ترجمة وتحرير نون بوست
خلال الأيام القليلة الماضية، أرسل العاهل السعودي مستشارا رفيع المستوى إلى الولايات المتحدة بهدف “تقديم صورة وردية” للرياض والتظاهر بأن دولته تبذل قصارى جهدها لضمان وصول المساعدات الغذائية والأدوية إلى المدنيين الذين يعانون جراء الحرب في اليمن، حتى في الوقت الذي تقود فيه حرباً جوية مدمرة ضد الحوثيين.
في المقابل، أكدت منظمات الإغاثة الدولية والمدافعين عن حقوق الإنسان، فضلا عن العديد من المشرعين الأمريكيين، أن المملكة العربية السعودية ستتسبب، بالتعاون مع شركائها العسكريين، في تفاقم الكارثة الإنسانية في اليمن، وذلك من خلال تأخيرها لمواعيد وصول المساعدات الطارئة إلى المناطق التي تقبع تحت سيطرة الحوثيين ومنعها في مطار البلاد وفي أحد أهم الموانئ.
خلال اللقاءات التي عقدتها واشنطن يومي الأربعاء والخميس الماضيين، عرض مدير أهم منظمة إغاثة في المملكة العربية السعودية، عبد الله الربيع، نسخة مختلفة تماماً عن الجهود التي تقوم بها الرياض في اليمن. في هذه النسخة، أفاد عبد الله قائلا: “لقد أثبتنا لشركائنا أننا نتسم بالحياد في عملنا في اليمن”، مشيراً في ذلك إلى بعض المخططات وإلى الكتيب الذي يوضح جهود الإغاثة.
في المقابل، أكد مسؤولون في الأمم المتحدة أن اليمن تعيش أكبر أزمة إنسانية في العالم، وتهدد حوالي سبعة ملايين مدني بالمجاعة، كما أن عدد المصابين فيها بالكوليرا تجاوز 600 ألف مدني. ومن أجل إحباط عمل منظمات الإغاثة في اليمن، قام التحالف الذي تقوده المملكة السعودية بمنع وصول رحلات الإغاثة الجوية إلى مطار اليمن وأحبط عملية تسليم أربع رافعات كبيرة الحجم إلى ميناء الحديدة، كانت ستساعدهم على نقل الإمدادات الغذائية والطبية من سفن الشحن.
وجد التحالف الذي تقوده الرياض نفسه أمام مأزق حقيقي وانتقادات لاذعة على خلفية الكوارث الإنسانية التي لحقت باليمن وموت الضحايا بسبب الحرب الجوية التي يشنها
في هذا السياق، أفاد رويريد فيلار، المتحدث باسم الجمعية الخيرية، “أنقذوا الأطفال”، التي تتخذ من لندن مقراً لها، قائلا: “نحن بحاجة إلى المجال الجوي اليمني ومطارها ونحتاج أيضا إلى إعادة فتح مينائها البحري الرئيسي في أسرع وقت ممكن”. وأضاف فيلر أن “جلب الرافعات إلى ميناء الحديدة سيساهم في تسهيل تدفق المساعدات الإنسانية والإمدادات الطبية، فضلاً عن الغذاء والوقود، وسيمكن من عودة العمل بنسق تصاعديّ”.
في الواقع، بعد إطاحة المتمردين الحوثيين الشيعة بالحكومة اليمنية في أوائل سنة 2015، بدعم من إيران، بدأت كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودول الخليج العربي الأخرى نشاطها العسكري، وذلك بغية إعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى الحكم. وبعد مرور ما يربو عن سنتين على انطلاق هذا التدخل العسكري، وجد التحالف الذي تقوده الرياض نفسه أمام مأزق حقيقي وانتقادات لاذعة على خلفية الكوارث الإنسانية التي لحقت باليمن وموت الضحايا بسبب الحرب الجوية التي يشنها.
بالإضافة إلى ذلك، لاقت المساعدات التي تقدمت بها الولايات المتحدة لهذا التحالف، والتي تمثلت في توفير المعلومات الاستخباراتية والوقود الجوي والقنابل الأمريكية الصنع، اعتراض عشرات المشرعين، ودفعتهم إلى التصويت على وقف بيع الأسلحة إلى الرياض.
