ترجمة وتحرير نون بوست
تداعيات تحركات الولايات المتحدة في سوريا، وتأثيرها على مستقبل منطقة الشرق الأوسط.
يوم الثلاثاء 12 من أيلول/ سبتمبر، التقى وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بالرئيس السوري بشار الأسد في مقره بدمشق. ووفقا لما صرحت به السفارة الروسية، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فقد تطرق الطرفان للحديث عن سبل التعاون المشترك لمقاومة تنظيم الدولة. ويأتي هذا اللقاء في أعقاب نجاح الجيش السوري من الوصول إلى مدينة دير الزور الواقعة على نهر الفرات على الحدود السورية، وكسرها للحصار المفروض على المدينة منذ أكثر من عامين ونصف.
في الأثناء، لعبت روسيا دورا رئيسيا في نجاح الجيش السوري، مما يحيل إلى إمكانية حدوث صدام وشيك بين الجيش السوري المدعوم من قبل روسيا وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. ففي 16 من أيلول/ سبتمبر، أعلن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية أن غارة روسية على غربي نهر الفرات قد أسقطت عددا من الضحايا في صفوف قوات سوريا الديمقراطية.
في ظل تراجع تنظيم الدولة، أخذت مجموعات تتبنى أجندات مختلفة، تعمل على سد الفراغ الذي خلفه التنظيم، على غرار واشنطن التي لم تحدد إستراتيجيتها المتبعة بعد في غربي سوريا. ومن المرجح أن هذا الأمر سيؤدي إلى تعزيز تأثير إيران في العراق وسوريا، في حين يجد حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في الخليج، وإسرائيل وعلى الأرض في سوريا، أنفسهم في حيرة من أمرهم بشأن المستقبل.
عقب أيام قليلة من نجاح الجيش السوري، بدعم من غطاء جوي روسي، في كسر الحصار المفروض على دير الزور، نفذت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية عملية عسكرية بهدف النفاذ إلى المدينة من الجانب الآخر من نهر الفرات. وفي هذا الصدد، ذكرت الشبكة الإعلامية الكردية “رووداو” أن القوات الكردية قد وصلت إلى المنطقة الصناعية في المدينة وذلك في 10 من أيلول/ سبتمبر. وعموما، تعتبر دير الزور مدينة ذات أهمية إستراتيجية نظرا لأنها أكبر مدينة في المحافظة، التي تمتد على جانبي نهر الفرات وصولا إلى الحدود العراقية.
الإيرانيين يرون العراق وسوريا ولبنان بمثابة رقعة جغرافية واحدة، حيث يستطيعون تطبيق خططهم الإستراتيجية في المنطقة
منذ سنة 2014، سيطر تنظيم الدولة على هذه المنطقة، في حين اعتمدها منفذا للولوج إلى محافظة الأنبار ذات الأغلبية السنية في العراق، عبر معبر البوكمال. وفي ظل تقلص الرقعة الجغرافية التي يسيطر عليها تنظيم الدولة، وقرب سقوط الرقة في يد قوات سوريا الديمقراطية باتت الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وحلفائهم، يترقبون المرحلة القادمة من الصراع في سوريا والعراق.
في سياق متصل، أورد جوناثان سباير، مدير مركز روبين للبحوث المتعلقة بالشؤون الدولية في مركز هرتسليا متعدد التخصصات، أن “الوضع الحالي يثير العديد من التساؤلات الهامة، لا سيما حول الدعم الإيراني للنظام السوري”. وأضاف سباير، أن “النظام السوري يحاول هزيمة تنظيم الدولة، وإعادة السيطرة على البلاد. أما الإيرانيون، فيرغبون في بسط نفوذهم على المعبر الحدودي المفضي لمدينة البوكمال فضلا عن الممر البري الذي يمثل جزءا من ذلك”.
ففي الواقع، ستتيح السيطرة على المعبر والممر البري لإيران فرصة تحقيق هدفها المتمثل في خلق صلة بين الميليشيات الشيعية التي تدعمها في العراق وحزب الله في لبنان عن طريق حليفها في دمشق. وفي هذا الإطار، أوضح جوناثان سباير، قائلا: “نحن نعي ما يريده الإيرانيون، فضلا عن أهداف قوات سوريا الديمقراطية والأميركيون، حيث يرغبون في القضاء على تنظيم الدولة. ولكن الولايات المتحدة لا تملك إستراتيجية شاملة لما بعد زوال تنظيم الدولة”.
