بدءًا بتصريح نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق في 17 من سبتمبر 2017 الذي قال فيه: “أمريكا و”إسرائيل” رفعتا الفيتو عن المصالحة الفلسطينية”، ومرورًا بتصريح مسؤول كبير بحركة حماس في 16 من سبتمبر 2017 أن زيارة وفدها لروسيا لاستباق أي مخططات أمريكية متوقعة ضد الحركة في مجلس الأمن للتصويت على ضم حركة حماس للإرهاب، وانتهاءً بالتصريح الأخير في 19من سبتمبر 2017 للمبعوث الأمريكي في الشرق الأوسط جيسون جرانبلات: “معاناة غزة لن تنتهي إلا عندما تتحد جميع الأطراف المعنية لمساعدة الشعب الفلسطيني وعزل حركة حماس، والمجتمع الدولي سيساعد في إعادة غزة للسلطة الفلسطينية”.
تم رفع الفيتو الأمريكي ولكن ليس مجانًا
الكاتب والمحلل السياسي وسام أبو شمالة اعتبر أن رفع الفيتو الأمريكي الإسرائيلي عن المصالحة يعكس “رغبة الطرفين في استقرار ميداني وسياسي يشمل مناطق السلطة الفلسطينية لتمرير خلافة أبو مازن بشكل هادئ لا يؤدي إلى فوضى لا يستطيع الاحتلال التحكم فيها”.
وقال أبو شمالة لـ”نون بوست”: “أمريكا والاحتلال يدركان أن الوضع الإنساني في غزة مأساوي خصوصًا بعد إجراءات الرئيس الأخيرة، وتخشيان أن تولد حالة الاحتقان حربًا جديدة على غرار 2014 قد تمتد إلى المنطقة الشمالية مع حزب الله، لذلك كان السيناريو الجديد يعتمد على إشراك حركة حماس في الترتيبات الجارية”.
صفقة القرن مربط الفرس كانت واضحة من تصريحات جرانبلات بضرورة إنهاء حكم حماس
واستبعد أبو شمالة دخول سريع لحركة حماس والجهاد في منظمة التحرير قائلاً: “نحن في الخطوات الأولى لاختبار جدية الأطراف في المصالحة، وأعتقد أن حركة فتح ستجري الانتخابات التشريعية أولاً وغير متزامن مع الانتخابات الرئاسية للوصول إلى انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني ومنظمة التحرير، أعتقد أننا أمام صفقة القرن بمحاولة احتواء حماس سياسيًا ومرور هادئ لانتقال السلطة من عباس”.
نزع سلاح المقاومة مدخل لصفقة القرن
صفقة القرن مربط الفرس كانت واضحة من تصريحات جرانبلات بضرورة إنهاء حكم حماس، معززة بتصريح الناطق باسم الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية عدنان الضميري، عندما قال: “الرئيس عباس لن يقبل بسلاح موازٍ للسلطة الشرعية في قطاع غزة حتى إن استظل بظل المقاومة”.
تسلسل الأحداث بشكل غير منتظم وانسياب التصريحات من الأطراف الفلسطينية الداخلية والدولية كافة قد يعقد المسألة، فقد حذر أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة بغزة حسام الدجني من صفقة سياسية يكون قطاع غزة جزءًا منها، وملامحها تتمثل في تمكين الاحتلال من السيطرة على مناطق “c” في الضفة الغربية، والإبقاء على مناطق أشبه بكنتونات حكم ذاتي أو روابط قرى، ترتبط بكونفدرالية في الأردن.
وعن قطاع غزة قال الدجني لـ”نون بوست”: “قطاع غزة سيتعاطى مع المجتمع الدولي على قاعدة السلام الاقتصادي بعد الإنهاك الذي حصل خلال أعوام الحصار، وصولاً إلى كونفدرالية مع مصر، وسيتم توسعة قطاع غزة من الشمال والجنوب لترسيخ كيان فلسطيني في قطاع غزة قابل للحياة”.
وعن الحراك المصري السريع والمفاجئ قال محمد النجار الكاتب والصحفي الفلسطيني: “اندفاع القاهرة الجدي نحو علاقة مع حماس بعد أربعة أعوام من التوتر والاتهامات للحركة بالإرهاب والتدخل في الشأن الداخلي المصري، هو رغبة أكيدة من القاهرة للخروج من دورها الذي حشرت نفسها فيه من داعم لجزء من حركة فتح إلى المؤثر الأكبر في القضية الفلسطينية”.
