حظيت منطقة الشرق الأوسط بنصيب الأسد خلال الجلسة الافتتاحية للجمعية العامة للأمم المتحدة والتي عقدت بالأمس الثلاثاء في مدينة نيويورك، حيث استحوذت على الجانب الأكبر من كلمات الزعماء والقادة المشاركين في الجلسة مقارنة بالقضايا الدولية الأخرى.
وتصدرت قضية مكافحة الإرهاب قائمة أولويات الدول المشاركة التي طالب رؤساؤها بضرورة تكاتف الجميع من أجل التصدي لتلك الظاهرة التي باتت تمثل صداعًا في رأس المجتمع الدولي، خاصة أنها تخطت حاجز الزمان والمكان بقفزات غير متوقعة وهو ما جعلها القضية الوحيدة المتفق عليها رغم تباين الرؤى في آليات تنفيذها.
وقد عكست كلمات المشاركين في الجمعية مواقف الدول حيال العديد من الملفات الحساسة في المنطقة، كاشفة النقاب عن خيط رفيع يجمع بين عدد من القوى وهو ما جسدته بعض التوجهات المتطابقة حيال قضايا بعينها خاصة مسألة التطبيع والقضية الفلسطينية، مما أثار حالة من الجدل وردود الفعل.
دعوة للتطبيع
حملت كلمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دعوة صريحة للدول العربية بوجه عام والشعب الفلسطيني على وجه خاص بالتطبيع و”قبول التعايش مع الإسرائيليين في أمان وسلام”.
السيسي وللعام الثاني على التوالي يخرج عن النص خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل الحث عن تفعيل خطوات التطبيع، ففي سبتمبر 2016 ومن نفس المكان وجه رسالة للفلسطينيين قائلاً: لدينا فرصة حقيقية لكتابة صفحة مضيئة في تاريخ المنطقة للتحرك في اتجاه السلام، التجربة المصرية رائعة ومتفردة، ويجب تكرارها مرة أخرى لحل مشكلة الفلسطينيين، وإيجاد دولة لهم بجانب الدولة الإسرائيلية، تحفظ الأمن والأمان”، ليعيد نفس الرسالة مرة أخرى هذا العام بدعوة “الشعب الفلسطيني للوقوف خلف قياداتكم السياسية، وعدم الاختلاف، وعدم إضاعة الفرصة، والاستعداد لقبول التعايش مع الإسرائيليين في أمان وسلام”.
السيسي: حريصون على أمن المواطن الإسرائيلي جنبًا إلى جنب مع الفلسطيني
الأمر لم يقتصر على دعوة الفلسطينيين فحسب، بل طالب الدول العربية بدعم تلك التحركات التي تهدف إلى تفعيل خطوة السلام بين “إسرائيل” وفلسطين، موجهًا حديثه للإسرائيليين: “حريصون على أمن المواطن الإسرائيلي جنبًا إلى جنب مع الفلسطيني”.
توجهات الرئيس المصري الداعمة للتطبيع تأتي في إطار الجهود المبذولة من كل من القاهرة والرياض وأبو ظبي وتل أبيب لتفعيل ما يسمى بـ”صفقة القرن” والتي تهدف إلى زيادة رقعة التعايش الكامل بين الشعوب العربية والشعب الإسرائيلي، وهو ما تم الاتفاق عليه خلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمملكة العربية السعودية مايو الماضي.
العديد من التحركات التي قامت بها مصر في الآونة الأخيرة تسير في هذا الاتجاه بقوة، منها عقد عدد من اللقاءات مع مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية على رأسهم بنيامين نتنياهو في العقبة والقاهرة حسبما كشفت الصحف العبرية ذاتها، إضافة إلى تمرير اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين القاهرة والرياض والتي بموجبها تنازلت مصر عن سيادتها على جزيرتي تيران وصنافير لصالح السعودية التي باتت وفق هذه الاتفاقية شريكًا رئيسيًا في معاهدة كامب ديفيد، مما ساهم بشكل كبير في إخراج علاقاتها مع الكيان الصهيوني للعلن بعد سنوات من السرية.
