حالة من الجدل أثارتها التعديلات الجديدة التي أقرتها الحكومة المصرية بالأمس على قانون سحب الجنسية من مواطنيها، بعد إضافة مواد وصفها سياسيون وحقوقيون بـ”الفضفاضة” تستهدف المعارضين لنظام السيسي، لا سيما فيما يتعلق بعدد من الحالات التي أُدرجت مؤخرًا، على رأسها صدور حكم بالإدانة في جريمة مضرة بأمن الدولة من جهة بالخارج أو الداخل.
ورغم أن هذا القانون برمته ربما لا يضيف جديدًا ولن يغير من الواقع شيئًا، في الوقت الذي بات فيه المعارضون إما مشتتون خارج مصر أو معتقلون بسجونها في الداخل، فإنه أثار ضجة واسعة داخل الأوساط الحقوقية ممن ألمحوا أن هناك مخطط واضح لتصفية الحسابات مع المعارضين وفق رؤية واستراتيجية جديدة، في محاولة لإقرار معادلة إما الولاء الكامل أو سحب الجنسية، فهل تلك التعديلات آخر ما تبقى لدى الحكومة من أسلحة تشهرها في وجه كل من يغرد خارج السرب؟
تعديلات في انتظار الإقرار
أقرت حكومة شريف إسماعيل في بيان لها أمس الأربعاء عددًا من التعديلات على قانون سحب الجنسية المصرية من المواطنين تضمنت “إضافة حالة جديدة لسحب الجنسية المصرية تتعلق بكل من اكتسبها عن طريق الغش أو بناء على أقوال كاذبة، أو صدور حكم قضائي يثبت انضمامه إلى أي جماعة أو جمعية أو جهة أو منظمة أو عصابة أو أي كيان، أيًا كانت طبيعته أو شكله القانوني أو الفعلي، سواء كان مقرها داخل البلاد أو خارجها، وتهدف إلى المساس بالنظام العام للدولة، أو تقويض النظام الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي لها بالقوة أو بأي وسيلة من الوسائل غير المشروعة”.
كذلك تسقط الجنسية في الحالات التالية: “دخول الخدمة العسكرية لإحدى الدول الأجنبية دون ترخيص”، وكذلك “العمل مع دولة أو حكومة أجنبية في حالة حرب مع مصر” إضافة إلى حالات صدور حكم بالإدانة في جريمة مضرة بأمن الدولة من جهة بالخارج أو الداخل، والتي تعد أخطر تلك التعديلات على الإطلاق كما سيرد ذلك تفصيلًا.
التعديل ينص أيضًا على “زيادة المدة التي يجوز خلالها سحب الجنسية المصرية من الأجنبي الذي اكتسبها بالتجنس أو الزواج لتكون 10 سنوات بدلًا من 5 سنوات، وزيادة المدة التي يكتسب بعدها الأجنبي الجنسية المصرية تبعًا لوالدته لتكون سنتين بدلًا من سنة، وحذف اكتساب الأولاد البالغين للجنسية تبعًا لذلك والاكتفاء بالأبناء القصر”.
جدير بالذكر أن القانون رقم 25 لعام 1975 ينظم شروط منح وإسقاط الجنسية المصرية، حيث يتضمن مادتين توضحان في بنود عدة حالات سحب الجنسية المصرية، ليس من بينها الحالات التي أقرتها الحكومة في تعديلها الأخير، كما يحتاج مشروع القانون إلى موافقة مجلس النواب (البرلمان) ومصادقة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ومن ثم نشره في الجريدة الرسمية حتى يصبح ساريًا.
مخالفة صريحة للقانون الدولي
يعد حق الجنسية أحد أبرز حقوق الإنسان الأساسية التي أقرتها المواثيق الدولية، وتعني حق كل فرد في اكتساب جنسية وتغييرها والاحتفاظ بها دون أن تكون سلاحًا فوق رقبته يهدد به بين الحين والآخر، وهذا ما أقره القانون الدولي لحقوق الإنسان.
القانون قضى أن حق الدول في إقرار وتحديد من هم رعايا ومن تسلبهم هذا اللقب ليس حقًا مطلقًا، ومن ثم فعليها – أي الدول – الالتزام بالبنود المتعلقة بمواثيق حقوق الإنسان فيما يتعلق بمسألة منح الجنسية أو سحبها، هذا بالنسبة لمواطنيها ممن لم يكن معهم جنسية أخرى.
مختلف الصكوك القانونية الدولية أقرت مبدأ الحق في الحصول على الجنسية، على رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية حقوق الطفل واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية جنسية المرأة المتزوجة واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم،كما تُنَظَم قضية الجنسية في اتفاقية خفض حالات انعدام الجنسية والاتفاقية المتعلقة بوضع الأشخاص عديمي الجنسية والاتفاقية المتعلقة بوضع اللاجئين.
المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على “لكل إنسان حق التمتع بالحقوق كافة والحريات الواردة في هذا الإعلان من دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أي تفرقة بين الرجال والنساء”، بينما المادة 15 تؤكد “لا يجوز حرمان أي شخص من جنسيته تعسفًا”، هذا بخلاف قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 50/152، والذي أقر الطبيعة الأساسية لحظر حرمان أي شخص من جنسيته تعسفًا.
العديد من الدعوات القضائية رُفعت لإسقاط الجنسية عن بعض المعارضين
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يعتبر أن إسقاط الجنسية عن المواطنين خرقًا واضحًا لقواعد القانون الدولي وانتهاكًا صارخًا لمواثيق حقوق الإنسان، ففي مادته الثانية أقر بأن “تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها، من دون أي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسيًا أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب”
أما مادته الـ5 فكانت الأكثر وضوحًا في هذه المسألة والتي نصت على “ليس في هذا العهد أي حكم يجوز تأويله على نحو يفيد انطواءه على حق لأي دولة أو جماعة أو شخص بمباشرة أي نشاط أو القيام بأي عمل يهدف إلى إهدار أي من الحقوق أو الحريات المعترف بها في هذا العهد، أو إلى فرض قيود عليها أوسع من تلك المنصوص عليها فيه” وتابع “لا يقبل فرض أي قيد أو أي تضييق على أي من حقوق الإنسان الأساسية المعترف بها أو النافذة في أي بلد تطبيقًا لقوانين أو اتفاقيات أو أنظمة أو أعراف، بذريعة كون هذا العهد لا يعترف بها أو كون اعترافه بها في أضيق مدى”.
استهداف المعارضين
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تطفو على السطح فيها دعوات إسقاط الجنسية عن المعارضين للنظام المصري، فقد سبقها دعوات عدة رفعها عدد من المحامين المعروف ولائهم الكامل للسلطات الحاكمة، على رأسهم سمير صبري من أجل إسقاط الجنسية عن الدكتور محمد البرادعي نائب رئيس الجمهورية المستقيل، والدكتور أيمن نور زعيم حزب الغد، وغيرهم من بعض قيادات جماعة الإخوان المسلمين، إلا أنه لم يتخذ أي قرار فيها حتى كتابة هذه السطور هذا بخلاف رفض بعضها.
غير أن إقرار تعديلات جديدة فضفاضة في قانون إسقاط الجنسية، في محاولة لإضفاء الشرعية القانونية بما يعطي مزيدًا من الصلاحيات للحكومة في إسقاط الجنسية عمن تشاء وفي أي وقت تشاء، بمثابة إعلان حرب ضد المناوئين للنظام وسلاح يستهدف في المقام الأول المعارضين السياسيين داخل مصر وخارجها، حسبما أشار عزت غنيم مدير التنسيقية المصرية للحقوق والحريات.
غنيم في تصريحات نقلتها “الجزيرة” عن وكالة “الأناضول” أكد أن موافقة البرلمان المصري على هذا التعديل تعني إسقاط الجنسية المصرية عن آلاف المواطنين من خلال أحكام قضائية واجبة النفاذ، غير أنه حذر من زج القضاء المصري لتصفية حسابات مع معارضين سياسيين للنظام الحالي.
أما عن كيفية التعاطي قانونيًا مع هذا القانون حال تنفيذه، أوضح مدير التنسيقية أن المواطنين المقيمين داخل مصر حال سقوط جنسيتهم عليهم مغادرة البلاد فورًا، بينما من هم خارجها فإن القانون الدولي يجيز لهم طلب الحصول على جنسية البلاد المقيمين فيها.
يحيى القزاز أستاذ الجيولوجيا بجامعة حلوان، أوضح أنه ليس من حق موظف سحب جنسية مواطن مهما بلغت درجة وظيفته، واصفًا إياها – الجنسية – بـ”الدين” لا يجوز سحبه، متسائلًا: “ما معنى كلمة النظام العام”؟
القزاز على حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” كشف أن تلك التعديلات لا تعدو كونها محاولة من السلطات لترويع الوطنيين وتخويفهم لمداراة عجزهم ورعبهم منهم، مؤكدًا أنهم لا يستطيعون سحب الجنسية المصرية منهم.
الناشط الحقوقي نجاد البرعي، أشار إلى أن تلك التعديلات التي تم إقرارها على قانون الجنسية مخالفة للقانون، وذلك لأنه لا يجوز بأي حال من الأحوال سحب أو إسقاط الجنسية عن المواطنين.
