كيف ضربت “ولاية سيناء” عُمق الدولة المصرية في مقتل؟

a1491025291

رغم تأكيد الإعلام المصري في مناسبات عديدة، نجاح القوات الأمنية والعسكرية المصرية في القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية “ولاية سيناء” وضربه في مقتل، إلا أن الوقائع على الأرض تنسف رواية الجهات الرسمية المصرية نسفا.

خلال الأسبوع الماضي، سقط 20 قتيلا من قوات الأمن والجيش، في هجمات لتنظيم “ولاية سيناء”، استخدم فيها سيارة مفخّخة وحزاما ناسفا وأسلحة خفيفة ومتوسّطة متنوّعة، ما أسفر عن تدمير عدد من العربات المدرّعة لقوات الشرطة المصرية.

هذا الهجوم الدموي العنيف لم يكن الأعنف الذي نفّذه الجهاديون في منطقة تعتبر خارج سيطرة الدولة المصرية رغم العدد الكبير من قوات الشرطة والجيش التي وضعتهم للقضاء على الجهاديين ومنعهم من التسلّل والتغلغل في حدودها مع الاحتلال الإسرائبلي، وهو ما يطرح تساؤلات عن جدوى العمليات الأمني والعسكرية في شبه الجزيرة سيناء.

بعد أيام قليلة من الهجوم الذي خلّف تساؤلات عديدة عن جدوى العمليات الأمنية والعسكرية المصريّة ضدّ مسلّحي “ولاية سيناء”، علّقت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية بالقول إن شبه جزيرة سيناء ما زالت خارج سيطرة القوات المصرية، على الرغم من المليارات التي صرفت لمواجهة تنظيم الدولة، الذي يوجد في تلك المنطقة منذ أربع سنوات، الأمر الذي كلف مئات الأرواح من ضباط في الجيش والشرطة.

وتنقل الصحيفة عن مهند صبري، مؤلف كتاب “التمرد الإسلامي في سيناء” قوله إن هذا الهجوم الذي يفترض أنه وقع في منطقة آمنة تماماً، وتسبب بمقتل 18 شخصاً، “يؤكد أن الأمور ما زالت خارج السيطرة” مضيفا أن “عدد القتلى والوفيات في سيناء يمكن أن يكون أعلى بكثير من التقديرات الرسمية، خاصة أن الجيش المصري منع الإعلاميين من زيارة أو تغطية ما يجري في سيناء، لذلك فمن الصعب جداً فهم ما يحدث بالضبط؛ فهناك تعتيم مكثف”.

انتقاء الأهداف وضرب الاقتصاد والسلم الأهلي في مصر كان الهدف الأبرز لهجمات تنظيم “ولاية سيناء”

وبحسب إحصائيات لمعهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، فمنذ يوليو 2013، قتل ما لا يقل عن 1000 من أفراد قوات الأمن، في هجمات مسلّحة بشبه جزيرة سيناء، بينهم 200 شخص قتلوا عام 2017، ما يؤكد أن تنظيم الدولة ما زال قوياً، مستفيداً من التضاريس المحلية لصالحه.

كان لافتا في استراتيجية الجهاديين المصريين تغيير أهدافهم باستمرار وخروجها عن حيّز المكان، فخلاياه النائمة وذئابه المنفردة ضربت أهدافا صلبة داخل القاهرة وخارجها، كان أبرزها الكنيسة البطرسية بحي العباسية بمحافظة القاهرة شهر ديسمبر الماضي، وكنيسة مار جرجس في طنطا عاصمة محافظة الغربية، والكنيسة المرقسية في الإسكندرية.

انتقاء الأهداف وضرب الاقتصاد والسلم الأهلي في مصر كان الهدف الأبرز لهجمات تنظيم “ولاية سيناء”، فعلى سبيل المثال، تسبّب إسقاط طائرة ركّاب روسية تحمل أكثر من 200 سائح روسي، بعد إقلاعها من مطار شرم الشيخ، في خسارة الاقتصاد المصري لمليارات الدولارات بعد أن قرّر ملايين السياح الغربيين عدم زيارة مصر، لأنها دولة غير آمنة.

تداعيات عمليّة إسقاط الطائرة الروسية متواصلة إلى الآن، فرغم كل المجهودات التي قامت بها السلطات المصرية في الترويج لمصر كدولة آمنة وخالية من الإرهاب، إلا أن المقاطعة الغربية متواصلة، حتى أن المنتجعات السياحية تكاد تكون مهجورة إلا من بعض السياح، وهو ما أسفر عن خسائر كبيرة للدولة ولرجال الأعمال ومئات آلاف العاملين في القطاع السياحي.

المعارك بين تنظيم الدولة الإسلامية بفرعه المصري والقوات الأمنية المصرية لا يبدو أن نهايتها ستكون قريبة، فسيناء تعتبر إحدى أهم الجبهات التي يراهن عليها التنظيم لتصدير الفوضى إلى الداخل المصري

تناست السلطات المصرية التي تقاتل الجهاديين منذ 5 سنوات أنها لن تنجح في اجتثاث الإرهاب مادامت حاضنته موجودة، فسيناء التي عانت من التهميش والتدمير الممنهج على كافة المستويات، أصبحت أرضيّة خصبة لتجنيد أعداء جدد للدولة المصريّة وملاذا آمنا للجهاديين المتربّصين بالقوات المصريّة.

في أواسط شهر مارس من العام 2014، نقلت وكالة “رويترز” للأنباء في تقرير لها عنونته بـ”المسلحون يفوقون الجيش المصري دهاء في قتال سيناء”، نقلت عن كثير من السكان قولهم إن العمليات العسكرية التي تنفذها السلطات تخلق في واقع الأمر أعداء جددا للدولة، كما لم يخف عدد من السكّان استياءهم من حملة الجيش، حتى أنهم باتوا يشعرون بأن الحكومة المركزية تهملهم.

هذا الفشل الأمني المصري، تبعه آخر اجتماعي، فرغم أن تجربة الصحوات السنية نجحت في كل من العراق وسوريا لقتال تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أن “صحوات سيناء” فشلوا في تجميع أنفسهم وتكوين فصيل قويّ قادر على القضاء على الجهاديين رغم دعم الدولة لهم ماديّا ومعنويا، ففي أوّل قتال دار بينهما، قتلت “ولاية سيناء” منهم وشرّدت العشرات الذين لم يجدوا حلّا إلّا مغادرة شبه الجزيرة.

ختاما نقول، إن المعارك بين تنظيم الدولة الإسلامية بفرعه المصري والقوات الأمنية المصرية لا يبدو أن نهايتها ستكون قريبة، فسيناء تعتبر إحدى أهم الجبهات التي يراهن عليها التنظيم لتصدير الفوضى إلى الداخل المصري وإطالة أمد القتال لاستنزاف الشرطة والجيش المصري، ولعلّ سقوط سيناء وخروجها عن سيطرة الدولة المصرية سيكون أثمن هديّة يقدّمها عبد الفتاح السيسي لصديقه بنايمين نتنياهو الذي ينتظر ساعة الصفر للانقضاض عليها.