الصورة: اشتباكات بالأيدي بين مؤيدين لروسيا وتتار مسلمون بشبه جزيرة القرم
ترجمة وتحرير نون بوست
تتجه كل الأنظار إلى شبه جزيرة القرم في أوكرانيا، حيث احتل مسلحون مجهولون مباني الحكومة في العاصمة الإقليمية سيميفروبول ورفعوا الأعلام الروسية على الأسطح فيما اتخذ الجيش الروسي مواقع هامة من بينها مطارين بالبلاد وقاعدة خفر السواحل الأوكرانية، فضلا عن حجب بعض الاتصالات.
أعلن القائم بأعمال الرئيس الأوكراني أوليكسندر تورشينوف أن روسيا تحاول ضم الأراضي الأوكرانية وتكرار سيناريو أبخازيا في شبه جزيرة القرم، قائلا إن بوتين يريد أن يشعل حربا أهلية في أوكرانيا. في البرلمان الروسي طُرح قانون يسهل عملية ضم الأراضي الأجنبية إلى روسيا للنقاش، فيما بدأت وزارة الخارجية الروسية في إصدار جوازات سفر لأعضاء شرطة مكافحة الشغب الأوكرانية الهاربين.
قد تكون موسكو تخطط للاستيلاء على شبه جزيرة القرم، لكن هناك العديد من العوامل التي تجعل من الصعب تصديق أن روسيا ستكون قادرة على بسط سيطرتها وضم القرم على نحو فعال كما حدث مع أوسيتيا الجنوبية، أبخازيا وترانسنيستريا. أولا: لم يصدر الجانب الأوكراني أي رد فعل أو تحركات يمكن لروسيا اعتبارها استفزازا أو تهديدا يستوجب الرد العسكري من قبل الجانب الروسي “لحماية” قواته العسكرية ومدنييه في أوكرانيا، على عكس الحال في جورجيا عام 2008.
حاولت الحكومة الأوكرانية الجديدة تهدئة الأوضاع، اليمين المتطرف قال إنه لن يرسل رجالا كجنود إلى القرم، وفي لفتة تصالحية إلى المتحدثين بالروسية من أهل أوكرانيا، ألغى تورشينوف مشروع قانون كان من شأنه “خفض مكانة” اللغة الروسية في البلاد.
وبينما تتصاعد الأحداث بشكل سريع حيث ينعقد مجلس الأمن لمناقشة الوضع، ويحذر قادة غربيون روسيا من تبعات انتهاك السيادة الأوكرانية وسلامة أراضيها، يبقى هناك أمل بإيجاد حل دبلوماسي للأزمة.
وحتى إذا فشلت الدبلوماسية واستولى الجيش الروسي على أراضي القرم بقصد السيطرة عليها بشكل دائم، سيكون من الصعوبة بمكان بالنسبة لموسكو أن تبسط سيطرتها على القرم كما فعلت في أوسيتيا الجنوبية أو أبخازيا.
السبب الرئيسي في ذلك هم تتار القرم.
التتار هم مجموعة مسلمة كانت قد هُجرت بشكل جماعي من القرم بواسطة ستالين عام 1944 لكنهم قاموا لعقود بحرب من النضال السلمي للمطالبة بحقهم في العودة وبدأوا بالفعل في العودة بأعداد كبيرة منذ 1989 مع انهيار الاتحاد السوفيتي. ووفقا لآخر تعدادات السكان الأوكرانية فإن تتار القرم يشكلون 12.1٪ من السكان هناك البالغ عددهم أكثر من 2 مليون بقليل.
يمثل هؤلاء التتار المسلمون كتلة انتخابية مشحونة ضد روسيا وكانت طوال الوقت مؤيدة لأوكرانيا ومعارضة للانفصاليين الموالين لروسيا في شبه الجزيرة.
عودة إلى الاستفتاء على الاستقلال عام 1991، يعود الفضل في أن الأصوات التي حصل عليها خيار استقلال شبه الجزيرة عن أوكرانيا إلى تتار القرم المسلمين. ومنذ ذلك الحين وتتار القرم والممثلين لهم فيما يعرف بـ”المجلس” تعاونوا مع السياسيين المؤيدين لأوكرانيا. قادة المجلس مثل مصطفى دزيمليف ورفعت تشاباروف كانوا أعضاء في البرلمان الأوكراني.
في 26 فبراير الماضي سيطر عدد كبير من المسلحين على البرلمان، لكن التتار المسلمين عقدوا تظاهرة ضخمة بالقرب من البرلمان حيث كانت هناك مظاهرة موالية لروسيا أيضا. لم تعارض أي مجموعات أخرى في أي من المناطق تلك السيطرة الروسية على البلاد، سوى التتار المسلمين فقط.
ورغم أن التتار كانوا حليفا قويا للحكومة الأوكرانية ضد الانفصاليين الموالين لروسيا، إلا أن الحكومة المركزية في كييف كانت دوما متشككة في تتار القرم الذين يعتبرون شبه الجزيرة موطنهم التاريخي وطالبوا بتدابير معينة مثل تغيير وضع الحكم الذاتي في القرم لجعله حكما ذاتيا لتتار القرم معارضين الحكم الذاتي للإقليم الذي يشكل الروس قرابة 50٪ من سكانه.
لكن مهما كانت المظالم التي يعاني منها التتار المسلمون في ظل الدولة الأوكرانية، إلا أنهم عندما يواجهون بخيارين أحدهما أن يكونوا تحت السيطرة الروسية فهذا -وبشكل لا لبس فيه- سيكون خيارا مستحيل القبول بالنسبة لهم. منذ الحقبة السوفييتية هناك محاولات روسية جادة لتقسيم المجتمع التتري وإقناع بعض تتار القرم بدعم الاتحاد السوفيتي أو روسيا لاحقا، قال مصطفى دزيميليف إنه في عام 1991 قدمت حكومة بوريس يلتسن عرضا لتتار القرم لدعم السيطرة الروسية في شبه الجزيرة مقابل السماح بقدر من الاستقلالية لتتار القرم في حكمهم الذاتي. وقال مؤخرا أن هذا العرض تكرر مرة أخرى كان آخرها قبل أيام قليلة.
يقول مسلمو القرم إنهم لا يثقون بروسيا ويريدون البقاء داخل أوكرانيا.
لقد أصدر رئيس “المجلس” (دزيميليف) بيانا بالفعل أول أمس يرفض الاعتراف بالحكومة المحلية الجديدة التي وافق عليها البرلمان أثناء سيطرة المسلحين على مبناه وبدون اكتمال النصاب القانوني حتى. أمس ذكرت وسائل إعلام أن تتار القرم سينظمون صفوفهم للدفاع عن أنفسهم في حال فشلت الجهود الدبلوماسية، وسينتظمون تحت القيادة الأوكرانية ويقاتلون المعتدين اذا اقتضى الأمر!
من المعروف أن تتار القرم لديهم تاريخ طويل من المقاومة اللا عنيفة. وحتى الآن، بقى التتار بعيدون عن الشوارع، وقادتهم، تماما مثل قادة أوكرانيا في كييف، مارسوا درجة من ضبط النفس جديرة بالثناء، لكن إذا كانت روسيا مستمرة في مسعاها بمحاولة ضم شبه جزيرة القرم، فمن المؤكد أنها ستواجه حشدا مستداما ومتزايدا من التتار المسلمين، لن يجعل الأمور سهلة بالنسبة لموسكو.
المصدر: واشنطن بوست