لا يزال الجدال مستمرًا حول الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان العراق المزمع إجراؤه بعد غد الإثنين المقبل مع إصرار مسعود البرازاني على أن يجرى الاستفتاء في موعده بعد تصريحات صدرت من قبله أنه ليس الشخص الذي يخذل شعبه، وأشار خلال مقابلة إذاعية، إلى أن الاستفتاء لا يعني نهاية العالم، وأن المفاوضات ستبدأ بعد إجرائه، مضيفًا أن “الأكراد لن يقبلوا بالتبعية لا الآن ولا في المستقبل”. كما رفض البارزاني، ما قال إنه “لغة التهديد” من أية دولة، معتبرًا أن كردستان والعراق يمكن أن يكونا جارين جيدين متعاونين من دون أية خلافات.
في حين جدد رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق، يان كوبيتش، اليوم السبت رفضه لاستفتاء الانفصال عن العراق، وشدد على أهمية اللجوء للحوار، مؤكّدًا أن الإجماع الدولي كان واضحًا من خلال بيان مجلس الأمن الدولي الذي أبدى معارضته للاستفتاء الأحادي الجانب، الذي من شأنه زعزعة الاستقرار في المنطقة. ولفت إلى أن دول العالم متمسكة بسيادة العراق ووحدته وسلامة أراضيه.
يُذكر أن الأكراد العراقيون المتواجدون خارج بدأوا البلاد الليلة الماضية الإدلاء بأصواتهم إلكترونيًا، وقال مدير البيانات في مفوضية انتخابات كردستان، كاروان جلال، إنه “تم الإدلاء بأول صوت في الاستفتاء من قبل مواطن مقيم في الصين”، موضحًا أن الصين هي الدولة الأولى التي بدأت فيها عملية التصويت على الاستفتاء بموجب الفارق الزمني بين دول العالم”.
من تركيا: النداء الأخير للإقليم
المتحدث باسم الحكومة التركية، بكر بوزداغ في حديث للصحفيين أمس الجمعة، قال إن بلاده تدعو إقليم كردستان للمرة الأخيرة، لإلغاء الاستفتاء المقرر إجراؤه يوم الاثنين المقبل، مبينًا أن الاستفتاء يهدّد أمن تركيا القومي بشكل مباشر. وفي إشارة إلى إدارة الإقليم الكردي في العراق، قال بوزداغ، إن الذين يقولون إنهم اتخذوا هذه الخطوة (الاستفتاء) لحل بعض مشاكلهم، قد يواجهون مشاكل أكبر لا يستطيعون حلها غدًا.
وشدد على معارضة بلاده تأجيل الاستفتاء، وأضاف بهذا الصدد، “ينبغي إلغاء الاستفتاء بلا رجعة، ونحن غير راضين على الإطلاق عن إجرائه لا اليوم ولا غدًا ولا في المستقبل”. وعقد أمس الجمعة، مجلس الأمن القومي التركي اجتماعًا برئاسة أردوغان، وشدد في اجتماعه على احتفاظ تركيا بجميع حقوقها المنبثقة عن الاتفاقيات الثنائية والدولية، في حال أجرى الإقليم الكردي في العراق استفتاء الانفصال.
من حيث يتأذى الاقتصاد الكردستاني من الإجراءات التركية، تركيا واقتصادها ستتأذى بالمحصلة أيضًا؛ بسبب انقطاع الاستثمارات وحجم الصادرات والواردات والاتفاقيات والتبادل التجاري من وإلى الإقليم.
بينما أشار وزير المالية العراقي السابق، هوشاير زيباري، القيادي في الحزب “الديمقراطي الكردستاني”، أن سلطات إقليم كردستان ماضية في إجراء الاستفتاء، وأشار لوسائل إعلام كردية إن “معظم الأكراد يرى في الاستفتاء فرصة تاريخية لتقرير المصير بعد قرن من اتفاقية سايكس بيكو، التي رسمت فيها بريطانيا وفرنسا الحدود في الشرق الأوسط، ووزعت 30 مليون كردي بين العراق وإيران وتركيا وسورية”، معتبرًا أن تأجيل الاستفتاء دون ضمانات سيكون انتحاراً سياسياً للقيادة الكردية، ولحلم الاستقلال الكردي.