كذلك فإن التصريحات التي أدلى بها السيسي أكثر من مرة بشأن الحفاظ على أمن “إسرائيل” وعدم السماح لأن تكون منطقة سيناء منصة للاعتداء على تل أبيب أو توجيه الضربات من خلالها، فضلاً عن القرارات التي تم اتخاذها على الشريط الحدودي لرفح من هدم للأنفاق وتهجير للسكان، جميعها يصب في صالح أمن دولة الاحتلال وهو ما جعل الصحف العبرية تثني عليه بصورة لم ينلها أي رئيس سابق.
مستقبل القضية الفلسطينية
حضرت القضية الفلسطينية وبقوة داخل أروقة الأمم المتحدة، فبعيدًا عن التطبيع غير المشروط الذي دعت له القاهرة حملت الدوحة تل أبيب مسؤولية تأزم الوضع في فلسطين المحتلة، مطالبة المجتمع الدولي بالقيام بدوره في كبح جماح آلة الاستيطان الصهيونية تمهيدًا لخلق أرض خصبة للمفاوضات.
أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، في كلمته أوضح أن “إسرائيل” تقف حائلاً أمام تحقيق السلام الدائم والعادل والشامل فيها، وترفض مبادرة السلام العربية، وتواصل الحكومة الإسرائيلية نهجها المتعنت واستراتيجيتها في خلق الحقائق على الأرض من خلال التوسع في بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة، وتهويد القدس وتقييد أداء الشعائر الدينية في المسجد الأقصى المبارك، والذي يعد عملاً استفزازيًا خطيرًا، كما تواصل حصارها لقطاع غزة”.
وطالب بضرورة أن يكون حل القضية استنادًا إلى قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، كاشفًا أن ذلك لن يتحقق ذلك إلا من خلال “إقامة دولة فلسطين المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف”، مناشدًا الفلسطينيين “بتفعيل خطوات المصالحة الوطنية بين حركتي فتح وحماس وتوحيد المواقف والكلمة في مواجهة الأخطار والتحديات المحدقة بالقضية الفلسطينية ومستقبل الشعب الفلسطيني”.
معروف أن الدوحة تتبنى خيار المقاومة الفلسطينية ضد الانتهاكات الصهيونية وهو ما يفسر دعمها لحركات المقاومة وعلى رأسها حماس، ولعل هذا كان أحد أبرز دوافع حصار الدول الرباعية لها والتي تتبنى موقفًا مناهضًا داعمًا للتطبيع مع دولة الاحتلال.
الأمير تميم: “إسرائيل” تقف حائلاً أمام تحقيق السلام الدائم والعادل والشامل فيها، وترفض مبادرة السلام العربية، وتواصل الحكومة الإسرائيلية نهجها المتعنت
تباين أمريكي فرنسي حيال الاتفاق النووي الإيراني
من الواضح أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا زال متمسكًا بموقفه السابق من الاتفاق النووي الإيراني الموقع في 2015، فالرجل منذ دعايته الانتخابية العام الماضي يسلط سهام نقده لتوقيع بلاده على هذه الاتفاقية التي طالب أكثر من مرة بـ”نسفها” وهو ما تعهد به خلال حملته، غير أن الضغوط الممارسة عليه من الإدارات السيادية في بلاده كان لها الكلمة العليا في القرار.
ترامب جدد خلال كلمته في الأمم المتحدة بالأمس الحديث عن هذا الاتفاق بقوله “الاتفاق مع إيران محرج لنا”، مشيرًا إلى عدم قدرة أمريكا الالتزام باتفاق (نووي) قد يمنح طهران في نهاية المسار امتلاك الأسلحة النووية”.
وقد تبنى رئيس الوزراء الإسرائيلي الموقف الأمريكي حيال طهران، قائلاً: “موقف “إسرائيل” واضح من هذا الاتفاق، إما أن تعدلوا الاتفاق أو أن تلغوه”، مثمنًا كلمة الرئيس ترامب والتي وصفها بـ”الشجاعة” قائلاً في بيان صادر عن مكتبه: “خلال تجربتي مع الأمم المتحدة الممتدة لأكثر من 30 عامًا لم أسمع خطابًا أكثر جرأة أو شجاعة منه”.
