ترجمة وتحرير: نون بوست
كان لدى رئيس شركة تصنيع الساعات في نيويورك، يوجين غلوك، شيء للاحتفال به في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017. فقد أنجبت حفيدته للتو طفلاً، وهو الحفيد الرابع والعشرون لغلوك. وبعد أسابيع قليلة، ترأست عائلة غلوك حفل العشاء السنوي الخامس والعشرين لبيت إيل. ويوصف حفل عشاء بيت إيل بأنه “واحد من أكثر الأحداث أهمية وحضورًا في التقويم الاجتماعي للجالية اليهودية”، ويتم عقده في قاعة ماريوت ماركيز الفاخرة في مانهاتن كل سنة حتى سنة 2019، عندما توفي غلوك. وكان الهدف من من حفل العشاء ذاك جمع الأموال لمستوطنة بيت إيل الإسرائيلية، والتي بنيت على أرض فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة.
وفي الشهر نفسه، كان الرعب ينتشر في أنحاء مخيم الجلزون، وهو مخيم مكتظ للاجئين الفلسطينيين يقع في ظل بيت إيل. وكجزء من مشروع لتوسيع تحصينات بيت إيل، أغلق الجيش الإسرائيلي الطريق الرئيسي المؤدي إلى الجلزون في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017. وبدأ رمضان حميدات، رئيس العيادة الطبية المحلية، يشهد تأخيرات مرورية لمدة ساعة للمرضى والأطباء. وقال حميدات لمنظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية “بتسيلم” إن حاجز الطريق “يؤدي إلى معاناة المرضى ويجعل الأمر صعبًا للغاية على فريقنا”. وأشار إلى أنه “لو كانت هناك حالة ولادة أو سكتة دماغية أو إصابة خطيرة أو كسور فإن الوقت أمر بالغ الأهمية”.
وبعد ست سنوات، أصبح الوضع في الجلزون أكثر خطورة. وبعد هجمات السابع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر التي شنتها حماس على إسرائيل والحملة الانتقامية الإسرائيلية في غزة، امتدت الحرب بسرعة إلى الضفة الغربية. وهاجم المستوطنون الإسرائيليون جيرانهم الفلسطينيين، مما أدى إلى طرد عدة قرى من الأرض بالكامل. وداهم الجيش الإسرائيلي مخيم الجلزون عدة مرات بحثًا عن أعضاء مزعومين في حماس، وقُتل مواطنان فلسطينيان في الغارات.
من جانبه، أرسل باروخ جوردون، رئيس قسم جمع التبرعات الخارجية لبيت إيل، نداءً استثنائيًّا في 10 تشرين الأول/ أكتوبر إلى قائمة مؤيديه عبر البريد الإلكتروني. وجاء في النداء “نحن لا ننشر هذه الرسالة على نطاق واسع”. وكان بيت إيل يجمع الأموال لحماية “اليشوفيم المحاطين بالقرى العربية”. وغالبًا ما يستخدم المصطلح العبري “ييشوف” (مجتمع سكني) من قبل مؤيدي الاستيطان لمحو التمييز بين “هتنخلوت” (المستوطنات) والبلدات في إسرائيل نفسها.
وكتب جوردون إن “العنصر الأكثر رواجًا والحيوي والمنقذ للحياة حرفيًا للدفاع عن اليشوفيم هو طائرة مسيّرة مزودة بكاميرا حرارية تكتشف اقتراب الإرهابيين ليلاً”. ويمكن للمؤيدين التبرع عبر الإنترنت أو كتابة شيك إلى مؤسسة “تمكين إسرائيل”، وهي مؤسسة خيرية مقرها نيويورك.
لسنوات عديدة؛ اعتبرت الولايات المتحدة المستوطنات الإسرائيلية عقبة أمام السلام من الناحية النظرية، لكنها كانت على استعداد للتسامح معها عمليًّا. حتى أن إدارة ترامب اقترحت أن تقوم إسرائيل بضم المستوطنات. ومع ذلك، فإن التصعيد الأخير أعاد المستوطنين – وعلاقاتهم بالولايات المتحدة – إلى جدول الأعمال مرة أخرى.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، أعلنت إدارة بايدن حظرًا على دخول “المتطرفين الإسرائيليين الذين يهاجمون المدنيين في الضفة الغربية” إلى الولايات المتحدة، وفي شباط/ فبراير فرضت عقوبات مالية على أربع شخصيات استيطانية معروفة. وبحسب ما ورد، أوقف المسؤولون الأمريكيون أيضًا مبيعات البنادق لإسرائيل بسبب مخاوف من استخدامها في هجمات يشنها المستوطنون.
وقال جوردون لصحيفة “نيو لاينز” عبر رسالة صوتية إن العقوبات كانت بمثابة “إجهاض فادح للعدالة”. وهو يعرف اثنين من الأفراد الخاضعين للعقوبات، ينون ليفي وديفيد تشاسداي. ويصفهم جوردون بأنهما “مزارعان” ويصر على أنه لم تتم إدانتهم بأي جريمة على الإطلاق.