في غضون ذلك، وصل رئيس أركان الجيش العراقي، عثمان الغانمي، صباح اليوم السبت، العاصمة أنقرة، حيث من المقرر أن يلتقي نظيره التركي، خلوصي أكار، ويتناول المسؤولان التدابير التي ستتخذ من أجل حماية وحدة التراب العراقي، والمكافحة المشتركة للإرهاب.
كما أعلنت رئاسة الأركان التركية اليوم السبت، رفع مستوى مناوراتها العسكرية في منطقة سيلوبي – الخابور بالقرب من الحدود العراقية، وأكّدت الأركان التركية، في بيان، استمرار المرحلة الثانية من المناورات العسكرية في المنطقة ذاتها، بمشاركة وحدات عسكرية إضافية. وفي هذا السياق، أشار محللون أن المناورات العسكرية التركية على حدود الإقليم، ليست سوى واحدة من الطرق لإيصال رسالة واضحة للبرزاني حول مدى جدية أنقرة في رفض انفصال الإقليم.
حجم الاستثمارات التركية في كردستان هو الأعلى بين دول العالم وتتراوح بين 37 إلى 40 مليار دولار وفي مختلف المجالات والقطاعات بحسب ما أشارت لذلك تقارير، فضلا عن القطاع البنكي، حيث توجد 4 بنوك تركية كبيرة في الإقليم وتنشط أكثر من غيرها
ومن المستبعد أن يتم اتخاذ خيار التدخل العسكري التركي في الإقليم، فهذا يستوجب توافقا من قبل كل من حكومة بغداد المركزية وإيران بالدرجة الأولى إضافة إلى موافقة من أمريكا وروسيا، إضافة إلى أن البرازاني قد لا يسمح بأن تصل الأمور وتتطور إلى درجة التدخل العسكرية إذ يشير البعض أن البرزاني يحاول من خلال إصراره على الاستفتاء الحصول على المزيد من المكاسب، لأن في ذلك فرصة كبيرة للإقليم.
ماذا لو فرضت تركيا عقوبات اقتصادية؟
تعد تركيا أكبر الخاسرين من انفصال الإقليم عن العراق، أكثر من إيران التي تشارك الهم نفسه مع تركيا وحكومة بغداد، وترفض الاستفتاء جملة وتفصيلا. فمن شأن إجراء الاستفتاء في الإقليم أن تخسر تركيا حليفها، البرازاني، الذي استثمرت فيه كثيرًا خلال السنوات الماضية، ويرى المحلل السياسي علي باكير أنه ما إن يجري تأسيس حقائق على الأرض حتى تتنصل القوى الغربية من وعودها بالوقوف إلى جانب تركيا.
ويضيف باكير، أن تركيا “قد تخسر إقليم شمال العراق ولاتربح حكومة بغداد” وهذا يعني خسارتها للعراق بشكل كامل لمصلحة إيران، فالجانب الإيراني يمتلك الكثير من الأوراق في مواجهة إقليم كردستان العراق ومن بينها الاعتماد على ميليشياته الموالية لطهران والقوة الضاربة الرئيسية في العراق، وكذلك النفوذ الإيراني في البرلمان والحكومة العراقية. أضف لذلك أن إيران ليس لديها ما تخسره في الإقليم على عكس تركيا التي تعد الإقليم منطقة نفوذ لها، وكذلك ستفقد معظم أوراق القوة التي تمتلكها في التأثير على بغداد، في ظل الوضع المتدهور للعرب السنة، وبالتالي تمكين قبضة طهران على بغداد، بحسب باكير.