من الصعب أن تجري الانتخابات الفلسطينية في هذه الظروف، فيتم فصل إجراءات المصالحة واقتصارها على غزة واستثناء الضفة الغربية
وأضاف النجار: “أرادت القاهرة قطع الطريق على توسع الدور التركي والقطري في القضية الفلسطينية، وتحقيق مصالحة مع عباس بعيدًا عن عنهما، لا سيما بعد أن لمست توجهًا من عباس نحو تركيا ولقائه بالرئيس أردوغان، كذلك اتصال عباس بقطر للغاية ذاتها”.
استحقاقات المصالحة حزمة واحدة أم تدرج بطيء؟
حسب اتفاق القاهرة2011 من المفترض أن تجري الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني بالتزامن، لكن تعديلات كثيرة نتجت عن الاتفاقات اللاحقة، فقد تم تعديل إجراءات حكومة التوافق في اتفاق الدوحة 2012، وتعديل آلية التعاطي مع موظفي غزة حسب الورقة السويسرية 2015.
هذه التغيرات في الاتفاقات السابقة قد تُغرق الحراك الجديد في تفاصيل أكثر تعقيدًا أهمها غياب إطار قيادي فلسطيني موحد ملزم للأطراف، وأن كلا الطرفين (حركتي حماس وفتح) في أزمة ستتعمق حال استمرارية العزف المنفرد.
رئيس تحرير صحيفة الرسالة التابعة لحماس وسام عفيفة قال في حديثه عن استحقاقات المصالحة الفلسطينية: “لدينا استحقاق مهم لضمان نجاح المصالحة، فحكومة الوحدة الوطنية بحاجة إلى مرجعية وإطار لتشكيلها وقد تم تشكيل إطار قيادي مؤطر والرئيس رفضه لأنه لا يريد أي مرجعية تزاحم مرجعياته المتمثلة في اللجنة التنفيذية، وعلينا الذهاب لاتفاق قيادي مؤقت لننتقل نحو حكومة وحدة وطنية لكي يتابع المخرجات المتفق عليها”.
يعيش المواطن الفلسطيني حالة تفاؤل معلق، فلا الوقت يسمح له بانتظار عملية تتابع الانتخابات، ولا الثقافة السائدة تسمح له بالتصويت على سلاح المقاومة
وعن نجاح المصالحة بالتتابع أو التزامن أضاف عفيفة لـ”نون بوست”: “من الصعب أن تجري الانتخابات الفلسطينية في هذه الظروف، فيتم فصل إجراءات المصالحة واقتصارها على غزة واستثناء الضفة الغربية، في حين أن هناك إشكالية كبيرة جدًا في الضفة الغربية من ضمنها المعتقلين والتنسيق الأمني والعقيدة الأمنية للأجهزة الأمنية والتي نوقشت في اتفاق القاهرة 2015”.
ولا يرى المختص في القانون الفلسطيني مصطفى شحادة أي إشكالية في أن تجرى الانتخابات الفلسطينية بالتتابع ما دامت النوايا سليمة، في ظل إشراف عربي ودولي.
ويقول شحادة لـ”نون بوست”: “حركة فتح لا تصر على الانتخابات التشريعية فقط، بل تصر على التتابع في الانتخابات، تشريعية ثم رئاسية ثم مجلس وطني”، ولكن الناشط الشبابي فارس زهدي يرد عليه قائلاً: “طالما تم الاتفاق على التتابع لماذا لا تبدأ الانتخابات من أعلى الهرم، المجلس الوطني ثم الانتخابات الرئاسية ثم التشريعية”.
وفي ظل عدم وجود ضامن للاتفاق الجديد، وفشل الوسطاء في الاتفاقات السابقة يعيش المواطن الفلسطيني حالة “تفاؤل معلق”، فلا الوقت يسمح له بانتظار عملية تتابع الانتخابات، ولا الثقافة السائدة تسمح له بالتصويت على سلاح المقاومة وهو يرزح تحت الاحتلال، ولكن أمله في أن الأطراف الفلسطينية كافة في أزمة والجميع يريد الخروج منها، لذلك قد تنجح هذه المحاولة.