ترجمة حفصة جودة
بعد عبورنا عتبة رمزية عام 2016 عندما سجل تركيز ثاني أكسيد الكربون في الجو من محطة رصد في القطب الجنوبي 400 جزء من المليون لأول مرة منذ 4 ملايين عام، ركزت الكثير من الدراسات على تأثيرات ارتفاع مستوى ثاني أكسيد الكربون على الطقس وارتفاع درجة الحرارة العالمية، لكن هل يؤثر ارتفاع مستوى ثاني أكسيد الكربون سلبًا على القيمة الغذائية للطعام الذي نزرعه؟
ورغم أن عبور حاجز الـ400 جزء من المليون لا يعني الكثير حاليًا، فإن دراسة المعدل المتزايد لثاني أكسيد الكربون في الجو خلال الـ50 عامًا الماضية يسبب قلقًا كبيرًا، ففي عام 1958 قامت أول محطة بقياس مستوى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي على سفح بركان مانو لو في هاواي، كان معدل ثاني أكسيد الكربون حينها يزداد بنسبة 7. جزء من المليون في العام، لكن الزيادة كانت مطردة لتصل إلى 2.1 جزء من المليون في العام خلال العقد الماضي.
الغلاف الجوي والطعام
في عام 2014 نُشرت دراستان بحثيتان عن تأثير مستوى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي على الخصائص الغذائية للطعام الذي نأكله، كانت نتائج كلتا الدراستين حاسمة تقريبًا، فارتفاع مستوى ثاني أكسيد الكربون في الجو يؤدي إلى انخفاض تركيز البروتين والمعادن في بعض المحاصيل الرئيسية.
كانت الدراسة الأولى للباحث إيراكلي لولادز هي الأوسع والأكثر شمولاً حتى الآن، فقد بحث في تأثير ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون على القيمة الغذائية للطعام، جمع لولادز نحو 8000 ملاحظة كجزء من دراسته، وقارن بين التعرض لثاني أكسيد الكربون في مقابل تركيز 25 معدنًا في 130 نوعًا مختلفًا من النباتات.
القمح المزروع في معدلات ثاني أكسيد كربون مرتفعة شهد انخفاضًا في البروتين والزنك والحديد
وجد لولادز أن ارتفاع مستوى ثاني أكسيد الكربون يقلل من محتوى المعادن في النباتات بمتوسط 8%، ووجد أيضًا أن زيادة تعرض النباتات لثاني أكسيد الكربون يرفع من نسبة الكربوهيدرات في مقابل المعادن، وبشكل أساسي، كلما ارتفعت نسبة الكربوهيدرات انخفضت نسبة المعادن، مما يجعل النباتات أقل في القيمة الغذائية كطعام للبشر.
يقول لولادز: “كل ورقة شجر أو عشب على الأرض تصنع المزيد والمزيد من السكر مع استمرار ارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون، نحن نشهد أكبر عملية حقن للكربوهيدرات في الغلاف الحيوي في تاريخ البشرية، هذا الحقن يقلل من القيمة الغذائية لطعامنا”.
كانت الدراسة الأخرى لصامويل مايرز من هارفرد مع فريق كبير من الباحثين، كانت الدراسة تستهدف بشكل واضح محاولة فهم تأثير ارتفاع مستوى ثاني أكسيد الكربون على المحاصيل الرئيسية في غذاء البشر ومن ضمن المحاصيل التي خضعت للدراسة الأرز والقمح والذرة وفول الصويا، قارنت الدراسة بين تركيز المواد الغذائية في المحاصيل التي تنمو في المحيط الجوي الحالي والمحاصيل التي تنمو في مستوى عالٍ من ثاني أكسيد الكربون (في معدل ما بين 546 إلى 586 جزء من المليون في سبع مواقع مختلفة للدراسة).
لوحظ انخفاض نسب الزنك والحديد والبروتين في جميع المحاصيل الخاضعة للدراسة، فالقمح المزروع في معدلات ثاني أكسيد كربون مرتفعة شهد انخفاضًا في البروتين بنسبة 6.3% وفي الزنك بنسبة 9.3% وفي الحديد بنسبة 5.1%، ظهرت نتائج مماثلة في الأرز لكن بقية المحاصل شهدت انخفاضًا أعلى في نسبة البروتين وصلت إلى 7.8%.
