بعد عامين على قيادته للحرب، أقال الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الموالي له، واستبدله باللواء الركن طاهر العقيلي الذي تعهد بنشر قواته في كل شبر من أراضي اليمن.
وبعد تسلمه مقاليد الجيش الموالي لهادي بدأ يطالب السعودية بدعمه بالمال والسلاح والدفاعات الجوية، وتعهد بدخول صنعاء في غضون 30 يومًا.
تعيين رئيس هيئة أركان جديد والاستعدادات المتتالية المتمثلة بنشر قوات ومعدات عسكرية في مأرب اليمنية (شمال شرق صنعاء)، صاحب تلك الأحداث توتر شديد بين حليفي صنعاء (الحوثي/صالح)، ثم لقاء بين قيادة الحوثي وصالح، تمخض عن ذلك كلمة جديدة لعبد الملك الحوثي زعيم جماعة مليشيا الحوثي هدد فيها بضرب الإمارات مباشرة لأول مرة منذ الحرب وهو تطور خطير فيها.
وتعهد عبد الملك الحوثي في كلمة له يوم الخميس 14 من سبتمبر في كلمة متلفزة نشرتها قناة المسيرة التابعة لجماعته، باستهداف السفن النفطية التي تمر في البحر الأحمر والمنشآت النفطية السعودية، في حال أقدم التحالف على غزو الحديدة، ومن ثم ضرب عاصمة الإمارات العربية المتحدة.
وقبل التطرق إلى كلمة عبد الملك الحوثي، وإمكانية ضرب الإمارات العربية المتحدة، لا بد من الحديث عن التغيير المفاجئ لقائد الأركان العامة للجيش الموالي للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وما إن كان هذا التغيير قد ينتج عنه تقدم في العملية العسكرية لقوات هادي والتحالف العربي في الجبهات الداخلية في اليمن.
أرادت المملكة العربية السعودية إحداث حركة في العملية السياسية المجمدة في خارطة السلام اليمنية، وفقًا لرغبات وإملاءات الرياض
أرادت المملكة العربية السعودية إحداث حركة في العملية السياسية التي تجمدت خلال الفترة الماضية، بسبب عدم قدرة إسماعيل ولد الشيخ أحمد المبعوث الأممي إلى اليمن من إحداث أي تغيير في خارطة السلام اليمنية، وفقًا لرغبات وإملاءات الرياض، فأوعزت إلى هادي بتغيير جذري في خطة الحرب لممارسة ضغط إضافي على تحالف “الحوثي وصالح” للقبول بحوار تكون نتائجه مرضية للرياض، وتبدأ هذه الضغوط بتغيير قيادة الجيش (القوات الموالية لهادي والتحالف العربي) بشخصية موالية لها ورشحت العميد طاهر علي عيضة العقيلي (رقاه هادي إلى رتبة لواء)، الذي تلقى أول تدريب عسكري له داخل المملكة العربية السعودية في إدارة مدفعية هاوتزر 105 أمريكي من سلاح المدفعية السعودي عام 1985.
يشير اختيار الاسم إلى عدم الثقة التي وصلت إليها المملكة العربية السعودية في القيادات العسكرية اليمنية الموالية لها، وربما تعتبرهم يعملون مع صالح، ولذا لجأت إلى شخصيات تدين بولائها للرياض وليس لليمن بهدف تغيير الوضع القائم على الأرض منذ عامين ونصف.
عقب التعيين، غادر رئيس هيئة الأركان الجديد، الرياض، وتوجه إلى مأرب بهدف إدارة الحرب، وبدا متحمسًا كما بدأ اللواء الركن محمد علي المقدشي في مايو 2015 عندما عينه هادي في ذات المنصب، وطالب من السعودية الدعم العسكري بالرجال والعتاد، وتعهد بدخول صنعاء في غضون 30 يومًا، إلا أنه بدأ أولى عملياته العسكرية ضد قبائل مأرب التي كبدت جيشه خسائر في العتاد والأرواح، ومن ثم تعرضت قواته لنكسة أخرى في جبال نهم المطلة على العاصمة اليمنية صنعاء.
