لا يجد الفلسطيني أنس الداية ما يسد به رمق عائلته في مدينة غزة التي تعاني من حصار إسرائيلي خانق للشهر الخامس على التوالي، منذ أن بدأ الاحتلال حرب الإبادة والتجويع على القطاع الذي يعيش به 2.3 مليون نسمة.
يعاني قرابة 800 ألف نسمة في الشمال ومدينة غزة من مجاعة حقيقية جراء وقف الاحتلال الإسرائيلي إدخال الشاحنات الغذائية المحملة بالمساعدات، منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ما اضطر الفلسطينيون في مناطق الشمال وغزة إلى استخدام علف الحيوانات كبديل عن الدقيق في صناعة الخبز، في ظل نقص السلع الغذائية وشحها من الأسواق وعدم وجود أي مواد غذائية في مختلف هذه المناطق.
يتحدث الداية لـ”نون بوست” عن صعوبة الحصول على الدقيق في ظل عدم توافره واللجوء إلى الشعير والذرة وبعض الأعلاف لتصبح مواد غذائية بديلة يتمكن بها الفلسطينيون في غزة من سد رمق جوعهم، ويشير إلى ارتفاع أسعارها خلال الفترة الأخيرة ووصولها إلى مبالغ لا يقوى الكثيرون عليها.
أما السيدة أم أشرف فقالت لـ”نون بوست” إنها اضطرت في بعض المرات لإطعام رضيعها المياه من أجل سد الجوع ولو قليلًا أمام عدم توافر حليب الأطفال وعدم وجود أي بدائل في مدينة غزة، ولفتت إلى أن بعض السيدات يبحثن عن “التمر” ويضعنه في قطعة قماشية ليمتصه الطفل، إلا أن التمور لا تتوافر كثيرًا في القطاع وبعضها قد لا تكون صالحة للأكل.
وتشير إلى أنها فقدت الكثير من وزنها جراء عدم وجود طعام كافٍ، وعدم توافر المياه الصالحة للشرب بفعل توقف محطات التحلية عن العمل بشكلٍ كلي جراء استهداف الاحتلال الإسرائيلي لها.
واقع صحي صعب
كشف مدير مستشفى كمال عدوان الطبيب حسام أبو صفية عن وفاة عدد من الأطفال خلال الفترة الأخيرة في محافظة شمال قطاع غزة بسبب سوء التغذية ونقص الطعام وانتشار الأمراض والأوبئة الناتجة عن العدوان والحصار الإسرائيلي المتواصلين.
يقول أبو صفية في تصريحات حصل عليها “نون بوست” إن أغلب الحالات كانت تصل إلى المستشفى وهي تعاني أعراض الجفاف الحاد بسبب سوء التغذية، إضافة إلى انتشار العدوى على مستوى الجهاز الهضمي والنزلات المعوية.
ولفت إلى أن المستشفى دمج قسمي العناية والحضانة جراء انقطاع الكهرباء، مشيرًا إلى أن المواليد الجدد يصلون إلى المستشفى في حالات حرجة جدًا، وتظهر عليهم علامات الضعف والشحوب بسبب سوء تغذية الأمهات.
ووفق مدير مستشفى كمال عدوان، الذي تعرض لاستهداف إسرائيلي خلال الحرب الجارية، فإن عدم توفر حليب الأطفال يفاقم من هذه المعاناة، واصفًا أوضاع الأطفال – خاصة المواليد الجدد – بالكارثية، مؤكدًا إذا لم تُقدّم إغاثة عاجلة للمستشفى، فإن مزيدًا من الأطفال معرضون للموت.
ولا توجد إحصائية دقيقة ورسمية بشأن أعداد من فقدوا حياتهم جراء الجوع والعطش في غزة جراء الحرب الإسرائيلية المتواصلة وحالة الحصار المفروضة على السكان منذ بداية العملية البرية في 29 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
حصار بهدف التجويع
يؤكد نائب المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان جميل سرحان أن حالة الحصار والتجويع المفروضة على السكان تهدف إلى قتل الفلسطينيين، في ظل استمرار الاحتلال منع إدخال المساعدات إلى مناطق غزة والشمال.
ويقول سرحان لـ”نون بوست” إن الهيئة الحقوقية في غزة وثقت حالات وفيات بغزة وشمال القطاع لفلسطينيين من مختلف الأعمار جراء نقص الغذاء وسوء التغذية خلال الشهرين الماضيين وهو أمر يتطور ويتصاعد بشكلٍ كبير خلال الفترة الأخيرة.
ويوضح الحقوقي الفلسطيني أن ما يجري مخالف لاتفاقيات حقوق الإنسان واتفاقية جنيف الرابعة ومبادئ الأمم المتحدة التي تنص على إدخال السلع الغذائية وتجنيب المدنيين الاستهداف، وهو أمر يتعارض مع السلوك الإسرائيلي الميداني.
ويشدد على أن هناك مجاعة فعلية وجريمة حقوقية في شمال القطاع ومدينة غزة حيث لا يستطيع الشخص الواحد الحصول على كسرة خبز لأسبوع تقريبًا باستثناء قطعة صغيرة من خبز القمح الناشف أو بواقي أعلاف الحيوانات ولا يحصل عليها يوميًا.
ووفقًا لسرحان فإن المياه المتوافرة في تلك المناطق غير صالحة للشرب وهو ما يعني أن هناك كارثة حقيقية وإمكانية للوفاة بين السكان نتيجة هذه الأطعمة والمياه، في حال لم يكن هناك موقف جدي يسمح بتدفق الأكل.
ويلفت إلى ضرورة تدخل المقررة العامة للأمم المتحدة لتوفير الحق في الغذاء، وأن تكون هناك ضغوطات حقيقية تمارس على الاحتلال الإسرائيلي من أجل ذلك، لا سيما أن بقية المناطق تعاني هي الأخرى على الصعيد الغذائي ومن الممكن أن يتفشى الجوع في مختلف المناطق.