اختتم مجموعة من الأكاديميين والناشطين الثوريين بتاريخ 17 من سبتمبر/أيلول 2017 فعالية المؤتمر السوري العام، والذي عُقد في قاعة المؤتمرات قرب معبر باب الهوى الحدودي شمال إدلب، وكان من مخرجات المؤتمر توصية بتشكيل حكومة في المناطق المحررة تمثل السوريين في الداخل والخارج.
ودعا المؤتمرون في بيانهم الختامي الفعاليات الثورية في الداخل والخارج كافة إلى الانضمام للحكومة الجديدة، في إشارة إلى الحكومة السورية المؤقتة والتي ردت على المؤتمر بلهجة شديدة النبرة رافضة له، حيث اعتبر رئيسها جواد أبو حطب أن المؤتمر يحاول أن يعلن إمارة “إدلبستان” كما فعلت قوات سوريا الديمقراطية في القامشلي وعفرين، وهو يعني أن الأمر لا يعدو إلا أن يكون خطوة جديدة باتجاه مزيد من التقسيم، والسير نحو العمل على ضرب وحدة الأراضي السورية.
واعتبر المؤتمرون أن الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع، وهذا بند يؤكد أن هيئة تحرير الشام لها وجود وتمثيل في المؤتمر رغم ادعائها أنها بعيدة عنه وأن المؤتمرين هم فعاليات مدنية فقط!
فكيف للهيئة ألا تكون ممثلة بقوة في المؤتمر وهي كانت الداعية لمبادرة الإدارة المدنية في المناطق المحررة التي سبقت المؤتمر، والقوة المسيطرة على محافظة إدلب بعد تقهقر قوة حركة أحرار الشام الإسلامية.
هيئة تحرير الشام شاركت بالمؤتمر السوري العام وساهمت في صياغة بعض مخرجاته
والدليل الثاني على وجود هيئة تحرير الشام ومشاركتها في صياغة المخرجات والتوصيات، البند الذي يتكلم عن إقامة علاقات متوازنة مع الدول الداعمة للثورة السورية، وهو بند معدل عن البند الرابع من مبادئ هيئة تحرير الشام والذي نص على “إقامة علاقات متوازنة مع الجهات المؤثرة”!
لكن ما الهدف من المؤتمر بشكل عام؟ وما الغاية من الدفع نحو تشكيل حكومة جديدة في ظل وجود حكومة مؤقتة تعمل منذ سنوات على كسب تأييد الشارع السوري في الداخل والخارج؟ وعملت مؤخرًا على تشكيل وزارة دفاع كسبت من خلالها تأييد العشرات من الفصائل الثورية على الأرض، والتي أكدت أنها ستكون جزءًا من جيش وطني يوحد قوى الثورة السورية بعد أعوام من الفرقة والشتات الذي قوى موقف الأسد وحلفائه وجعل المعارضة تتقهقر عسكريًا، حيث لم تعد الأخيرة تسيطر سوى على 12% من الأراضي السورية.
لا شك أن الحكومة السورية المؤقتة فشلت في جمع قوى الثورة تحت مظلتها، ولم تعد قادرة حتى على دفع رواتب موظفيها بعد قرار قطع الدعم المالي عنها، ولم يعد لها وجود إلا في بعض المكاتب الشكلية في تركيا والداخل السوري، وفيما يخص تشكيلها لوزارة دفاع تضم غالب القوى الثورية على الأرض، فهو كذلك مشروع لم ير النور بعد ولم يتغير شيء حتى الآن في واقع الفرقة والشتات الذي تعيشه فصائل المعارضة، مما يعني أنها فتحت المجال ليتحرك الشارع الثوري في الداخل المحرر ويعمل على تشكيل حكومة جديدة تكون فاعلة بشكل حقيقي، وتفرض كلمتها على الأرض سواء على المستوى المدني والخدمات أو على المستوى العسكري والحرب القائمة مع قوات النظام، التي باتت في موقع أقوى في ظل التشرذم والتدخل الخارجي المستمر.
