في ملعب حماس.. فهل ترضخ لتلك الضغوط؟
القاهرة تضغط على المقاومة
تناقلت وسائل إعلام عدة، عربية وأجنبية، عن مصادرها الخاصة ممارسة القاهرة ضغوط على قادة المقاومة الفلسطينية بهدف قبول إطار الاتفاق الذي خرج به اجتماع باريس الذي عقد قبل أسبوعين وضم ممثلين عن “إسرائيل” ومصر وقطر والولايات المتحدة، والتنازل عن الكثير من الشروط التي قدمتها حماس في ردها على تلك الصفقة وسلمتها للوسيط القطري قبل أيام، وهي الشروط التي تعتبرها “إسرائيل” إعلانًا رسميًا لهزيمتها في الحرب، وهو الأمر المرفوض من نتنياهو الذي يرى في استمرار المعركة الضمانة الوحيدة لبقائه في منصبه.
وفي هذا السياق قال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، عماد جاد، خلال مداخلة متلفزة له مع قناة “سكاي نيوز عربية” إن مصر حذرت حماس من مناورة إسرائيلية في غضون أسبوعين إن لم يتم التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى، وإنها تمارس ضغوطها على قادة المقاومة لأجل إبرام الاتفاق قبل انتهاء تلك المدة، متهمًا الحركة بالتصعيد وعرقلة عملية المفاوضات في ظل تمسكها بشروطها المقدمة، وعلى رأسها وقف كامل لإطلاق النار.
ويتفق ما طرحه جاد مع ما ذكرته صحيفة “وول ستريت جورنال” من أن المخابرات المصرية حثت قادة حماس على ضرورة التوصل إلى صفقة بشأن الرهائن خلال أسبوعين، وإلا سوف يقوم الجيش الإسرائيلي بمناورة في رفح ربما تسفر عن كارثة إنسانية غير متوقعة في ظل التكدس الكبير (1.3 مليون شخص) في تلك المنطقة الصغيرة.
الضغوط التي تمارسها مصر على المقاومة لفرض التهدئة مع الجانب الإسرائيلي ليست وليدة ما بعد “طوفان الأقصى”، فهي ممتدة منذ فترات طويلة، لعبت فيها القاهرة، التي تتمتع بعلاقات جيدة مع الحكومة الإسرائيلية، دورًا محوريًا في توظيف علاقتها بحماس وحركات المقاومة من أجل تهدئة عملياتها ونشاطها المستهدف للاحتلال.
وكانت صحيفة “الأخبار” اللبنانية، نقلًا عما أسمته مصادرها الخاصة، قد نشرت في فبراير/شباط 2024 أن المخابرات المصرية مارست ضغوطًا على حركتي حماس والجهاد خلال زيارتهما للقاهرة مؤخرًا لبحث سبل التهدئة في القطاع، وأن المصريين طلبوا الاستجابة للخطة الأمريكية المطروحة، لافتة إلى أن إدارة بايدن تضغط على حكومة بنيامين نتنياهو لإرجاء فكرة التصعيد.
وأشارت الصحيفة وقتها إلى أن حماس رفضت تلك الضغوط وأكدت أن السياسة المتطرفة لحكومة الاحتلال هي التي تفرض التصعيد على مختلف الساحات الفلسطينية، لافتة إلى أن تجاوز جيش المحتل للخطوط الحمراء السبب الرئيسي وراء عمليات المقاومة الأخيرة التي جاءت كـ”رد فعل” منطقي على ما تمارسه “إسرائيل” من انتهاكات متصاعدة.
جدير بالذكر أن وسائل إعلام مصرية وإعلاميين محسوبين على النظام قالوا إن الجانب المصري يمارس ضغوطًا موازية على حكومة الاحتلال من خلال التلويح بورقة معاهدة السلام، وهي المزاعم التي كذبتها وسائل إعلام عبرية، فقالت إن مصر لم ترسل لـ”إسرائيل” أي رسائل خاصة بهذا الأمر، والحديث بين الجانبين يتسم بالودية والتنسيق، لافتة إلى أن كل ما يثار في هذا الأمر نوع من الدعاية لحفظ ماء وجه النظام أمام الشارع المصري الغاضب من الموقف المصري الضعيف تجاه هذا الملف.