الموقف الصهيو أمريكي حيال الاتفاق النووي ليس وليد اليوم، فالنفوذ الإيراني المتمدد في منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة سواء في سوريا أو اليمن بات يمثل قلقًا لدى كل من واشنطن وتل أبيب، ومن ثم تسعى قيادة الدولتين إلى تحجيم هذا الدور، خوفًا من أن يمثل امتلاك طهران للسلاح النووي تهديدًا للمصالح الأمريكية وحليفتها في المنطقة.
نتنياهو: موقف “إسرائيل” واضح من الاتفاق، إما أن تعدلوا الاتفاق أو أن تلغوه
ورغم هذا الموقف الشخصي لترامب وفريقه داخل البيت الأبيض حيال الاتفاق النووي الإيراني، فإن العديد من خبراء السلاح داخل أمريكا توقعوا التزام طهران بالاتفاق وبنوده مفندين مزاعم الرئيس الأمريكي، وهو ما كشفت عنه صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في تقرير لها.
وفي المقابل كان لفرنسا رأي آخر مناهض تمامًا للموقف الأمريكي، وهو ما نقله الرئيس إيمانويل ماكرون الذي حذر في كلمته من أي محاولة لخرق الاتفاق النووي، قائلاً: “أبلغت أمريكا وإيران أن عدم احترام الاتفاق النووي قد يؤدي إلى حريق في المنطقة”، مؤكدًا بأنه “ينبغي العمل للتصدي لبرنامج إيران للصواريخ الباليستية”.
ورغم غياب روسيا والصين وهما أحد الموقعين على هذا الاتفاق بجانب بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، فإن ماكرون اتهم موقف الرئيس الأمريكي بأنه “ينطوي على انعدام مسؤولية”، قائلاً: “التزامنا بشأن عدم الانتشار النووي أتاح الوصول إلى اتفاق صلب ومتين يتيح التحقق من أن إيران لن تمتلك السلاح النووي، إن رفضه اليوم من دون اقتراح أي بديل سيكون خطأ جسيمًا، وعدم احترامه سينطوي على انعدام مسؤولية لأنه اتفاق مفيد”.
خطاب دعائي ضد بيونج يانج
وضعت الولايات المتحدة كوريا الشمالية وإيران في سلة واحدة فيما يتعلق باستخدام خطاب التهديد والوعيد، فلم تسلم بيونج يانج وزعيمها “كيم جون أون” الذي وصفه ترامب بأنه “”انطلق في مهمة انتحارية له ولنظامه” من التهديد بـ “التدمير الكامل” في إطار تأزم العلاقات بين الدولتين في الآونة الأخيرة جراء مساعي كوريا الشمالية لامتلاك السلاح النووي والتجارب التي تجريها على الصواريخ الباليستية.
خطاب ترامب الذي يعد الأول له داخل الأمم المتحدة حمل ولأول مرة لهجة وصفتها الصحف الأمريكية بـ”النارية والعدائية”، ففي سابقة نادرًا ما تتكرر يهدد رئيس دولة، دولة أخرى بـ”التدمير”، حيث قال الرئيس الأمريكي في كلمته بالأمس: “الولايات المتحدة لديها قوة كبرى وتتحلى بالصبر لكن إذا اضطرت للدفاع عن نفسها أو عن حلفائها، فلن يكون أمامنا من خيار سوى تدمير كوريا الشمالية بالكامل”، ومضى يقول: “الولايات المتحدة مستعدة وجاهزة وقادرة على الرد عسكريًا على كوريا الشمالية، ولكن نأمل أن لا نضطر لذلك”.
“واشنطن بوست” في تقرير لها اليوم تناولت ردود الفعل حيال كلمة ترامب التي وصفتها بأنها “تفتقد للدبلوماسية”، مشيرة أنه كان لا بد أن يسعى لحل الأزمة بالطرق القانونية والدبلوماسية بعيدًا عن خطاب التهديد “الناري” الذي يعرض مصالح أمريكا والعالم أجمع للخطر.
