استمرار الأزمة الخليجية دون بوادر للحل تلوح بالأفق ينذر بمستقبل غامض ينتظره مجلس التعاون الخليجي المؤلف من ست دول، فمنذ اندلاع الأزمة في يونيو/حزيران الماضي لا يزال كل طرف من أطراف النزاع يدافع عن موقفه ويرفض تقبل الطرف الآخر.
لم تظهر سوى انفراجة وحيدة في الأزمة بعد الاتصال الهاتفي الذي أجراه الأمير تميم مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مطلع الشهر الحالي في 8 من سبتمبر/أيلول، أقر فيه تعيين مبعوثين من البلدين لمتابعة ملف الأزمة والمضي قدمًا في حل الخلافات بينهما.
ولكن تلك الانفراجة لم تصمد سوى ساعات قليلة حيث أعلنت السعودية تعطيل أي حوار أو تواصل مع السلطة في قطر حتى يصدر منها تصريح واضح تبين فيه موقفها بشكل علني، وتكون تصريحاتها بالعلن متطابقة مع ما تلتزم به، لذا عادت الأزمة إلى نقطة الصفر وكأن شيئًا لم يحدث، بل عادت دول الحصار للتصعيد مجددًا ورفض المساعي الأمريكية لحل الأزمة.
سيناريوهات مستقبلية
كشفت دراسة استقصائية أعدها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن قبل أيام أن مآل مجلس التعاون الخليجي المؤلف من ست دول قد يكون التفكك بسبب الصدع الذي أحدثته الأزمة بين دول الحصار (السعودية والإمارات والبحرين) ودولة قطر في الطرف الآخر، فيما تقف دولة الكويت كوسيط بين الدول الخليجية، أما دولة عُمان تتخذ موقفًا حياديًا في هذا الجانب.
من بين السيناريوهات التي طرحتها الدراسة احتمال خروج قطر من المجلس أو انهيار المؤسسة الإقليمية الموحدة وظهور تحالفات جديدة، علمًا أن الإمارات سبق وطرحت علنًا مغادرة قطر من مجلس التعاون الخليجي، وتجادل في تأليف مجموعة جديدة من التحالفات بحسب ما أشار إليه المدير العام للمعهد البحثي جون شيبمان الذي أضاف “الأضرار التي ستلحق بمجلس التعاون من جرّاء ذلك قد تكون دائمة، وربما تؤدي إلى تلاشي المجلس”.
قد يؤدي طرد قطر من المجلس إلى بداية انفراط العقد الخليجي وذهاب كل دولة على حدة وانقضاء تجربة وحدة دامت 37 عامًا ونيف
على العموم فالمجلس الذي تشكل عام 1981 لمواجهة الخطر الإيراني بقي التقدم فيه بطيئًا ولم يحقق الكثير من البنود التي نص عليها في دستوره، وبقي تحقيق التكامل الاقتصادي وتعزيز العمل الخليجي المشترك والانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد والعملة الموحدة وقطار يمر بين جميع دول المجلس والبنك المركزي والاتحاد الجمركي، حبرًا على ورق.
كما أن حالة عدم الاستقرار بين دول المجلس كانت تسود في كثير من الأحيان، فهذه ليست المرة الأولى التي يتم بها قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، ولا تقف دول المجلس في موقف سياسي واحد من القضايا في المنطقة وهذا ما عرضها دائمًا لخلافات في التوجه والرؤى.
السعودية والإمارات وضعتا في الاعتبار إجراءات عسكرية ضد قطر في المراحل الأولى من الأزمة الخليجية، وهذا كان سيشكل فارقة خطيرة في مجلس التعاون، وكان سيفكك المجلس فيما لو تم بالفعل، ويأتي بكارثة حقيقية خاصة أن تركيا وإيران تقفان إلى جانب قطر ضد محور الرياض أبو ظبي، فمن شأن هذا السيناريو أن يشكل قلقًا بالنسبة لدول أخرى مثل الكويت وعمُان، فالدولتين لا تنظران إلى محور الرياض أبو ظبي بعين الرضى.
لن يكون طرد قطر من مجلس التعاون بمعزل عن خلق أزمة جديدة مع الكويت وسلطنة عُمان، إذ من شأن هذا أن يعزز مخاوف الدولتين من مواجهة مصير قطر حال الدخول في أي خلاف مع الرياض أو أبو ظبي
وفي نفس السياق قال أمير قطر الشيخ تميم إن الشعب القطري اعتبر الحصار الذي فُرض “خيانة” له، مؤكّدًا في الوقت ذاته أن بلاده لا تزال منفتحة أمام الحوار بلا شروط مسبقة وبما لا يمسّ سيادة الدول، في الخطاب الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل يومين.
