منذ نكبة التهجير الفلسطينية عام 1948، وويلاتها القاسية والحسرة الملاصقة لملايين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن وجودهم حول العالم، تواصل سلطات الاحتلال دون كلل أو ملل التضييق عليهم، وتحاول بكل الطرق إضاعة حقهم في العودة للوطن الذي بات حلمًا مزعجًا لدولة الاحتلال ويُشكل عبئًا ثقيلاً عليها.
“إسرائيل” ورغم فشلها طوال السنوات الماضية في شطب وتغييب “حق عودة اللاجئين الفلسطينيين”، في المحافل الدولية والإنسانية، اليوم بدأت تلعب بأوراق أخرى لقتل الشاهد الوحيد المتبقي على نكبة التهجير وهو وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”.
الخطة الإسرائيلية الجديدة التي يتم العمل بها في الخفاء وبالتعاون مع دول أوروبية أخرى، تهدف إلى تغيير واقع عمل “الأونروا”، من خلال نزع الصفة عنها كجهة دولية مختصة بمعالجة “قضايا اللاجئين فقط”، في محاولة لوقف عملية توريث صفة لاجئ.
تفاصيل المخطط الخطير
ومنذ أشهر بدأت وكالة الغوث بتطبيق جزء من تلك الخطط داخل مؤسساتها العاملة في المناطق الفلسطينية وبالأخص في قطاع غزة، وهو الأمر الذي دفع الرئيس محمود عباس للتحذير من الأمر في خطابه الأخير في الأمم المتحدة.
وغيرت “الأونروا” من خططها الخاصة بعمليات التوظيف الجديد في مؤسساتها العاملة في قطاع غزة، وذلك من خلال فتح الباب بشكل أكبر أمام توظيف “غير اللاجئين”، وعينت في غزة بإسناد ودعم من قبل مسؤولين أجانب كبار يشرفون على عملها في القطاع، موظفين جددًا يعملون في حقل التعليم من فلسطينيين لا يحملون “صفة لاجئ” من قطاع غزة، إضافة إلى تعيين آخرين بوظائف إدارية أخرى، حيث لوحظ زيادة العدد هذا العام بشكل كبير.
وتحظر الأونروا على موظفيها الإدلاء بأي تصريحات للصحافيين، كما نفذت مؤخرًا خطة قيدت من إبداء موظفيها لآرائهم عما يجري من حولهم، على مواقع التواصل الاجتماعي، ولجأت لمعاقبتهم من خلال إنذارهم بالفصل، وخصم جزء من رواتبهم، وهو أمر حال دون قدرتهم حاليًا على انتقاد السياسات الجديدة لهذه المنظمة الدولية.
وفي تفاصيل الملف، يتضح أن الخطة الأولية التي أعلنها مؤخرًا رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ونادت بحل “الأونروا” وإنهاء عملها بشكل كامل وإلحاق اللاجئين الفلسطينيين بالمفوضية العامة للاجئين في العالم، باءت بالفشل، كون أنظمة المفوضية تقضي بإعادة اللاجئين إلى أوطانهم التي هجروا منها، مما دفع “إسرائيل” إلى توجه جديد، تعمل حاليًا على تمريره من خلال الضغط على الأمم المتحدة، ويقوم بالأساس على وقف عملية “توريث صفة اللاجئ”، بحيث يتساوى أطفال اللاجئين الجدد مع غيرهم من الفلسطينيين ممن لا يحملون هذه الصفة مستقبلاً، في خطوة تهدف إلى إنهاء الملف تمامًا.
تعاني الأونروا من أزمة مالية كبيرة منذ أعوام، وباتت تهدد مجمل خدماتها، حيث يقدر العجز بـ126 مليون دولار حتى نهاية العام الحاليّ فقط
وقد ظهر فشل حل الأونروا حين لم تتمكن أحزاب يمينية أوروبية من تمرير طلب بحل “الأونروا” في البرلمان الأوروبي قبل أيام، مما دفع “إسرائيل” ومناصريها بعد تأكد عدم قدرتها على تمرير هذه الخطة، لبدء اللعب بأوراق الخطة الجديدة، القائمة على إلغاء “توريث صفة اللاجئ”، التي تحتاج إلى وقت من أجل تطبيقها.
وتعاني الأونروا من أزمة مالية كبيرة منذ أعوام، وباتت تهدد مجمل خدماتها، حيث يقدر العجز بـ126 مليون دولار حتى نهاية العام الحاليّ فقط، فيما لا تعاني باقي مؤسسات الأمم المتحدة العاملة في العالم من مثل هذا العجز، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلات مشروعة، تؤكد وجود مخطط تقوده دول وجهات متنفذة في العالم، تهدف في النهاية إلى تغيير مهام “الأونروا”، وهو أمر لم تخفه القيادة الفلسطينية، وعبرت عنه خلال الأسابيع الماضية أكثر من مرة، آخرها في خطاب الرئيس عباس في الأمم المتحدة الأربعاء الماضي.
وكان الرئيس عباس قد ناشد في خطابه المجتمع الدولي لمواصلة تقديم الدعم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، حتى تتمكن من الاستمرار في تقديم خدماتها الإنسانية، وحذر من محاولات تغيير مهام الوكالة وأنظمتها، كما حذر من شطب البند السابع في مجلس حقوق الإنسان.
