ترجمة وتحرير: نون بوست
تعمل كل من تونس والاتحاد الأوروبي على التعاون فيما يخص قضية أزمة اللاجئين، لكن الانقسام الاجتماعي وانتشار التطرف يعيقان نجاح اتفاقية اللاجئين. فمنذ أسبوع، صادق مجلس نواب الشعب التونسي على قانون المصالحة، الذي يُعفي المتورطين في الفساد خلال عهد بن علي من التعرض للعقاب. ونتيجة لذلك، تولد احتقان لدى الآلاف من المواطنين، الذين تظاهروا وسط العاصمة التونسية تنديدا بهذا القانون. وقد كان المتظاهرون يصرخون “خونة، خونة”، كما كانوا يطالبون بمراجعة التاريخ ومحاكمة الفاسدين بدل العفو عنهم.
بعد سبع سنوات من انتحار بائع الخضار محمد البوعزيزي حرقا، واندلاع ثورات الربيع العربي، لم تتخلص تونس من مخلفات الماضي. في الوقت الراهن، ما يزال مستقبل هذه البلاد، البالغ تعداد سكانها حوالي 11 مليون نسمة، يتراوح بين الاضطراب والفوضى تارة والازدهار والاستقرار تارة أخرى.
بالنسبة للدول الأوروبية، تعتبر تونس نموذجا يحتذى به في شمال إفريقيا لاسيما وأنها تقدمت أشواطا في مسار الانتقال الديمقراطي مقارنة بجيرانها، على غرار ليبيا ومصر. علاوة على ذلك، نظمت تونس انتخابات حرة، كما تتميز بالتعددية الحزبية، فضلا عن ذلك يتمتع الشعب التونسي بحرية التعبير، خاصة بعد المصادقة على الدستور الجديد.
تشجع الحكومة التونسية على نشر الإسلام المستنير، فقد انتقد رئيس الجمهورية التونسية، الباجي قائد السبسي، قانون الميراث القائم على الشريعة الإسلامية، مؤكدا على ضرورة المساواة في الإرث بين الجنسين
في هذا الصدد، صرحت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أن “تونس تشكل منارة في العالم العربي”. ومن هذا المنطلق، تأمل الدول الغربية في أن تكون تونس نموذجا للاستقرار في منطقة شمال إفريقيا، حيث تنتشر الحروب والكراهية في مختلف أنحاء المنطقة.
من جهة أخرى، تشجع الحكومة التونسية على نشر الإسلام المستنير، فقد انتقد رئيس الجمهورية التونسية، الباجي قائد السبسي، قانون الميراث القائم على الشريعة الإسلامية، مؤكدا على ضرورة المساواة في الإرث بين الجنسين. كما طالب بمنح المرأة الحق في الزواج بغير المسلم، الأمر الذي اعتبره بعض رجال الدين بمثابة استهزاء من الشريعة الإسلامية.
في الحقيقة، من شأن ذلك أن يعمق الهوة بين الأصوليين والحداثيين، ولعل الأخطر من ذلك هو التفاوت الاجتماعي خاصة بين الوسط الحضري والمناطق الساحلية. ففي المناطق الداخلية، يشعر الأهالي بالعزلة والتهميش نظرا لارتفاع معدل البطالة، وضعف التغطية الصحية، وهشاشة البنية التحتية في المؤسسات التربوية، مما ضاعف من حقد سكان هذه المناطق على المواطنين في المناطق الساحلية.
متظاهرون يحتجون ضد قانون المصالحة الذي يعفي المتورطين في الفساد خلال العهد السابق من العقاب: صورة بائع الخضار، محمد البوعزيزي، الذي فجر ثورات الربيع العربي.
إلى جانب ذلك، تجددت الاضطرابات الاجتماعية على غرار ما حصل في تطاوين وقبلي بشكل محدود. وفي هذا السياق، أفادت أستاذة الحضارة الإسلامية، آمنة جبلاوي، بأن “هؤلاء الأشخاص يشعرون بالحرمان الشديد وخيبة أمل من السياسة، مما يوفر الأرضية الخصبة لانتشار التطرف”. وفي سياق متصل، أفاد مسؤول لدى إحدى الشركات الفرنسية المقيمة في تونس، “لقد منعت كل الموظفين التونسيين من الحديث عن القضايا السياسية نظرا لكثرة الخلافات الحادة في هذا الشأن”.
علاوة على ذلك، تعاني البلاد من صعوبات اقتصادية، كما أن العديد من المستثمرين الأجانب يخشون من البيروقراطية الزائدة وانتشار الفساد، فضلا عن حدوث عمليات إرهابية جديدة. فمنذ سنة 2011، تراجعت قيمة الدينار التونسي إلى حدود 50 بالمائة، كما بلغت نسبة البطالة 15 بالمائة، مع العلم أن نسبة البطالة في صفوف الشباب قد بقيت مرتفعة للغاية. وبالتالي، بالنسبة للعديد من الأشخاص في المدن الكبرى، لم ينجح الربيع العربي في تحقيق أهدافه، ولعل هذا ما أكده “محمد” حامل الحقائب في المطار، “كان الوضع في عهد بن علي أفضل”.
في تونس، انتشر التطرف خاصة في صفوف الشباب، حيث يقاتل حوالي ستة آلاف تونسي في صفوف التنظيمات المتطرفة
في شأن ذي صلة، قال موظف بنزل يدعى سمير، “ما الفائدة من الحرية، إذا كانت زوجتي لا تقدر على الخروج مع الأطفال إلى الشارع في الليل نظرا لأن الوضع الأمني خطير للغاية؟”. وفي سياق مخالف، أورد الباحث لدى معهد البحر المتوسط ببرلين، أنور بوخارس، “يهدد التفاوت الاجتماعي والجهوي مسار الانتقال الديمقراطي في تونس”.
