أقر مجلس النواب الأمريكي، الأربعاء الماضي، مشروع قانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد لعام 2024، بعد جمود طال مشروع القانون، المقدَّم في 11 مايو/أيار 2023.
وحصل القانون على أغلبية ساحقة بأصوات النواب من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، إذ وصلت إلى 389 صوتًا (الغالبية الساحقة)، فيما رفضه 32 صوتًا، بينهم 28 من الحزب الديمقراطي.
وينصّ مشروع القانون (الذي ينتظر إقراره من الكونغرس ثم توقيع الرئيس بايدن كمرحلة نهائية لبدء التنفيذ) على منع الحكومة الفيدرالية الأمريكية من الاعتراف أو تطبيع العلاقات مع أي حكومة في سوريا تحت قيادة بشار الأسد، إلى جانب تمديد أحكام قانون حماية المدنيين أو ما يعرف بقانون “قيصر” لعام 2019 إلى 2032، بعد أن كان مقررًا انتهاؤه في 2024، إضافة إلى منح صلاحيات موسعة للرئيس الأمريكي بهدف معاقبة الأفراد المتورطين في استغلال السوريين، وفرض تدابير لتعزيز مراقبة المعاملات التجارية التي يمكن أن تنتهك العقوبات.
ويحرم القانون أيضًا على أي مسؤول أو موظف فيدرالي اتخاذ أي فعل، أو صرف أي مبلغ ماليّ من شأنه أن يشكل أي اعتراف من حكومة الولايات المتحدة، صراحةً أو ضمنًا، بأي شكل من الأشكال، ببشار الأسد، أو بأي حكومة سورية يرأسها بشار الأسد، إلى جانب معاقبة أي شخص أو جهة تشترك بأي شكل من الأشكال في سرقة المساعدات الإنسانية، أو من يستولي على ممتلكات السوريين.
ردود إيجابية على القانون
أعيد إحياء القانون وإنعاشه بدفع كبير من نواب أمريكيين على رأسهم جو ويلسون، أحد رعاة القانون، الذي قال إن المجلس “يقف بأغلبية ساحقة ضد أولئك الذين يفكرون في التطبيع أو التعامل مع القاتل الجماعي بشار الأسد”، فيما رحب النائب فرينش هيل بالخطوة، قائلًا في تغريدة له: “إنني أشيد بتمرير مجلس النواب لقانون مكافحة التطبيع لنظام الأسد وأنا فخور به”.
محمد علاء غانم، مسؤول التخطيط السياسي في “التحالف الأمريكي لأجل سوريا”، وهو مظلة انضوت تحتها عشر منظمات أمريكية مختصة بالشأن السوري، وساهمت بإعادة تنشيط القانون، وتنشط في العاصمة الأمريكية واشنطن، قال في منشور له على منصة “إكس”: “منظّماتنا اليوم إذ يحدوها الفخر بهذا الإنجاز السياسي والإنساني الضخم، لا يسعها إلا أن تشكر جميع من استجاب لنداءاتها وساندها من أبناء وبنات جاليتنا السورية الأمريكية طوال الأشهر الـ13 الماضية التي استغرقها وصولنا لهذه اللحظة المفصلية لا في تاريخ العلاقات الأمريكية السورية فحسب، بل وفي تاريخ جهود المناصرة التي اضطلعت بها الجالية السورية الأمريكية منذ العام الأول لانطلاقة الثورة السورية”.
وثمّن الائتلاف الوطني جهود أعضاء مجلسي النواب والشيوخ لدعم مطالب وتطلعات الشعب السوري للعدالة والحرية والديمقراطية، كما شكر التحالف الأمريكي لأجل سوريا وأعضاء الجالية والمنظمات، التي ساهمت في العمل على هذا المشروع، معتبرًا أن إقرار الكونغرس الأمريكي مشروع قانون “مناهضة التطبيع” يعتبر خطوة مهمة في سياق اتخاذ موقف حازم تجاه التطبيع مع نظام الأسد، الذي ارتكب أشنع جرائم الحرب بحق السوريين، ويشكل دافعًا نحو تفعيل العملية السياسية وتنفيذ القرارات الدولية ذات العلاقة بسوريا.
