ترجمة حفصة جودة
أول ما تلاحظه عندما تمشي في مصنع الخليل للزجاج والخزف الحرارة الشديدة، حيث يبدو الأمر وكأنك تسير داخل الفرن، تصل درجة الحرارة في الخارج إلى 80 درجة بالفعل، أما داخل المصنع فيغرق العمال في العرق في أثناء تنظيف الزجاج المنصهر الخارج من الفرن.
عماد نتشه في أثناء عمله في مصنع الخليل للزجاج والخزف
انتهى عماد النتشه – مالك مشارك في الورشة – من جرف الزجاج السائل من داخل الفرن ووضعه في صندوق النفايات، فلم يعد صالحًا للاستخدام في عملية الإنتاج بعد الآن.
أحد الحرفيين يرسم الخطوط السوداء على بلاط خزفي
في غرفة أخرى يرسم الحرفيون التصاميم على أطباق الخزف ويعدوها لدخول الفرن، ويوظف المصنع 60 حرفيًا مسؤولين عن إنتاج مجموعة متنوعة من أطباق الزجاج والخزف المبهجة المصنّعة والمرسوم عليها يدويًا.
حوامل وأوعية وزجاج مبرد
يقول حمزة النتشه – أحد أفراد الأسرة المالكة للورشة -: “بدأت الورشة في العمل بمدينة الخليل القديمة عام 1890 من خلال جدي الأكبر، وللخليل تاريخ طويل في صناعة الخزف والزجاج يعود لأكثر من 500 عام، وعليه فالخزف جزء من التراث الفلسطيني، وكان يستخدم قديمًا لتبريد المياه قبل اختراع الثلاجات”.
عماد نتشه يعرض طبقًا من الخزف بعد تجفيفه في الفرن
يضيف حمزة: “أحد الأشياء التي تجعل أسرة العمل قوية هي العلاقات بين أفراد الأسرة، فكل فرد هنا يعمل بحماس حقيقي تجاه ما يفعله ويرغب في استمرار هذا التقليد الفلسطيني”.
الزجاج المتسخ بعد التخلص منه في صندوق النفايات
تستغرق عملية صنع قطعة واحدة نحو أسبوع، في البداية يوضع الطين في عجلة الفخار ويُشكل باليد، في اليوم التالي بعد جفافه تُصقل الحواف يدويًا باستخدام الماء والإسفنج، بعدها توضع القطعة في فرن حرارته 1500 درجة لمدة يومين.
بعد خروج القطعة من الفرن يرسم الحرفيون الخطوط السوداء العريضة ويملأون التصاميم بالألوان، ثم يرشون القطعة بطلاء لامع للوقاية مرتين، بعدها تُوضع مرة أخيرة في الطلاء قبل أن تدخل الفرة لمدة 24 ساعة.
رسم يدوي للأزهار على الخزف والزجاج
يقول حمزة: “يمكنك أن ترى تلك الرسومات الموجودة على الخزف في العمارة المحلية والتطريز، فزهرة التيوليب المستخدمة في التصميمات موطنها الأصلي في تلك المنطقة”.
وفي قسم البيع بالتجزئة في المصنع، يتجول السياح ببطء لمشاهدة المنتجات اليدوية وشرائها، يضيف حمزة: “منذ السبعينيات كانت 20 حافلة من السياح تصل يوميًا إلى الورشة، لكن بعد الانتفاضة يأتينا فقط بعض السياح فرادى أو في جولات سياسية تنظمها بعض المنظمات مثل مجموعة السياحة البديلة في بيت لحم والأونروا (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل الفلسطينين)”.
ونظرًا للمخاوف الأمنية الإسرائيلية فقد تبدلت طرق السياح لتتجه مباشرة إلى الحرم الإبراهيمي، حتى يتجنب السياح المرور من داخل المدينة.