وبعد 910 أيام من الحرب في اليمن، يبدو أن القيادات العسكرية في الجيش الموالي لهادي، تعتبر مناصبها عملية استثمارية من خلالها يمكن كسب أموال طائلة من عملية إدارة الحرب وبيع الأسلحة والذخيرة، وفي هذا الشأن علم “نون بوست” أن اللواء المقدشي أجرى صفقات أسلحة مع الحوثيين بنحو مليار ريال يمني، ولم تستبعد تلك المصادر أن يتخذ العقيلي ذات الطريق التي سلكها المقدشي، ولن يستطيع إحداث أي تغيير عسكري على أرض الواقع.
هل تتحقق الرغبة السعودية؟
جاء التعيين لقيادة الأركان العامة للقوات الموالية لهادي، في خضم الخلافات القائمة بين تحالف صنعاء (الحوثي/صالح)، وهو ما يعني أن هناك رغبة شديدة من الملكة العربية السعودية بأن تنتصر في هذه المعركة مستغلة تلك الظروف التي طرأت على الحليفين، إلا أنهما تداركا ذلك في الأخير وأعلنوا التصالح قبل انفجار الوضع العسكري بينهما.
التهديدات دلالات وربما رسائل سياسة أراد الحوثي إيصالها إلى الداخل اليمني والخارجي، وتشير في نفس الوقت إلى وجود قلق كبير لدى الحركة الحوثيّة وزعيمها
ومع عودة الصلح بينهما وطي الخلافات الحوثية المؤتمرية، وبدء الحوثيين تطبيق شروط صالح الذي وضعها في الطاولة كشرط أساسي لاستمرار التحالف بينهما، فإن عملية التحالف في اقتحام صنعاء تبدو أكثر تعقيدًا، خصوصًا مع استمرار تلاحم صالح مع قبائل طوق العاصمة وبدء التركيز على الحرب بدلاً من الخلافات المدمرة بينهما.
فما عجز التحالف عن تحقيقه – اقتحام موقع جبل يطل على صنعاء في عامين رغم ترسانته العسكرية وآلة الدمار الحديثة التي يمتلكها – لن يستطيع رئيس هيئة الأركان العامة الجديد تحقيقه في غضون 30 يومًا كما وعد، وستذهب هذه الوعود كما ذهبت قبلها، وسيظل اليمن ساحة ابتزاز السعودية سواء من أبنائها الذين يقاتلون معها أو من تلك الدول المتحالفة معها في هذه الحرب أو من تدعمها، ولن تحقق السعودية رغبتها إلا في حال اختلف حليفا صنعاء، أو استطاعت السعودية الوصول إلى صالح ومنحه ضمانات كافية من أجل تأمينه للقضاء على الحوثي.
اقتحام الحديدة
وفي خضم هذا الحديث، تتحدث أنباء أن المملكة العربية السعودية والإمارات أحيتا الخطة السابقة (خطة متزامنة لاقتحام صنعاء والحديدة)، بهدف زيادة الضغط العسكري على تحالف صنعاء، مستغلين الأزمة الخليجية الحالية، إلا أن ذلك قد يخلف كارثة إنسانية هي الأكبر في الزمن المعاصر.
لكن هذه الخطة في حال تنفيذها، ستجعل القوات الموالية لصالح والحوثي تتخذ إجراءات تنفيذية بحسب قدرتها، وربما تقدم على قرار إسقاط بعض المحافظات الجنوبية للملكة العربية السعودية التي تحاصرها من الجهات كافة، وأيضًا إطلاق صواريخ بشكل كثيف من شأنه يضر المملكة العربية السعودية اقتصاديًا، ويشكل أزمة اقتصادية عالمية.
لن يقدم الحوثي على هذا في الوقت الحالي لكنه يهدد بالإقدام عليه، إذا أحس أن رقبته أصبحت تحت السيف.
اليمن لم يعد كما كان قبل بداية الحرب، فالحرب والتحالف العربي جعلا اليمن يعتكف للعمل بخبرات أجنبية أو محلية للاعتماد على النفس في تطوير قدراته العسكرية
ويوم الخميس 14 من سبتمبر بكلمة متلفزة نشرتها قناة المسيرة التابعة لجماعته، هدد الحوثي باستهداف الإمارات العربية المتحدة والسفن النفطية التي تمر في البحر الأحمر والمنشآت النفطية السعودية في حال أقدم التحالف على غزو الحديدة، وكشف أيضًا امتلاك قواته الطائرات المسيرة، متعهدًا باستخدامها في وقت قريب.