وقال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في إعلانه عن العقوبات إن ليفي قاد مجموعة “اعتدت على المدنيين الفلسطينيين والبدو، وهددتهم بمزيد من العنف إذا لم يغادروا منازلهم، وأحرقت حقولهم ودمرت ممتلكاتهم”.
واتهم بلينكن تشسداي بالتحريض على أعمال الشغب سيئة السمعة التي وقعت في شباط/ فبراير 2023 في حوارة والتي أسفرت عن مقتل فلسطيني، ردًّا على إطلاق فلسطيني النار على إسرائيليين اثنين. واعتقلت السلطات الإسرائيلية حاسداي لكنها لم تتهمه بعد أحداث العنف في حوارة. وفي سنة 2016، حكمت عليه محكمة إسرائيلية بالسجن ستة أشهر بعد العثور عليه خارج قرية فلسطينية ومعه بنزين وهراوة.
وقد أصر جوردون مرارًا وتكرارًا على أن العنف الفلسطيني ضد الإسرائيليين هو المشكلة الحقيقية. وسجل مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية 1225 حادثة عنف للمستوطنين ضد الفلسطينيين في سنة 2023 و140 حادثة عنف فلسطيني ضد المستوطنين الإسرائيليين.
ويسعى بعض الديمقراطيين إلى فرض عقوبات أشد قسوة على حركة الاستيطان مما يعرضه الرئيس الأمريكي جو بايدن. وفي أيار/ مايو 2023، قبل خمسة أشهر من بدء الحرب الحالية، اقترح عضو مجلس ولاية نيويورك، زهران ممداني، مشروع قانون “ليس على حسابنا الشخصي”.
وسيمنع القانون الجمعيات الخيرية المعفاة من الضرائب في نيويورك من دعم المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية ويسمح للفلسطينيين المتضررين من المستوطنين بمقاضاة الجمعيات الخيرية المؤيدة للاستيطان في محاكم نيويورك.
وهناك الكثير من المال على المحك، وخلص تحقيق أجرته صحيفة “هاآرتس” الإسرائيلية إلى أن المستوطنات تلقت إجمالي 220 مليون دولار من الجمعيات الخيرية الأمريكية في الفترة من سنة 2009 إلى سنة 2013. وقد تبرع الأمريكيون بملايين أخرى للمستوطنات وميليشيات المستوطنين ووحدات الجيش الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية منذ السابع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر من خلال منصة تسمى “إسرائيل تعطي”، بحسب صحيفة “الغارديان”.
وتشمل الجهات المانحة للمستوطنات الإسرائيلية المنظمات الصهيونية اليهودية والمسيحية؛ حيث تؤيد الأخيرة الاعتقاد بأن دولة إسرائيل تحقق نبوءات الكتاب المقدس حول الأرض المقدسة. ونظرًا لأن هذه المجموعات تعتبر منظمات غير حكومية غير ربحية بموجب المادة 501 (ج) (3) من قانون الضرائب الأمريكي، فإن الأمريكيين يحصلون على إعفاء ضريبي مقابل الأموال التي يقدمونها للجمعيات الخيرية المستوطنة.
(في حين أن العديد من مجموعات الشتات الأميركي قامت بجمع الأموال لقضايا أجنبية متشددة، فإن القيام بذلك من خلال الجمعيات الخيرية القانونية أمر نادر الحدوث، كما تزود العديد من المنظمات الأميركية غير الربحية المقاتلين الأوكرانيين بطائرات مسيّرة، ومعدات الحماية ودروس التدريب). ويسعى مشروع قانون ممداني إلى سحب الدعم من المانحين إلى المستوطنات.
ويتحرك جزء كبير من الأموال من خلال غرف المقاصة مثل صندوق أرض إسرائيل والصندوق المركزي لإسرائيل، مما يجعل من الصعب ربط المانحين بالمستوطنات التي يدعمونها. وقد هاجمه منتقدو مشروع قانون ممداني لهذا السبب بالضبط. ونظرًا لأن بعض المنظمات المؤيدة للاستيطان، مثل الصندوق المركزي الإسرائيلي، تقوم أيضًا بأعمال لا علاقة لها بالمستوطنات، فقد كتب العديد من أعضاء مجلس ولاية نيويورك في رسالة مفتوحة في أيار/ مايو 2023 أن مشروع القانون كان “خدعة لشيطنة الجمعيات الخيرية اليهودية المرتبطة بإسرائيل”.
أما بيت إيل ومؤيدوها الأميركيون فهم مختلفون. ليس هناك شك إلى أين تذهب الأموال؛ إلى جمعيتين خيريتين مخصصتان خصيصًا للتسوية. ويقوم مركز أصدقاء بيت إيل يشيفا الأمريكي بتمويل مدرسة بيت إيل يشيفا، وهي أكاديمية يدرس فيها الرجال اليهود البالغين التلمود، وهو الملخص الواسع للقانون الديني والتعليقات الكتابية. وتعلن منظمة “تمكين إسرائيل” عن “مشاريعها الخاصة”، وهي في المقام الأول أكاديمية تحضيرية عسكرية، في المستوطنة. ويبدو أن جوردون يشرف على جمع التبرعات لكليهما. ويتم كتابة أسماء المانحين بفخر على جوانب المباني.