من جانبها، قالت المنظمة السورية للطوارئ (SETF) في بيان: “نظرًا لقلقها العميق من أن اتجاه التطبيع المتزايد لنظام الأسد أصبح هو القاعدة العالمية، دعت المنظمة لمدة عامين إلى ضرورة مشروع القانون هذا كأداة مهمة للغاية لضمان عدم تأييد الولايات المتحدة للديكتاتوريات الجائرة وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وقد حصلت هذه المبادرة على دعم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي من المشرعين الذين اتفقوا على أن إعادة الأسد إلى السلطة من شأنها أن تشكل سابقة خطيرة للقانون الدولي”.
وتابعت “سيضمن قانون مناهضة التطبيع لنظام الأسد لعام 2023، أن سياسة الولايات المتحدة تحظر أي إجراء رسمي للاعتراف أو تطبيع العلاقات مع أي حكومة سوريا يقودها بشار الأسد، مستشهدة بجرائم النظام الماضية والمستمرة ضد الشعب السوري”.
إلى جانب اعتبار القانون مكملًا لقانوني “قيصر” و”مكافحة الكبتاغون”، فإن قيمته تكمن في أنه أحد أهم القوانين الأمريكية التي تصدر ضد نظام الأسد، لا سيما بعد موجة التطبيع التي بدأتها عدة دول عربية مع نظام الأسد، وبلغت ذروتها بعد حضوره القمة العربية في الرياض مايو/أيار العام الفائت، إذ إنه يسحب الاعتراف بنظام الأسد والاعتراف به كحكومة من أي نوع، ما يعني تقييد أي رئيس أمريكي في المستقبل من الاعتراف به، عدا عن معارضة اعتراف أي حكومة أخرى أو تطبيع علاقاتها مع حكومة الأسد من خلال التطبيق الكامل للعقوبات المنصوص عليها في قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019.
لا تلاعب بالأمم المتحدة بعد الآن
بات نظام الأسد محاصرًا بثلاثة قوانين (قانون قيصر – مكافحة الكبتاغون – مكافحة التطبيع) من شأنها أن تخنقه أكثر فأكثر وتقوّض من عملية إعادة تأهليه التي بدأت قبل انعقاد القمة العربية في العاصمة السعودية الرياض، ما يعني أن النظام أمام حالة موت سريري، خاصة أنه يُلاحظ ضمن أسطر القانون نية الحكومة الأمريكية مراجعة الثغرات الموجودة في قانون قيصر، وتقييم عمل الأمم المتحدة التي يتلاعب بها النظام ضمن مناطق سيطرته والتحقيق في مدى ارتباط الموظفين الأمميين بنظام الأسد.
فخلال مدة لا تتجاوز 180 يومًا بعد تاريخ سن هذا القانون، وطوال السنوات الخمسة التالية، ينبغي – حسب القانون – على وزير الخارجية رفع تقرير للجنة العلاقات الخارجية لدى مجلس الشيوخ وإلى لجنة الشؤون الخارجية لدى مجلس النواب، يصف فيه تلاعب النظام الذي يرأسه بشار الأسد في سوريا (المشار إليه في هذا القسم باسم “نظام الأسد”) بهيئة الأمم المتحدة، ويشمل ذلك:
- وصفًا للشروط، سواء الصريحة أم الضمنية، التي وضعها نظام الأسد فيما يتصل بعمليات الأمم المتحدة في سوريا، والتي تشمل الشروط المتعلقة بالشركاء المنفذين، وممارسات التوظيف، وتخصيص المنح والعقود، وشراء البضائع والخدمات.
- وصفًا لأي مدى رفضت الأمم المتحدة أو عارضت أي شرط من تلك الشروط الواردة في الفقرة (1).