وفي حديثه في مؤتمر صحفي في السفارة الأمريكية يوم الخميس الماضي، حاول عبد الله الربيع التقليل من أهمية ميناء الحديدة، حيث أفاد أن المملكة السعودية بذلت جهوداً كبيرة من أجل إيصال المساعدات، مستخدمة في ذلك طرقاً أخرى عدا الميناء، فضلاً عن أنها أنفقت مليارات الدولارات على تلك المساعدات لأجل اليمن. وكرر عبد الله أن المملكة العربية السعودية سترحب بتواجد هذه الرافعات في ميناء الحديدة، عندما يصبح خاضعاً لإشراف دولي”. في الإطار ذاته، أضاف عبد الله الربيع أن منظمة الإغاثة التي يديرها تشرف على تسليم المساعدات إلى عدن وإلى العديد من الموانئ الأخرى في كل من اليمن والمملكة العربية السعودية.
مجلس الشيوخ: التحالف انتهك القانون الدولي واتفاقيات جنيف في تعامله مع المساعدات في ميناء الحديدة، وهذا يفرض على الأطراف المتحاربة السماح للمساعدات الإنسانية بالدخول دون منع أو تأخير
في الحقيقة، كان برنامج الغذاء العالمي، التابع لمنظمة الأمم المتحدة، يأمل في أن تصل الرافعات الأربعة، التي بلغت قيمتها 3.8 مليون دولار وتم شراؤها بتمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، إلى ميناء الحديدة في شهر شباط/فبراير. ولكن السفينة المستأجرة، التي كانت متجهة إلى ميناء الحديدة، اضطرت إلى الرجوع إلى دبي، بعد أن رفض التحالف السماح لها بالدخول، وذلك وفقاً لما أفاد به برنامج الأغذية العالمي.
ومن المثير للاهتمام أن زيارة الربيع إلى الولايات المتحدة، التي تضمنت اجتماعات مع مسؤولي الأمم المتحدة والحكومات المشاركة في جهود الإغاثة في اليمن، كانت تهدف إلى الرد على الاتهامات التي لحقت التحالف العسكري الذي تقوده المملكة العربية السعودية وقالت إنه يسعى إلى حرمان الشعب اليمني من المساعدات الحيوية. ومع ذلك، فشلت جلّ تعليقاته في طمأنة جماعات الإغاثة.
في شأن ذي صلة، طرح أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ خلال الاجتماع الذي انعقد هذا الأسبوع، على عبد الله الربيع أسئلة لاذعة حول كيفية تعامل التحالف الذي تقوده الرياض مع الموافقة التي يمنحها للسفن المتجهة نحو المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين والرامية لتقديم المساعدات. بالإضافة إلى ذلك، سُئل الربيع عما إذا كان التحالف يؤيد ما ينص عليه القانون الدولي، وذلك وفقاً لما صرح به مساعدو الكونغرس للصحيفة.
علاوة على ذلك، سُئل الربيع، الذي كان يعمل جراحاً وشغل منصب وزير الصحة سابقاً، عما إذا كانت المملكة السعودية قد أرسلت رداً خطياً على رسالة برنامج الأغذية العالمي، التي تلقتها في 27 حزيران/يونيو الماضي وتضمنت طلباً بالسماح له بتثبيت الرافعات في ميناء الحديدة. لكن تجنب الربيع الإجابة على السؤال.
وفي سياق متصل، أفاد أحد المشرعين المنتمين إلى الحزب الجمهوري ومجلس الشيوخ، تود يونغ، أن التحالف قد انتهك القانون الدولي واتفاقيات جنيف في تعامله مع المساعدات في ميناء الحديدة، وهذا يفرض على الأطراف المتحاربة السماح للمساعدات الإنسانية بالدخول دون منع أو تأخير.
منظمات الإغاثة أدانت طرفي الصراع على عرقلة وصول المساعدات، وأكدت أنه يتوجب على الولايات المتحدة استخدام نفوذها الكبير للمساعدة على جلب المساعدات الضرورية إلى اليمن.
في هذا الصدد، صرح تود يونج لصحيفة فورين بوليسي أن تقصير المملكة العربية السعودية تجاه الرسالة التي توجه بها برنامج الأغذية العالمي وعجزها عن إرسال رد خطي يعتبر أمرا “مخيبا للآمال”. وبالتالي، يجب على الولايات المتحدة الضغط على الرياض لتغيير طريقة تعاملها مع الموضوع.
