أطلق مؤسس فيسبوك مارك زوكربيرغ يوم الخميس الماضي أحدث فيديوهات فيسبوك بعد عودته من عطلته من العمل، وكما هو الحال في كل مرة يخرج بها مؤسس فيسبوك معلنًا عن سياسات جديدة تتخذها أكبر منصة في العالم لتحسين خدمتها وتخدم هدفها الأصلي وهو جعل المستخدمين من حول العالم أكثر تواصلًا ببعضهم البعض، إلا أن فحوى الفيديو الأخير كان مختلفًا، فكان بمثابة إعلان بداية فيسبوك لردع الحكومات والأطراف السياسية من استخدام أهم منصة تواصل في العالم لخدمة مصالحها السياسية.
لقد بدا الرئيس التنفيذي للشركة مارك خائفًا بعض الشيء في بثه المباشر على فيسبوك بخصوص إعلانه خطوات فيسبوك الجديدة حيال الإعلانات السياسة، أو هكذا وصفه الصحفيّون المهتمون بالتكنولوجيا أو المدوّنون المهتمون بأخبار شركات التكنولوجيا العملاقة، ولم لا يكون خائفًا، فالشركة التي بناها طوال 13 عامًا لتصبح أكبر وأهم منصة تواصل في العالم تواجه الآن أكثر شيء يخاف منه مجلس إدارة الشركة، وهو التنظيمات الحكومية.
انقسم الشعب الأمريكي بشأن تكليف تحقيق خاص للتأكد من تلاعب روسيا بنتائج الانتخابات الأمريكية من خلال أدوات موقع فيسبوك عن طريق شراء بعض الإعلانات الترويجية، فكان أكثر الناس معارضة لتعيين تحقيق خاص في المسألة هو الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب الذي أدلى بتصريحات لقنوات مثل سي إن إن وسي إن بي سي بأنه ليس من العدل التغاضي عن كل المخالفات التي قامت بها المرشحة هيلاري كلينتون، وأن تشكيل لجنة خاصة للتحقيق في أمر تلاعب فيسبوك بنتائج الانتخابات بمثابة أكبر حملة اضطهاد لشخصية سياسية في الولايات المتحدة.
فيسبوك يُسلم 3000 إعلان للكونغرس الأمريكي
تعالت الأصوات المتهمة فيسبوك بالتلاعب بالانتخابات مستغلًا أدواته البرمجية عام، فكان من ضمن الاتهامات الموجهة لروسيا استغلال منصة فيسبوك بالتعاون مع الشركة للتلاعب بالانتخابات الأمريكية عام 2016، وعليه أعلن مارك زوكربيرغ تسليم الشركة للكونغرس الأمريكي نحو ثلاثة آلاف إعلان سياسي نُشر على شبكتها الاجتماعية في الولايات المتحدة خلال موسم الانتخابات الأمريكية عام 2016، واتضح أنه تم شراؤها من خلال حسابات روسية.
أقرت شركة فيسبوك بأن روسيا وجهات أخرى استغلت خدمات موقعها للتلاعب بنتائج انتخابات بعض الدول الغربية، والتي كان آخرها الانتخابات الفرنسية والألمانية التي تجري حاليًا، في حين يأتي هذا الاعتراف بعد اتهامات في أمريكا لروسيا مسبقًا بالتدخل بالانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة.
تحدث زوكربيرغ في
“>بثّه المباشر يوم الخميس الماضي مشيرًا إلى أن منصة فيسبوك تدافع عن مبادئ الديموقراطية، ولا ترغب أبدًا في استغلال بعض الأشخاص أدوات الموقع لتهديد تلك المبادئ أو التلاعب بها، حيث تعهد بالعمل الجاد مع فريقه للحد من تدخل الحكومات في نتائج الانتخابات، ويزعم أن يجعل فرصة تدخل الحكومات فيها من خلال منصته أكثر صعوبة في المستقبل.