رسومات طبيعية يدوية على الفخار
وكما يقول حمزة فوجود السياح أمر ضروري لتعزيز العمل والتحدث عن الثقافة، من الضروري رؤية السياح وألا يشعر الفلسطينيون بالعزلة، ويضيف حمزة أنه كان ينقل المنتجات بسهولة إلى ميناء حيفا قبل الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، ومنذ ذلك الحين يجب أن تمر بضائعه بعدة نقاط تفتيش، وهناك قيود عديدة على الفلسطينيين العابرين من الضفة الغربية إلى ميناء حيفا، هذا الأمر يتسبب في التأخير وارتفاع التكلفة ويجعل عملية النقل أمرًا صعبًا.
عينة من الطلاء اللامع المستخدم في الخزف الفلسطيني
ازداد الأمر صعوبة أكثر فأكثر، فمنذ 2001 وبعد بداية الانتفاضة الثانية تغيرت الأمور بسرعة كبيرة، وكان هناك قيود كثيرة على الأعمال التجارية كلها الخاصة بالفلسطينيين، فمثلًا لنقل حمولة شاحنة يتكلف الأمر 1200 دولار من الخليل إلى الميناء، قبل انتشار نقاط التفتيش كان الأمر يتكلف نحو 500 دولار.
عينة من الحوامل الثلاثية الملونة
يقول حمزة إنهم يعتمدون الآن على المتاجر المحلية والتصدير للخارج والذي يمثل نحو 50 إلى 60% من الأرباح، لكن التحدي الآن يتمثل في العثور على أسواق جديدة، ويضيف: “نحن نعتمد على شركائنا في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا الذين يقومون بعمل ضخم لنشر قصتنا، ولحسن الحظ فالانتقال إلى التصدير أدى إلى عدم انخفاض العائدات”.
ويشكل الفلسطينيون المحليون جزءًا مهمًا من السوق كذلك، فهم بذلك يفخرون بالثقافة الفلسطينية ويستخدمون هذه المنتجات لتقديم الطعام والشراب في منازلهم.
معرض الجمعية التعاونية للمتجات اليدوية في الضفة الغربية وبيت لحم
تقيم جمعية “الأرض المقدسة التعاونية للأعمال اليدوية” معرضًا تعاونيًا لحرفيي الضفة الغربية في بيت ساحور حيث تُباع تماثيل منحوتة من خشب الزيتون والخزف ومجوهرات عرق اللؤلؤ والتطريزات، تأسست الجمعية عام 1981 ردًا على تدهور السياحة في منطقة بيت لحم نتيجة الاحتلال الإسرائيلي.
تحدثت بسمة برهام مديرة الجمعية عن نفس المشكلات التي تحدث عنها حمزة والتي يواجهها الحرفيون في الضفة الغربية، حيث تقول: “في بعض الأحيان عندما نحتاج لاستلام بعض البضائع من الخارج قد يتطلب الأمر 3 أشهر لتفرج سلطات الاحتلال عن الشحنة، وفي كثير من الأحيان لا يهتمون بالأشياء التي تتطلب تخزين في ثلاجة”.
وكما تقول برهام، فهم يستخدمون خشب الزيتون من نابلس لصنع المنتجات، وتضطر شاحنات كبيرة محملة بالخشب أن تمر بعدة نقاط تفتيش “إسرائيلية”، في بعض الأحيان يرفض الجنود “الإسرائيليون” مرورهم ويقولون إن الطريق مغلق وعليهم العودة، لذا ينتظرون في اليوم التالي ويدفعون للسائق مرة أخرى.
تضيف برهام: “هذا ما نعيشه في حياتنا اليومية ولا يعرف عنه أحد، إنه الروتين الخاص بنا، في بعض الأوقات يكون لدينا موعدًا نهائيًا لتسليم شحنة للخارج وقد نجد الطرق مغلقة، ويتوجب علينا حينها أن نشرح للعملاء ما حدث والذين لا يفهمون الأمر لأنهم ليسوا هنا”.
المصدر: ميدل إيست آي