تعليق عضويتها أم طردها من المجلس
ما حدث بعد الأزمة الخليجية والهزة التي أصابت المنطقة، وضعت نموذج التعاون بين دول مجلس التعاون في خطر، علمًا أن البعض اعتبر هذا المجلس أنجح نموذج للعمل العربي المشترك على مختلف الأصعدة، إذ ساهم في قدر من التفاهم بشأن بعض القضايات السياسية والاقتصادية.
هناك اجتماعات لوزراء خارجية مجلس التعاون التي تسبق القمة الدورية للمجلس والتي من المقرر انعقادها في الكويت في الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل، في هذا الوقت يحاول الوسيط الكويتي حل الأزمة قبل ذلك التاريخ، فمجيئه دون حل الأزمة يعني أن يكون مقعد قطر خاويًا على طاولة الاجتماعات، وهذا يتطلب قرارًا بحقها.
وكان عمر غباش سفير دولة الإمارات لدى موسكو، قال سابقًا: “طرد قطر من مجلس التعاون الخليجي عقوبة محتملة لكنها ليست العقوبة الوحيدة المتاحة“، كما أن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ووزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، أشارا سابقًا إلى أن الخطوة القادمة للتعامل مع قطر، في حال رفضها المطالب الخليجية، هي “الطلاق”، مما يعني “تجميد عضويتها في مجلس التعاون الخليجي“.
السعودية والإمارات وضعتا في الاعتبار إجراءات عسكرية ضد قطر في المراحل الأولى من الأزمة الخليجية، وهذا كان سيشكل فارقة خطيرة في مجلس التعاون
وفي حال تم تجميد عضوية قطر في المجلس سيكون ذلك قرارًا معنويًا لأن قطر لن تخسر أكثر مما خسرت، في ظل إجراءات الدول المقاطعة لها بإغلاق المجال الجوي والبحري والبري أمامها، ولكن يجب التنبه أنه لم يسبق أن جمد المجلس عضوية دولة عضو، لذا فهذه الخطوة ستكون سابقة، إذا اتفق الأعضاء على ذلك في الاجتماع المقبل، وفي هذه الحالة قطر قد تخسر العلاقات المتميزة مع الدول الباقية غير المقاطعة، مثل عُمان والكويت، ولن تكون لها مؤازرة دبلوماسية من الدولتين.
ومن شأن ذلك أن يتم إيقاف العمل بجميع الملفات المستقبلية التي من شأنها تطوير المجلس بالأخص التي لا تزال تشكل خلافًا بين دول المجلس مثل العملة الخليجية الموحدة والبنك المركزي والاتحاد الجمركي وإبرام اتفاقيات مشتركة باسم المجلس مع شركاء رئيسيين مثل أوروبا وأمريكا.
فيما يخص طرد قطر من المجلس، اعتبر محللون المسألة خيارًا متاحًا، إلا أن هذا لن يكون بمعزل عن خلق أزمة جديدة مع الكويت وسلطنة عُمان، فمن شأن هذا أن يعزز مخاوف الدولتين من مواجهة مصير قطر في حال الدخول في أي خلاف مع الرياض أو أبو ظبي، وهو ما يجعل مستقبل مجلس التعاون على المحك. وما يؤكد تلك المخاوف أن موقف الكويت وسلطنة عمان من الأزمة الخليجية الحالية يؤكد أنهما “يدركان إمكانية وضعهما مكان قطر”، ويرى مراقبون للوضع الخليجي أن ما تقوله السعودية والإمارات عن قطر ينطبق بشكل أكبر على سلطنة عمان وكذلك الكويت، خصوصًا فيما يتعلق بإيران.
مآل مجلس التعاون الخليجي المؤلف من ست دول قد يكون التفكك بسبب الصدع الذي أحدثته الأزمة بين دول الحصار (السعودية والإمارات والبحرين) ودولة قطر في الطرف الآخر
لذا قد يؤدي طرد قطر من المجلس إلى بداية انفراط العقد الخليجي وذهاب كل دولة على حدة، وانقضاء تجربة وحدة دامت 37 عامًا ونيف، وفي تلك الحالة سيكون على الدول الصغيرة مثل الكويت وقطر وعُمان التي تقف على وفاق في العديد من القضايا السياسية، أن تزيد من تحالفاتها مع بعضها البعض سواء على صعيد الاقتصاد والسياسة والأمن، وفي نفس الوقت تعزيز علاقاتها أيضًا مع دول إقليمية كتركيا وإيران، تجنبًا لأي تهديد أو تدخل عسكري من السعودية أو الإمارات، كما لجأت قطر إلى تركيا بعد الأزمة حيث عززت أنقرة من وجودها العسكري هناك، وحالت دون أي تدخل عسكري من قبل السعودية والإمارات على الدوحة.