ترامب لم يشوه علاقة بلاده ببيونغ يانغ فقط، بل تجاوز ذلك إلى انتقاد زعيمي روسيا والصين لمواصلة العمل مع الرئيس الكوري، حتى وإن قدم لهما الشكر لدعمهما للعقوبات الأخيرة التي فرضتها الأمم المتحدة ضد كوريا الشمالية بحسب “نيويورك تايمز.“
الصحيفة الأمريكية وصفت ما قام به الرئيس ترامب بأنه مخالف لمواثيق الأمم المتحدة لا سيما المادة الثانية منه والتي تنص على أن الدول “تمتنع في علاقاتها الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استعمالها ضد بلد آخر، والاستثناءات الوحيدة لذلك إذا أقرها مجلس الأمن أو كان عملاً للدفاع عن النفس”.
ترامب: الولايات المتحدة لديها قوة كبرى وتتحلى بالصبر لكن إذا اضطرت للدفاع عن نفسها أو عن حلفائها، فلن يكون أمامنا من خيار سوى تدمير كوريا الشمالية بالكامل
الحل السياسي للأزمة السورية
فرضت الأزمة السورية نفسها على الجمعية العامة للأمم المتحدة وتمحور الحديث حول الحل السياسي كخيار وحيد للخروج من هذا المأزق، وإن كانت آلية وبنود هذا الخيار غامضة لدى كثير من المواقف الدولية.
الدوحة كانت الأكثر وضوحًا في هذه المسألة، ففي كلمة الشيخ تميم بن حمد أمير دولة قطر، حمل المجتمع الدولي مسؤولية الوصول إلى هذه المرحلة نتيجة وقوفه “عاجزًا عن إيجاد حل للأزمة رغم نتائجها وتداعياتها الخطيرة على المنطقة والعالم”، معزيًا ذلك إلى أن “الجهود السياسية لا تزال متعثرة بسبب تضارب المصالح الدولية والإقليمية، هذا التضارب الذي يؤدي إلى حماية من يفترض أن نتوحد ضده”.
علاوة على ذلك فقد طالب بضرورة “إيجاد حل سياسي بشكل يلبي تطلعات الشعب السوري للعدالة والحرية ويحفظ وحدة سوريا وسيادتها، وذلك وفق مقررات جنيف (1)”، مما يعني عدم وجود لبشار الأسد في المرحلة القادمة، مناشدًا المجتمع الدولي بمحاسبة النظام السوري على ما ارتكبه من جرائم، محذرًا أن “لإفلاتهم من العقاب عواقب وخيمة على الأوضاع في سوريا والإقليم، مما سيؤثر على سلوك الأنظمة الديكتاتورية في المستقبل تجاه شعوبها في غياب أي رادع”.
أما الموقف التركي فلا زال يراهن على خيار المفاوضات وضرورة تحريك مساراتها المجمدة في “جنيف” بحسب وصف الرئيس رجب طيب أردوغان خلال كلمته أمس، ملفتًا إلى أن تفعيل هذه المفاوضات جاء بتعاون أنقرة مع إيران وروسيا عبر “أستانة.“
الجهود السياسية لا تزال متعثرة بسبب تضارب المصالح الدولية والإقليمية، هذا التضارب الذي يؤدي إلى حماية من يفترض أن نتوحد ضده
وتعد تركيا من أكثر الدولة التي عانت من الآثار الناجمة عن تأزم الوضع السوري، حيث تحملت وحدها كلفة إقامة ما يقرب من 3.2 مليون لاجئ سوري، في الوقت الذي لم يف المجتمع الدولي بتعهداته التي قطعها على نفسه في السابق بالوقوف إلى جانب أنقرة في هذا المسعى، فضلاً عن “تركه للشعب السوري وحيدًا” بحسب وصف أردوغان.