ولدى المستوطنين الكثير ليشكروا عليه المتبرعين الأمريكيين. فقد حصل مركز أصدقاء بيت يشيفا الأمريكيين على مبالغ تتراوح بين 1.8 مليون دولار و3.5 ملايين دولار كل سنة، من سنة 2011 إلى سنة 2021، وذلك وفقًا لسجلات الضرائب. وحصلت منظمة “تمكين إسرائيل” التي اكتسبت مكانة غير ربحية في سنة 2015، على مبلغ يتراوح بين 56 ألف دولار و151 ألف دولار سنويًا منذ ذلك الحين.
وبعد ذلك، تولى اثنان من أشهر المتبرعين لبيت إيل، ديفيد فريدمان وجاريد كوشنر، أدوارًا بارزة في إدارة ترامب. فتم تعيين فريدمان سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل، وتم تكليف كوشنر، صهر الرئيس السابق، بمسؤولية تطبيع العلاقات بين إسرائيل ومختلف الدول العربية، ولا سيما دول الخليج. وغالبًا ما تتجاهل التغطية الإعلامية لبيت إيل مؤيديها الأمريكيين الأقل شهرة. والعديد منهم محترفون ورجال أعمال محترمون من الطبقة المتوسطة العليا ويعيشون في ضواحي مدينة نيويورك. وتصادف أن حياتهم الاجتماعية وعملهم الخيري يتضمن تمويل صراع عرقي على الجانب الآخر من العالم.
وبالنسبة لبعض الحاضرين، يبدو أن حفل عشاء بيت إيل كان بمثابة تمرين لمواكبة الجيران. ويتضمن منتدى على الإنترنت للنساء اليهوديات “روم” (التقيات) موضوعًا يناقش ما يجب ارتداؤه في مأدبة سنة 2009. وجاء في ملصق مجهول “على أية حال، ماذا يجب أن أرتدي في هذا العشاء الضخم؟ إنهم يكرمون أصدقائنا الجيدين. إنه في فندق فاخر جدًا في مدينة نيويورك – شمورج أسبورد وعشاء”. وأجابت إحدى المشاركات، الذي أوصى بمتجر يحتوي على “سترات جميلة في الطابق السفلي”: “سوف أرتدي بدلة ذات مظهر فخم مع قلادة ذات مظهر ماسي”.
ويرى آخرون أن بيت إيل بمثابة ملاذ للهيبي؛ حيث يقتبس كتيب عشاء سنة 2017 اقتباسات من لوري موسكوفيتش هيرش، ابنة الراحل إيرفينغ موسكوفيتش، وهو مانح ناشط يميني بارز في كل من إسرائيل والولايات المتحدة. وتوصف بأنها زائرة متكررة لمستوطنات الضفة الغربية “التي بناها والداها”. وتحدثت موسكوفيتش هيرش شعريًّا عن بساطة المستوطنين المتواضعة، “الذين يعيشون حياة التضحية، ومع ذلك ترتسم الابتسامة على وجوههم دائماً”. وقد كانت هذه الزيارات مهمة لتحقيقها الروحي أيضًا.
وقالت موسكوفيتش هيرش، بحسب الكتيب: “عندما كنت أعيش في إسرائيل، كنت أتجول في جميع أنحاء البلاد، في كل مكان أتيت إليه، كان هناك اتصال روحي بين العقل والجسد، چطجيبدأ من التناخ (الكتاب المقدس العبري) ويمتد إلى اليوم، إنه اتصال مختلف عما هو عليه في ميامي أو كولورادو، في إسرائيل، أشعر بالانتماء العميق”.
ومع ذلك، هناك إشارات للمانحين بأن المشروع يدور حول أكثر من مجرد السترات ودراسة الكتاب المقدس؛ حيث يناقش كتيب سنة 2017 أيضًا؛ “مشروع بيت إيل المثير للجدل” لتوسيع “السيادة الإسرائيلية في جميع أنحاء أرضنا، على الرغم من الضغوط الهائلة التي تدفع إلى عكس ذلك”، وكانت مقاطع الفيديو التي تم عرضها في حفلات العشاء في سنة 2015 و2016 مليئة بالصور العسكرية، والتي تظهر المدرسة الإعدادية العسكرية التي تدعمها مؤسسة إسرائيل الآن، وتم تسميتها على اسم عائلة غلوك.
وتزعم المواد الترويجية أن المدرسة سمحت للمحرومين من المزراحيم والسفارديم – اليهود من تراث شرق أوسطي وشمال أفريقي، والذين ظلوا محرومين لفترة طويلة في إسرائيل – “بالهروب من مستقبل قاتم من المخدرات والجريمة والرعاية الاجتماعية”، وتتفاخر إحدى رسائل قائمة البريد الإلكتروني بأن 29 بالمائة من الخريجين يختارون البقاء في مستوطنات الضفة الغربية بعد خدمتهم العسكرية.
وأظهر مقطع الفيديو لسنة 2015 “محطة للراحة والمرطبات للجنود” بناها شبان في المستوطنة، وقالت داسي شترن، مديرة الشباب في بيت إيل: “سيكون لجنودنا مكان جميل يأتون إليه، ويجلسون فيه، ويصنعون شيئًا ساخنًا يشربونه، ويقضون وقتًا ممتعًا مع الأصدقاء بين الأنشطة في الجيش”، بينما ظهر في الخلفية مقطع فيديو لجنود إسرائيليين وهم يحطمون باب منزل فلسطيني، وتم ضبط الفيديو على موسيقى مبهجة.