في سياق متصل، أفاد سباير أن الإيرانيين يرون العراق وسوريا ولبنان بمثابة رقعة جغرافية واحدة، حيث يستطيعون تطبيق خططهم الإستراتيجية في المنطقة، من خلال التدخل واللعب في الدول الثلاثة. ومن هذا المنطلق، لم يتوان حزب الله الذي يقاتل في سوريا عن إرسال بعض رجاله للقتال في العراق، في حين تحولت الميليشيات العراقية للقتال في سوريا.
في المقابل، تتعامل الولايات المتحدة مع كل بلد بشكل مختلف. ففي واقع، أقدمت واشنطن على التعاون مع حكومة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في بغداد لمقاومة تنظيم الدولة، في حين تعمل مع قوات سوريا الديمقراطية في سوريا، في الوقت الذي تساند فيه حكومة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في بيروت. وفي هذا الصدد، قال سباير إن “تسليم إدارة ترامب الملف السوري للروس، يعني منح سوريا إلى خصوم أمريكا”.
تستند العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا في سوريا إلى آلية “تفادي الاصطدام”، التي تهدف إلى تجنب أي اشتباك بين القوات الجوية لكلا الطرفين
من جهته، أشار فلاديمير فان ويلغنبرغ، المحلل المختص في الشؤون الكردية في سوريا والمطلع على قوات سوريا الديمقراطية، إلى أن الروس والأمريكيين يسعون “لتفادي الاصطدام”، في ظل اقتراب قواتهم من بعضها البعض. وأضاف ويلغنبرغ: “لا أعتقد أن من مخططات قوات سوريا الديمقراطية السيطرة على مدينة دير الزور، فقط قد تحاول الدخول إلى بعض الأرياف المحيطة بها. في الواقع، تعد المدينة من نصيب النظام”.
في السياق ذاته، أورد ويلغنبرغ أن قوات سوريا الديمقراطية ترغب في السيطرة على الأرياف المحيطة بالمدينة، في حين يبدو أن واشنطن تعمل على الدفع بهم نحو الحدود العراقية. وأردف ويلغنبرغ، قائلا: “أعتقد أن ذلك هو مخطط الطرفين، ولكن ذلك يعني أنهم على المسار ذاته على غرار النظام السوري، الأمر الذي لن يعجب الإيرانيين. وبالتالي، ستضطر روسيا والولايات المتحدة للجلوس والتفاوض حوله”. وفي الأثناء، يبقى السؤال الأهم: هل ستقول الولايات المتحدة صراحة إن سياستها تقتضي احتواء التأثير الإيراني وأن الحدود ستكون نقطة الانطلاق للقيام بذلك؟
في الوقت الراهن، تستند العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا في سوريا إلى آلية “تفادي الاصطدام”، التي تهدف إلى تجنب أي اشتباك بين القوات الجوية لكلا الطرفين. وفي أواخر أغسطس / آب الماضي، سُمح لقافلة تقل المئات من مقاتلي تنظيم الدولة بمغادرة منطقة القلمون، الواقعة على الحدود اللبنانية السورية بموجب اتفاق مع حزب الله. وكان من المفترض أن تعبر هذه القافلة إلى البوكمال، نظرا لأن النظام كان يستعد لتنفيذ هجوم على دير الزور، ولم يكن يريد أن يدخل في مواجهة جديدة مع مقاتلي تنظيم الدولة.
تحت وطأة الضغط المسلط من قبل بغداد، التي لم ترغب في أن تعبر القافلة الحدود العراقية السورية، استهدف التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة طريق القافلة لمنعها من الوصول إلى وجهتها. وفي بيان صدر عن التحالف، أقر المسؤولون الأمريكيون “لقد تواصلنا مع الروس حتى يبلغوا رسالة إلى النظام السوري مفادها أن التحالف لن يغض الطرف عن مقاتلي تنظيم الدولة المتوجهين نحو الشرق إلى الحدود العراقية”. وعلى الرغم من أن عمليات التحالف الجوية قد تجاوزت نهر الفرات، إلا أنه ما فتئ يشدد على أنه ليس في حرب مع النظام السوري أو حلفائه، في خضم الحرب التي يخوضها ضد تنظيم الدولة.
من جهتهم، يبدو أن الروس متشبثون بموقفهم المعارض للدور الأمريكي في سوريا. وقد أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس الأحد أن “أي وجود أجنبي على الأراضي السورية أو في المجال الجوي السوري، دون موافقة دمشق، بما في ذلك التمركز الأمريكي، يشكل انتهاكا للقانون الدولي”. وفي أوائل شهر أيلول / سبتمبر، ذكرت سبوتنيك نيوز، المقربة من الحكومة الروسية، أن “الطائرات الأميركية قد أخلت 20 قياديا من قادة تنظيم الدولة من دير الزور”. وقد كانت هذه المعلومات بمثابة مغالطة تهدف إلى تشويه سمعة الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا.