في تونس، انتشر التطرف خاصة في صفوف الشباب، حيث يقاتل حوالي ستة آلاف تونسي في صفوف التنظيمات المتطرفة، على غرار تنظيم الدولة في كل من سوريا والعراق. وفي هذا الإطار، أوردت الباحثة لدى مركز كارنيغي للشرق الأوسط، سارة يركس، “تواجه تونس خطرين، حيث يتمركز تنظيم الدولة في ليبيا، فيما يوجد تنظيم القاعدة على الحدود الجزائرية”.
الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي (في الوسط) خلال زيارته لجامع الزيتونة خلال شهر رمضان الماضي.
رغم الوضع الصعب، طالب وزير الداخلية الألماني، توماس دي ميزير، منذ أشهر ببناء مركز للاجئين الوافدين من ليبيا في تونس، لكن الحلم الأوروبي بإيواء اللاجئين في تونس سرعان ما تبخر. وحيال هذا الشأن، صرح وزير الخارجية التونسي، خميس الجهيناوي، “لن يتم بناء مركز للاجئين في تونس”.
بغض النظر عما تواجهه تونس، اختارت الحكومة الألمانية هذا البلد كنموذج وقامت بإنشاء المركز التونسي الألماني للإعلام حول الهجرة والتشغيل والاندماج وإعادة الاندماج، الذي يعنى بتأطير الأشخاص الذين قوبلت مطالب لجوئهم بالرفض ومساعدتهم على البحث عن شغل وعلى بعث شركات، علما بأن هذا المركز يعد الأول من نوعه في شمال إفريقيا.
خلال سنة 2016، هاجر حوالي 200 تونسي إلى أوروبا، لكن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى التفاوض مع الحكومة التونسية بشأن اتفاقية تنص على تسهيل إجراءات الفيزا للمواطنين التونسيين على أن تلتزم تونس بالقبول بعودة الأشخاص الذين لا يملكون ترخيصا بالإقامة. ولتيسير سير المفاوضات بشأن الاتفاق، زاد الاتحاد الأوروبي في حجم مساعداته المالية الموجهة للحكومة التونسية لتبلغ حوالي 1.2 مليار يورو بحلول سنة 2020.
في المقابل، تعد مسألة المراقبة والشفافية غاية في الأهمية بالنسبة للأوروبيين. وفي هذا السياق، أفاد المفوض الأوروبي الملكف بسياسة الجوار ومفاوضات التوسع، يوهانس هان، عند زيارته إلى تونس “سنقوم بصفة منتظمة بنشر تقارير بشأن كيفية صرف الأموال والإنجازات التي حققناها. نحن نحتاج للدعم من طرف التونسيين خاصة وأنه لا يمكننا تحقيق المكاسب إلا بصفة مشتركة”.
أعوان شرطة ألمان (بأزياء فاتحة) يراقبون أعوان الحرس الوطني التونسي خلال تدريبات حماية الحدود.
مؤخرا، منح الاتحاد الأوروبي الحكومة التونسية حوالي 23 مليون يورو من أجل تطوير الجهاز الأمني وتدريب القوات الأمنية، فضلا عن تأمين الحدود. عموما، يندرج هذا المشروع في إطار سياسة المراحل التي ستجعل تونس “أكثر صمودا على المستوى السياسي”. كما اقترح هان إبرام اتفاقيتين ماليتين، تتعلق الأولى بمنح حوالي 20.5 مليون يورو من أجل تطوير الإدارة التونسية، وذلك عبر إدخال الحكومة الإلكترونية. من جانب آخر، منح الاتحاد الأوروبي ما يناهز 70.3 مليون يورو لتونس من أجل تحسين القطاع الصحي.
من هذا المنطلق، من المنتظر أن تستفيد المناطق الداخلية في الوسط والجنوب من هذه الأموال، وذلك عبر توفير سيارات الإسعاف للمصحات في هذه الجهات. وفي هذا السياق، قال هان “من المهم أن تتطور كافة الجهات في البلاد التونسية وأن تستقر اقتصاديا”.
تفتقر المناطق الداخلية لكافة مقومات العيش على خلاف العاصمة تونس
حدثنا المستثمر بلعيد عن أسباب التفاوت الجهوي في تونس، علما بأن هذا المستثمر يملك شركة لإنتاج التجهيزات الكهربائية المنزلية. وتقع شركته، التي تشغل 600 عاملا في مقرين، قرب العاصمة التونسية. وقد قام بلعيد باستثمار حوالي ثلاثة مليون يورو، ولكنه لا يفكر في الاستثمار في الجنوب رغم الامتيازات الجبائية.
في هذا الصدد، قال هذا المستثمر “في الجنوب، لا يوجد ميناء أو بنية تحتية جيدة، كما تفتقر مدن الجنوب إلى سلطات مؤثرة. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر تونس العاصمة آمنة مقارنة ببقية المناطق”. وعلى الرغم من أن الغرب يعتبر تونس “منارة العالم العربي”، إلا أن مستقبل البلاد لا يتحدد في العاصمة أو البرلمان، بل في المناطق الداخلية. وبالتالي، إذا لم يستقر الوضع هناك، ستعيش تونس وأوروبا أوقاتا صعبة.
المصدر: فيلت