أبو ظبي في مرمى الصواريخ
هو التهديد الأول من نوعه الذي يخصصه عبدالملك الحوثي بالاسم منذ تدخل التحالف العربي، وهي لهجة تصعيدية تقترن على ما يبدو بالتعاظم الملحوظ للدور الإماراتي في اليمن، دور بدا في بعض جوانبه يتنامى حتى على حساب حليفي الرياض وحكومة هادي.
ربما هذه التهديدات تبدو مفاجئة، ويكمن عنصر المفاجأة في كونها المرة الأولى التي يوجه زعيم الحوثيين مثل هذه التهديدات إلى دولة الإمارات، وعاصمتها أبو ظبي بالذات، منذ بدء الأزمة اليمنية قبل عامين ونصف العام، والأهم من ذلك تحذيره للشركات الغربية بأن عليها النظر لدولة الإمارات كبلد غير آمن بعد اليوم.
لتلك التهديدات دلالات وربما رسائل سياسة أراد الحوثي إيصالها إلى الداخل اليمني والخارجي، وتشير في نفس الوقت إلى وجود قلق كبير لدى الحركة الحوثية وزعيمها، منبعه خطط دولة الإمارات وخطواتها المقبلة التي باتت تشكل خطرًا استراتيجيًا، بل وربما وجوديًا على الحركة في اليمن.
وجه الحوثي في خطابة رسائل كثيرة إلى الداخل فيما يخص الخلاف بين الحليفين، ومراهنة دول التحالف على شق الصف بينهما، مفاداه “لقد نجحنا في القضاء على ما يهدد تحالفنا من خلال التوافق التام”.
تمتلك القوات الموالية لصالح صواريخ من نوع قاهر 1 أرض أرض يصل مداه إلى 250 كيلومترًا، إضافة إلى صاروخ زلزال 3 يصل مداه 65 كيلومترًا وأطلق على نجران السعودية.
رسالته للخارج أن اليمن لم يعد كما كان قبل بداية الحرب، وأن الحرب والتحالف العربي جعل اليمن يعتكف للعمل بخبرات أجنبية أو محلية للاعتماد على النفس في تطوير قدراته العسكرية، وهذه القدرات يمكن من خلالها ضرب الرياض وما بعد الرياض، وإن كانت الإمارات العربية المتحدة تعتبر نفسها بعيدة عن الصواريخ البالستية اليمنية، إلا أن العقاب قد يطالها.
يمكن تفسير ما ذكرناه آنفًا، سبب وجود مخاوف حقيقية لدى تيار الحوثي من الإمارات بلعب دور حقيقي في محاولة شق التحالف “الحوثي المؤتمري”، ومحاولة استمالة الرئيس علي عبد الله صالح إلى جانب التحالف العربي، وتحريضه على إعلان الحرب لاجتثاث الحوثيين باعتباره الأكثر خبرة وتأهيلاً لهذه المهمة، ووعده بتقديم الدعم والمساندة له.
والتحشيد العسكري المتنامي الذي تقوده دولة الإمارات، وقيادتها العسكرية في اليمن، استعدادًا لشن هجوم بري وبحري وجوي وشيك للاستيلاء على ميناء الحديدة الذي يُعتبر المنفذ البحري الوحيد والأهم للحوثيين إلى العالم الخارجي، وتمر عبره جميع الاحتياجات الغذائية والتجارية والعسكرية.
هل تستطيع الحركة الحوثية ضرب الإمارات؟
رغم معارضة صالح الدائمة لضرب الإمارات نتيجة بعض المصالح المشتركة بينهما، فإن الحوثي خرج يوم 14 من سبتمبر مهددًا بضرب الإمارات ومطاراتها، وهو تهديد على الإمارات التعامل معه بجدية، لأن المنظومة الصاروخية التي تمتلكها اليمن بإمكانها الوصول إلى صنعاء.