الشاهد الحي
عصام عدوان، مسؤول دائرة اللاجئين في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، حذّر من خطورة المخططات التي تقودها “إسرائيل” وبعض الدول الأوروبية لإنهاء عمل “الأونروا” بشكل كامل، والتنصّل من مهامها في غوث وتشغيل ملايين اللاجئين الفلسطينيين.
عدوان قال إن ” قضية اللاجئين تُشكّل خطرًا كبيرًا على بقاء دولة الاحتلال”، مشيرًا إلى أن الأونروا تمرّ بمرحلة خطيرة للغاية، خاصة في ظل التحرك ضدها، وتأثرها بالضغوطات الإسرائيلية والخارجية.
أكد منسق اللجنة المشتركة للاجئين محمود خلف أن محاولات “إسرائيل” ضد وكالة الغوث تندرج ضمن مخطط خبيث لإنهاء عمل الأونروا بجعل اللاجئين الفلسطينيين تابعين للمفوضية السامية العامة للاجئين
ويفسر عدوان تصريحه بالقول إن الأونروا بدأت بتقليص الخدمات التي تقدمها للاجئين، خاصة داخل الأراضي الفلسطينية من خلال منع التوظيف داخل مؤسساتها، تماشيًا مع سياسة شطب حق العودة، وهو ما تسعى إليه “إسرائيل”. ويضيف: “حل الأونروا في الوقت الحالي يعني ضياع حق العودة، وتنصّل العالم أجمع من كل التزاماته الإنسانية والسياسية تجاه اللاجئين الفلسطينيين”.
بدوره، أكد منسق اللجنة المشتركة للاجئين محمود خلف أن محاولات “إسرائيل” ضد وكالة الغوث تندرج ضمن مخطط خبيث لإنهاء عمل الأونروا بجعل اللاجئين الفلسطينيين تابعين للمفوضية السامية العامة للاجئين.
واعتبر خلف أن نزع صفة اللاجئ من الفلسطيني تعد محاولات بائسة، مستدركًا بالقول: “الأمم المتحدة أوجدت الأونروا وفقًا للقرار 302، وهي الجهة الوحيدة المخولة بحلها”.
وبشأن عمل “إسرائيل” بصمت لإنهاء الأونروا من خلال تقليص ميزانيتها وتوظيف غير اللاجئين، أكد خلف أنها “جدّية في توجهاتها بهذا الشأن، وتحاول الترويج للأمر عبر البرلمان الأوروبي، رغم فشل مساعيها في ذلك حتى الآن”.
من جانبه، أكد الدكتور مازن أبو زيد مدير عام المخيمات بدائرة شؤون اللاجئين بمنظمة التحرير الفلسطينية بقطاع غزة، فشل الضغوطات الإسرائيلية كافة التي تطالب بوقف عمل الأونروا ومنع توريث صفة اللاجئ للفلسطينيين، مشددًا أن صفة اللاجئ حق وطني ثابت وشرعي، لا مجال للشعب للفلسطيني التنازل عنها، إلا حين العودة لأراضيهم المحتلة.
تبرر الأونروا التي تقدم خدماتها لنحو 6 ملايين لاجئ فلسطيني في خمس مناطق، قرارات التقليص الأخيرة التي طالت اللاجئين في الأراضي الفلسطينية والشتات بالقول إن الدول المانحة خفضت من الدعم المقدّم لوكالة الغوث
وشدد أبو مزيد على بذل الدائرة واللجان الشعبية وكذلك السلطة الفلسطينية جهودًا حثيثة من أجل بقاء عمل الأونروا بالأراضي الفلسطينية، مشيرًا إلى تواصل الدائرة مع جامعة الدول العربية ومختلف دول العالم ؛ من أجل جلب دعم مادي للأونروا لضمان استمرار عملها وتقديم خدماتها لكافة اللاجئين بقطاع غزة والدول التي تستضيفهم.
ولفت إلى أن الأونروا الشاهد الحي والوحيد على قضية اللاجئين، والتي تأسست بعد أشهر من حدوث النكبة عام 1948 بقرار رقم 302 من الأمم المتحدة، من أجل إغاثة وتشغيل اللاجئين، مبينًا أن اللاجئ هو كل فلسطيني يقيم في فلسطين المحتلة قبل عام و48 وبعد حدوث النكبة وكل ما يمت لهم من أبناء وأحفاد بصلة مستقبلاً.
وتبرر الأونروا التي تقدم خدماتها لنحو 6 ملايين لاجئ فلسطيني في خمس مناطق، قرارات التقليص الأخيرة التي طالت اللاجئين في الأراضي الفلسطينية والشتات بالقول إن الدول المانحة خفضت من الدعم المقدّم لوكالة الغوث.
والأونروا هي إحدى الوكالات التابعة للأمم المتحدة، تم إنشاؤها من قبل الجمعية العمومية عام 1949 وولايتها تقديم العون والحماية للاجئين الفلسطينيين الذين يصل تعدادهم إلى نحو خمسة ملايين لاجئ مسجل، وتشمل مهمة الأونروا مساعدة اللاجئين الفلسطينيين في الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة من أجل تقديم أقصى ما يمكن تقديمه في التطور الإنساني حتى إيجاد حل عادل لمحنتهم.