تدور في جنوب السودان مواجهات بين القوات الحكومية بزعامة الرئيس سلفاكير ميارديت، ومسلحين مناوئين له تابعين لريك مشار نائب سلفاكير المقال، وذلك على خلفية اتهام سلفاكير، مشار بالتخطيط لانقلاب عسكري لإسقاطه، وأعقب ذلك قيام الحكومة باعتقال عدد من الشخصيات التي قالت إنها “متورطة في عملية الانقلاب” في منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
ولم تتمكن مفاوضات السلام الجارية في أديس أبابا، بمشاركة طرفي النزاع، من التوصل إلى اتفاق سلام في الدولة التي انفصلت عن السودان عام 2011.
وبعد أسابيع من الأزمة تعرضت العلاقة التي تجمع جنوب السودان وجارتها الجنوبية أوغندا لانتقادات كثيرة.
فقد تجاوزت العلاقة بين البلدين من كونها علاقة جوار ذات جذور تاريخية تعود إلى أيام الكفاح المسلح والحرب الأهلية، لتصبح أقرب إلى التحالف العسكري بعد إرسال الحكومة الأوغندية لقواتها للمحاربة إلى جانب جيش جنوب السودان.
وهذه الخطوة قد سبقتها تصريحات أدلي بها الرئيس اليوغندي يوري موسيفيني في عاصمة جنوب السودان، قال فيها إنه سيحارب بجيشه إلي جانب الرئيس الجنوب سوداني سلفاكير ميادريت، متوعدا المتمردين الذي يتزعمهم نائب رئيس جنوب السودان السابق ريك مشار بالهزيمة. لتؤكد هذه التصريحات على هذا التحالف المعلن.
ولهذا السبب، طالب المتمردون بعدم مشاركة أوغندا في جهود الوساطة التي تقودها الهيئة الحكومية للتنمية بدول شرق أفريقيا (إيغاد) بين الفرقاء في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
وبينما بررت الحكومة الأوغندية إرسالها قوات إلى جنوب السودان تلبية لطلب جوبا، ظلت حكومة الجنوب تتمسك بأن الوجود الأوغندي شرعي، وتحكمه اتفاقات مسبقة بين البلدين في (2008)، لمحاربة جيش الرب الأوغندي، الذي يقوده جوزيف كوني.
ويري مراقبون أن أوغندا بدأت تنشط بعد توقيع اتفاق السلام الشامل بين حكومة السودان والحركة الشعبية في العام 2005، للسيطرة علي جنوب السودان اقتصاديا.
ويعزو عدد من الخبراء الدعم الأوغندي للجنوب إلي وجود “مطامع نفطية” لكمبالا في جنوب السودان، إضافة إلى أن سوق جنوب السودان يعد أهم مركز لتصدير البضائع الأوغندية، حيث بلغت الصادرات الأوغندية إلي جنوب السودان 60% من جملة الصادرات الأوغندية للخارج.
من ناحية أخرى، تعد أوغندا من أهم دول الجوار لدولة جنوب السودان، وأكثرها اتصالا بها، نظرا للقرب الجغرافي وللعلاقات التاريخية والثقافية والاجتماعية بين الدولتين، فحكومة الجنوب تعد أوغندا شريكا لها في الانفصال.
اللقاء الجانبي الأخير بين الرئيس السوداني عمر البشير، ونظيره الأوغندي يوري موسفيني، خلال القمة الأفريقية، التي انعقدت مؤخرا بأديس أبابا، أعطى إشارات مفادها أن الوجود العسكري الأوغندي في جنوب السودان، يثير مخاوف أمنية كبيرة لدى الجار الشمالي لجنوب السودان، والذي تربطه معه مصالح كبيرة، وحدود مشتركة، واتفاقيات عالقة، ذات طابع سياسي وأمني، خاصة بعد تصريح الحكومة السودانية بأن الوجود العسكري الأوغندي، بجنوب السودان، أصبح يهدد أمنها، مطالبة جارتها الجنوبية بسحب هذه القوات.
من ناحية أخرى، يصر الجناح الذي يقوده ريك مشار بضرورة سحب القوات الأوغندية من جنوب السودان قبل التوصل إلي أي تسوية سلمية للأزمة عبر المفاوضات الجارية في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
ويتفق ابراهيم أوول نكير، المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة الخبر الجنوب سودانية- المتوقفة عن الصدور- مع الرأي القائل بأن الوجود العسكري الأوغندي قد يقود أزمة داخلية بين أطراف النزاع في جنوب السودان، تمتد تأثيراتها إلي الإقليم بأكمله. “هي ليست علاقة بين دولتين وإنما تدخل لدولة داخل دولة أخرى، فأوغندا ممعنة في الاهتمام بالشأن الجنوبي، وهو ما ألقي بظلاله علي السياسة الداخلية، وأدى إلى تأزيم الصراع الداخلي”، حسب قوله.
وتابع أوول: “كمبالا لا تميل إلي تقديم حلول مرضية، بل ترجح الحسم العسكري علي الوفاق السياسي، وهذا سيؤثر بطبيعة الحال علي مستقبل الاستقرار السياسي بجنوب السودان، كما سيؤثر علي دول الإقليم ويقود إلي حالة من الاستقطاب الحاد مع أو ضد”، حسب وصفه.
وبالرغم من الأحاديث التي نسبتها وسائل الإعلام إلي مسئولين في الجيش الأوغندي تتحدث أنها ستبدأ في الانسحاب التدريجي في إبريل/ نيسان القادم، تري معظم التحليلات أن هذا التدخل يمكنه أن يقود لتحويل الجنوب إلي ساحة لتصفية حسابات دول الإقليم.