يقبع الطرف المقابل من الحدود العراقية تحت سيطرة الحشد الشعبي، القوة الشيعية المدعومة من إيران، التي تعتبر رسميا جزءا من قوات الأمن العراقية
في 11 من أيلول/ سبتمبر الماضي، وردا على ادعاءات مفادها أن الولايات المتحدة قد استهدفت الجيش السوري، نشر المتحدث باسم “قوة المهام المشتركة – عملية العزم الصلب”، تغريدة على تويتر، أفاد من خلالها أن تلك المعطيات مجرد شائعات باطلة، مؤكدا أن “معركتنا مع تنظيم الدولة، وقد نفذنا 22 غارة ضد مواقعه هذا الأسبوع”.
على الرغم من كثرة الشائعات والحرب الكلامية، إلا أن موسكو ترى في قوات سوريا ديمقراطية حليفا لها. ففي 13 من أيلول/ سبتمبر نشر تقرير عسكري روسي ورد فيه أن 85 بالمائة من الأراضي السورية قد حُررت من قبضة الأعداء. ووفقا لوكالة أسوشيتد برس، أورد الفريق الروسي ألكسندر لابين أن 15 بالمائة من المساحة المتبقية ستعود لا محالة. من هذا المنطلق، يمكن القول إن الأراضي الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، التي تبلغ 35 بالمائة من مساحة سوريا، ينظر إليها على أنها تحت سيطرة حليف.
والجدير بالذكر أن عددا من المراقبين العسكريين الروس قد لعبوا دورا هاما في أماكن مثل عفرين، التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية ولكن في المواقع التي لا يسجل فيه حضور للولايات المتحدة. ويطرح هذا سؤالا غاية في الأهمية حول السياسة الأمريكية التي ستتبعها واشنطن في منطقة في ظل سعي حلفائها لتحرير مناطق واقعة على طول نهر الفرات بالقرب من الحدود العراقية.
في الوقت الحالي، يقبع الطرف المقابل من الحدود العراقية تحت سيطرة الحشد الشعبي، القوة الشيعية المدعومة من إيران، التي تعتبر رسميا جزءا من قوات الأمن العراقية. وتسعى هذه القوات إلى السيطرة على معبر القائم عبر البوكمال، مما سيتيح لها فرصة ربط الصلة بين قوات النظام السوري والميليشيات التابعة لها، المسنودة من قبل إيران. في المقابل، تصر الولايات المتحدة الأمريكية على أن حربها تقتصر على تنظيم الدولة فقط، في حين تعمل القوات العراقية، المدعومة من قبلها، إلى جانب الميليشيات الشيعية لمجابهة التنظيم على غرار الحملة الأخيرة على تلعفر.
في الأثناء، لا تقر سياسة التحالف الرسمية في العراق إلا بالتعامل مع الجيش النظامي، أو الشرطة الفدرالية أو غيرها من الوحدات المسلحة، في حين ترفض التعاطي مع الميليشيات. في الحقيقة، يفتقر هذا التقسيم إلى أي دلالة على أرض الواقع، نظرا لأن كل هذه القوات متفقة على مواجهة تنظيم الدولة. على العموم، تعد القرارات التي ستتخذها الولايات المتحدة وحلفائها من قوات سوريا الديمقراطية في الأشهر القليلة القادمة في سوريا بمثابة حجر الأساس لتحديد ملامح المرحلة القادمة من مستقبل الشرق الأوسط.
في حال بادرت الولايات المتحدة بوضع مخطط لاحتواء تأثير إيران، يمكنها تحقيق ذلك مع حلفائها. أما إن كانت الولايات المتحدة موجودة هناك بهدف القضاء على تنظيم الدولة فقط، فعليها أن تعلم أن إستراتجيتها لمرحلة ما بعد التنظيم في العراق وسوريا ستجعل حلفاءها من أعداء إيران يتخبطون في مستقبل غامض. فضلا عن ذلك، سيخلف هذا الأمر تداعيات خطيرة تتجاوز بكثير ما وراء نهر الفرات، في حين سيؤثر ذلك على كيفية رؤية المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل والأكراد وتركيا للالتزامات والسياسات الأمريكية.
المصدر: ناشيونال انترست