لا أستطيع أن أعدكم بأن فريق فيسبوك سيستطيع منع تدخل الحكومات والهيئات السياسية نهائيًا من التلاعب بالانتخابات من خلال فيسبوك، ولكنني أستطيع أن أعدكم أن الفريق سيجعل من ذلك الأمر شديد الصعوبة
9 خطوات أعلنها زوكربيرغ عن سياسته الجديدة
حديث “مارك زوكربيرغ” كاملًا
الأولى عن استمرارية فيسبوك بالتعاون مع الحكومة الأمريكية في التحقيقات التي ما زالت جارية عن تدخل روسيا في التلاعب بنتائج الانتخابات الأمريكية الأخيرة، وهو الأمر الذي استغرق فيه فيسبوك العديد من الشهور لمساعدة الحكومة الأمريكية في التحقيقات، والتي لم تكشف وجود حسابات وهمية روسية اشترت بعض الإعلانات الترويجية في أثناء الانتخابات، ولكن كان هناك بالفعل بعض الإعلانات التي تم شراؤها من حسابات لها علاقة بحسابات روسية أو من الحسابات الروسية نفسها، وهي التي أخطر مارك زوكربيرغ الكونغرس الأمريكي بها وسلمها بتقريره في التحقيقات الجارية.
شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة لها دور رئيسي كونها “جماعات الضغط” “Lobbying” الجديدة في حكومة الرئيس دونالد ترامب
في حديثه المباشر أشار زوكربيرغ إلى عدم إمكانية نشر كل المعلومات الخاصة بنتائج التحقيقات الجارية بشأن مسألة التدخل الروسي في الانتخابات، فهو غير مصرح له نشر كل النتائج للعامة، إلا أنه يثق في قدرة الكونغرس الأمريكي على ذلك، ويثق في قراره وقدرته على نشر تلك المعلومات بشكل علني وعام في الوقت المناسب.
استمرارية تحقيق فيسبوك نفسه
سيتابع فيسبوك تحقيقه الخاص بشأن ما حدث بالضبط على منصته في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، وهي تحقيقات خاصة بفيسبوك وحده ومحايدة عن الحكومة الأمريكية، إلا أن مارك يعد بالتعاون الكامل مع الحكومة الأمريكية والكونغرس الأمريكي في حالة وجود مزيد من النتائج من تحقيقات فيسبوك التي تتضمن فرق أجنبية من بينها روسية، بالإضافة إلى الحملات الانتخابية لكي يفهم فريق فيسبوك كيفية استخدام أدواته للتلاعب بنتائج الانتخابات.
انقسم الشعب الأمريكي بشأن تكليف تحقيق خاص للتأكد من تلاعب روسيا بنتائج الانتخابات الأمريكية من خلال أدوات موقع فيسبوك عن طريق شراء بعض الإعلانات الترويجية، فكان أكثر الناس معارضة لتعيين تحقيق خاص في المسألة الرئيس دونالد ترامب
شفافية الإعلانات السياسية على فيسبوك
يرى مارك زوكربيرغ أن خطوة شفافية الإعلانات السياسية على فيسبوك من أهم الخطوات للحد من التدخل الدولي للحكومات والأحزاب في ديموقراطية بعض الدول، حيث سيسعى فيسبوك لجعل شراء الإعلانات السياسية تحت سيطرة ميكانيكية تتميز بالشفافية، حيث يستوجب من الآن فصاعدًا كشف حقيقة الممول الرئيسي لشراء الإعلان سواء كان شخصًا أو هيئة أو صفحة على فيسبوك، بالإضافة إلى إعلان فيسبوك نفسه عن الصفحة الممولة كونها صفحة إعلانية يمكن للمستخدمين زيارتها ومشاهدة إعلاناتها الأخرى لجمهور فيسبوك.
النقطة الأخيرة تبدو مربكة بعض الشيء، إذ إن شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة لها دور رئيسي كونها “جماعات الضغط” “Lobbying” الجديدة في حكومة الرئيس دونالد ترامب، حيث أوضحت بعض التقارير الفيدرالية الأخيرة حجم تبرعات شركات التكنولوجيا مجتمعة ومنها جوجل وأمازون في تقرير مصير بعض القوانين الفيدرالية الإصلاحية، والتي من بينها قانون الهجرة على سبيل المثال، تُقدر بـ10 ملايين دولار خلال الشهور الثلاث الماضية.
يرى مارك زوكربيرغ أن خطوة شفافية الإعلانات السياسية على فيسبوك من أهم الخطوات للحد من التدخل الدولي للحكومات والأحزاب في ديموقراطية بعض الدول
فكرة الكشف عن هوية الصفحات أو الجهات الإعلانية وتوجيه المستخدم لرؤية الإعلانات الأخرى التي تنشرها تلك الصفحات أو الهيئات لا يعني في المقام الأول الشفافية فحسب، بل يعني أن فيسبوك شركة تسويقية بحتة وعلى استعداد أن تبقي المستخدم راضيًا عن الخدمة التي يتلقاها، وأن تدخر ربحًا من الإعلانات التي يراها المستخدم في الوقت ذاته، وعلى استعداد أيضًا أن تجعل المنافسة قوية ومفتوحة.