هدف تشكيل الحكومة السورية الجديدة تجنيب محافظة إدلب مصير الموصل أو الرقة
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن مقررات أستانة 6 وموافقة الأطراف الضامنة على ضم محافظة إدلب وبعض المناطق المحيطة بها في حلب وحماة واللاذقية إلى اتفاق وقف التصعيد وعزمها على إدخال 1500 عنصر لمراقبة تطبيق الاتفاق، لعل هذا كله من الأسباب الرئيسية لعزم المؤتمرين العمل على تشكيل الحكومة الجديدة، وكأنهم يقولون لا داعي لقوات مراقبة فنحن ملتزمون بالاتفاق وعازمون للتوجه نحو العمل المدني وإيقاف أي عمل عسكري ضد النظام.
رغم أن المؤتمرين نصوا في بيانهم الختامي على “إسقاط النظام اللاشرعي القائم بكل رموزه وأركانه ومحاسبته على جرائمه التي ارتكبها وتحرير الأراضي السورية من جميع القوى المحتلة وبسط الأمن ونشر العدل في المناطق المحررة”، فهذا البند لا يعني مواصلة القتال ضد النظام ويمكن أن يُحمل على أن إسقاط النظام وتغييره وإخراج القوى المحتلة يمكن أن يتم بالطرق الدبلوماسية أو المفاوضات السياسية ويندرج في سياق جولات أستانة وجنيف.
وبالتالي فإن المؤتمر السوري العام يأتي في سياق الحراك السياسي الخارجي ومقررات جنيف وأستانة، وانخراط هيئة تحرير الشام في المؤتمر سواء من قبل ممثلين عنها يحملون فكرها الداعي لتطبيق الشريعة أو من خلال غضها النظر عن كثير من مقرراته التي قد تخالف توجهها، كل ذلك بهدف تجنيب محافظة إدلب مصير مشابه للرقة والموصل وهو كذلك محاولة من الهيئة تأكيد أنها من الجهات الثورية المعتدلة وليس لها علاقة بالقاعدة أو المنظمات التي يصنفها الغرب على أنها جماعات إرهابية.
والذي يؤكد أن المؤتمر السوري العام لا يخرج عن مسار جنيف وأستانة، أن مخرجاته لم تؤكد على موقف واضح وصريح من الحل السياسي الذي يحاول الغرب بزعامة أمريكا فرضه على الشارع الثائر في سوريا رغم أن البيان الختامي نص على رفض خياري مخرجات أستانة 6، وهما إما الاستسلام والمصالحة مع النظام أو التعرض لحرب استئصالية في الشمال السوري.
تشكيل الحكومة السورية الجديدة لا يعارض مساري جنيف وأستانة
أما البند الذي نص على أن الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع، فقابل للتعديل فيما بعد عند مناقشة طبيعة الدستور الجديد لسوريا بعد الأسد، والذي ستعتمده الحكومة الجديدة بعد تشكيلها، خاصة بعد اتجاه هيئة تحرير الشام لحل نفسها قريبًا، واتصافها كما هو حال كثير من الحركات الإسلامية المعاصرة بالبراغماتية وتغليب فقه المصلحة والمفسدة مسايرة للواقع وحفاظًا على كيانها، وتمكنها من المشاركة في الحياة السياسية في سوريا أسوة بالإسلاميين في بلدان عربية أخرى كمصر وتونس والأردن وغيرها.
أما موقف دول أستانة من الحراك السياسي الداخلي والعمل على تشكيل حكومة جديدة، فلم يصدر أي شيء يدل على رفضه، مما يعني أنه لن يعرقل مساري أستانة وجنيف، ولعل شهر تشرين الأول/أكتوبر القادم سيحمل في طياته تطورات خطيرة، قد تحدد مصير محافظة إدلب وطبيعة وعدد القوات التي ستدخل المحافظة في إطار تطبيق الاتفاق، كما سُيحدد مصير هيئة تحرير الشام والفصائل الثورية عمومًا التي قد تندمج في تشكيل عسكري واحد في موازاة تشكيل سياسي واحد يجمع قوى الثورة في الداخل والخارج.