لم تكن التفاعلات بين القوات الإسرائيلية والفلسطينيين بالقرب من بيت إيل “وقتا ممتعًا مع الأصدقاء”، على حد تعبير شتيرن، فخلال احتجاج سكان الجلزون في سنة 2015، صورت طواقم الأخبار القوات الإسرائيلية وهي تحيط برجل فلسطيني أعزل وتضربه، ووعد الجيش الإسرائيلي بالتحقيق في ذلك، وفي حديثه لقناة الجزيرة في العام التالي، قال الطبيب النفسي المحلي محمد عبسي إنه كان يعالج حوالي 100 من ضحايا التعذيب الإسرائيلي في الجلزون، وفي تشرين الأول/أكتوبر 2022، قتل الجيش الإسرائيلي بالرصاص اثنين من الفلسطينيين في الجلزون بزعم أنهما كانا يحاولان دهس القوات بسيارتهما، وهو ما نفاه أقارب الفلسطينيين.
ويصف جوردون، جامع التبرعات، نفسه بأنه نباتي ومتحمس لليوجا، غالبًا ما يستخدم القائمة البريدية لمركز أصدقاء بيت يشيفا الأمريكيين للترويج لمقالات حول السياسة اليمينية، وفي محاضرة بالفيديو في شباط/فبراير 2020، شرح وجهة نظره العالمية: “إن سيادة الأمة العبرية على أرض إسرائيل فوق كل العقلانية والمنطق البشري، وهي لصالح البشرية، وإذا قبل سكان الأرض سيادتنا بشروطنا، فيمكنهم البقاء والازدهار، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فإن الله يأمرنا بتدميرهم أو طردهم”، وأظهر الفيديو رسومًا متحركة لحذاء يركل الفلسطينيين من خريطة إسرائيل والأراضي الفلسطينية.
ومنذ هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، أصبحت لهجته في القائمة البريدية أكثر إلحاحا؛ حيث شارك جوردون مقالًا يزعم أن “حماس وعامة سكان غزة هم نفس الشيء”، أعقبه مقطع فيديو يدعو إلى “إخلاء كامل لسكان غزة” لأنه “لا يوجد أبرياء” هناك، ومقال آخر شاركه جوردون يدعو إسرائيل إلى “توزيع سكان عاصمة الإرهاب العربية [غزة] بين مختلف دول العالم” وإعادة توطين غزة بالإسرائيليين اليهود.
وتنص اتفاقيات جنيف، وهي المعاهدات الدولية التي تحدد قوانين الحرب، على أنه لا يجوز لأي دولة “ترحيل أو نقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها”، ويعتبر جزء كبير من المجتمع الدولي والأمم المتحدة والصليب الأحمر أن مستوطنات الضفة الغربية تشكل انتهاكًا لهذه القاعدة، وتبنت الولايات المتحدة نفس الموقف حتى سنة 2019، عندما أعلنت إدارة ترامب أن المستوطنات ليست مخالفة للقانون “في حد ذاتها”، وتصر إسرائيل على أن الضفة الغربية هي مجرد “منطقة متنازع عليها”، والتي تسميها باسمها التوراتي “يهودا والسامرة”، وليست جزءً محتلا من دولة أجنبية.
ويتضمن كتيب سنة 2017 جدولًا زمنيًا لتاريخ بيت إيل من وجهة نظر المستوطنين؛ حيث بنى النبي إبراهيم مذبحًا في بيت إيل (“بيت الله”) سنة 1737 قبل الميلاد، كما ورد في سفر التكوين 13، ودمرت الجيوش الرومانية المذبح سنة 170م، ثم ينتقل الجدول الزمني إلى ألفي سنة أخرى بعد ذلك حتى سنة 1977م، عندما قامت “15 عائلة يهودية، معظمها من منطقة القدس الكبرى، بإعادة تأسيس المدينة اليهودية القديمة”، كان لا بد من حدوث الكثير في التاريخ أولاً: ولادة الحركة الصهيونية، التي سعت إلى إنشاء دولة يهودية في بلاد الشام؛ وتقسيم الإمبراطورية العثمانية إلى مناطق استعمارية أوروبية؛ وحرب 1948 التي أدت إلى قيام إسرائيل وطرد 700 ألف فلسطيني.
لكن الحدث الوحيد الأكثر أهمية لإنشاء بيت إيل كان حرب الأيام الستة سنة 1967، فمنذ سنة 1948 إلى سنة 1967، كانت الضفة الغربية تحت سيطرة الحكومة الأردنية، وكان الجلزون واحدًا من 19 مخيمًا أنشأتها الأمم المتحدة لإيواء اللاجئين الفلسطينيين في المنطقة، واحتلت إسرائيل الضفة الغربية في حرب سنة 1967، وأقام الجيش الإسرائيلي قاعدة عسكرية على قمة التل المطل على الجلزون، وبعد عشر سنوات، قاد الجندي الإسرائيلي القديم والسياسي المستقبلي يعقوب “كاتزيلي” كاتس مجموعة من الناشطين اليمينيين للاستيلاء على القاعدة، التي أعلن أنها موقع بيت إيل التوراتي، وسرعان ما وجد كاتز ملاكًا حارسًا أجنبيًا لمشروعه، وهو صانع الساعات الأمريكي يوجين غلوك.
