يمكنك أن تكون ممولاً للجماعات الإرهابية، لا يهم، فذلك لن يمنعك من استخدام إنستغرام لنشر المحتوى الخاص بالجماعات التي تموّلها والدعاية لها، ولن يمنع المنصة من منحك بعض العروض الدعائية لبعض من المنشورات لتصل إلى أعداد أكبر من الجماهير تُقدر بالملايين.
صرحت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية والمرشحة للرئاسية الأمريكية السابقة عام 2015 بأن تنظيم الدولة الإسلامية من أكثر المُجنِدين مهارة حول العالم باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وحثت شركات التكنولوجيا المسؤولة عن إدارة تلك المنصات بتطبيق آلية تحد من قدرة الممولين على تمويل حسابات خاصة بتنظيم الدولة، كما حثتهم على اختراع آلية تنبههم بوجود ذلك المحتوى على المنصة لكي يتم حذفه كما يحدث مع المحتويات الإباحية أو المسيئة.
يختلف وجود أعضاء التنظيم على إنستغرام، إذ يكون أقل رسمية وأكثر لطفًا مع المستخدمين، فيصور الحياة بشكل طبيعي وعادي في دولة “الخلافة الإسلامية”
يوجد أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية بكثافة على منصات التواصل الاجتماعي، يختلف وجودهم من منصة إلى أخرى، فوجودهم على تويتر وفيسبوك يكون بشكل أكثر رسمية وتخويفًا، حيث يتم نشر المحتوى الرسمي للتنظيم، ويتم من خلال حساباتهم إعلان تبني بعض العمليات الإرهابية التي يواجهها العالم، أو نشر محتوى بصري يصور تنفيذهم لبعض العمليات.
يختلف وجود أعضاء التنظيم على إنستغرام، إذ يكون أقل رسمية وأكثر لطفًا مع المستخدمين، حيث يصور الحياة بشكل طبيعي وعادي في دولة “الخلافة الإسلامية”، ويصوّر شخصية أعضاء التنظيم وكأنها لا تختلف عن بقية مستخدمي إنستغرام ولكنها تحتوى على مزيد من الأسلحة والشعارات الدينية فحسب.
لماذا لجأ الجهاديون إلى إنستغرام؟
بعد إعلان “الإرهاب” العدو العالمي الذي يجب أن تتكاتف الدول جنبًا إلى جنب لمحاربته والحد منه والقضاء على كل من ينتمي إلى جماعاته وتنظيماته، أعلنت شركات التكنولوجيا العملاقة أيضًا مثل فيسبوك وتويتر محاربة الإرهاب كذلك، وطبقت آليات الكشف عن المنشورات ذات المحتوى الإرهابي وآليه للتبليغ عن حسابات أشخاص يشتبه في نشاطهم على تلك المنصات بكونه يتعلق بالإرهابيين.
هناك ما يقرب من 50 ألف حساب موجود على إنستغرام له علاقة بالتنظيمات المتطرفة أو الإرهابية بحسب تقارير صحيفة “التايمز” البريطانية
بعد حملة التطهير تلك، حدّ ذلك من نشاط حسابات تنظيم الدولة الإسلامية على منصات مثل فيسبوك وتويتر، مما دفعهم لاختيار منصة جديدة بشكل أكثر ذكاءً وأقل رسمية، لكي لا يواجهوا حملة تطهير أخرى من منصة إنستغرام، حيث اعتبرت صحيفة “التايمز” ذلك بمثابة هجرة للمتطرفين والجهاديين من حملات التطهير التي واجهوها على يوتيوب وفيسبوك ليجدوا منصة أكثر ترحيبًا بهم وهي إنستغرام.
هناك ما يقرب من 50 ألف حساب موجود على إنستغرام له علاقة بالتنظيمات المتطرفة أو الإرهابية بحسب تقارير صحيفة “التايمز” البريطانية، حيث يستغل أصحاب تلك الحسابات خاصية القصص اليومية على منصة إنستغرام “Stories” مستغلين اختفاء محتواها بعد 24 ساعة من نشره، وعليه فإنهم ينشرون محتويات دعائية وتسويقية للتنظيم، تسعى لتكون أداة فعالة لتجنيد مزيد من الأعضاء.
تقول “آندريا ستروبا” لـ”آسوشيتد بريس“، وهي واحدة من فريق البحث في التحليل الإحصائي لحسابات الجماعات المتطرفة والإرهابية على إنستغرام بأن هناك عشرة آلاف حساب من إجمالي 50 على علاقة وطيدة بتنظيم الدولة الإسلامية، فهم يستخدمون خاصية القصص اليومية (Story) لنشر محتواهم المتطرف باعتبارها وسيلة آمنة لنشر محتوى كهذا ضمن خطة التنظيم لتجنيد مزيد من الأعضاء.
هذا من ضمن المنشورات على منصة إنستغرام من أحد أعضاء تنظيم الدولة يصور شعار التنظيم أو كما يطلقون عليه “علم الخلافة” مع مجموعة من الحلوى ويكتب صاحب الحساب اقتباسًا تحت الصورة قائلًا: “لا فرق بين الناس في الإسلام بغض النظر عن مستوى كل شخص في تقواه، وأنا أكره أن تكون العنصرية معيارًا ثقافيًا في عصرنا الحديث، فمن الصعب التعايش مع كل من يدافع عن مبادئ كتلك في هذه الأمة، فلن تنفعنا جنسيتنا ولا لون جلدنا في يوم البعث في النهاية”، ويختم كلامه في النهاية بعلامة التوحيد التي يستخدمها أغلب أعضاء التنظيم.
