أقدمت “هيئة تحرير الشام” أمس الأربعاء 19 من سبتمبر/أيلول على عمل عسكري ضد قوات النظام السوري في ريف حماة الشمالي بشكل مفاجئ، في معركة حملت اسم “يا عباد الله اثبتوا”، وعلى حد وصف النظام فقد تكبد خسائر بشرية كبيرة جراء الشراسة في المعارك هناك وقد أدت حتى الآن إلى خسارته بعض القرى لصالح الهيئة من بينها الشعثة والطليسية والزغبة وقصر المخرم وتلة السودة، مع أنباء غير مؤكدة عن السيطرة على “معان” الاستراتيجية.
موعد انطلاق المعركة هو ما أثار علامات استفهام، إذ حدث بعد ثلاثة أيام من انتهاء الجولة السادسة من محادثات أستانة السورية بجولتها السادسة، والتي نصت مخرجاتها على ضم إدلب وريف حماة الشمالي إلى مناطق خفض التصعيد بضمانة من تركيا وروسيا وإيران. في غضون هذا لا تزال تركيا تعزز وجودها على الحدود مع سوريا، لليوم السادس على التوالي بعد فرض منطقة خفص التصعيد في إدلب والتسريبات التي صدرت مؤخرًا بشأن عملية ضد “هيئة تحرير الشام”.
رسائل “هيئة تحرير الشام” عبر عمليتها العسكرية
لم يصدر أي تصريح حتى الآن من قبل “هيئة تحرير الشام” يبين أسباب ومبررات هذه المعركة في هذا التوقيت الحساس الذي من شأنه فرض العديد من علامات الاستفهام عن هذا التوقيت في ظل هذه الظروف التي يتعرض لها شمال سوريا، ولا يختلف أحد أن “الهيئة” تواجه أحلك أيامها منذ تشكيلها، فهي تواجه في لحظة من اللحظات خطر حملة عسكرية تركية بالتعاون مع روسيا وإيران في محافظة إدلب لكبح جماحها والقضاء عليها.
لكن لماذا توجهت “الهيئة” نحو ريف حماة الشمالي؟ لأن تلك المنطقة تعد حساسة للنظام السوري وحلفائه الإيرانيين والروس، لذا ارتأت أن الضغط على تلك المنطقة سيمنحها مكاسب في إدلب وورقة ضغط على روسيا وإيران في حملتيهما على إدلب بالاتفاق مع تركيا، وربما أرادت “الهيئة” أن تقول إنه لا يمكن لأحد الاتفاق على مناطق تندرج تحت نطاق سيطرتها لذا ستقلب الطاولة على كل من قام بذلك الاتفاق.
وسط عدم كشف الأسباب الحقيقية للهيئة من معركة ريف حماة الشمالي، فإنها قد تكون معركة استنزاف بالنسبة لها، إما أن تؤدي للقضاء عليها أو تؤدي إلى إرغام الأطراف الأخرى للجلوس معها
لكن هذا السيناريو قد لا يكون لصالح “الهيئة” بشكل أو بآخر، إذ قد تسوق هذه الحملة إلى هجوم معاكس من قبل النظام وحلفائه لتوسيع مناطق سيطرة النظام في مناطق ريف حماة الشمالي الشرقي حتى تصل إلى مناطق ريف إدلب الجنوبي، وحصول هذا من شأنه أن يكون المرة الأولى بالنسبة للنظام منذ فقدانها السيطرة على تلك المناطق منذ نحو 3 أعوام، وبرأي مراقبين فإن معركة “الهيئة” هذه قد تكون سببًا في القضاء عليها.
إحراق مقاتلي الهيئة لعلم النظام السوري في معركة ريف حماة الشمالي
وأشار مراقبون سياسيون أن المعركة “محاولة لإفشال محادثات أستانة والتهدئة في إدلب”، ويتطابق مع ما نشرته حسابات مقربة من تحرير الشام ذكرت أن المعركة ستكون حاسمة ومصيرية، مؤكدة “سنكافح على طاولة المفاوضات، رددنا عليهم، سنكافح على تلال وكتائب حماة”.
وقالت أيضًا: “المعركة التي أطلقها المجاهدون رسالة إلى المشاركين بأستانة أننا ماضون بدرب الجهاد”، في إشارة إلى إفشال ما تم الاتفاق عليه في المحادثات السياسية الأخيرة التي حددت منطقة “تخفيف التوتر” في إدلب.
“هيئة تحرير الشام” استعجلت تنفيذ اتفاق أستانة 6 بضربتين استباقيتين، العملية العسكرية التي أطلقتها في شمال حماة، والحملة التي بدأتها قبل أيام لتشكيل مجلس مدني في إدلب قرب حدود تركيا وإعلان حكومة داخلية لإدارة محافظة إدلب.