وُلد غلوك سنة 1927 لعائلة يهودية رومانية، ونجا من معسكرات الاعتقال النازية خلال الحرب العالمية الثانية، ثم هاجر إلى أمريكا بعد الحرب، وأسس شركة لصناعة الساعات في سنة 1975، وصنع ساعة أرميترون، وهي واحدة من أولى الساعات الرقمية الناجحة، وبعد أن ارتقى من الفقر إلى الثراء، استثمر ثروته في مجموعة متنوعة من المشاريع غير الربحية، بدءً من هيئة الإسعاف التطوعية في نيويورك وحتى احتفالات الأعياد في القدس.
كان غلوك وزوجته جين “ثنائيًا ديناميكيًا قاما بتحويل الذكريات المريرة للمحرقة إلى التزام مدى الحياة من أجل بقاء الشعب اليهودي ودولة إسرائيل”، وفقًا لتأبين كتبته راشيل وولف، رئيسة اللجنة الأمريكية لمركز شعاري تسيديك الطبي، الذي يجمع الأموال لمستشفى الجامعة العبرية التعليمي في إسرائيل.
لقد كان دعم غلوك لحركة المستوطنين، وحفلات العشاء السنوية التي استضافها في بيت إيل، هو ما جعله حديث المدينة، وأصبح جمع التبرعات وسيلة للجمهوريين، وكثير منهم مسيحيون، لإظهار دعمهم لرؤية متطرفة لإسرائيل؛ حيث حضر ثلاثة مسؤولين مستقبليين في إدارة ترامب – كوشنر وفريدمان ومستشار الأمن القومي المستقبلي جون بولتون – حفل عشاء سنة 2017، إلى جانب النائب آنذاك رون ديسانتيس من فلوريدا، كما ظهر المرشحان الجمهوريان للرئاسة مايك هاكابي (2008 و2016) وميشيل باخمان (2012) في وجبات العشاء السابقة.
وكان الحاضرون الآخرون أقل شهرة من بولتون وديسانتيس؛ حيث تمتلئ قائمة الداعمين البارزين في عشاء بيت إيل بالأطباء والمحامين وأصحاب الأعمال الصغيرة، وينحدر العديد منهم من “فايف تاونز” وهي منطقة محاطة بالأشجار في الضواحي خارج مدينة نيويورك في لونغ آيلاند، ويبلغ متوسط أسعار المنازل فيها حوالي 1.1 مليون دولار، مما يضع السكان في صفوف الطبقة المتوسطة العليا في نيويورك ولكن أقل من النخبة فاحشي الثراء في المدينة.
آلان فايشيلباوم، صهر غلوك، يشغل الآن منصب أمين صندوق الأصدقاء الأمريكيين لمركز بيت إيل يشيفا، وبالإضافة إلى إدارة مركز بيت إيل وشركة محاسبة للأعمال الصغيرة، فإن فايشيلباوم عضو في مجلس إدارة كنيسه المحلي، وعنوانه المدرج في الوثائق الخيرية الرسمية هو منزل لعائلة واحدة مقام على عقار مساحته 6480 قدم مربع، بعبارة أخرى، فهو يمثل قصة نجاح مثالية في الضواحي.
وقد عقدت قرية لورانس، إحدى قرى “فايف تاونز” اتفاقية المدن الشقيقة مع معاليه أدوميم، وهي مستوطنة إسرائيلية أخرى في الضفة الغربية، وقال عمدة لورانس، رونالد جولدمان، لمجلة +972 إن دعمه لإسرائيل كان حول “الارتباط مع ديمقراطية أخرى”، وردًّا على سؤاله عن تأثير الوضع القانوني للمستوطنات على اختياره للمدينة الإسرائيلية الشقيقة، قال جولدمان إن “السياسة ليست من اهتماماتنا”.
لقد تطورت بيت إيل، التي كانت في السابق مجموعة من عربات التخييم، لتصبح أشبه بالـ”فايف تاونز”، وتصف صحيفة “ذا فوروارد”، وهي صحيفة يهودية أمريكية ليبرالية، بيت إيل بأنها “مستوطنة متطرفة” مع “إحساس الضاحية الأرثوذكسية الصديقة للعائلة؛ حيث يترك الأطفال دراجاتهم دون قفل على الرصيف ويتم تزيين الدوار الرئيسي بمنحوتات يبلغ طولها ثلاثة أقدام من الرمان والعنب والتين”، وفي حين ينتقل العديد من الإسرائيليين إلى الضفة الغربية بحثًا عن السكن الرخيص المدعوم من الحكومة، فإن بيت إيل تلبي احتياجات جمهور أيديولوجي متشدد، ويقع هناك أيضًا المقر الرئيسي لأروتز شيفا، وهو منفذ إعلامي يميني أسسه كاتس.