البرعي في تصريحات له أضاف أن الدستور المصري والقوانين والمعاهدات الدولية لا تجيز إسقاط الجنسية، وفي حال إسقاط الجنسية يصير المواطن بلا هوية، متسائلًا: “إلى أين يذهب ذلك الشخص الذي يتم إسقاط الجنسية عنه”؟ ملفتًا أن التعديل به عبارات مطاطة، متابعًا: “لا أعرف هدفهم من وراء ذلك، هل من أجل إسقاط الجنسية عن أعضاء جماعة الإخوان المسلمين؟ أم إسقاطها عن المعارضين؟ مش عارف”.
أما عن احتمالية تمرير القانون داخل مجلس النواب “البرلمان”، أعرب الناشط الحقوقي عن اعتقاده بأن ذلك القانون سيمر، مطالبًا محاسبة كل من يثبت تورطه في أي جرم بالقانون والدستور، أما ما تسعى إليه الحكومة فلا يمت للقانون بصلة.
أما عمرو عبد السلام نائب رئيس منظمة “الحق لحقوق الإنسان” – منظمة حقوقية مستقلة – فلفت إلى أن هناك عوار دستوري في التعديلات الأخيرة بقانون الجنسية، مرجعًا ذلك إلى أن القانون المصري نص على عكس ذلك، وليس هذا فحسب، بل إن المواثيق الدولية نصت أيضًا على أنه لا يجوز إسقاط الجنسية لأي سبب من الأسباب، مضيفًا “الجنسية حق مكفول لجميع المصريين”.
عبد السلام في تصريحاته كشف أن مصر ليست الدولة الوحيدة التي تسعى إلى إقرار مثل هذه التعديلات، فقد سبقتها تجارب عدة في بعض الدول كفرنسا وغيرها، إلا أنها ووفق تصريحاته فشلت ورُفضت تلك التعديلات نظرًا لمخالفتها المعاهدات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان”.
مواقع التواصل الاجتماعي تسخر
رواد مواقع التواصل الاجتماعي تعاطوا مع تلك التعديلات بشيء من السخرية من باب “ضحك كالبكاء”، وهو ما جسدته تغريداتهم وتعليقاتهم على بيان الحكومة بالأمس.
الكاتب الصحفي سليم عزوز أشار إلى أن الوطنية ليست ورقة تسحبها الحكومات حينما تشاء عبر ما يسمى بالجنسيات، ملفتًا أن كثيرًا ممن يحملون الجنسية المصرية بأفعالهم وما يقومون به من ممارسات ينافون الوطنية تمامًا ويعملون ضد مصلحة مصر.
عزوز على صفحته الشخصية على موقع “فيسبوك” كتب يقول: “أعرف أيضًا أن من خانوا عرابي في التل الكبير كانوا عسكرًا يحملون الجنسية المصرية، والذي فرط في حقوق مصر التاريخية في نهر النيل كان مشيرًا يحمل أيضًا الجنسية المصرية”.
فتحي مجدي مدير تحرير جريدة “المصريون” كتب يقول: “قانون إسقاط الجنسية وضعه الفتوات لمنع الحرافيش من الثورة على ظلمهم، لكنهم يجهلون أن الثورات لم تمنعها أشد القوانين قسوة، وأن أعتى الديكتاتوريات سقطت تحت أحذية الشعوب، صرخة الشعب لن يستطيع أحد منعها ولو نصبوا له المشانق في الميادين”
فشلوا فى اصدار قانون العزل السياسى على نظام مبارك ، واستأسدوا لاصدار قانون سحب الجنسية من المعارض ، اذا اساء للوطن !! فما عقاب من قتل الوطن؟
— Mustafa Elgohary (@gohary3000) September 20, 2017
سحب الجنسية زي سحب الرخصة آخرها غرامة. دي مصر يا أستاذ نا
— osama elsherif (@wiaa2) September 21, 2017
أما الإعلامية خديجة بن قنة فكتبت على صفحتها على “تويتر” تصف سحب الجنسية بأنه “سلاح الطغاة”.
سحب الجنسية سلاح الطغاة..
الحكومة المصرية توافق على تعديل قانون الجنسية وسحبها من معارضي النظام… اخبارك نت https://t.co/M08DzTxY8y…— خديجة بن قنة (@Benguennak) September 20, 2017
بينما سخر أسامة جاويش على صفحته مطالبًا الجميع “فليتحسس كل منا جنسيته”.
فليتحسس كل منّا جنسيته
حكومة #السيسي أقرت تعديلات على قانون الجنسية المصرية وهتسحبها من أي مواطن يثبت انتماءه لأي جماعة إرهابية
— أسامة جاويش (@osgaweesh) September 20, 2017
ومن ثم يبدو أن السلطات المصرية لم يعد يروقها أنصاف الولاء ولا أنصاف البراء، فإما الولاء الكامل يرافقه منح الحقوق كافة، أو يكون التجريد من كل ما تقره المواثيق الحقوقية هو السلاح الذي تشهره في وجه كل من يفكر أن يغرد خارج السرب سواء في الداخل أو الخارج.