أحدثت السينما ووسائل الإعلام المتنوعة في السنوات الأخيرة فروقاتٍ كبيرة في الطريقة التي ينظر بها الأفراد للأمراض النفسية وفهمهم لها وللأشخاص الذين يعانون منها، بعد أنْ ظلّت لسنواتٍ كبيرة محصورة في قوالب من الغموض والفهم الخاطئ والقصص التي لا تتعدّى بكونها جزءًا من الأساطير والخرافات.
والكثير من الأمراض النفسية والعقلية باتت أقرب للفهم بعد تناولها فيلمٌ ما، خاصة وأنّ المجتمعات لعبت بقوة في خلق الوصمات والمفاهيم الخاطئة حولها، ما زاد الأمر سوءًا على من يعانون منها وخوفهم من إفصاحهم عنها أو حتى الاعتراف بوجودها والسعي في علاجها.
قد يكون الاكتئاب هو أكثر الأمراض النفسية شيوعًا في العالم، فبحسب منظمة الصحة العالمية فثمّة 300 مليون شخص على مستوى العالم يعانون منه، وتختلف درجة حدته من شخص لآخر، وتزداد خطورته إذا ارتبط بأفكارٍ انتحارية قد تنتهي بمحاولاتٍ ناجحة لإنهاء الحياة
يستند الفيلم على رواية مايكل كانينغهام التي حملت نفس الاسم وتتبعت حياة ثلاث نساء في نفس اليوم من الشهر ولكن في سنوات تفصل بينها عقود، وترتبط حياتهنّ برواية “السيدة دالواي” التي كتبتها فيرجينيا وولـف.
يتتبع الفيلم حياة كلاريسا فوغان التي تقطن بمدينة نيويورك وتحاول إعداد حفلة لصديقها القديم ريتشارد المصاب بالإيدز، و لورا براوس ربة المنزل الحامل التي تعيش في كاليفورنيا حياةً زوجية غير سعيدة؛ وهناك في لندن فيرجينيا وولف التي تعاني من اكتئاب حادّ تصحبه أفكار انتحاريّة.
يبدأ الفيلم وينتهي بمشاهد فرجينيا وولف “نيكول كيدمان” أثناء سيرها باتجاه النهر محاولةً الانتحار، ولكنّ الجزء الأكبر من القصة يجري في أحد أيام عام 1923 عندما بدأت بكتابة “السيدة دالواي”، برفقةٍ خوفها الشديد من عودة الاكتئاب الانتحاري الذي سبّب لها انهيارات عصبية في السابق.
ولدت فرجينيا وولف في لندن عام 1882 وتوفيت عام 1941، حيث انتحرت بعد أن ملأت جيوب معطفها بالحجارة وألقت نفسها في نهر “أوس” القريب من منزلها، بعد أن عانت من الاكتئاب الانتحاري لسنواتٍ طويلة تخللتها عدة محاولات غير ناجحة، إذ عاشت حياةً قاسية حيث توفيت أمها في طفولتها وتوفي والدها مصابًا بالسرطان ما إدى إلى إصابتها بالانهيار العصبي الذي كانت تجد في الكتابة مخرجًا ومهربًا منه.
كلّ واحدة من النسوة الثلاث تعيش حياة الوحدة حتى وإن كانت محاطة بالعائلة أو الأصدقاء. وكلّ واحدة منهنّ مرّت في حياتها بفترةٍ أو فتراتٍ من الاكتئاب الشديد الذي قادها للتفكير بالانتحار أو محاولته بعد فترات عصيبة من الانهيارات العصبية والتوتّر النفسي.
قد ينظر الكثيرون لهذا الفيلم على أنّه تجسيد للحياة الاجتماعية الخانقة وهاجس المركز الاجتماعي في الولايات المتحدة الأمريكية في خمسينيات القرن الماضي، لكنّ هذا وجه واحد ضمن وجوه عديدة للقصة التي تناولت جوانب عديدة قد يمرّ بها أيّ فرد أو عائلة في أيّ زمان ومكان.
يروي الفيلم قصة فرانك وابريل ويلر اللذيْن بدأت حياتهما بطابع الإثارة والمستقبل المليء بالأحلام والآمال التي ينتظران تحقيقها في مدينة أحلامهما “باريس”، لكنّ الأمر ينتهي بفرانك مع منصبه الناجح جدًا في إحدى شركات التسويق الكبيرة في نيويورك، فيبدأ بالتنصل شيئًا فشيئًا من كلّ الخطط التي وضعه مع زوجته التي سرعان ما بدأت بالغرق في اكتئابٍ شديد وانهيارات عصبيّة بين الفينة والأخرى.