الضغوط على القاهرة
يمثل استمرار الحرب في غزة والتصعيد العسكري جنوبًا على وجه التحديد تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري، فنقل المعارك المباشرة بين الاحتلال والمقاومة إلى الحدود المصرية قنبلة قابلة للانفجار، إذ قد تجد القاهرة نفسها في مواجهة صعبة، إما أمام النازحين الفلسطينيين الفارين من قنابل ورصاص وقذائف الاحتلال إلى سيناء، أو أمام القوات الإسرائيلية التي تنتهك السيادة المصرية على حدودها، وهما الخياران اللذان تحاول مصر تجنبهما قدر الإمكان، ولذا تسابق الخطى لإبرام اتفاق ولو مؤقت لتهدئة الأجواء نسبيًا.
وتتعرض مصر إلى حزمة من الضغوط، التي تدفعها نحو تعزيز جهودها لإبرام اتفاق لتهدئة الأجواء نسبيًا في القطاع بما يحول دون تنفيذ الاحتلال لعملية رفح البرية، سواء بالضغط على حماس من جانب، أم على الجانب الإسرائيلي (بالتلويح باستخدام ورقة اتفاقية السلام) من جانب آخر.. أبرزها:
– توتير الأجواء على الحدود واللعب بورقة التهجير لسيناء.. التلويح باستهداف رفح والحديث عن احتلال محور فيلادلفيا الحدودي، وما قد ينجم عن ذلك من موجات من الهجرة والنزوح لسكان غزة إلى سيناء، كابوس يؤرق مضاجع المصريين، كونه يضع الأمن القومي المصري على المحك، ومن ثم تضغط “إسرائيل” بتلك الورقة قدر الإمكان لدفع الجانب المصري لبذل المزيد من الضغوط على حماس لتقديم تنازلات بشأن صفقة التبادل.
في قصف جديد اليوم، قذيفة مدفعية تصيب جدار معبر وتخلف إصابات في صفوف المدنيين المنتظرين عند المعبر#رفح_تحت_القصف pic.twitter.com/wkLjSlI2dx
— نون بوست (@NoonPost) February 13, 2024
– توتر البحر الأحمر وتهديد حركة الملاحة في قناة السويس.. الأجواء المتوترة في البحر الأحمر بسبب استهداف الحوثيين للسفن القادمة إلى موانئ الاحتلال، وما نجم عنه من تصعيد إثر القصف الأمريكي البريطاني لأهداف حوثية في اليمن، حوّل البحر الأحمر إلى ساحة نزاع وتوتر كبيرة، أسفرت عن تهديد حركة الملاحة العالمية، وهو ما أثر على حركة المرور في قناة السويس المصرية، التي تراجعت إيراداتها بسبب تلك الأجواء أكثر من 40%، رغم ما تمثله من أهمية بالنسبة للاقتصاد المصري بصفتها شريان أساسي لتوفير العملة الصعبة.
وكان الحوثيون قد اشترطوا لوقف استهداف السفن المارة من هذا الشريان الإستراتيجي الحيوي، وقف العدوان على غزة، ومن هنا ليس في مصلحة مصر استمرار هذا التوتر، خشية المزيد من الخسائر التي تتعرض لها قناة السويس، وعليه فإن التهدئة العاجلة الحل الوحيد لوقف نزيف التراجع الدولاري في عائدات القناة.
– إحراج النظام المصري.. من الضغوط الممارسة على القاهرة كذلك إحراج النظام الحاكم من خلال التصريحات الصادرة عن حلفائه الأمريكان والإسرائيليين على حد سواء، وهي التصريحات التي قد يراها البعض متناقضة لكنها في مجملها تضع النظام في حرج أخلاقي وسياسي.
البداية حين اتهموه صراحة بتورطه في الحصار المشدد على أهل غزة، وأنه المسؤول عن منع إدخال المساعدات لهم وتعميق الوضع الإنساني الكارثي في القطاع، كما جاء على لسان عضو فريق الدفاع عن “إسرائيل” في محكمة العدل الدولية، كريستوفر ستاكر، في مرافعته أمام المحكمة في 12 يناير/كانون الثاني الماضي، ردًا على دعوى جنوب إفريقيا باتهام الاحتلال بارتكاب جرائم إبادة ضد قطاع غزة، حين قال: “دخول غزة من مصر تحت سيطرة مصر، وإسرائيل ليست ملزمة بموجب القانون الدولي أن تتيح الوصول إلى غزة من أراضيها”.