وأشار يحيى العريضي المستشار الإعلامي لوفد المعارضة السورية في “أستانة” في صفحته على الفيسبوك، أن “النصرة” والتي تمثل الفصيل الأقوى داخل “الهيئة” تأكد أنها تنسق أفعالها كما يناسب عصابات الأسد وإيران، وأشار أن إطلاق غزواتها في المنطقة (شمال حماة) والتي شملها اتفاق التهدئة لإدلب، مطلوب من النظام وإيران لأنهما لا يريدان لهذا الاتفاق أن يتم، بحد وصفه. وأضاف العريضي أن “النصرة” تعطي ذريعة لإيران والنظام لاكتساح المنطقة واسترجاعها، وهو ما يضعها أمام تكرار سيناريو حلب، وتساءل العريضي في النهاية فيما إذا سيستمر العالم بتصنيف “النصرة” على أنها إرهابية إذا تأكد أنها تنسق أفعالها كما يناسب عصابات الأسد وإيران؟
تنفيذ التفاهم الروسي التركي الإيراني
من المتوقع أن يبدأ تنفيذ الاتفاق بين الدول الثلاثة الضامنة لوقف إطلاق النار للدخول إلى إدلب في حملة عسكرية مخطط لها منذ أسابيع حسب تفاهمات بين تلك الدول، بعد اجتماع مجلس الأمن القومي التركي في 22 من الشهر الحالي بعد عودة الرئيس التركي أردوغان لإقرار خطة عسكرية تركية لدعم نحو 5 آلاف من فصائل “الجيش الحر” والتوغل في إدلب بغطاء جوي تركي روسي وإطلاق “حرب استنزاف” ضد “جبهة النصرة”، والأمر الآخر هو اتفاق خبراء الأمن والجيش على خريطة انتشار نحو 1500 من المراقبين العسكريين الروس والأتراك والإيرانيين بحسب ما أشارت إليه صحيفة الشرق الأوسط اليوم الأربعاء.
وبحسب اتفاق أستانة الأخير، فقد تضمن الاتفاق منطقتين الأولى هي منطقة عمليات عسكرية لروسيا ضد هيئة تحرير الشام وسيتم ضم هذه المنطقة إلى مناطق النظام، والثانية تعد منطقة خفض تصعيد تنتشر فيها قوات من “هيئة تحرير الشام” قدر عددهم بـ15 – 16 ألفًا. وتضمن الخطة بين الأتراك والروس الإيرانيين للهجوم على “الهيئة” من خلال 3 عناصر، العنصر الأول: عسكري، تحشد تركيا قواتها على الحدود لـ”الضغط” على قيادة “هيئة تحرير الشام” لدفعهم لحل التنظيم وإخراج القياديين الأجانب والتابعين للقاعدة إلى مناطق داعش.
موعد انطلاق معركة “هيئة تحرير الشام” هو ما أثار علامات استفهام، إذ حدث بعد ثلاثة أيام من انتهاء الجولة السادسة من محادثات أستانة السورية بجولتها السادسة، والتي نصت مخرجاتها على ضم إدلب وريف حماة الشمالي إلى مناطق خفض التصعيد بضمانة من تركيا وروسيا وإيران.
والعنصر الثاني: مدني، تشكيل مجلس مدني بعيد من “النصرة” لإدارة إدلب، يختلف عن المجلس الذي تدعمه “النصرة” حاليًا، أما العنصر الثالث والأخير فهو إداري: يقوم على تحويل فصائل “الجيش الحر” إلى شرطة مدنية تكون مرتبطة بتركيا، كما حصل في مناطق “درع الفرات” شمال حلب، كما جاء في صحيفة الشرق الأوسط.
وتتابع الصحيفة بأن “هيئة تحرير الشام” استعجلت تنفيذ هذا الاتفاق بضربتين استباقيتين، فبالإضافة إلى الضربة العسكرية التي بدأت بها في شمال حماة، فهناك استباق سياسي آخر وهو الحملة التي بدأتها قبل أيام لتشكيل مجلس مدني في إدلب قرب حدود تركيا وإعلان حكومة داخلية لإدارة محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة “جيش الفتح”.
يُشار أيضًا أنه قبل ثلاثة أيام عقد “المؤتمر السوري العام” في إدلب وتم التوصل إلى تشكيل هيئة تأسيسية لتشكيل حكومة جديدة، تتشكل في الداخل السوري على أن يتم تحديد مهام الهيئة بتسمية رئيس الحكومة والمصادقة على الوزارات وتشكيل لجنة لصياغة الدستور، وهذه المخرجات ستضع الحكومة الجديدة في مواجهة الحكومة المؤقتة داخل سوريا، حيث رفضت الحكومة المؤقتة مخرجات المؤتمر ووصفها رئيس الحكومة جواد أبو حطب، بأنه “إعلان لمشروع إدلبستان كما فعلت قوات سوريا الديمقراطية في القامشلي وعفرين”.
وسط عدم كشف الأسباب الحقيقية للهيئة من معركة ريف حماة الشمالي، فإنها قد تكون معركة استنزاف بالنسبة لها، إما أن تؤدي للقضاء عليها أو تؤدي إلى إرغام الأطراف الأخرى التي ستتدخل في إدلب للسماع لها وربما الاعتراف بدور لها في المحافظة، والأيام القادمة ستكشف حقيقة ما تذهب إليه إدلب وما تم من تفاهمات بين الأطراف الدولية والإقليمية وبين “الهيئة” والنظام من جهة أخرى.