صار معتادًا أن ترى دولة تتصرف بالعلن بطريقة معينة، فيما تعمل بالخفاء بشكل مغاير تمامًا. ففي بريطانيا مثلا قال وزير خارجيتها بوريس جونسون، إن بلاده تسعى لدفع العملية السياسية في سوريا وأشار إلى “القرار 2254 ينص على مرحلة انتقالية بعيدا عن الأسد”. جاء ذلك في اجتماع وزراء خارجية مجموعة أصدقاء سوريا التي انعقدت مساء الاثنين عشية انطلاق اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. فماذا يحصل في الخفاء في بريطانيا؟
بريطانيا تساعد الأسد
على النقيض تمامًا مما قاله الوزير البريطاني، كشفت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية أول أمس الأحد 17 سبتمبر/أيلول عن خطة سرية ينفذها دبلوماسيون بريطانيون لمساعدة رئيس النظام السوري بشار الأسد، للتهرب من العقوبات الجنائية بسبب جرائم الحرب التي ارتكبها نظامه خلال السنوات السبعة من عمر الثورة التي انطلقت في العام 2011.
الغريب في الأمر أن الوثيقة تحمل توقيع وزير الخارجية، بوريس جونسون، الذي قال اليوم من أمريكا أن بلاده تسعى لدفع العملية السياسية في سوريا. وهو أيضًا الذي صرح قبل أشهر أن الأسد “الإرهابي الأكبر” لدوره في الحرب التي أزهقت بأرواح ما يقرب من نصف مليون شخص. موقف في العلن يناقض ما جاء في الوثيقة السرية المسربة إن صحّ ما جاء فيها.
حيث أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية، رافضًا التعليق على الوثيقة، أن موقف الوزارة من الأسد قائلا نعتقد بوجوب الانتقال بعيدًا عن الأسد وتشكيل حكومة تحمي حقوق جميع السوريين وتوحد البلاد وتنهي النزاع على حد وصفه. وبحسب الوثيقة فإن الخطة البريطانية تضمن استمرار الأسد في الحكم في المستقبل المنظور، إضافة إلى تجنب ملاحقته قضائيًا، في الوقت الذي عبرت الحكومة أكثر من مرة عن رفضها بقاء الأسد في مستقبل سوريا.
اتهم رئيس اللجنة المستقلة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، باولو بينيرو، أمس الإثنين 18 سبتمبر/أيلول، الحكومة السورية، بإلقاء قنبلة سارين ضد المدنيين في خان شيخون، في محافظة إدلب، في نيسان/أبريل الماضي، وقُتِل إثر ذلك أكثر من 80 شخصًا معظمهم نساء وأطفال
كما أشار الوزير البريطاني بوريس جونسون، في اجتماع اليوم في نيويورك، إن بلاده لن تدعم عملية إعادة إعمار سوريا دون تنفيذ القرار 2254، وإن على الروس والإيرانيين ونظام الأسد أن يعوا ذلك.
وفي الوقت الذي ترفض كل من روسيا وإيران طرح مسألة مصير الأسد على طاولة التفاوض وترفض بشكل قطعي محاكمنه، ترى أمريكا من جهتها على لسان مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، ديفد ساترفيلد، في اجتماع وزراء خارجية أصدقاء سوريا الذي جرى اليوم في نيويورك، إن الولايات المتحدة ترى أن بشار الأسد فقد شرعيته ويجب ألا يبقى في السلطة، غير أن المسؤول الأمريكي لفت في الوقت عينه إلى أن هذا الأمر سيبقى قرارًا يعود للشعب السوري.
وحول موقف بلاده من إمكانية مشاركة الأسد بالانتخابات الرئاسية، قال ساترفيلد، إن بلاده لا تعتقد أن غالبية الشعب السوري ترغب برؤية الأسد في السلطة، ولكن يجب أن يكون منتجًا نهائيا لعملية سياسية يجب أن تبدأ الآن لتقود السوريين إلى تلك النتيجة بحد وصفه. يُذكر أن الحكومة البريطانية واجهت ضغوطًا ودعوات من قبل لوردات في مجلس اللوردات خلال الأشهر الماضية لإعادة فتح العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، بعد زيارة لتقصي الحقائق شارك بها اللورد هايلتون مع وفد رسمي في شهر أيلول/سبتمبر العام الماضي.