يطرح الفيلم سؤال “كيف تحرّر نفسك دون أن تفككها أو تحطها؟” دون أن يجد أيْ إجاباتٍ له. فالنضال ضدّ الملل ورتابة الحياة التقليدية والخاوية، التوتّر الناتج عن الصراع بين خوف البدء بمرحلة جديدة والشجاعة اللازمة لذلك أو الرغبة بالبقاء في أمان المرحلة الحاليّة التي لا نشعر بالرضا حيالها، ثمن الاختلاف عن المجتمع أو المحيط التي تعيش فيه، والآثار السلبية لمحاولة الانسجام معه باستسلام وإذعان، جميعها مشكلات يمكن لأيّ فرد منا أن يواجهها بطريقته الخاصة، لكنه يبقى دومًا وبأي لحظة معرّضًا للدخول بالاكتئاب جرّاءها وبسببها.
الاكتئاب: الوباء الذي يُساء فهمه ” Depression: The Misunderstood Epidemic”
يستكشف هذا الفيلم الوثائقي خلال ساعة كاملة تقريبًا أثر الاكتئاب ونتائجه على ضحاياه وعائلاتهم ومن يُحيط بهم، محاولًا من خلال سرد قصص واقعية وحقيقية كيف يمكن لهذا المرض أن يُصيب أيًّا كان بغض النظر عن جنسه أو عمره أو عرقه أو خلفيته الاجتماعية أو وضعه الاقتصاديّ، ساعيًا لأن يوصل لكلّ المصابين به رسالةً مفادها أنهم ليسوا وحدهم وهناك الكثيرون مثلهم من نجحوا في عبوره والتخلّص منه.
يحاول الفيلم التعرّض لتفاصيل المرض واحدة تلو الأخرى، مثل البدايات والأعراض والوصمة الاجتماعية “stigma” المرتبطة به، وتأثيره على العلاقات والعائلة ونطاق العمل، والأفكار الانتحاريّة المرتبطة به. كما يناقش إيجابيات وسلبيات العلاج الدوائيّ وأنواعه المختلفة وأثر مجموعات الدعم النفسيّ فيه.
الحقيقة وراء الاكتئاب ” The Truth About Depression”
يركّز هذا الفيلم الوثائقي الذي أنتجتهBBC على الجانب البيولوجي من الاكتئاب، أي الدور الذي يلعبه الدماغ وأجزائه في نشوء المرض وتطوّره، من خلال دراسة أدمغة عدد من الأشخاص الذين عانوا من الاكتئاب لسنوات طويلة.
كما يسعى الفيلم لتغيير الوصمة الاجتماعية أو الستيجما المرتبطة بالمرض بين المصابين به أو بين المجتمعات المحيطة بهم، والتي تكوّن لديها عبر سنين عديدة فهم خاطئ عنه.
الاكتئاب: السرّ الذي نتشاركه “Depression: The Secret We Share”
يحكي “آندرو سولومون” في محاضرته على منصة TED عن تجربته الشخصية مع الاكتئاب صاحبًا إيّانا في ما يقارب النصف ساعة إلى أحلك زوايا عقله وذكرياته فيما يتعلّق بالمرض وذكرياته.
الاكتئاب: خارج الظلال “DEPRESSION: Out of the Shadows”
مثله مثل الأفلام السابقة، يسعى هذا الفيلم الوثائقي ومن خلال عرض تجارب بعض الحالات الواقعية التي مرّت بمرض الاكتئاب لتغيير الأفكار الخاطئة والوصمة الاجتماعية المتعلقة بالمرض ومصابيه، فيتناول أعراضه ووتشخيصه وصعوباته والدعم اللازم وطرق علاجه.
MY DEPRESSION (THE UP AND DOWN AND UP OF IT)
تحاول “إليزابيث سوادوس” من خلال هذا الفيلم الكارتوني الذي أنتجته شركة HBO أن تشاطر تجربتها مع مرض الاكتئاب مع غيرها، ممن يعانون منه أو لا، وتسعى لتغيير المفاهيم الخاطئة التي تتعلق به.
يتعرّض الفيلم للعواطف والمشاعر والاضطرابات والآثار الجانبية التي ترافق الشخص المكتئب عن طريق الرسوم المتحركة والموسيقى والأرقام بطريقة مبسّطة وقد تكون كوميدية أحيانًا.