منصة إنستغرام المملوكة لفيسبوك تتوعد الحسابات الإرهابية
المنشور يبدو وكأنه مكتوب من شخص عادي يعاني من العنصرية ويكرهها ويعبر عنها بكلمات بسيطة مع بعض التعبيرات الدينية ومن ثم بصورة لطيفة تحتوي على العلم وبعض الحلوى، هذا المنشور يمثل الدعوة للتنظيم بشكل غير مباشر، أقل رسمية من طريقة الدعوة على فيسبوك وتويتر وأكثر لطفًا ليناسب جمهور إنستغرام العريض.
في يوم الأربعاء الماضي خرج بيان رسمي من منصة إنستغرام نفسها يقول إنه لن يكون هناك مكانًا للبروباجندا المتطرفة على منصة إنستغرام، ولن يكون هناك فرصة للسماح بتمويل محتويات كتلك على المنصة، وبمجرد أن تصبح المنصة واعية بوجود حسابات بعينها تعمل على ترويج محتوى إرهابي أو له علاقة بالجماعات المتطرفة أو الإرهابية، فإنها ستعمل بجد لإزالته وحجبه كليًا.
اعتمدت المنصة المملوكة في الأساس لشركة فيسبوك خطة برمجية لمعرفة المنشورات التي تحتوى على محتوى عنيف أو مروّج للأفكار المتطرفة والإرهابية، وعليه ستعتمد آلية للتبليغ عنها وإزالتها وحجبها بشكل أتوماتيكي بنفس الطريقة التي اعتمدتها شركة فيسبوك بعد اتهامها بمساعدة المحتوى الإرهابي على الانتشار.
محتويات مضللة
يستخدم أعضاء التنظيم تطبيقات أخرى تعتمد على الرسائل المشفرة، لإرسال منشورات دعاية بينهم وبين بعض وتنظيم بعد اللقاءات بينهم وبين الأعضاء الآخرين، مثل تطبيق تيليجرام ذو خاصية الرسائل المشفرة
يقول نايل دويل المتخصص في التطرف الإسلامي لصحيفة “التايمز”: “إنستغرام يعد وسيلة مثالية وآمنة بعض الشيء للدولة الإسلامية لدعم حملات البروباجندا التي تقوم بها، مثل نشر صور حصاد موسم زراعي أو إصلاح عطل كهربائي أو تأهيل طرقات، كما تلك المتعلقة بنشر صور مقاتلين خلال المعركة أو إعدامات جماعية، كل ذلك لإظهار أن الأمور تجري بشكل طبيعي في الدولة الإسلامية التي تهتم بشؤون من يخضعون لسيطرتها وتدافع عنهم، فتكون الصورة مضللة وكأنها تُظهر الجنة على الأرض.
لا تكون المحتويات دعائية أو تسويقية فحسب، بل تعمل أيضًا على الربط بين أعضاء الجماعة أنفسهم، وخصوصًا الموجودين في البلاد الغربية، فكما نقلت “التايمز” عن مركز أبحاث متخصص قوله إن البروباجندا الجهادية على وسائل التواصل هي الأكثر فعالية في بريطانيا، إذ نشر أحد الأشخاص في بريطانيا قصة أو (Story) على إنستغرام يدعو فيها المناصرين للتجمع لحلقة نقاش في “هايد بارك”.
تزامن لجوء التنظيمات المتطرفة إلى انستغرام مع التحذيرات المتزايدة التي أطلقها المسؤولون أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في الأيام الماضية، حيث طالت التحذيرات شركات التواصل الاجتماعي وتكنولوجيا المعلومات الكبرى مثل فيسبوك جوجل
كما يستخدم أعضاء التنظيم تطبيقات أخرى، تعتمد على الرسائل المشفرة، لإرسال منشورات دعاية بينهم وبين بعض وتنظيم بعد اللقاءات بينهم وبين الأعضاء الآخرين، مثل تطبيق تيليجرام ذو خاصية الرسائل المشفرة، وهو التطبيق الذي أزال 9 آلاف قناة مرتبطة بتنظيم “داعش” خلال شهر أغسطس/آب فقط، وتطبيق سناب شات أيضًا حيث يختفي محتواه ورسائله بعد 24 ساعة من إرسالها.
تحذيرات عالمية
تزامن لجوء التنظيمات المتطرفة إلى انستغرام مع التحذيرات المتزايدة التي أطلقها المسؤولون أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في الأيام الماضية، حيث طالت التحذيرات شركات التواصل الاجتماعي وتكنولوجيا المعلومات الكبرى مثل فيسبوك جوجل وغيرهما، والتي باتت ملزمة بإزالة التطرف من محتوياتها خلال ساعتين، وتقع تحت طائلة دفع غرامات كبيرة في حال فشلها.
على الرغم من التحذيرات العالمية ومحاولات إنستغرام تعقب وتتبع محتويات الحسابات المتطرفة، فالمنصة ما زالت تقع في فخ العديد من المنشورات التي قد تبدو عادية إلا أنها تحمل في فحواها مظاهر الحياة تحت سيطرة داعش، وهو ما يدفعنا للتفكير بأن ربما الحل الوحيد لمشكلة “البروباجندا الجهادية” على منصات التواصل الاجتماعي يكمن في الناس وليس في أدوات التعقب، حيث يمكن الاعتماد على مجتمعات مواقع التواصل الاجتماعي في التبليغ عن أي محتوى متطرف، إلا أن هذا يوقعنا في معضلة “ما المحتوى المتطرف أصلًا”؟ ونسبيته من فكر إلى فكر ومن ثقافة إلى ثقافة، فصورة عضو من داعش يحمل سلاحه تعتبر محتوى متطرف، فهل ستُعتبر صورة صبي يقاوم الاحتلال الإسرائيلي متطرفة هي الأخرى؟