كما واصلت فرنسا تمسكها بتسوية سياسية للأزمة عن طريق مرحلة انتقالية، وإن تراجعت عن فكرة الإطاحة بالأسد من المشهد السوري عكس ما كانت عليه الدبلوماسية الفرنسية في عهد الرئيس الأسبق فرانسوا أولاند.
فرنسا التي كانت تعد أحد الداعمين المؤثرين للمعارضة السورية تسعى اليوم للتعامل مع الموقف وفق مستجداته الراهنة، فالهدف الأول لديها هو القضاء على الإرهاب والتنظيمات المسلحة، بصرف النظر عن خارطة الكتل السياسية المتناحرة بالداخل.
ماكرون خلال كلمته أعرب عن أمله “أن نتمكن من تشكيل مجموعة اتصال مع كل الأعضاء في مجموعة الدول الخمسة (الدائمة العضوية في مجلس الأمن) وكل الأطراف المعنية بالنزاع السوري”، قائلاً: “إذا لم نعمل على حل القضية السورية مع إيران على الطاولة، فلن نحصل على رد كاف”، مقترحًا أن تلعب فرنسا دور الوسيط بين مجموعة الاتصال وإيران.
وفي الوقت الذي تطالب فيه باريس بالحل السياسي وفق مرحلة انتقالية دون أن تتطرق لموقع الأسد من الإعراب في هذه المرحلة إلا أنها وعلى لسان رئيسها تحث على ضرورة تقديم المتورطين في استخدام السلاح الكيماوي ضد السوريين في الـ4 من أبريل الماضي إلى المحاكمة العاجلة، وهو نفس ما أشار إليه الرئيس الأمريكي ترامب بقوله: “استخدام الرئيس السوري بشار الأسد للسلاح الكيماوي ضد شعبه أمر صادم”، مشددًا على ضرورة التوصل لحل سياسي للأزمة.
يذكر أن وزير الخارجية الفرنسي منذ أسبوع تقريبًا وخلال مؤتمر صحفي له في نيويورك حذر من الخيار العسكري لحل الأزمة السورية، مشيرًا إلى أن “الخطر الأكبر أن تحدد المواقف العسكرية مستقبل سوريا، وهو ما ستكون له عاقبتان، أولاهما انقسام الدولة والثانية إعطاء فرصة لأشكال جديدة من التطرف لتحل محل تنظيم داعش”.
وفي السياق ذاته جاء الموقف المصري متناغمًا مع الموقف الفرنسي من خلال حل سياسي يتوافق عليه جميع السوريين ، ويكون جوهره الحفاظ على وحدة الدولة السورية وصيانة مؤسساتها وتوسيع قاعدتها الاجتماعية والسياسة لتشمل كل أطياف المجتمع السوري، حسبما أشار الرئيس المصري في كلمته.
موقف القاهرة لم يتغير كثيرًا حيال المشهد السوري لا سيما في ظل حكم السيسي الذي يرى أن وحدة السوريين تكون في دعم نظام الأسد والتعاون معه استخباراتيًا ومعلوماتيًا، وهو ما تكشفه الزيارات المتبادلة بين مسؤولين أمنيين سوريين ومصريين لعل أبرزها زيارة اللواء علي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني في النظام السوري للقاهرة في 2016، تبعها زيارات متعددة لعدد من الفنانين والشخصيات العامة لدمشق لدعم الأسد ونظامه.
الملفت للنظر خلال كلمات قادة العالم عن الأزمة السورية وضرورة الحل السياسي للخروج منها تراجع استخدام كلمة “النظام السوري” أو ذكر الرئيس بشار الأسد، إلا فيما يتعلق باتهام ترامب له باستخدام السلاح الكيماوي فحسب، ولعل لهذا دلالة ربما تتسق مع ما صرح به وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون بأن بلاده وواشنطن اتفقتا على عدم المشاركة في إعمار سوريا إلا بإزاحة الأسد من المشهد السياسي بأكمله.