- تحديدًا لهوية المسؤولين أو الموظفين العاملين لدى الأمم المتحدة (ويشمل ذلك التمويل والبرامج والوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة) الذين تربطهم علاقات بنظام الأسد، ويشمل ذلك العلاقات الأسرية، أو التي تربطهم بشخصيات خاضعة للعقوبات التي فرضتها دول مانحة لدى الأمم المتحدة.
- دراسة وافية للقيود التي يفرضها نظام الأسد على دخول الأمم المتحدة وأثرها الشامل على قدرة الأمم المتحدة على تسليم المساعدات الأممية للمستفيدين المستهدفين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
وكانت مجلة فاينانشال تايمز قد كشف في تقرير لها مارس/آذار الفائت، عن علاقات متشابكة بين نظام الأسد والأمم المتحدة، وكيف يجبر النظام السوري الأمم المتحدة على تقديم تنازلات تفيده وشركاءه من خلال عمليات التوظيف وتسييس المساعدات الإنسانية، والتعامل مع شخصيات تحت العقوبات الأمريكية ودعم الاحتياطات الأجنبية للبنك المركزي عبر سحب ملايين الدولارات من المساعدات وإجبار وكالات المعونة الدولية على استخدام سعر صرف رسمي، بينما يتم استخدام السوق الموازية على نطاق أوسع في سوريا.
آثار القانون
يتبادر للذهن مباشرة توقيت بقاء النظام في حالة الموت السريري هذه التي تحيط بنظامه مع كل قانون تطلقه المنظومة الدولية المناهضة لحربه ضد السوريين وسياسته بالتعامل مع عدة ملفات تجاه الجيران وفي مقدمتها التعاملات إزاء تجارة وتهريب الكبتاغون العابر للحدود، إلى جانب قدرة الأسد البراغماتي على تقديم المزيد من التنازلات المفصلية التي تؤهله لسنوات أخرى من الحكم، لا سيما موقفه الإيجابي تجاه “إسرائيل” من حرب غزة، وتسريب إحداثيات أماكن وجود قياديين إيرانيين في سوريا، ومدى إمكانية تحصيل مكافأة له إزاء ذلك، وهو ما استطاع تحصيله عبر سنوات الحرب.
في حديثه لـ”نون بوست”، يرى المحامي عبد الناصر حوشان، أن قانون مناهضة التطبيع هو مجرد وسيلة ضغط على بعض الدول لتحجيم دورها في أي عملية إعادة إعمار قبل الحل النهائي في سوريا.
مشيرًا إلى أن العقوبات الأمريكية والغربية عمومًا المفروضة على نظام الأسد ليس لها طابع المحاسبة على جرائمه، وإنما هي عبارة عن إجراءات تأتي في سياق الضغط على النظام لتعديل سلوكه، وبالتالي لا تهدف إلى إسقاطه أو رحيله، وهذا الأمر من ثوابت السياسة الأمريكية والغربية حيال سوريا، بمعنى أنهم لا يسمحوا بإسقاط الأسد.
أما عن البدائل التي يمكن أن يسعى إليها النظام بعد أن صار مُطوّقًا بقوانين عدة، أقساها مناهضة التطبيع، فيرى حوشان أن “النظام ليس له إلا طرق أبواب روسيا والصين وإيران، فتلك الدول لم ولن تتوقف عن دعم الأسد، فهي بوابة لأي دولة تريد التواصل مع النظام، وقد ثبت مدى فعالية موقفها ودعمها وعدم احترامها للعقوبات الغربية في استمرار وجود النظام وتمكينه من مواصلة الحرب على الشعب السوري”.
ويبدو أن الأنظار الآن ستتجه نحو النظام الذي سيسعى جاهدًا للمراوغة وتقديم تنازلات أكبر للخروج من أتون تلك القوانين ولا سيما القانون الأخير الذي يرسم له علاقاته مع الدول الراغبة بالتطبيع معه وإعادة تأهيله، فيما باتت الدول الحليفة للنظام أمام شبح العقوبات الأمريكية إذا أرادت المضي قدمًا في مسار التطبيع مع نظام مهلهل قائم على الحكم الميليشياتي المدعوم روسيًا وإيرانيًا.