من المستبعد أن يتم اتخاذ خيار التدخل العسكري التركي في الإقليم، فهذا يستوجب توافقا من قبل كل من حكومة بغداد المركزية وإيران بالدرجة الأولى إضافة إلى موافقة من أمريكا وروسيا،
من حيث العقوبات التي ستتخذها تركيا عقب الانفصال، فمن المتوقع أن يتخذ الجانب التركي خطواته بشكل حذر وتتصاعد بشكل تدريجي، بالتنسيق والتعاون مع إيران وحكومة بغداد. وستبدأ بإغلاق القنصلية التركية في أربيل ومن ثم فرض عقوبات اقتصادية على الإقليم، كما أشار لذلك أردوغان في كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ومن بين تلك العقوبات، تقييد الحركة في معبر خابور الحدودي مع الإقليم والذي يعتبر المعبر التجاري الرئيسي وكذلك تقييد الحركة في كل من معبر ديريجيك وغوليازي وأوزمولو. وقد أشار محللون وأكاديميون في هذا الصدد أن إغلاق الحدود بين تركيا والإقليم سيكون بمثابة انهيار القدرة المالية والاقتصادية لكردستان، فالمنتج المحلي لا يسد أكثر من 60% من احتياجات كردستان، كما أن أي منفذ للتصدير لم يعد متاحًا.
ومن ثم سيم إلغاء تسهيلات الاستثمار التي منحتها تركيا للإقليم وكذلك خطوط الإئتمان، علمًا أن تركيا تأتي في المرتبة الأولى من حيث حجم الاستثمارات في الإقليم، فناك نحو 200 شركة تركية تعمل في كردستان بقطاع النفط والغاز والإسكان والبنى التحتية والسياحة والنقل والكهرباء والاتصالات، تشغل أكثر من 200 ألف من مواطني الإقليم، وانسحابها سيشكل صدمة اقتصادية للإقليم بحسب ما أفاد به محللون.
كما أن حجم الاستثمارات التركية في كردستان هو الأعلى بين دول العالم وتتراوح بين 37 إلى 40 مليار دولار وفي مختلف المجالات والقطاعات بحسب ما أشارت لذلك تقارير، فضلا عن القطاع البنكي، حيث توجد 4 بنوك تركية كبيرة في الإقليم وتنشط أكثر من غيرها.
كما ستلجأ أنقرة إلى تقييد عبور النفط الصادر من إقليم كرستان العراق نحو ميناء جيجان التركي وتجميد الاتفاقية الخاصة بإنشاء خط نقل للغاز المنتج في الإقليم إلى ولاية شرناق التركية. مع ذكر أنه يتم تصدير نحو ربع مليون برميل نفط عبر تركيا التي تعتبر المقوم الأساسي الحالي لحكومة كردستان في تدبر دفع مرتبات موظفي الإقليم والإنفاق على الجانب الأمني والعسكري.
تم الإدلاء بأول صوت في الاستفتاء من قبل مواطن مقيم في الصين”، موضحًا أن الصين هي الدولة الأولى التي بدأت فيها عملية التصويت على الاستفتاء بموجب الفارق الزمني بين دول العالم.
وعلى صعيد الطيران، قد تلجأ تركيا إلى حصار جوي بالتعاون مع إيران، وإغلاق الأجواء الإيرانية والتركية في وجه الطائرات المتجهة إلى كردستان، مع العلم أن مطارات إقليم كردستان تعتمد بشكل أساسي على شركات الطيران التركية والمطارات التركية كمنفذ على العالم.
جميع ما سبق ذكره، سيؤدي بلا أدنى شك إلى إيذاء اقتصاد كردستان العراق ويواجه مصاعب كبيرة في تدبر أموره، ولكن في الوقت نفسه، من حيث يتأذى الاقتصاد الكردستاني من الإجراءات التركية، تركيا واقتصادها ستتأذى بالمحصلة أيضًا؛ بسبب انقطاع الاستثمارات وحجم الصادرات والواردات والاتفاقيات والتبادل التجاري من وإلى الإقليم.
وربما تلحق تلك العقوبات ضررًا بالاقتصاد التركي لا يستهان به بالأخص إذا لم يكن هناك بديل يحل محل الإقليم، وهو ما يضع أنقرة في مواجهة ملامح انخفاض في المؤشرات الاقتصادية لديها. قد تؤدي بها إلى التراجع عن قراراتها المتخذة ضد الإقليم مع مرور الوقت، أو تنشأ سوق سوداء بين الإقليم وتركيا! وهذه احتمالات من المؤكد أن تكون الحكومة التركية وضعتها على الطاولة وناقشتها خلال الشهور الماضية ووضعت بدائل وإلا فإنها ستكون في مأزق.