تشير الوثيقة المسربة أن الكلام الصادر عن وزير الخارجية اليوم في اجتماع نيويورك، أن المعارضة لا يمكنها التعويل على الموقف البريطاني في محاسبة الأسد إذ تسعى عبر قنوات وتفاصيل دقيقة لمحاولة تمليص الأسد من أي عقوبات دولية وعدم محاسبته على جرائمه ضد الإنسانية التي ارتكبها خلال السنوات الماضية.
الأسد متورط بجرائم حرب
عدم ملاحقة الأسد قضائيًا تعني أن جرائم القتل والدمار واستخدام أسلحة كيميائية وأخرى محرمة دوليًا، جميعها لن يحاسب الأسد عليها، ولن تلقى اتهامات العالم أي آذان صاغية بسبب الدفاع عنه من قبل بعض الدول على رأسها حليفتاه، إيران وروسيا، وبريطانيا التي انضمت حديثًا بحسب الوثيقة السرية.
يُشار أن رئيس اللجنة المستقلة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، باولو بينيرو، اتهم أمس الإثنين 18 سبتمبر/أيلول، الحكومة السورية، بإلقاء قنبلة سارين ضد المدنيين في خان شيخون، في محافظة إدلب، في نيسان/أبريل الماضي، وقُتِل إثر ذلك أكثر من 80 شخصًا معظمهم نساء وأطفال. وتأتي تصريحات المسؤول الدولي بعد نحو أسبوعين من إعلان لجنة التحقيق التي يرأسها، أن النظام السوري مسؤول عن الهجوم الكيماوي الذي استهدف بلدة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي.
الوثيقة السرية في بريطانيا تحمل توقيع وزير الخارجية بوريس جونسون الذي قال اليوم من أمريكا أن بلاده تسعى بلاده تسعى لدفع العملية السياسية في سوريا
وجاء في تقرير أصدرته اللجنة حينها، أن “ثمة أسبابًا معقولة تحمل على الاعتقاد بأن القوات السورية هاجمت خان شيخون بقنبلة سارين .. الأمر الذي يُشكّل جريمة حرب”. وأكد التقرير، أن النظام السوري “استخدم غاز السارين ما لا يقل عن 7 مرات في الفترة ما بين آذار/مارس وتموز/يوليو الماضيين”، مؤكدًا في الوقت نفسه توثيق 33 حالة لاستخدام السلاح الكيماوي في سوريا ما بين عامي 2013 و2017، وأن النظام متورّط في 27 حالة منها.
اجتماع وزراء خارجية مجموعة أصدقاء سوريا في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة
وفي مايو/أيار أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقريرًا بعنوان “الموت بالكيميائي”، ويوضح استخدام الحكومة السورية الواسع والمنهجي للأسلحة الكيميائية. ويستنتج التقرير أن الطائرات الحربية الحكومية أسقطت قنابل تحتوي مواد كيميائية تهاجم الأعصاب، وأن القصد منها “إلحاق معاناة شديدة بالسكان المدنيين”.
وقالت المنظمة إن لديها أدلة جديدة تدعم الاستنتاج بأن القوات الحكومية السورية استخدمت غاز الأعصاب في أربع مناسبات على الأقل خلال الأشهر الأخيرة. وأوضحت المنظمة أن خان شيخون شهدت هجوما كيميائيا في الرابع من أبريل/نيسان الماضي في وقت حصلت ثلاث هجمات أخرى في ديسمبر/كانون الأول 2016 ومارس/آذار 2017. وأشار تقرير المنظمة إن هذه الهجمات جزء من نمط أوسع من استخدام القوات الحكومية السورية للأسلحة الكيميائية، “ووُجهت في بعض الحالات ضد السكان المدنيين”، مما يعني أنه يمكن تصنيفها جرائم ضد الإنسانية.