الاتهام ذاته كرره بايدن في 8 فبراير/شباط الحاليّ حين قال خلال مؤتمر صحفي عقده في البيت الأبيض إن رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي لم يرغب في فتح معبر رفح للسماح بدخول المواد الإنسانية إلى قطاع غزة وهو من أقنعه بفتحه.
أما على الجانب الإسرائيلي فاتهم وزير المالية في الحكومة، سموتيرتش، القاهرة بدعم حركة حماس وتزويدها بالسلاح، وأنها لم تتخذ الإجراءات الكافية لوقف عمليات التهريب الحدودية للداخل الفلسطيني، وهي الاتهامات التي تأتي في سياق الضغط على السيسي ونظامه، وتنفيها الإجراءات التي قامت بها الدولة المصرية منذ بداية الحرب، من إقامة حواجز رملية مشددة وأخرى خرسانية على الحدود مع غزة، لمنع تهريب أي شيء فوق الأرض أو تحتها، كما ذكرت الهيئة المصرية العامة للاستعلامات في محاولة لطمأنة الاحتلال.
هفوة جديدة للرئيس بايدن حيث أنه وصف الرئيس المصري السيسي بأنه الرئيس المكسيكي.
بايدن قال ان السيسي كان يرفض فتح معبر رفح لإدخال المساعدات وبأنه هو من أقنعه بفتح المعبر.
للمفارقة هذه الهفوة صدرت عنه في خطاب كان يحاول فيه إقناع الأمريكيين بسلامة عقله وذاكرته. pic.twitter.com/ECeQ7MyceP
— Wajd Waqfi وجد وقفي (@WajdWaqfi) February 9, 2024
هل تستجيب حماس؟
لا شك أن التلويح بشن عملية عسكرية برية في منطقة رفح المكتظة بتلك الأعداد الغفيرة من الفلسطينيين في حقيقته ورقة ضغط قوية ضد حماس، إذ إن الخسائر البشرية المتوقع أن تسفر عنها تلك العملية ستكون كارثية، الأمر الذي قد يضع الحركة في مأزق، وهو ما يعلمه الإسرائيليون جيدًا.
ولعل العملية التي نفذتها قوات الاحتلال قبل يومين، وما أسفرت عنه من خسائر رسالة مباشرة لما يمكن أن يكون عليه الوضع إذا ما تم الاجتياح البري ومحاصرة القطاع من الجوانب كافة، خاصة إذا ما تماهت القاهرة مع السردية الإسرائيلية ومنحت الاحتلال مرونة في التعامل مع محور فيلادلفيا وفق تفاهمات وتنسيق بين الطرفين.
#عاجل | القيادي في حماس أسامة حمدان: عنوان الاستقرار في المنطقة هو وقف العدوان وإنهاء الاحتلال وإقامة دولتنا pic.twitter.com/JOeiq8UOOb
— قناة الجزيرة (@AJArabic) February 7, 2024
وفي المقابل تضغط القاهرة وواشنطن والدوحة لأجل إبرام اتفاق في أسرع وقت قبل حدوث الكارثة، حتى إن كانت مجرد تهديد في الوقت الراهن، لكنه التهديد القابل للتصعيد ولو عبر عمليات نوعية متفرقة تؤدي الغرض ذاته، ما يعني أن الكرة الآن باتت في ملعب المقاومة وفق مقارباتها الخاصة في حدود المستجدات الأخيرة.
في الأخير فإن الأيام الـ3 القادمة من المتوقع أن تشهد اتصالات مكثفة وجهودًا دبلوماسية من كل من القاهرة والدوحة وواشنطن لتحقيق تقدم ملموس في مفاوضات الصفقة، فيما ستُبدي المقاومة – على الأرجح – مرونة نسبية بشأن شروطها المقدمة التي تعلم يقينًا أن الاحتلال سيرفض الكثير منها، لكنها المرونة التي لا تصل بطبيعة الحال إلى منسوب وحجم التنازلات المطلوب منها أن تقدمه، يتوقف ذلك على سير المعارك خلال الساعات المقبلة، وقدرة القسام وسرايا القدس على الصمود وإرباك حسابات الاحتلال.