وتمتلك اليمن منظومة صواريخ بعيدة وقصيرة المدى، قد يستخدمها الحوثي في ضرب أهم الشركات النفطية السعودية أو المطارات في أبو ظبي، وما هو معلن حتى الآن من هذه الصواريخ هي:
صواريخ سكود الروسية، وتوشكا استهدف فيه قوات التحالف في مأرب وقتلوا أكثر من 60، صاروخ فروغ 7 يصل مداه إلى 70 كيلومترًا ويزن رأسه الحربي 550 كيلوغرام، وصواريخ هواسونغ 5 وهي صواريخ بالستية مصدرها كوريا الشمالية تصل مداها إلى 700 كيلومتر، ويتم العمل على تطويره حاليًا ليصل مداه إلى 1800 كيلومتر.
إضافة إلى ذلك، فالجيش اليمني كان يمتلك صواريخ سام الروسية الدفاعية، إلا أن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي عمل على تعطيل بطارياته قبل الحرب بعام واحد، وضربت قواعده عاصفة الحزم في بداية الحرب، وهو ما جعل أداءهم الجوي غير مجد، مما جعل الحوثيين وفرقة الهندسة الميكانيكية في الحرس الجمهوري يعملون على تطويره وتحويله من أرض جو إلى أرض أرض لاستخدامه في قصف المدن والمعسكرات السعودية.
وتمتلك القوات الموالية لصالح صواريخ من نوع قاهر 1 أرض أرض يصل مداه إلى 250 كيلزمترًا، إضافة إلى صاروخ زلزال 3 يصل مداه 65 كيلومترًا وأطلق على نجران السعودية.
الحوثيون لن يطلقوا الصواريخ البالستية نحو الإمارات أو المنشآت النفطية السعودية أو ضرب السفن النفطية السعودية أيضًا في حال لم يقدم التحالف على التقدم نحو ميناء الحديدة الاستراتيجي
ومن ضمن الصواريخ بعيدة المدى، تمتلك القوات الموالية لصالح أهم الصواريخ البالستية بعيدة المدى كصاروخ بركان 1 مداه 800 كيلومتر استهدف مطار الملك عبد العزيز في أكتوبر 2016، وكذلك بركان 2 يصل مداه إلى 1200 كيلومتر، قالت جماعة الحوثي إنها استهدفت به مدينة ينبع السعودية، وللقوات الموالية لصالح ترسانة أسلحة صواريخ استوردتها من كوريا الشمالية في العام 2010، لم يفصح بعد عن نوعها.
وتبلغ المسافة بالطريق المباشر بين اليمن وأبوظبي 1.182كيلومتر، بينما أبعد مدى لصاروخ يمتلكه اليمن حتى الآن الذي تم الكشف عنه 1200كم (بركان 2)، وهو ما يعني أن الحركة الحوثية قادرة على إطلاق هذا النوع من الصواريخ إلى العاصمة الإماراتية، في حال أقدم التحالف على التقدم نحو ميناء الحديدة.
وهذا يعني أن الحوثيين لن يطلقوا الصواريخ البالستية نحو الإمارات أو المنشآت النفطية السعودية أو ضرب السفن النفطية السعودية أيضًا في حال لم يقدم التحالف على التقدم نحو ميناء الحديدة الاستراتيجي، وهو ما يعني أن الحرب ستظل تراوح مكانها، واليمن هو من يدفع ثمن الاختلاف السياسي في المنطقة.
الخلاصة
أراد الحوثي من خلال كلمته إرسال رسالة تحذير للإمارات بعدم الاقتراب من الحديدة، تقول “جئتم بالحرب إلينا وسنرد بالمثل وننقلها إليكم”، وفي واقع الأمر من يهدد قد لا يفي أحيانًا، ولكنها رسالة مفرداتها خطيرة في جميع الأحوال، والحوثيون لا يملكون ما يخسرونه، وقد يفعلونها في حال أقدم التحالف على غزو الحديدة.
وهذه الرسالة ربما قد تجبر التحالف على التراجع عن التقدم نحو ميناء الحديدة، وربما قد تقلل عزم الإمارات على دعم قوات هادي في التقدم نحو صنعاء، وإن كانت لا تريد أن يحقق هادي الانتصار ولا تعمل من أجل ذلك، فستعمل على تحييد ذلك لدى المملكة العربية السعودية.