الأزمة الخليجية
استمرارًا للجهود الدبلوماسية التي تبذلها الدوحة لحلحلة الأزمة الخليجية المستمرة منذ الخامس من يونيو الماضي، نجح أمير قطر في نقل الصورة كاملة أمام هذا المحفل الدولي وعلى مرأى ومسمع من قادة العالم، بصورة لخصت المشهد برمته في محورين اثنين:
الأول: التأكيد على دفاع الدوحة دومًا عن التعاون الدولي البناء والسلام العادل وحقوق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال، وتلك التي تتعرض إلى جرائم ضد الإنسانية، والواقعة تحت الحصار، ومساعيها المتواصلة لدفع التحركات الأممية الرامية إلى تحقيق العدل والحرية ودعم منظومة حقوق الإنسان، ومكافحة الإرهاب وذلك بشهادة الولايات المتحدة نفسها التي تعد شريكًا أساسيًا في هذا المضمار، مما يفند الاتهامات الموجهة للدوحة عبر دول الحصار بدعمها وتمويلها للكيانات الإرهابية.
الثاني: حقيقة ما تتعرض له قطر من انتهاكات بسبب الحصار المفروض عليها منذ شهرين ونصف تقريبًا والذي شمل مناحي الحياة كافة بما في ذلك تدخل الدول لقطع الصلات العائلية سواء بمنع القطريين من زيارة ذويهم أو العكس، إضافة إلى تبني دول الحصار على رأسها السعودية والإمارات لإحداث الفتنة داخل الأسرة الحاكمة من خلال دعم بعض أفرادها والتحريض ضد الدوحة.
موقف القاهرة لم يتغير كثيرًا حيال المشهد السوري لا سيما في ظل حكم السيسي الذي يرى أن وحدة السوريين تكون في دعم نظام الأسد والتعاون معه استخباراتيًا ومعلوماتيًا
تميم فند أمام الجميع مزاعم الدول الأربعة سواء فيما يتعلق بالتصريحات المنسوبة له والمنشورة على وكالة الأنباء القطرية والتأكيد على تعرضها للقرصنة لأغراض مشبوهة، مطالبًا بضرورة أن يكون هناك تشريعًا يجرم مثل هذه الممارسات، فضلاً عن التدخل في الشؤون الداخلية للدولة عبر الضغط على مدنييها بالغذاء والدواء وصلات الرحم لتغيير موقفهم السياسي لزعزعة الاستقرار في دولة ذات سيادة، علاوة على ملاحقة دول الحصار مواطنيها والمقيمين على أراضيها وفرض عقوبات بالحبس والغرامة عليهم، لمجرد التعبير عن التعاطف مع دولة قطر، حتى في وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك في سابقة لم يشهدها العالم من قبل، في مخالفة لأحكام مواثيق واتفاقيات حقوق الإنسان التي تكفل حق الإنسان في التعبير عن أفكاره وآرائه، متسائلاً: أليس هذا أحد تعريفات الإرهاب؟
هذا بالإضافة إلى وضع دول الحصار في موقف حرج أمام المجتمع الدولي حين جدد الدعوة للحوار غير المشروط القائم على الاحترام المتبادل للسيادة، إلا أنه في الوقت ذاته أعلن رفضه “الانصياع للإملاءات بالضغط والحصار ولم يرض شعبنا بأقل من ذلك”، مثمنًا جهود الوساطة المبذولة وعلى رأسها أمير الكويت.
جاءت كلمة أمير قطر بمثابة الحجر الملقى في المياه الراكدة ليعيد الأزمة الخليجية مجددًا للأضواء لكنها هذه المرة ليست داخل الغرف المغلقة بل على مرأى من العالم أجمع، لتعكس حرص الدوحة على الجلوس إلى مائدة المفاوضات والحوار لكن دون أن يمس ذلك سيادتها، ولعل هذا ما يفسر تصريحات ترامب خلال لقائه مع الشيخ تميم بأن الأزمة في طريقها للحل في القريب العاجل.
أزمة مسلمي بورما
احتلت أزمة مسلمي الروهينغا في بورما مساحة كبيرة لدى قادة بعض الدول إلا أنها غابت عن معظمهم، ممن طالبوا بضرورة الوقف الفوري لهذه المجازر التي وصفوها بـ”التطهير العرقي”، مناشدين المجتمع الدولي القيام بدوره في هذه المسألة.