ما الذي يعنيه ذلك؟
حسنًا علينا أن نفكر أولاً في الكوكب الذي تصل نسبة ثاني أكسيد الكربون فيه إلى مستوى يتجاوز 550 جزءًا من المليون، ولا يتفق علماء المناخ بشكل كامل على نتيجة ذلك، لكن بالطبع سيكون هناك ارتفاع في مستوى درجات الحرارة العالمية وارتفاع مستوى سطح البحر، لكن لا أحد عرف إلى أي مدى على وجه التحديد، وتُقدر الأضرار ما بين متوسطة إلى كارثية، لذا يجب أن نثق أننا في نقطة ما ربما خلال الـ50 عامًا القادمة سوف نتجاوز حاجز 500 جزء من المليون (إلا إذا كان هناك إجراءات عالمية بارزة لحل مشكلة الانبعاثات).
يشكل الأرز والقمح مصدر البروتين الأساسي لنحو 71% من سكان العالم وهما من أكثر المحاصيل حساسية تجاه ارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون
لكن مع افتراض أن بيئتنا ستظل مستقرة أكثر مما نتوقع بعد ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون، فما تأثير هذا الانخفاض الثانوي للبروتين والمواد الغذائية الأخرى على صحة الإنسان؟
عند التركيز بشكل فردي على انخفاض مستويات الزنك في بعض المحاصيل الغذائية، يقول مايرز عند ارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون بنسبة 550 جزءًا من المليون عام 2050 فإن الآثار الغذائية اللاحقة ستضع 138 مليون شخص في خطر التعرض لنقص الزنك، سوف يرتفع الرقم عند الوضع في الاعتبار تأثير انخفاض تركيز البروتين أيضًا.
يقول مايرز وفريقه: “يشكل الأرز والقمح مصدر البروتين الأساسي لنحو 71% من سكان العالم وهما من أكثر المحاصيل حساسية تجاه ارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون، وبحلول عام 2050، سوف يصبح نحو 148.4 مليون من سكان العالم في خطر التعرض لنقص البروتين نتيجة ارتفاع ثاني أكسيد الكربون، في الهند حيث أكبر البلاد في الزيادة السكانية والتي تعتمد بشكل أساسي على الأرز، من المتوقع أن يتعرض 53.4 مليون شخص إلى خطر نقص البروتين”.
هذه التحولات الصغيرة في المحاصيل قد تسبب تحولاً سريعًا في صحة الأشخاص في دول العالم الثالث والدول النامية، فمعظم هؤلاء الأشخاص يعانون بالفعل من الفقر وسوء التغذية وبذلك سيتعرضون لمعاناة أكبر نتيجة هذا التحول في الغذاء.
من الصعب التنبؤ بالتحديات التي تواجه الصحة البشرية نتيجة تغير المناخ
ومع ذلك فالواقع دائمًا أكثر تعقيدًا، فهناك عوامل أخرى تؤثر في العالم بعد 50 عامًا، فالبعض يقول إن ارتفاع مستوى ثاني أكسيد الكربون سوف يؤدي إلى زيادة المحاصيل وهناك أدلة تدعم ذلك.
لذا هل سنزرع المزيد من المحاصيل لتعويض هذا النقص؟ أم هل تؤدي زيادة مستوى ثاني أكسيد الكربون في الجو إلى التقلب الشديد في الأحوال الجوية ما بين موجات جفاف وفيضانات مما يقضي على صافي نمو المحاصيل الناتج عن ارتفاع ثاني أكسيد الكربون؟
من المؤكد أن تطوير المحاصيل المعدلة جينيًا قد يرفع من القيمة الغذائية للطعام، لكن هل ستكون متاحة للجميع وهل يتم اختبارها جيدًا قبل تطبيقها على نطاق واسع؟ نستنتج من تلك الأبحاث أن ارتفاع مستوى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي سيؤثر على الأرض بعدة طرق لا يمكن التنبؤ بها، والتي تصل إلى التأثير على القيمة الغذائية لطعامنا.
يقول مايرز: “من الصعب التنبؤ بالتحديات التي تواجه الصحة البشرية نتيجة تغير المناخ، وأعتقد أنه سيكون هناك العديد من المفاجآت حيث سنشهد إعادة صياغة الظروف البيئية على سطح الأرض، نحن الآن نعيش مع معدل ثاني أكسيد كربون يصل إلى 400 جزء من المليون للمرة الأولى، إنه عالم جديد”.
المصدر: نيو أطلس