وربما يكون أكثر الأمريكيين شهرة فيما يتعلق بالمستوطنة هو دانييل بويم، وهو طالب مدرسة دينية مراهق قتل برصاص مسلحين من حماس بينما كان ينتظر حافلة خارج بيت إيل في أيار/مايو 1996، ورفع والدا بويم دعوى قضائية ضد مؤسسة الأرض المقدسة والجمعية الإسلامية لفلسطين، وهما جمعيتان خيريتان فلسطينيتان أمريكيتان اتهماهما بدعم حماس، ومنحت محكمة أمريكية عائلة بويم 156 مليون دولار، ولأن الجمعيات الخيرية المعنية قد تم إغلاقها منذ ذلك الحين، فقد أمضت عائلة بويم عقدين من الزمن تحاول جمع الأموال من منظمات فلسطينية أمريكية أخرى يُزعم أنها مرتبطة بها.
ويحاول الفلسطينيون اتباع إستراتيجية مماثلة للحصول على تعويضات عن الأراضي التي فقدوها لصالح المستوطنين، ففي سنة 2017، رفع العشرات من القرويين الفلسطينيين والناشطين الفلسطينيين الأمريكيين دعوى قضائية ضد الجمعيات الخيرية الأمريكية التي تمول المستوطنات، بما في ذلك مركز أصدقاء بيت إيل يشيفا الأمريكيين، بتهمة التعدي على ممتلكات الغير وارتكاب جرائم حرب، ولا تزال القضية تشق طريقها ببطء عبر المحاكم، التي رفضتها ثم أعادت فتحها في الاستئناف، ويقول محامو الجمعيات الخيرية المؤيدة للمستوطنين إن النظام القضائي الأمريكي ليس له سلطة قضائية على “المسائل السياسية المستعصية” في أرض أجنبية.
لكن المحاكم الإسرائيلية حكمت في هذه المسائل السياسية؛ حيث هدمت الحكومة الإسرائيلية مبنيين سكنيين غير مكتملين في بيت إيل في سنة 2015 بعد أن حكمت محكمة نيابة عن أصحاب الأرض الفلسطينيين، مما أدى إلى أعمال شغب من قبل المستوطنين. ووفقًا لوثيقة حكومية إسرائيلية سربت إلى صحيفة هاآرتس، تم بناء المستوطنة بالكامل تقريبا على أراض فلسطينية خاصة، إما صادرتها الحكومة الإسرائيلية وسلمتها إلى المستوطنة أو استولى عليها واضعو اليد الإسرائيليون.
إن التناقض بين المستوطنة وجيرانها صارخ؛ حيث يعيش في بيت إيل ما يقل قليلاً عن سبعة آلاف شخص على أرض تبلغ مساحتها حوالي ستة أعشار الميل المربع. على النقيض من ذلك، يستضيف الجلزون حوالي 16 ألف لاجئ – أي أكثر من ضعف عدد المستوطنين – في مساحة تبلغ حوالي سدس مساحة بيت إيل. وقال فضل الرحمي، أحد سكان الجلزون، لوسائل الإعلام الفلسطينية مؤخراً: “المنازل هنا مزدحمة للغاية، عندما تفتح نافذة، تجد نافذة منزل آخر والشوارع ضيقة، بالكاد تكفي لمرور سيارة”.
ولطالما يتحدث سكان الجلزون مراراً وتكراراً في المقابلات عن هذا الموضوع؛ حيث قال أحد السكان المسنين للصحفي الفلسطيني مراد عودة في مقطع فيديو عبر إنستغرام: “لم تكن هناك فرصة على الإطلاق لمغادرة المخيم، بسبب الظروف الاقتصادية التي نعيش فيها. أسوأ ما في الأمر هو الازدحام. زحمة البيوت، زحمة المعيشة، المباني فوق بعضها البعض”.
وقال مدير مجموعة وادي التسلق الفلسطينية، مؤمن (رفض ذكر لقبه)، في رسالة نصية إن مستوطنين من بيت إيل يحاولون التعدي على المنحدرات في قرية عين يبرود الفلسطينية القريبة منذ عدة سنوات. كان يعلم أن المستوطنين من بيت إيل “لأنها المستوطنة الوحيدة المجاورة للجرف وفي كل مرة نذهب إلى هناك يخرجون”. وأضاف أن “الأراضي الفلسطينية محظورة علينا، حتى لاستخدامها في التسلق، لمجرد وجود مستوطنة قريبة، لذلك يريدون التأكد من أن المستوطنين مرتاحون لعدم رؤية الفلسطينيين حولهم”.
وأضاف أنه “خلال السنة الماضية بدأ المستوطنون بإحضار الجنود. شارك مؤمن مقطع فيديو من شباط/فبراير 2023 يظهر مجموعة من الإسرائيليين فوق منحدر بالقرب من قرية برقة. (نُشر الفيديو على صفحة وادي التسلق على انستغرام). يصرخ أحد المستوطنين، وهو محاط بالجنود، “أرض إسرائيل لليهود” بالعبرية على المتسلقين أدناه. ويبدو أن المستوطن الآخر في الفيديو هو إليشا يريد، الذي منعته الحكومة الإسرائيلية من دخول الضفة الغربية ووضعته تحت الإقامة الجبرية في آب/أغسطس 2023 بعد إطلاق النار على مراهق فلسطيني في برقة. ييرد من يتسهار، وهي مستوطنة تقع على بعد ساعة بالسيارة شمال بيت إيل.