تصدرت هذه الأزمة كلمة أمير قطر، حتى قبل أن يتحدث عن أزمة بلاده، حيث استهل كلمته بدعوة “حكومة جمهورية اتحاد ميانمار والمجتمع الدولي للاضطلاع بمسؤوليتهم القانونية والأخلاقية باتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف العنف ضد أبناء أقلية الروهينغا وتوفير الحماية لهم وإعادة النازحين إلى موطنهم ومنع التمييز الطائفي أو العرقي ضدهم، وضمان حصولهم على كامل حقوقهم المشروعة كمواطنين كاملي المواطنة، ونحث جميع الدول لتقديم المساعدات الإنسانية لهم”.
كما اتهم الرئيس التركي المجتمع الدولي بـ”الفشل في مواجهة التحديات الإنسانية التي يواجهها مسلمو أراكان كما فشل قبل ذلك بسوريا أيضًا”، محذرًا أنه “حال لم يتم التصدي لمأساة الروهينغا في ميانمار فإن ذلك سيبقى وصمة عار في تاريخ البشرية”.
جاءت كلمة أمير قطر بمثابة الحجر الملقى في المياه الراكدة ليعيد الأزمة الخليجية مجددًا للأضواء لكنها هذه المرة ليست داخل الغرف المغلقة بل على مرأى من العالم أجمع
وجاء في السياق ذاته الموقف الفرنسي، حيث أدان ماكرون ما أسماه “التطهير العرقي” بحق هذه الأقلية المسلمة في بورما، مطالبًا بوقف العمليات العسكرية في ولاية راخين، قائلاً: “يجب وقف العمليات العسكرية وضمان الوصول الإنساني وإعادة إرساء القانون في مواجهة ما يحصل من تطهير عرقي”.
وفي المقابل أدانت زعيمة ميانمار، أونج سان سو كي، ، الانتهاكات لحقوق الإنسان التي شهدها إقليم أراكان، خلال كلمتها بالأمس، مشيرة أنها “لا تخشى أي تحقيق دولي” وأنها ملتزمة بالتوصل إلى حل دائم للصراع، معربة عن استعدادها لإعادة اللاجئين الراغبين في العودة من بنجلاديش.
انفصال كردستان
لم تحضر أزمة إقليم كردستان ومساعي الانفصال عن العراق إلا عبر بوابة الدوحة وأنقرة رغم ما تمثله من تهديد واضح لمستقبل وحدة التراب العراقي.
فالاستفتاء المزمع إجراؤه في الـ25 من سبتمبر الحالي رغم موجات الرفض له سواء من تركيا وإيران والعراق من جانب أو الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا من جانب آخر، يمثل قلقًا وتهديدًا للمهتمين بالشأن العراقي وهو ما جاء على لسان رئيس الحكومة حيدر العبادي أكثر من مرة.
الرئيس التركي حذر خلال كلمته من تجاهل موقف بلاده من الاستفتاء، مشيرًا إلى أنه قد يفتح الطريق أمام فترة تخسر فيه حكومة الإقليم الإمكانات التي تتاح لها” داعيًا الإقليم إلى “التخلي عن استفتاء الانفصال”.
ويمثل هذا الملف أهمية استراتيجية لدى أنقره وهو ما دفعها إلى تقديم موعد اجتماع مجلس الأمن القومي التركي لبحث الاستفتاء إلى الـ22 من هذا الشهر بدلاً من الـ27، حيث تحدد موقفها النهائي من هذا الملف عقب الاجتماع المزمع.
ولم يختلف موقف الدوحة عن موقف أنقرة، حيث دعا أمير قطر في كلمته إلى وحدة الأراضي العراقية والشعب العراقي، مشيدًا بالإنجازات التي قدمتها الحكومة العراقية في هذا الشأن، مؤكدًا استعداد بلاده تقديم الدعم والمساعدة في تحقيق تطلعات الشعب العراقي واستعادة دوره الإقليمي مجددًا.