وأضاف يونغ أن “عرقلة إجراءات إيصال الرافعات وتدفق الغذاء إلى المدنيين الذين يتضورون جوعا من أجل تحقيق غرض سياسي، يتنافى مع المبادئ الإنسانية والقانون الدولي ومصالحنا الأمنية الوطنية. ولذلك، ينبغي على الولايات المتحدة توظيف نفوذها لإنهاء هذه السياسة”. وما يعد مثيرا للاهتمام، نظرة يونغ، الذي ينتمي إلى الحزب الجمهوري وخدم في فيلق البحرية، لمعاناة المدنيين في اليمن حيث يعتبرها قضية إستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة، وليست مجرد مشكلة إنسانية.
بالإضافة إلى ذلك، يرى يونغ أنه “كلما طالت الحرب، وكلما تعرض المدنيون الحوثيون لقصف القنابل التي تقودها السعودية ونقص الغذاء والدواء، كلما زادت قدرة إيران على استغلال الوضع في اليمن”، علماً وأنه قد أيد مؤخراً التشريع المقترح الذي ينص على أن الولايات المتحدة ستتوقف عن تزويد طائرات التحالف بالوقود في حال رفض التحالف الالتزام بما تنص عليه اتفاقيات جنيف ورفع الحصار على رافعات الحديدة.
وتجدر الإشارة إلى أن منظمات الإغاثة قد أدانت طرفي الصراع على عرقلة وصول المساعدات، وأكدت أنه يتوجب على الولايات المتحدة استخدام نفوذها الكبير للمساعدة على جلب المساعدات الضرورية إلى اليمن. من جهتها، ناقشت واشنطن قضية الرافعات وغيرها من الإشكاليات المحيطة بالمساعدات الإنسانية مع مسؤولين رفيعي المستوى من الرياض واليمن، وذلك وفقاً لما أورده مسؤول أمريكي، طلب عدم الكشف عن هويته.
لا تزال الخسائر الإنسانية مستمرة في الأسابيع الأخيرة، على خلفية ارتفاع حالات الإصابة بالكوليرا المتفشية في المنطقة الساحلية القريبة من الحديدة والمناطق الأخرى
والجدير بالذكر أن المسؤول عن بعثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في روما، توماس دافي، أشار إلى تلك القضايا خلال زيارته التي أداها إلى المملكة العربية السعودية في الأسبوع الأول من شهر آب/أغسطس الماضي.
مع ذلك، رفضت إدارة ترامب التصريح بما إذا كان التحالف الذي تقوده السعودية قد انتهك القانون الدولي واتفاقيات جنيف بالفعل من خلال الأعمال التي يقودها في اليمن. وفي هذا السياق، أفاد هذا المسؤول أن “الولايات المتحدة تأخذ أي ادعاءات بوجود انتهاكات للقانون الإنساني الدولي على محمل الجد. ولكننا لن نقوم بتحليل قانوني لهذه المسألة”. في المقابل، قال الربيع إن إجراءات المساعدات السعودية تتماشى كلياً مع ما ينص عليه القانون الدولي، فضلاً عن أن منظمته لم تفرق بين المناطق التي يقودها الحوثيون وتلك التي تقودها الحكومة.
في الأثناء، لا تزال الخسائر الإنسانية مستمرة في الأسابيع الأخيرة، على خلفية ارتفاع حالات الإصابة بالكوليرا المتفشية في المنطقة الساحلية القريبة من الحديدة والمناطق الأخرى، وذلك وفقا لما أصدرته منظمة “أنقذوا الطفولة”. بالإضافة إلى ذلك، حذرت المنظمة من تأثير الجوع على زيادة تفاقم الكوليرا، حيث أن احتمال وفاة الأطفال بهذا المرض يرتفع ثلاث مرات على الأقل عندما يكونون يعانون من سوء التغذية.
في هذا الصدد، أفاد رئيس المنظمة، فيلار، أن “عرقلة شحنات المعونة المستعجلة من قبل الطرفين المتناحرين ستتسبب في فضائع بشرية”. وأضاف فيلار قائلا: “عندما نشهد أزمة واسعة النطاق، كالتي تعيشها اليمن، يصبح تأخر وصول المعونات، حتى ليوم واحد، مسألة حياة أو موت”.
المصدر: فورين بوليسي