التحكم في مبيعات الإعلانات
في البداية لا يتحكم فيسبوك في أي محتوى يتم نشره وترويجه لمعرفة ما إن كان مسيئًا أم لا، بل سُيراعي حقوق النشر وعدم سرقته من محتويات أخرى، إلا أنه لن يتحكم في المحتوى وطريقة البيع، ولم يفصح فيسبوك عن معلومات أكثر بشأن كيفية تحكم فيسبوك في المحتوى وطريقة البيع، إلا أنه أكد أنه لن يستطيع السيطرة على كل محتوى مسيء ولكنه سيعمل جاهدًا على جعل إمكانية نشره أمرًا صعبًا.
فكرة الكشف عن هوية الصفحات أو الجهات الإعلانية وتوجيه المستخدم لرؤية الإعلانات الأخرى التي تنشرها تلك الصفحات أو الهيئات لا يعني في المقام الأول الشفافية فحسب، بل يعني أن فيسبوك شركة تسويقية بحتة
مزيد من الأمان.. قليل من تدخل الحكومات
يزعم زوكربيرغ التركيز في خطة عمل فيسبوك القادمة على دعم الأدوات الخاصة بمزيد من الأمان على المنصة، لا سيما حيال مسألة التدخل والتلاعب بالانتخابات، حيث قرر مضاعفة عدد الموظفين العاملين في تلك المجالات من مختلف الفرق، وذلك بإضافة 250 موظفًا إضافيًا.
ربما يحاول فيسبوك الحد من تدخل الحكومات في الانتخابات على منصاته المختلفة، إلا أنه سيقوم بذلك بمزيد من الشراكة بينه وبين لجان الانتخابات حول العالم، حيث يعمل فيسبوك بالفعل على مساعدة مستخدميه للوصول إلى لجان انتخابهم والاطلاع على التصويت الإلكتروني ومعرفة المزيد عنه، إلا أنه سيعمل على تخصيص قناة معينة تخطر لجان الانتخابات بالمخاطر الرقمية التي سيُحددها فريق عمل فيسبوك.
حثّ مارك زوكربيرغ شركات التكنولوجيا الأخرى وبالأخص تلك التي تمتلك تطبيقات للتواصل ونشر المعلومات على التعاون جنبًا إلى جنب مع مساعي فيسبوك للحفاظ على سلامة وأمان الديموقراطية بحسب كلامه، فبحسب رأي مارك فإن من يستغل أدوات فيسبوك للعبث بديموقراطية العملية الانتخابية، سيعبث أيضًا بأدوات المنصات الأخرى.
هذا يعود بنا إلى كون شركات التكنولوجيا العملاقة أكثر جماعات الضغط المنفقة للأموال في الولايات المتحدة الأمريكية، وتشجيع مارك زوكربيرغ لهم ليكونوا جنبًا إلى جنب معه في مسعاه لحماية الانتخابات ودعم الشراكة بينهم وبين لجان الانتخاب لا يتسم بكثير من الشفافية كما يتحدث مارك.
يحاول فيسبوك الحد من تدخل الحكومات في الانتخابات على منصاته المختلفة، إلا أنه سيقوم بذلك بمزيد من الشراكة بينه وبين لجان الانتخابات حول العالم
بدأت خطة مارك زوكربيرغ الجديدة مع الانتخابات الألمانية الحالية وأصبحت قيد التفعيل، وبدأ فيها فريق عمل فيسبوك بمراقبة نزاهة الانتخابات على منصته، والتخلص من الحسابات الوهمية ومراقبة الإعلانات السياسية.
يعترف مارك زوكربيرغ في نهاية حديثه بدور فيسبوك الديناميكي شديد الأهمية في أي انتخابات ستحدث بعد الآن، لا سيما بعد ظهور دوره المحوري في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، والتي أظهرت اندماجًا كبيرًا وتفاعلًا واسعًا بين المرشحين وجمهورهم الرقمي من مستخدمي المنصة على نطاق واسع لم يحدث من قبل في التاريخ، ولهذا يجد مارك أن من واجب المنصة حماية تلك الانتخابات أيضًا، ولكن ليس من الواضح إلى الآن في مصلحة من ستصب حماية فيسبوك للانتخابات.