ويظهر مقطع فيديو آخر، التُقط في اليوم السابق لهجوم حماس في تشرين الأول/أكتوبر الماضي بالقرب من غزة، جنودًا يتسكعون حول منحدر بالقرب من عين يبرود ويستجوبون المتسلقين.
يقول جندي باللغة الإنجليزية وهو يمسك بندق “هذه ممتلكاتنا”، وقال أحد المتسلقين إن الجرف هو في الواقع ملكية فلسطينية، فعقد الجندي حاجبيه. ورد بشيء من الريبة: “نحن نتحقق مما إذا كان هذا صحيحًا”. ثم يبدأ بتفتيش حقائب المتسلقين.
وقال غوردون في رسالة نصية إنه “ليس على علم بهذا. إذا كان هذا صحيحًا على الإطلاق ولا أعرف ما إذا كان كذلك، فمن المحتمل أن تكون أراضي مملوكة للدولة وليس “جرفًا تابعًا لعين يبرود”. نحن نحترم حقوق الملكية المشتراة، وفي أغلب الأحيان، عندما يدعي العرب أو الفوضويون أن الأرض قد سُرقت، فهي ليست ملكهم، ولم يشتروها أبدًا، وتعد أراض على ملك الدولة”.
ورغم كل الصراعات الميدانية، لا يعيش الإسرائيليون ولا الفلسطينيون في المنطقة نفس الرحابة التي يعيشها سكان الضواحي الأمريكيين الذين يمولون المستوطنين الإسرائيليين. ويبلغ عدد سكان قرية لورانس التي تبلغ مساحتها 4 أميال مربعة حوالي 6800 نسمة، أي أن مساحة كل ساكن تبلغ حوالي سبعة أضعاف مساحة مستوطني بيت إيل. واحتشد سكان المدن الخمس لدعم إسرائيل بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وأنشأوا مستودعًا في لورانس لجمع الإمدادات للقوات الإسرائيلية. وحمل المتطوعون منصات مليئة بالمصابيح الكهربائية والإسعافات الأولية المخصصة للأطفال ومعدات عسكرية أخرى على رافعة شوكية مزينة بالعلم الإسرائيلي. وقدمت شاحنة الآيس كريم طعامًا مجانيًا للمتطوعين، وفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال.
وتكرر نداء الطائرات بدون طيار، التي أرسلت إلى القائمة البريدية لغوردون، منذ ذلك الحين إلى “حملة مطابقة الطائرات بدون طيار الحرارية” التي يديرها صندوق إسرائيل الواحد، وهي مؤسسة خيرية أخرى مقرها في الخمس مدن تدعم مستوطنات الضفة الغربية. وتستضيف المجموعة جولات في الضفة الغربية وتقيم حفلات شواء سنوية لتذوق النبيذ في المدن الخمس لتمويل مشاريع أمن المستوطنات. وعلى الرغم من أنها عادة ما تجمع 3 ملايين دولار سنويًا، إلا أن صندوق إسرائيل الواحد حصل على 2.5 مليون دولار في الشهر الذي يلي 7 أكتوبر، وفقًا لصحيفة لونغ آيلاند هيرالد.
ويرسل صندوق إسرائيل الواحد طائرات بدون طيار إلى المستوطنات منذ سنة 2020 على الأقل. وتهدف حملة الطائرات بدون طيار الجديدة إلى توفير طائرات رباعية المروحيات أيفو 2 صينية الصنع (وهي طائرات صغيرة بدون طيار بأربعة مراوح يمكن توجيهها بدقة أكبر من الطائرات بدون طيار التقليدية ذات الأجنحة الثابتة)، والتي تكلف قال جوردون في القائمة البريدية: 6500 دولار للقطعة الواحدة.
وقد جمعت هذه الجهود حتى اللحظة الراهنة أكثر من 162 ألف دولار من إجمالي 180 ألف دولار من أموال مماثلة من مجموعة من المانحين في بالتيمور، وفقا لموقع صندوق اسرائيل الواحد، الذي يسرد جميع التبرعات. وقد خصص بعض المانحين طائراتهم بدون طيار لمستوطنات محددة، فتبرع طبيب عيون في ولاية ماريلاند بمبلغ 50 ألف دولار بنفسه، وقدم رجل آخر 75 دولارًا، مدعيًا في قسم التعليقات أن هذا “كل ما أملكه اللحظة الراهنة. لا وقف لإطلاق النار حتى ترحل حماس”.
وقد أبلغ الفلسطينيون عن تعرضهم للترهيب والمضايقة بواسطة الطائرات بدون طيار، وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة لجسم معدني مكتوب على جانبه عبارة “اللعنة على كل العرب” باللغة الإنجليزية. ويُزعم أن طائرة بدون طيار أسقطتها على بلدة قطنا الفلسطينية، على بعد ساعة بالسيارة جنوب بيت إيل. ويظهر مقطع فيديو منتشر على نطاق واسع، يُزعم أنه التُقط في مسافر يطا في الطرف الجنوبي من الضفة الغربية، طائرة كوادكوبتر تبث رسالة تهديد من مكبر الصوت ويقول المتحدث باللغة العربية، وهو يحوم على بعد بضعة أقدام من شرفة عائلة فلسطينية “ننصحكم أن تنتبهوا لأنفسكم ولأطفالكم” “وإذا فكر أي شخص في القيام بأي شيء، فسوف نصل إليه ونقتله إذا لزم الأمر”.
وقال غوردون إن تلك التقارير كانت “سخيفة تمامًا بالنسبة لي. لقد كنتُ شاهد عيان على أحداث أصبح بعدها العرب يكذبون تماما كما يسمح لهم أن يفعلوا حسب دينهم”.
ولم يرد صندوق اسرائيل الواحد على رسائل البريد الإلكتروني المتعددة التي تطلب التعليق، وأصر غوردون على أن الطائرات بدون طيار “اكتشفت بالفعل تحركات تبين أنه ينظنها بعض العرب في طريقهم لمهاجمة مدنيين أو ممتلكات يهودية”.
في السابع من تشرين الثاني/ نوفمبر، صور رجل فلسطيني يحمل سكينًا أمام الكاميرا وهو يحاول اختراق مستوطنة عوفرا الإسرائيلية، الواقعة على قمة تلة من بيت إيل. وفي اليوم نفسه، زُعم أن عشرات المستوطنين قاموا بإلقاء الحجارة على السيارات الفلسطينية المارة في بيت إيل، وفقًا لوسائل الإعلام الفلسطينية. وفي 14 كانون الثاني /يناير، قتل الجيش الإسرائيلي بالرصاص مراهقين فلسطينيين كانا يقودان سيارتهما بالقرب من بيت إيل، وكانا، بحسب الجيش، يحاولان إلقاء زجاجة مولوتوف على المستوطنة.
وقال محمود عبد العزيز، رئيس لجنة الخدمات في مخيم الجلزون، لقناة الجزيرة إن القوات الإسرائيلية داهمت المخيم “ثلاث إلى أربع مرات في الأسبوع” منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر. وجاءت الغارة الأكثر كثافة في 23 تشرين الأول/ أكتوبر، كجزء من عملية تمشيط إسرائيلية عبر الضفة الغربية بأكملها. وزعم الجيش الإسرائيلي أنه اعتقل 10 من أعضاء حماس وخمسة مشتبه بهم آخرين في الجلزون في ذلك اليوم، مما أسفر عن مقتل شخصين عندما ألقى السكان المحليون الحجارة والزجاجات الحارقة على القوات. وبعد ثلاثة أيام، هدمت القوات الإسرائيلية منزلاً في الجلزون، زعمت أنه ملك لأحد نشطاء حماس. وفي 29 تشرين الثاني/ نوفمبر، شن الجيش الإسرائيلي غارة قبل الفجر على منزل عائلة في الجلزون، مما أدى إلى تحطيم الباب. واعتقلوا أحد سكان الجلزون البالغ من العمر 12 سنة، والذي لا يزال ينام مع دميته دب، واقتادوه إلى السجن دون ولي أمر واحتجزوه دون تهمة.
وتستضيف بيت إيل، التي نشأت من قاعدة عسكرية على قمة التل، المركز العصبي للاحتلال الإسرائيلي. ويوجد هناك المقر الرئيسي لفرقة يهودا والسامرة 887، وهي إحدى الوحدات العسكرية المسؤولة عن الضفة الغربية. وكذلك يوجد هناك الإدارة المدنية، مكتب الحاكم العسكري الإسرائيلي. وزار وزير الدفاع يوآف غالانت القاعدة في 14 كانون الثاني /يناير وألقى خطابًا حول الحاجة إلى اتباع نهج عملي تجاه المجهود الحربي الإسرائيلي.
وقال الوزير في كلمة له: أما المستوطنون فأراهم يظهرون المسؤولية في كل مكان إن كمية حوادث العنف تتناقص بشكل ملحوظ. إن مشاركة المستوطنين في هذه القضية محدودة أيضًا. الأمر لا يتعلق بشيء يميز المستوطنات”.
وبعد يومين، أعلنت القائمة البريدية لمركز أصدقاء بيت يشيفا الأمريكيين عن محاضرة عبر الإنترنت للحاخام ديفيد سامسون، وهو رجل دين مولود في ولاية ماريلاند كان يلقي خطبًا في المدرسة الدينية. بلهجته الأمريكية، جادل شمشون بأن إسرائيل ينبغي ألا تتوقع معجزة خارقة للطبيعة وعليها أن تقاتل مثل النبي يشوع الذي حارب لغزو كنعان. لكنه عرض أيضًا رؤية مختلفة تمامًا عن القومية العملية التي طرحها عالانت. وقال سامسون: “إن الصهيونية العلمانية بعيدة كل البعد عن فهم أن جذور رغبة الشعب اليهودي في احتضان أرض ودولة هي أننا نحتضن في الواقع رغبة الله في أن يكون لدينا قوات على الأرض في الشرق الأوسط”. “إن الله هو المسؤول عن السياسة الدولية.
المصدر: نيوز لاين